حوار الاستهبال !!

 


 

 

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
تغطي الامم المتحدة علي عجزها عن الوفاء بتعهداتها، وخذلانها للشعوب المقموعة، بالمرواغة في افعالها واقوالها المداهنة للاقوياء. واكثر ما يتبدي ذلك في ردة فعلها تجاه الانتهاكات والجرائم المروعة التي يرتكبها الطغاة، والانظمة العنصرية كالكيان الصهيوني. لتردد كالببغاء بيانات الشجب والادانة، كمجرد اعلان للحضور وتبرير للوظيفة وما تدره من امتيازات. وقد يكون مرد ذلك، لعبة التوازنات والمصالح بين اللعيبة الكبار، الذين يتحكمون في مجلس الامن ويهندسون النظام الدولي.
اما بخصوص الممثل الخاص او المبعوث الدولي لدعم الانتقال في السودان الدكتور فولكر، فحاله يذكر بطرفة الشايقي المشهورة، والذي طُلب من الخواجة تعليمه الانجليزية، إلا انه وبعد مضي زمن مضنٍ وبذل جهد ولاي في غرفة مغلقة، خرج الخواجة يتحدث اللهجة الشايقية! ففولكر وبدل دعم الانتقال الديمقراطي الذي فُوض من اجله، يبدو ان تواصله مع العسكر، قد اكسبه اسلوب العسكر في العنجهية، وتبني طروحاتهم، بتمرير الاجندة المعادية للانتقال الديمقراطي، من خلال تكريس الانقلاب بمنحه الشرعية والاعتراف الدولي، عبر ما يسمي حوار الآلية الثلاثية المزعوم! وليس ادل علي ذلك، من الحماس الذي يبديه العسكر لحوار الآلية الثلاثية (بعد ممانعة راغبة)، حتي ظننا ان فكرة الحوار صادر عن العسكر وليس عن الآلية.
والمحير ان مكونات الآلية وعلي الاخص الاتحاد الافريقي والامم المتحدة، كانا من الضامنين والشاهدين علي الوثيقة الدستورية التي اجهضها العسكر بانقلابهم الغادر! بل حتي قبل الانقلاب كانا شهود علي تجاوزات العسكر طوال الفترة الانتقالية، دون ان تنبس شفاههم بكلمة عتاب للعسكر، ناهيك عن اتخاذ موقف حاسم يردعهم عن غيهم، ويضع حد لسيطرتهم علي الفترة الانتقالية.
المهم، الانقلاب بعد ان ادخل البلاد في نفق مظلم لا يبشر باي امل في الخلاص، واحدث تدهور خطير علي كافة الاصعدة، عمل علي تحطيم جسور الثقة بين العسكر والمدنيين، والتي جاهدت الوثيقة الدستورية في بناءها، وسط حقل الغام من الشكوك والمخاوف والاعتراضات. بحسبات كونها خطوة مرحلية، نحو انهاء سلسلة الانقلابات العسكرية، التي اورثت ارضنا البوار وشعبنا الهلاك والضنك. وكان العشم في الامم المتحدة، فتح طاقة امل، وسط كل اجواء الاحباطات والانتهاكات وانسداد الافق السياسي. ولكن بصيص الامل في نجاح تفويض الامم المتحدة لدعم الانتقال الممنوح لفولكر، تعرض لضربة موجعة من العسكر، وهم يتعاملون مع بعثة الامم المتحدة، بالاستهانة والاستهتار والاستعلاء! بل وصل الامر مرحلة الاهانة المباشرة لفولكر بتهديده بالطرد! وزيادة في الفرعنة، فرضوا علي البعثة الاممية مشاركة الاتحاد الافريقي والايقاد في تفويضها، من غير اي مسوغ سوي اضفاء مزيد من التشويش علي التفويض.
وبدل ان يرد فولكر الصاع صاعين للعسكر، او يفسح المجال لغيره، ممن يملك جرأة اكبر علي مقارعة العسكر، او اقلاه يطالب بتوسيع سعة التفويض، لتشمل وسائل ضغط اكبر. نجد ان ردة فعل فولكر تتطابقت وقع الحافر مع ردة فعل حمدوك كرئيس للوزراء، وكانها سمة اممية. وهي الاستعاضة عن التصدي للعسكر وايقافهم عند حدهم بالاستفادة من التفويض، وهو ما كان يتطلب درجة عالية من الصرامة والثقة في النفس والاستقامة او الشفافية تجاه اصحاب الحق. بالسعي لانجاز مشروع شخصي او اقلاه خارج مخطط التفويض، وبما تسمح به ظروفهم وهمتهم! اي التغيير لا يمس ادوات ووسائل انجاز التفويض ولكن طبيعة التفويض نفسه. ولتمرير هكذا مخطط غير متفق عليه، يلجأ هؤلاء المفوضون لتكتيكين، احدهما الاستعلاء علي اصحاب الحق (الثوار) بتهميش دورهم وازدراء رغباتهم والانعزال منهم. والآخر اتخاذ تقية من العسكر (اصحاب الشوكة) بتحاشي مواجهتهم، بل وممالتهم وعمل كل شئ لكسب ودهم! فقط لعدم الاعتراض علي المفوضين وهم يمررون مشاريعهم الخاصة (نجاح مهمتهم) التي يُتظاهر بانها نجاح للمصلحة العامة.
