حوار آخر: الدوحة.. جولة جديدة بملامح قديمة … تقرير: خالد البلوله ازيرق
26 January, 2010
khalid balola [dolib33@hotmail.com]
جولة جديدة من حوار سلام دارفور انطلقت من الدوحة القطرية وبمشاركة متباينة من الأطراف، ورؤى أكثر تبايناً بين الاطراف المتصارعة في اقليم دارفور، في وقت تمور فيه الساحة السياسية بحراك كبير استعداداً لماراثون السباق الانتخابي الذي تتصدر دارفور اجندته بين المتنافسين، ومع انطلاقة التفاوض بالدوحة بدأت تطل معه ذات القضايا الشائكة التي لازمته في الفترات الماضية، المتمثلة في قضية توحيد الحركات المسلحة وتوحيد موقفها التفاوضي، والرفض الحكومى لأية شروط مسبقة تفرضها قبل التفاوض، والتقاطعات الدولية التي ظلت ملازمة لقضية دارفور، فإلي اي اتجاه تسير مفاوضات الدوحة الحالية، باتجاه احداث اختراق في القضايا العالقة، أم انها ستنتهي الى ما انتهت عليه الجولات السابقة..؟!
جولة من التشاور بالدوحة انطلقت اول امس بعد مخاض عسير من التحضير المكثف الذي قاده المبعوث المشترك للاتحاد الافريقي والأمم المتحدة جبريل باسولي، والوسيط القطري احمد بن عبد الله آل محمود وزير الدولة للخارجية القطرية، اللذان دخلا في مشاورات مكثفة مع الأطراف المختلفة منذ عدة أشهر، بغرض تقريب وجهات النظر بين الحركات لإيجاد أرضية مشتركة ينطلق منها قطار التفاوض لتحقيق سلام دارفور، ولكن يبدو ان القطار انطلق ومازالت القضايا التي وقفت حجر عثرة في طريقه هي ذات القضايا التي وأدت كثيراً من جولات التفاوض في العواصم الأفريقية والعربية المختلفة، فالحركات المسلحة مازالت تتمترس عند مواقفها من رؤية التوحد او توحيد الرؤية التفاوضية، وإن بدت أحسن حالاً بعد اتفاق مجموعة طرابلس التي وحدت موقفها، وكذلك توحيد مجموعة أديس أبابا، في وقت مازالت فيه حركة العدل والمساواة تشترط قبل الدخول في المفاوضات تحديد منهجية التفاوض والمشاركين فيه، حتى لا تكون الدوحة سوقاً للتفاوض بحسب وصف الناطق الرسمي لها احمد حسين.
وفي الضفة الأخرى من الحركات تقف حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور بعيدة عن الدوحة وما يجري فيها بعد فشل كل محاولات الوسطاء في استقطاب عبد الواحد محمد نور ودفعه للتوجه الى الدوحة التي يشترط قبل الدخول فيها تحقيق جملة من المطالب وصفها كثيرون بالتعجيزية، وتتمحور تلك المطالب في التعويضات والمحاسبة وتقديم المسؤولين المرتكبين لتجاوزات في دارفور للعدالة ونزع سلاح مجموعات الجنجويد التي يتهم الحكومة بدعمها.
إذن جولة المشاورات انطلقت بدون عبد الواحد محمد نور كعادتها، ومع انطلاقتها لم تحدد هويتها بعد، فالقائمون علي أمرها من الوسطاء يصفونها بأنها جولة تفاوضية استناداً علي محاورها التي حددت سابقاً، والحركات المسلحة المشاركة فيها تصفها بأنها جولة تشاورية تنسيقية لترتيب اوراق التفاوض قبل انطلاقته في المراحل القادمة، والوفد الحكومة بحسب الناطق الرسمي باسمه دكتور أمين حسن عمر وصفها بأنها جولة تفاوضية، ولكن الحكومة ترفض فيها أية شروط مسبقة ترفعها الحركات في وجهها أو وجه الوسطاء الراعين أو المسهلين الدوليين، ومن هنا تبدأ صعوبة الجولة التفاوضية التي تتباين فيها مواقف الأطراف ورؤاها، فإلي أين ينتهي بها المآل؟
الدكتور صلاح الدومة استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية قال لـ «الصحافة» ان ما يجري في الدوحة يعد مشاورات في حقيقته وليس تفاوضاً بالمعنى المتعارف عليه، وقال إن المؤتمر الوطني جاد في انجاح هذه المفاوضات، وكذلك حركة العدل والمساواة، والقوى الدولية ضاغطة باتجاه التوصل لحل سلمي للأزمة، لكن لا أحد يستطيع ان يتنبأ بالنتيجة النهائية للتفاوض، واضاف «ان المرئي من السياسة في وسائل الاعلام هو الجزء البارز من جبل الجليد، بالذات في قضية دارفور لأنها من أكثر القضايا تعقيدا وتحتاج لإدارتها من خلف الستار»، وقال الدومة «اذا توحدت الحركات ستسهل عملية التفاوض ويسهل كذلك الوصول لحل سريع، واذا تشتت الحركات ومواقفها ستضر بالقضية وتعطل الحل».
