حمدوك والانتقال إلي الديمقراطية المستدامة

 


 

 

أن قضية الانتقال إلي الديمقراطية المستدامة لا تنحصر فقط في دور السلطة الانتقالية، أنما هي عملية سياسية واسعة تحتاج لمجهودات كبيرة، و مشاركة واسعة من قبل الجماهير المؤمنة بقضية الحرية و الديمقراطية، و من المفترض أن تكون هذه مهمة الأحزاب في الفترة الانتقالية، و تمارس الأحزاب العمل الجاد و النشاط المتواصل وسط الجماهير بهدف توعيتها بحقوقها و واجباتها، و أيضا بالدور الذي يجب أن تلعبه من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية في المجتمع، و عملية التحول الديمقراطية تحتاج للتوافق الوطني بين جميع القوى السياسية، لأنها تحتاج إلي إنتاج متواصلة للثقافة الديمقراطية التي تحل محل الثقافة الشمولية التي خلفها نظام الشمولي السابق. فالحكومة الهدف منها أن تسهم في تهيئة البيئة المساعدة على الحوار الوطني بين المجموعات المختلفة، و أيضا توفير سبل العيش الكريم للمواطنين، أن معاناة المعيشة تعد خصما من عملية البناء الديمقراطي، لأنها تأخذ جانب كبير من تفكير الناس في كيف الحصول علي معاشهم. و أيضا ه تتطلب من الأحزاب السياسية أن تخرج من أسوار دورها إلي قيام الندوات السياسية في الهواء الطلق، لكي تخلق أجواء الحوار المطلوبة و تغيير طبيعة التفكير التي خلفها النظام السابق.
في الأسبوع الماضي التقى رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك برئاسة مجلس الوزراء بممثلين من لجان المقاومة من مختلف التنسيقيات والمناطق والأحياء بولاية الخرطوم ،لمناقشة مبادرة رئيس الوزراء (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال) و أن اللقاء يعد خطوة إيجابية بهدف الحوار حول المبادرة و كيف الارتقاء بها و البحث عن آليات تنفيذها. لكن قبل كل ذلك تحتاج إلي الاستعداد النفسي و قوة الإرادة لجعلها واقعا علي الأرض، و أول احتياجاتها أن تكون الصدور واسعة لتقبل خلافات الرآي، و الأذهان مفتوحة حتى يستقبل الحوار أراء موضوعية بعيدا عن الشعارات التي تتناقض مع شروط الديمقراطية، كما أن الأثنين معا ينقلان الناس إلي مربعات جديدة تنعدم فيها المشاحنات و أدوات العنف إلي أدوات ناعمة يكون العقل محورها. و يكون هناك استعدادا عند الكل أن الوصول لتوافق وطني يجبر الكل أن يقدم تنازلات بهدف الوصول لمحطات مشتركة. و أن التحولات من نظام شمولي إلي الديمقراطية يحتاج إلي مزيد من المعرفة و الإنتاج الفكري، حيث تتراجع العديد من الشعارات السالبة لكي تحل محلها شعارات جديدة تتلاءم مع مرحلة التوافق الوطني و ترسخها في المجتمع.
أكد حمدوك في حديثه مع لجان المقاومة "أن المبادرة ملك للشعب السوداني وتهدف لتحصين الانتقال والمُضي بالبلاد لنهايات تساعد على خلق نظام ديمقراطي مستدام. وأكد رئيس مجلس الوزراء أن ثورة ديسمبر المجيدة شكلت فرصة لخلق مشروع وطني متوافق عليه ووضع البلاد في الاتجاه الصحيح." ثورة ديسمبر وضعت الأرضية التي يجب أن يؤسس عليها الانتقال الديمقراطي " وحدة – سلام – عدالة" و هي القاعدة التي تتفق معها كل الشعارات و منطلقات كل التيارات الفكرية، و الخروج علي الشعار و التحايل عليه هو خيانة للثورة، و معلوم أن القوى السياسية تتصارع كل يريد أن يفهم الشعار وفقا للرؤية الحزبية، و يريد تطبقه بالصورة التي ترضي عضويته الحزبية، لذلك هو نفسه مجال حوار سياسي و مجتمعي لكي تصل فيه القوى السياسية لمحطات مشتركة. لكن الغريب في الأمر أن السلطة الانتقالية تهمل أهم ركن في الشعار هي العدالة، و الأهمال مرتبط مع سبق الاصرار حيث تتجاهل تشكيل مؤسسات العدالة مجلسي القضاء و النيابة، حتى تخرج المؤسسة تماما من قبضة السلطة التنفيذية. فالذي يفكر في عملية الانتقال الديمقراطي المستدامة يجب أن يكون حريصا علي عملية الفصل بين السلطات الثلاث بشكل عملي، و ليس مقولات نظرية ليس لها علاقة بالواقع.
