حول بصات الوالي .. وجمال الوالي … بقلم: د. محمد وقيع الله
د. محمد وقيع الله
26 July, 2010
26 July, 2010
كنت أميل إلى اتهام الشعب السوداني بعدم الاعتراف بجميل صنع الإنقاذ، خلال العقدين ونيف الماضيين، وقلة معذرته لها عن التقصير، وضعف تقديره لما تعانيه من حصار وما تواجهه استهداف.
ولكن بعد الانتخابات الأخيرة تبين لي كم كنت مخطئا خطا شديدا، وكم كان الشعب السوداني مصيبا كل الصواب.
إذ فضل أفراد الشعب، في غالبيته العظمى، أن يدخروا اعترافهم بجميل الإنقاذ، ليوم (الحُوبة) الحقيقي، فأولوها فيه الجميل مكررا، كما قال العباسي، في بيت معجب، من رائيته المجلجلة.
ويومها حُقَّ للمشير البشير، كما حُقَّ لنائبه علي عثمان، وحُقَّ لواليهما على الخرطوم، أن يستلهموا شعر الشيخ العظيم العباسي، ويرددوا ما قاله في حق شعبنا الشهم الكريم:
فلقيتُ من أهلي جَحَاجِحَ أكرموا نُزُلي وأولوني الجميلَ مُكرَّرا!
وفرع من ذلك الجميل المكرر، هو ما جاء في إبداع العقل الجمعي العاصمي، لتلك الصيغة الطريفة التي سميت فيها البصات الجديدة باسم الوالي.
وهي تسمية تقطر اعترافا جميلا بجميل هذا الوالي.
تسمية رمزية لا عينية:
وستسعد هذه التسمية، بلا شك، السيد الوالي بنسبة البصات إليه، على سبيل الرمز، ولن تطمعه في الاستيلاء عليها، على سبيل العين.
إذ ليس في قلب الوالي طمع، ولا في أحلامه ولع، بذخائر الدنيا، ومقتنياتها، التي يتجارى إليها، ويتبارى عليها، عُباّد الأموال، وأسرى الشهوات المستحقَرين الأذلين.
وفي الوصف الذي قدمته الإبنة المحررة النابهة، هنادي عبداللطيف، لموضوع البصات، خير دعاية - غير مقصودة بالطبع! – لهذه البصات، دفعتني دفعا إلى أن أسطر عنها هذا البيان.
فقد أشارت الأستاذة المحررة في غضون تغطيتها للموضوع إلى عدة نواحٍ، من نواحي التميز في هذه البصات الجديدة، منها مقاعدها المريحة، وتكييفها الجيد (الذي يجعلك تتمنى أن لا تصل محطتك أبداً).
وهاتان ميزتان يستحقهما المواطنون الكرام، بعد أن صبروا دهرا طويلا على وسائل مواصلات لا تليق بمستواهم.
وهذان شرطان مهمان من شروط النهضة، والبناء الصحيح، والأداء الجيد، في أعمال اليوم والليلة، في مجال الخدمة العامة، والإنجاز الاقتصادي، والعلمي.
إذ لا يُرجى، كما لا يُطلب، من موظف تُستنزف طاقته البدنية والنفسية، وتُستنزف ملابسه كذلك بأوضارالمواصلات العامة، أن يُقبل على أداء الأعمال المكلف بها، بهمة وحماسة، وطيب نفس، وانشراح خاطر، واشتعال فكر.
وداعا للتشاكس:
ولا زلت أذكر كيف كنت أقضي، في ماضي عمري، نحوا من أربع ساعات في اليوم في المواصلات العامة، حيث كنت أسكن بضاحية الصحافة بالخرطوم، وارتحل صباحا، وظهرا، ومساء، للتدريس بمواقع جامعة أم درمان الإسلامية المختلفة، بأحياء العرضة، وودنوباوي، والفتيحاب.
ومع أني كنت أشغل نفسي بالقراءة في البص، إلا أني ما كنت أخطئ ملاحظة يومية، وهي (الشكلة) التي لابد أن تندلع، ولا تتخلف يوما ما، في أي بص أركبه.
والأسباب الداعية لذلك متوفرة، منها ضيق المكان، وشدة الزحام، وحرُّ الصيف، أو قرُّ الشتاء، وتعدي هذا على هذا، وتخطي هذا لهذا، وهكذا دواليك.
وكل امرئ من أفراد شعبنا الكريم هو، بالسليقة، شخص أبي، لا يرضي ( حَقارةً) ولا يقبل ضيما.
ولذلك يرد بالعنف نفسه على من يعتدي عليه، وربما يجهل فوق جهل الجاهلينا!
ولذلك فقد سرني ما جاء في هذه التغطية الطريفة لبصات الوالي، أنها أنهت جميع ضروب المشاكسة بين الركاب الأنوف، وبينهم وبين الكمساري الأشد أنفة، حيث ما عدت:" تسمع صوت الكمساري (بتشاكل) مع راكب حول قرش واحد".
وهي (الشكلة) التي قد تستمر إلى آخر محطة.
وكذلك لا يوجد بهذه البصات الجديدة مقاعد نص، من شاكلة المقعد المتعب، الذي يكرهه جميع الركاب.
ومما كان يثير (الدَّوْشة) أيضا في البصات، ذلك النزاع الخالد حول (الباقي وماعندي فكة)، و(اركب هنا وما تركب هنا بالنسبة لمقاعد النص طبعا)، و(أنا بطقطق ليك من قبيل ليه ما بتقيف؟).
وهذه كلها، بلا أدنى ريب، بعض علامات التخلف، وبعض آيات الضيق بظروف الزمان، والمكان، والسلطان.
ووداعا للتخلف:
وما جاء في تغطية محررة (الرائد) لبصات الوالي أمس، يدعونا لأن نستبشر بأن تحسم هذه العلامات، والآيات، المبينات، الدالات على التخلف، والضيق، الحسم النهائي الباتر.
وأن تقبر في آثار الماضي الدابر.
وذلك بفضل من مشروع البصات الحديثة هذا، الذي هو، في اعتقادي، واحد من أهم وأروع فصول المشروع الحضاري الإسلامي، الذي أتت به ثورة الإنقاذ ودولتها.
أبعدوا المشروع عن سوس الفساد:
و الآن يحين لنا أن نذكر فضيلة الوالي، وأعوانه، ورئيسيه، نذكرهم – لا عن نسيان! – بأن أي فصل من إنجازات المشروع الحضاري الإسلامي السوداني، يتوجب المثابرة عليه، والمصابرة في الذود عنه، وحمايته من التبديد، وبذل الجهد الإضافي في مجال ترقيته وتطويره.
وفي أمر هذه البصات الجديدة نقول إن بصات بمثل هذه الميزات الفائقة والفارقة، لابد من المحافظة عليها، من جانب الركاب، ومن جانب السائقين ، ومن جانب الإدارة.
ويجب أن يُصرف عليها الصرف الكافي في أبواب الصيانة والتنظيف.
مع التنزه عن اتخاذها موردا سهلا سائغا للإستنزاف، عن طريق الامتيازات الشرهة المفرطة، وأساليب التوظيف الخاطئ القائم على المحسوبية، فتبلى البصات بتلك الممارسات، كما بيلت كثير من المؤسسات التجاريات الحكوميات، مثل سيئة الذكر (سودانير)!
من لا يشكر الناس لا يشكر الله:
وأخيرا فإنا لَنعطف عنان القول، لنرجع إلى ما استهللناه به، بحديثنا عن واحدة من عيون الممارسات الاجتماعية، الحضارية، الإسلامية، الإنقاذية.
فنقول إن الاعتراف بالجميل، وإسداء عبارات الشكر والعرفان، خلق حضاري، نبيل، راق.
وهو خلق محمود، أعجبنا أن رأيناه يمارس بأريحية وتلقائية عذبة عند الغربيين.
ونرجو أن يتصل ويتأصل عندنا، ليزين حياتنا، ويجعلها أكثر (رُوقةً) وبهجة.
ومن أجل هذا فقد استحسنت في أفراد شعبنا الكريم الفاضل، رجوعهم لأصلهم، وتمثلهم بالحديث الذي رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، عن أبي هريرة مرفوعا: " لا يشكرُ اللهَ من لا يشكرُ الناسَ".
فعلى الشعب السوداني شكرٌ، واجبٌ، مستحقٌ، لكل من أجهد نفسه في خدمتهم.
من أمثال هذا الوالي ..
وجمال الوالي ..
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]