واهم اساليب المفوضين للالتفاف علي مواجهة القضايا الحقيقية، التي تكشف ضعف شخصيتهم وقلة حيلتهم، هي الهروب الي الامام، سواء بافتعال قضايا هامشية والدفع بها الي صدارة المشهد، او باغراق القضايا الحقيقية في تفاصيل التفاصيل لدرجة نسيانها او تشوه ملامحها. وفي حالة قضيتنا السودانية، المطلوب دعم الانتقال الديمقراطي. واول ما يتطلبه هذا الدعم، هو اتخاذ موقف صارم وواضح من الانقلاب المشؤوم، الذي يجهض التحول الديمقراطي. وهذا الموقف لن يمر إلا بمواجهة مباشرة مع قادة الانقلاب الذين تتعارض مصالحهم وتتعاظم مخاوفهم من التحول الديمقراطي. وعليه، مجرد وجودهم علي صدارة المشهد السلطوي، يعني اي حديث علي الانتقال والتحول الديمقراطي والدولة المدنية، مجرد ذر للرماد في العيون، والاصح غطاء لتمرير اهداف خاصة تخدم المفوضين.
لذلك الموضوع ببساطة لوكانت هنالك جدية في دعم الانتقال، سواء من الامم المتحدة او الولايات المتحدة او غيرها ممن يدَّعون الدعم للثورة السودانية والاعجاب بثوارها! هو فرض عقوبات قاسية ومتصاعدة تستهدف مصادر قوة الانقلابيين (السلاح والمال). وبالتحديد استهداف قادة الدعم السريع والمنظومة العسكرية، بالعقوبات الفردية، واستدعاءهم لمحكمة الجنايات الدولية، لارتكابهم جرائم ابادة جماعية موثقة. وكذلك استهداف مُنظماتهم، فمليشيا الدعم السريع ينطبق عليه وصف الجماعة الارهابية. وفرض عقوبات رادعة علي القوات المسلحة طالما هي مُصادرة للسلطة او مُشاركة فيها. وكذلك استهداف المصالح الاقتصادية لهذه المنظمات المسلحة داخل وخارج البلاد، وتعريض كل من يتعامل معها لسيف العقوبات المسلط عليها. والاهم توسيع مظلة العقوبات لتشمل كل مشارك في الانقلاب او داعم له، بما في ذلك قادة الحركات المسلحة وكوادر الاسلامويين وجموع الانتهازيين.
اما بعد التخلص من الانقلاب ومعالجة آثاره، يجب ان تمتد المساعدة اللوجستية من الامم المتحدة للنهوض بالبلاد اقتصاديا وسياسيا بمشاركة اصحاب المصلحة ومراعاة مرحلة تطور البلاد. عندها فقط يرد الاعتبار للامم المتحدة وتصدق ما تطرحه من شعارات.
ولكن ماذا حدث من بعثة الامم المتحدة المعنية بالانتقال بعد الانقلاب؟ اول ما قامت به هو رفض خجول للانقلاب، ومن ثمَّ السعي لاصلح الخطأ القاتل، فقط بالحصول علي تنازلات شكلية من الانقلابيين، تسمح بوجود حمدوك! وبعد فشل كل تلك المساعي لتمرير الانقلاب، الذي توسع في ارتكاب الجرائم والانتهاكات. كان المخرج لورطة البعثة الاممية هو اجراء حوار، عوض اسقاط الانقلاب! وعليه اصبحت الغاية هي اجراء الحوار، وليس ما يتمخض عنه الحوار! وللمزيد من الهروب من المسؤولية، وفي نفس الوقت ايجاد مبرر لاستمرار وجود البعثة الاممية، تم اغراق الحوار في تفاصيل وقضايا هامشية والتواصل مع جهات متعددة، لدرجة توقعنا ان يشمل الحوار اندية الروابط واتحاد العاب القوي! ولسوء حظ البعثة الاممية، انها تواجه انقلابيين، جهلة وقتلة وغادرين وشبقين للسلطة والتسلط، وهذا ما جعل هامش حركة البعثة يحاكي الشلل.
المهم، اذا عجزت البعثة عن الاعتراف بالفشل، واصرت علي التمادي في الانحراف عن التفويض. اقلاه نتمني منها، إلا تساهم في الضغط علي قوي الحرية والتغيير وابتزازها للمشاركة في الحوار، للتمويه باضفاء جدية علي الحوار. اما ما يخص قوي الحرية والتغيير، يكفي ما سببتوه من خسائر للثورة، باساءة الخيارات، وسوء الممارسات، والغفلة عن المخاطر. والحال كلك، امتلاك العظة من تجربة الفترة الماضية هي آخر فرصة امامكم. وهي ما يتطلب المزيد من الحنكة السياسية والقراءة الصحيحة للواقع، والبعد عن المهاترات والمغالطات وتقبل النقد، وتقليب جانب التضحيات علي اغراء المصالح، في هذه المرحلة المفصلية، من مصير وطن في مهب الريح.
واخيرا
عزيزتي بعثة الامم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان (نحن الحوار ما مابينو لكن الفيكم اتعرفت). ودمتم في رعاية الله.

 

آراء