فشل حمدوك في تمتين علاقته بالشارع، و أصبح أكثر حرصا علي الحاضنة السياسية التي حكم عليها بالتشظي و الخلافات ألا محدودة بين مكوناتها، و كان عليه أن يراهن علي الشارع الذي أعطاه تأييد موقع علي صك علي بياض، لكن للأسف أن رئيس الوزراء لم يراهن علي هذا التأييد. و جاء بمبادرته التي شرح فيها أسباب أخفاقات سلطته في تحقيق مطلوبات الفترة الانتقالية وأوضح د. حمدوك "أن المبادرة تضمنت سبعة محاور رئيسة، شملت إصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية، قضايا العدالة الانتقالية بمفهومها الشامل، السلام، الاقتصاد، تفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن، السياسة الخارجية، المجلس التشريعي." يطرح هنا سؤلا مهم تفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن ماذا تعني دولة الوطن؟ و أيضا أصحاب دولة الحزب الواحد يسمونها دولة الوطن، مهم جدا تعريف المصطلح في عملية التحول. كان الأفضل استخدام " لمصلحة التعددية السياسية" حتى تدل علي الديمقراطية. خاصة أن عملية تمديد الفترة الانتقالية تسيطر علي عقول العديد من القيادات السياسية. و مطلوب تحديد المصطلح المطلوب هو عملية التحول الديمقراطي. و هل دولة الوطن جاءت مقصودة أم غفلة من رئيس الوزراء.
وقال رئيس مجلس الوزراء " إن حماية الانتقال وتحصينه تتطلب النظر لقضايا الوطن الكبيرة، مؤكداً أهمية دور لجان المقاومة في حماية الثورة وتحصين الانتقال. وأضاف مخاطباً لجان المقاومة “حافظوا على هذا الدور”. السؤال المهم ما هي الأجندة المطلوبة لحماية الانتقال و تحصينه؟ بالضرورة هي أجندة سياسية يجب أن يكون متفق عليها بين القوى السياسية. لكن المشكل في الأزمة السياسية أن الأحزاب السياسية فشلت في وضع هذه الأجندة الوطنية، و غيرتها إلي أجندة حزبية تخدم المصالح الحزبية الضيقة خاصة قضية " المحاصصة" و أيضا رئاسة الوزراء هي أيضا تخدم الأجندة الضيقة عندما تحتكر الوظائف العليا للخدمة المدنية و توزعها بعيدا عن معايير العدالة، و تذهب أيضا لمحاصصات ليست بعيدة عن خدمات بعض القوى السياسية، جميعها سوف تؤثر سلبا علي المبادرة. كما أن لجان المقاومة أنشطروا كما انشطرت الحاضنة السياسية، و أدوات الاستقطاب الحزبية ليست بعيدة عنهم. الممارسة هي التي تحدد اتجاهات المبادرة و عوامل نجاحها و فشلها.
تحدث رئيس الوزراء عن المجلس التشريعي و أكد علي أهميته و قال " هناك أهمية لقيام المجلس التشريعي لدوره في إتاحة الفرصة لمناقشة القضايا الوطنية الكبرى للبلاد وخلق أرضية صلبة لنظام ديمقراطي مستدام." تأتي أهمية قيام المجلس التشريعي أنه سوف ينتهي من مكونين يحتكران العملية السياسية " الحاضنة السياسية قحت و مجلس الشركاء" باعتبار أن النشاط السياسي سوف ينتقل إلي المجلس التشريعي، باعتباره الجهة التي تصدر القوانين، و أيضا مراقبة أداء السلطة التنفيذية في المكونين الوزراء و السيادي. و هذه سوف تضبط الوثيقة الدستورية. لكن تبقى مشكلة المجلس التشريعي إذا تم توزيعه بنفس المحاصصة التي تمت في السلطة التنفيذية، سوف يضعف من فاعليته، و يصبح تابعا للسلطة التنفيذية مثله مثل مجلس الشعب في سلطة مايو، أو المجلس الوطني في الإنقاذ، حيث يصبح ديكورا لا فاعلية له. و خاصة قوى الحرية و التغيير تريده مجلسا مهجنا يساعدها في التمديد المتواصل للفترة الانتقالية. هناك قوى سياسية و بعض الحركات المسلحة ليست راغبة في الفترة التي تلي الفترة الانتقالية " الانتخابات" لأنها لا تملك أي قواعد اجتماعية تؤهلها للمنافسة. و أيضا رئيس الوزراء قد تحدث عدة مرات عن مسألة التمديد، هؤلاء غير راغبين في انتخابات عامة، لذلك لا يتحدثون عن مفوضية الانتخابات و القيام بالحصاء العام للسكان.
حديث حمدوك عن توسيع قاعدة المشاركة الذي جاء في المبادرة، كان قد استبعد فيه الذين افسدوا و ارتكبوا جرائم و المؤتمر الوطني. الأمر الذي أثار بعض القوى السياسية خاصة في المجلس المركزي و الجبهة الثورية بقيادة الهادي أدريس و أصدروا تصريحا أن توسيع القاعدة يجب أن يكون فقط من القوى الثورية، و المصطلح غير مفهوم من الذي يحدد هذا ثوري و الأخر غير ثوري، المسألة هي رفض بصوت خافت لتوسيع المشاركة، لأن الجميع نظرته تستهدف محاصصة توزيع مقاعد المجلس التشريعي، و تصبح المبادرة قابلة لتفريغ مضامينها. عندما يقول رئيس الوزراء في اجتماعه مع بعض أعضاء لجان المقاومة "أن البند الوارد بخصوص الكتلة الانتقالية والتسوية معنية به القوى التي شاركت في الثورة." يتضح أن المبادرة جاءت لكي تخفف عملية الضغط و شعار اسقاط الحكومة لمسيرة 30 يونيو 2021م. من حديث رئيس الوزراء يتبين ليس هناك مبادرة تؤسس لعمل مؤسسي مستقبلي، بل هي فقاعة انتهت بعد قرأتها. نسأل الله حسن البصيرة. نشر في جريدة إيلاف الخرطوم.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء