اسم الكتاب كاملاً:( اللاهوت العربي وأصول العُنف الديني) والكاتب: الدكتور يوسف زيدان. أعيدت الطبعة الثانية من الكتاب عام 2009 م، والكتاب من القطع المتوسط، في 231 صفحة، صدر عن دار الشروق بالقاهرة. وقد كتبت عنه دار الشروق في مُغلف الكتاب:
{في هذا الكتاب يتتبّع" يوسف زيدان" أهم الأفكار التي شكّلت تصوّر اليهود والمسيحيين والمسلمين، لعلاقة الإنسان بالخالق. ومن ثم، كيف توجه علم اللاهوت المسيحي، وعلم الكلام الإسلامي، إلى رؤى لاهوتية يصعب الفصل بين مراحلها. يناقش الكتاب، ويحلل ويقارن ويتتبّع، تطور الأفكار اللاهوتية على الصعيدين المسيحي والإسلامي. وذلك بغرض إدراك الروابط الخفيّة بين المراحل التاريخية التقليدية، المسماة بالتاريخ اليهودي - التاريخ المسيحي- التاريخ الإسلامي. وإنطلاقاً من نظرة مُغايرة إلى كل هذه التواريخ، باعتبارها تاريخاً واحداً، ارتبط أساساً بالجغرافيا، وتحكّمت فيه آليّات واحدة، لابد من إدراك طبيعة عملها في الماضي والحاضر، وصولاً إلى تقديم فهم أشمل لارتباط الدين بالسياسة وبالعنف، الذي لم ولن تخلو منه هذه الثقافة الواحدة، ما دامت تعيش في جزرٍ منعزلة.
دكتور يوسف زيدان ..روائي وباحث متخصص في التراث والمخطوطات، قاربت مؤلفاته الستين كتاباً، وتجاوزت أبحاثه العلمية الثمانين بحثاً في الفكر الإسلامي، والتصوف، والفلسفة وتاريخ العلم .. حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية " البوكر" عن رواية ( عزازيل ). وحصلت أعماله العلمية على عدة جوائز دولية مرموقة.}
(2) نرى نحن أن الدكتور يوسف زيدان، أحد أهم الباحثين في علم التراث والمخطوطات التراثية، وهو من مواليد مصر عام 1958م. يعتبر كتابه قد سبق تاريخياً ما كان يُطلق عليها " ثورات الربيع العربي " مطلع عام 2011. و قضية الكتاب تهم مجتمعاتنا المستعربة والمسلمة، والتي دخلت العنف الديني في العصر الحاضر من أوسع أبوابه، بعد أن صعد سدة الحُكم من يحملون القرآن على أسنّة الرماح، هدفاً للوصول لغنيمة الأرض والثروات، ومصادرة قيمة عمل المواطنين باسم الدين.
و الكتاب يذهب إلى جذور قصة العنف وآليّة صناعة المتدينين القتلة. يحولون المختلفين عن ديانتهم أو حتى أصحاب المذهب المُختلف، إلى كفرة بالمفهوم الحديث. ومهرطقين (الهَرْطَقَة في اللغة: الإِتْيَانُ بِالْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لأُصُولِ الدِّينِ) يتعيّن قتلهم ونفيهم من الأرض. ويورد الكاتب تفاصيل تاريخ المتدينين من ديانات: اليهودية، والمسيحية والإسلام. ويسرد كيف تحولوا لمنفذين لحروب استئصالية على مدى تاريخ طويل أو قتلة مجرمين، رغبة فيما يرونه تخليصاً من الديانات والمذاهب من المعارضين الكفرة. بل وأنهم يقومون بدور الرب في الجزاء، يرتدون عباءته ويحملون سيفه ويقتلون البشر من أجل نقاء العقيدة.
لم يزل البون شاسع بين " الدين " و" المتدينين ". فالأول نصوص رسالية منقولة، والآخرين هم حملة رايات العنف، بدعوى حماية العقيدة الأصيلة من عبث المهطرقين والكفرة. وتلك قضية تدخل في فض الاشتباك وتعقيد العلاقة بين الدين والسياسة. فلا يمكنك فصل الدين، مُطلق الدين أو المذهب عن حياة الناس، أو من السياسة بصورة نهائية. فالعقائد حالة شعورية وجدانية، متعلقة بثقافة الناس، وليس لها مقياس. والتسامح الديني يتطلّب درجة رفيعة من الوعي والثقافة، يصل فيها الأشخاص لمستوى لتقبُّل خيارات بعضهم بدرجة من التسامُح، دون بث سموم الكراهيّة والدعاوى للاستئصال، أو قهر الناس على إتّباع ذات الخيار العقدي أو ذات المذهب.
ونبدأ بموجز مُبسط عن الكتاب، حيث أسهبنا في مقدمته الضافية لأهميتها. ونعتقد أنه يتعين على من ينظرون بدهشة من عجائب الحاضر، أن يبحثوا بواطن التاريخ وعلاقة الجغرافيا بين الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، حتى يتمكّنوا من فهم تعقيد غرائب ما نشهد. ونتعرّف على آليّة صناعة المُتدينين الاستئصاليين، الذين نشروا القتل. وحولوا حياة الناس الأبرياء إلى جحيم. فمفجر الفتيلة الناسفة الإنتحارية، يقتل نفسه أولاً ثم يقتل الأبرياء. ومصيره ومن أفتى له بالإنتحار، إلى غضب الرب الذي يعتقد أنه يرضيه بفعلته. وكراهيّة أهل العقيدة اللذان ينتميان إليها وكراهية الناس.
(3) ينقسم الكتاب إلى عدد من الفصول : المقدمة. الفصل الأول: جذور الإشكال: الله والأنبياء في التوراة. الفصل الثاني: الحلّ المسيحي: من الثيلوجيا إلى الكريستولوجيا. الفصل الثالث: النبوّة والبنوّة: فهم الديانة ، شرقاً وغرباً. الفصل الرابع: جدل الهرطقة والأرثوذكسية: الاختلاف القديم بين العقليتين. الفصل الخامس: الحلّ القرآني: إعادة بناء التصورات. الفصل السادس: كلام الإسلام: الوصلة الشآمية العراقية. الفصل السابع: اللاهوت والملكوت. أطر التديّن ودوائره. الخاتمة والفوائد المهمّة. جدلية العلاقة بين الدين والعنف والسياسة.
(4) كتب دكتور يوسف زيدان في مقدمته: {أؤكد أن ثمة نقاط مفصلية مهمّة ومُهملة، تجمع بين تُراث الديانتين الكبيرتين: المسيحية والإسلام، بل تجمع تلك النقاط المفصلية الواصلة بين تراث الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، التي هي فيما أرى، ديانة واحدة ذات تجليات ثلاثة.} يرى الكاتب إن صفة ( السماويّة ) طفرت في ثقافتنا المعاصرة فجأة كوصف عام معتاد للديانات الثلاثة. فالسماء في اللغة في المفهوم الأصلي، تعني العلّو، وكما يقول ابن المنظور وكذلك علماء العربية، فإن كل ما أظلّك وعلاك هو سماء. وقيل للسحاب سماء لأنه يعلو ويظلّ لا أكثر من ذلك ولا أقل. * ( الكفر) معناه الإخفاء، لذا وُصف الزراع الذين يدفنون البذور في الأرض بالكفّار!. فكل المعبودات يتعال بها معتقديها، فيتسامون بها إلى مرتبة الألوهية، متعالين بها عن وجودها الفيزيائي إلى سقف سماوي. فمن الأصح أن تُدعى رسالية أو ( رسولية )، لأنها أتت للناس عبر رسل من الله. وصار وصف الديانات الثلاث الرسالية بالسماوية، وصف يراه الكاتب غير دقيق.
(5) يكتب الدكتور يوسف زيدان أن اليهود والمسيحيون لم يزعموا أن كتبهم نُزّلت من السماء، إنما يعتقدون أنها كُتبت بوحي. وفي كل مرّة نجد الدين اللاحق يؤكد الدين السابق، بينما الدين السابق يُنكر اللاحق ويستنكره. وأن أهل المذاهب في الدين الواحد، يجعلون مذاهبهم معادل للدين، فيصير الذين هم خارج المذهب، خارجين عن العقيدة والدين. * فعل يشوع من بعد النبي موسى حروب مع أولئك الملوك: الحيثيين والجرجاشيين والأمورين والكنعانيين والفرزيين والحوِّيين واليبوسيين. هدم مذابحهم وحرق تماثيلهم بالنار. وكذلك قاد المسيحيون باسم المسيح حروباً كثيرة، امتد بعضها قروناً بين الجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية. وتجد المسلمين أيضاً يستسهلون كلمة الجهاد لإطلاق يدهم في تقتيل الناس حسبما نواهم اليوم ، ومنذ تاريخ سابق طويل.
(6) الرؤية المنهجية العامة هي محاولة التجرّد من الميول والاعتقادات الدينية والمذهبية. واقتران التديّن بالعنف والتخلّف عن ( الإنسانية ) التي تجمع كل الناس. فنحن دوماً نفكّر عبر اللغة. والدلالة الدينية عميقة لدينا في تراثنا وغائرة في نفوسنا. يكتب الدكتور يوسف زيدان: تنشغل الأذهان عن إدراك التسانُدية الممتدة بين الأديان الثلاثة الخفيّة بين عناصرها المؤثرة. نسعى في هذا الكتاب إلى رصد الارتباطات العميقة، ذات الجذور التاريخية المطمورة بين الدين والسياسة، وبين التديّن والعنف، وبين التعصُب والتخلّف.
(7) فرضية أن التراث العربي الإسلامي، لا يمكن فهمه دون النظر المتعمق في التراث الإنساني الهائل، والأصول الأسبق زمناً. ليس بالضرورة تأثير الأقدم على الأحدث، بل بالعكس أيضاً ممكن. إن الديانتين المسيحية والإسلام، أدخلتا فكرة البعث والقيامة، وهو ما خلت منه النصوص اليهودية المُبكرة( التوراة، أسفار الأنبياء الكبار)، وتم إدخاله في النصوص اليهودية المُتأخرة كالمثناة والجمار. واللذان يؤلفان معاً التلمود. ومن هنا صارت عقيدة البعث جزءاً رئيساً من الديانة اليهودية، وهو جزء تأخر إضافته قرابة سبعة قرون. والفرضية الأخرى أن اللّغات المُعبر بها بين الديانات، بين العرب والسريان واليونان، رغم اختلاف اللفظ هو واحد. مثلاً: يسوع هو عيسى. ويوحنا المعمدان هو يحي بن زكريا. والعذراء القديسة هي ( الصدّيقة ) مريم بنت عمران أخت هارون.
(8) هناك بون شاسع بين منطوق لفظ ( علم الكلام ) ومدلوله، فهو يسمى: الفقه الأكبر، أصول الدين، علم العقيدة، علم التوحيد، علم الكلام. ظهرت بواكير هذا العلم في القرن الأول الهجري. يقول الشيخ " محمد عبده " { هو علم يبحث فيه عن وجود الله وما يجب أن يُثبت له من صفات، وما يجوز أن يوصف به، وما يجب أن يُنفى عنه}. وهو التعريف الذي تخيّره الدكتور يوسف ليكون أقرب لهذا العلم. فقد بدأ هذا العلم بأشهر فرقتين: المعتزلة والأشاعرة. من أعلام المعتزلة: واصل بن عطاء، عمروبن عبيد والخياط والجاحظ والقاضي عبد الجبار. وأعلام الأشاعرة: أبو الحسن الأشعري وأبو المعالي الجويني وأبو حامد الغزالي.
يكتب الدكتور يوسف أن مذهب (أهل السنة) الذي نعرفه اليوم، لم يصل إلى مفاهيمه إلا باتخاذ مواقف محددة من اجتهادات أباء علم الكلام. وقد لقي آباء علم الكلام مصائر مفزعة وموت بشع. الإمام عند أهل السنة هو القائد أو الموكول له بالإنابة، والإمام المعصوم عند الشيعة والقطب عند الصوفية كذلك. جميعهم نوّاب عن الله في الأرض. لا تكون الإنابة في الديانة اليهودية والمسيحية والإسلام مُتاحة للنوع الإنساني كله، بل موقوفة للرجال دون النساء. وقد تعطي الآيات القرآنية ومثيلاتها تأكيد الإبادة الإلهية التي تحاشا المتكلمون وعلماء العقيدة المسلمون الخوض في أمرها. محض الإشارة إلى أن الوعي الديني يصور ما دام الله قائم وفاعل للإبادة، فإن نائب الله في الأرض يدمّر مثله ويبطش كذلك. ولدينا بعض الآيات التي وردت في الذكر الحكيم: { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} الإسراء 17. { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } القصص 43.{ وإذا أردنا أن نهلك قرية ، أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها العذاب فدمّرناها تدميراً} الإسراء 16. {فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها} الشمس 14. {ثم دمرنا الآخرين } الشعراء 172.
(9) جدلية العلاقة بين الدين والعنف والسياسة، مترابطة. ومنذ إعلان طشقند عام 1999 م، والذي يدعو إلى الفصل بين جوهر الدين وظواهر العنف باسم الدين، ويدعو إلى توجيه الأنظار نحو مواطن التسامح، وتأكيد الأبعاد الإنسانية لكل دين. وهناك قضية محوريّة هي التماس بين دائرتي الدين والسياسة، والمواجهة السياسية المؤدية إلى تحول التديّن إلى العنف. ومن ناحية أخرى لا بدّ من الاعتراف بأنه قد آن الأوان لأن يصل الوعي الإنساني العام، لفهم أعمق لقاعدة ( دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله ). فهم لا يقتصر على التقابل الساذج الظاهري بين ( قيصر، الله ) وإنما يصل لوعي وإدراك عميق لطبيعة التداخل بين العملية السياسية والخبرة الدينية، على أسس مجتمعية وفردية قويمة. والخبرة الإنسانية سواء لدى الفرد أو الجماعة، تطوريّة، تقابليّة، ومتناقضة أحياناً. وهنا تأتي أهمية الاعتراف بمشروعية التناقض.