ولكن يبدو من واقع الحراك الذي يدور بداخل اروقة فندق شيراتون الدوحة الذي يستضيف الفرقاء السودانيين، أن الوسطاء يحاولون جمع اطراف الصراع على رؤية مشتركة تمهيدية في شكل اجتماعات مع كل طرف على حدة، للخروج برؤية مشتركة او تقريب وجهات النظر قبل انطلاقة التفاوض المباشر بين الاطراف الموجودة في الدوحة القطرية، وذلك بالتركيز على الجوانب الإجرائية وتوحيد المواقف التفاوضية للفصائل المسلحة توطئة للدخول في المفاوضات لحسم القضايا الخلافية، في وقت أكدت الحكومة أنها لن ترهن عملية السلام لحركات لا تملك رؤية واضحة، وكشفت أنها تبحث مع الشركاء عن طريق آخر للحل لم تحدده. في وقت تدخل فيه حركة العدل والمساواة الفصيل الرئيسي في التفاوض بالدوحة في مشاورات مع مجموعتي طرابلس وأديس أبابا لتوحيد المواقف حول عملية توحيدها، باعتبارها الطريق الوحيد لحل الازمة. ولكن الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للدراسات والبحوث قال لـ «الصحافة» إن المتغير الاساسي والمهم في هذه الجولة التفاوضية هو رغبة المجتمع الدولي بصورة جادة وصادقة لحل مشكلة دارفور. وارجع حسين تلك الرغبة الى انها انعكاس للموقف الأميركي الذي عبر عنه غرايشن بقوله «اننا نريد حل مشكلات السودان وليس تصعيدها». واضاف أن هذا التغير يعكسه الوجود الدولي الكثيف لممثلي المنظمات الدولية والامم المتحدة والاتحاد الافريقي. وقال إن هذا التغير سينعكس على موقف الدول التي كانت تعقد المشكلة باحتضانها للحركات المسلحة، لأن تضارب مصالح هذه الدول وتقاطعها سابقاً لم يعطِ أملاً لحل المشكلة، مستدلاً على أن التطبيع مع تشاد لم يكن ان يتم لولا ان فرنسا اعطت الضوء الأخضر لباريس ذات الارتباط الحقيقي بأميركا، وقال حسين ان مسألة مشاركة كل الحركات في المفاوضات مسألة وقت فقط، لأن كل دعمها يأتي من الخارج، والخارج كله توجه للحل، لذا فهي في موقف لا تستطيع ان تخالف فيه الموقف الدولي، مشيراً الى ان الانباء اشارت الى ان فرنسا طلبت من عبد الواحد اما حضور المفاوضات او مغادرة اراضيها، واشار الى ان الحركات ستتفق على الحد الأدنى وهو الدخول لتفاوض برؤية موحدة، مشيراً الى ان الانتخابات تعد واحدة من العوامل الضاغطة على الحركات المسلحة لحل مشكلة دارفور والانخراط فيها، واضاف اتوقع في ذلك أن يقرر تأجيل الانتخابات حتى نوفمبر القادم بدلاً عن ابريل.
وحالة التفاؤل التي أبداها الوسيط المشترك جبريل باسولي لإنجاح المفاوضات بعد لقاءاته بالوفد الحكومي برئاسة د. غازي صلاح الدين مستشار الرئيس وممثلي الحركات المسلحة المختلفة ووصفها بـ «المثمرة للغاية»، وانها أسفرت عن موافقة حركة العدل والمساواة على اجراء مشاورات مع الحركات الأخرى التي كانت ترفض وجودها ومشاركتها في المفاوضات، بعد أن كانت تصر حركة العدل والمساواة على الجلوس بمفردها الى طاولة المفاوضات بدعوى انها الحركة الأقوى في مسرح العمليات، وانها الحركة الوحيدة التي تقاتل القوات الحكومية في دارفور، حالة تفاؤلية يعززها ما أكده وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري أحمد بن عبد الله آل محمود بقوله «إن الوساطة ستواصل محادثاتها مع وفدي الحكومة وحركة العدل والمجموعات الاخرى، وستعمل على تذليل الصعاب حتى يتم التوصل الى السلام المنشود فى دارفور بمساعدة المجتمع الدولي والشركاء»، مما يؤشر الى الجدية هذه المرة في خلق واقع جديد في المفاوضات، ربما تسفر عن قطع شوط طويل في مشوار السلام الذي طال انتظاره.