حِمِيدتِي وإسقاط المدن وحماية المدنيين

 


 

فيصل بسمة
5 September, 2024

 

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

في ڨيديو متداول في الوسآئط الإجتماعية يظهر محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدتِي) قآئد مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) في لباسه العسكري و هو يخاطب حشد من جنوده:
(المدن التَّسقُط كلها أَنِحنَا ما عندنا شَغَلَة بحكم... و لا عندنا شَغَلَة بولاية... أهل المدينة هم يقوموا يجِيبُوا زولهم... و هم يقوموا يجِيبُوا إدارتهم البِتدِير لِيهم شؤونهم... و يجِيبُوا أولادهم من المديرين التنفيذيين... و يبعدونا من الكيزان بس... يبعدونا من الفلول بس...)
و قد أثار الڨيديو بعض من التسآؤلات:
- هل حميدتي في مهمة (تحرير)؟!!!...
- و هل يسعى/يهدف حِمِيدتِي ، و كما يروج لذلك مستشاروه و إعلامه ، إلى تحرير السودان من قبضة الكيزان/الفلول عن طريق (إسقاط) المدن و الحاميات العسكرية و من ثم إزالة دولة ستة و خمسين (٥٦)؟!!!...
- و هل عقد حِمِيدتِي العزم على التطبيق العملي لتصوره/فكرته (الربانية) عن إقامة الدولة الفيدرالية الجديدة في الأراضي (المحررة) و ما (سقط) من المدن؟!!!:
(أهل المدينة هم يقوموا يجِيبُوا زولهم... و هم يقوموا يجيبوا إدارتهم البِتدِير لِيهم شؤونهم... و يجيبوا أولادهم من المديرين التنفيذيين...)
و لم يفت على حِمِيدتِي التذكير و الإشارة إلى أنه هو المركز و الولي الوصي:
(و يبعدونا من الكيزان بس... يبعدونا من الفلول بس...)
و في ذلك الخطاب لمح حِمِيدتِي إلى أهدافه و تصوراته المبسطة فيما يخص (إعادة هيكلة) القوات النظامية!!! ، فقد أشار إلى أنهم يستهدفون و يسعون إلى عزل الكيزان في جميع القوات النظامية:
(الكوز بِنطَلِّعُوا كده... بِنشِيلُوا منها شَيَلَان...)
و أشار حِمِيدتِي إلى مجموعات نظامية بعينها و محاولات/جهود سابقة لإستمالتها إلى صفه:
(الفلول المعا الجهاز و بتاعين القوات المسلحة الما دَايرِين يفهموا... الحَنَّسنَاهم... و إتكلمنا معاهم كتير... ما دايرين يفهموا نَسَوِّي ليهم شنو؟!!!...)
و يبدوا أن الرد على سؤاله قد جآءه (بالبل بس) كما توحي بذلك صيحات الحضور ، و قد حدد حِمِيدتِي الشرآئح النظامية المستهدفة ، و التي يحاول إستمالتها و ينوي إغرآءها بالإنضمام إلى مليشياته:
(لكن إِنتَا كعسكري عادي أو ضابط عادي... عميد... أول ما كَمَّلتَ الدوام بِتشِيل بِتخُت البِتَاعَة دِي في ضَهرِيَة السيارة التَّكسِي... و بِتلَقِط لعيالك كيس الخَدَار... ما لك و ما لهم بتقاتل ليهم؟!!!...)
و قد ذكر حِمِيدتِي في حديثه أن الجماعة (الكيزان) عندهم (فوبيا... خوف عديل...) من ياسر عرمان ، و أنهم يظنون أنه هو المخطط و المدبر:
(و داير يعمل الحرية والتغيير في نيالا...)
و قد نفى حِمِيدتِي أي إتصالات أو تنسيق مع ياسر عرمان:
(ما عندنا معاهو إتصال أو خط...)
و يبدوا من تفاعلات الحضور أن حِمِيدتِي قد نال إستحسان قطاع كبير منهم عندما أكد لهم إستقلاليته!!!:
(ما عندنا تخطيط و لا ترتيب مع زول... أنحنا بنخطط بَرَانا...)
و يبدوا أن التخطيط (أمر رباني) خالص كما ذكر حِمِيدتِي مرراً و تكراراً في أحاديثه السابقة ، أما العتاد و الأسلحة و الدعم و السند له و لمليشياته قد تم توفيرها من العون الذاتي!!! ، أو ربما من ريع جبل عامر!!! ، أو من إيرادات شركات الجنيد و أخواتها!!! ، أو كما إدعى حِمِيدتِي و قادة و مستشارو مليشيات الجَنَجَوِيد من أنها قد أتت من مخازن الجيش الذي أعلن أن إنسحاباته/تراجعاته من المدن و إخلآء الحاميات إما أنها ”عمليات تكتيكية“ أو كانت بسبب نقص العتاد و الذخيرة!!! ، و هذا الإدعآء الجَنجَوِيدِي و التبريرات الكيزانية المضادة مما يضع/يحشر المراقبين و المواطنين في خانتي نَصَدِّق مِنُو؟ و نَكَضِّب مِنُو؟...
و يبدوا أن حِمِيدتِي قد إستدرك مدى كره المواطنين لمليشياته لما لمسوه منها من خشونة و غلظة في السلوك ، و لما أصابهم منها من قتل و أذى جسيم ، و لما لحق بممتلكاتهم و مقتنياتهم من دمار و أضرار بالغة ، و ما ترتب على كل ذلك من معاناة و مآسي:
(بعدين برضو أنا شايف ناس المدن مِتخَوِّفِين... عامل ليهم هلع إنو الدعم السريع...)
و كأن صاحب المليشيات يود أن يوحي إلى مستمعيه من مشاهدي الڨيديو ، و آخرين من دونهم ، أنه لا توجد مبررات (لِتَخَوُّف) ناس المدن و (هلعهم) من وجود مليشيات الجَنجَوِيد في الجوار ، يقول حِمِيدتِي ذلك و هو يعلم جيداً في قرارة نفسه مدى نفور (ناس المدن) و البوادي و آخرين من مليشياته و ممارساتها و أفعالها الشِّينَة و المشينة التي تبعث في الأنفس (الخوف) و الرعب و الهلع و الغثيان ، و من المأكد أن حِمِيدتِي قد سمع و قرأ و رأى بأم عينيه و شاهد كيف أن ملايين السودانيين (الخآئفين) قد تركوا بيوتهم في المدن و القرى و البوادي و أشغالهم و فروا (مرعوبين) من عمايل مليشياته...
و مؤخراً ، و عقب إجتماعات جنيڨ حول الأوضاع في السودان ، جآء في الأخبار أن محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدتِي) قآئد مليشيات الجَنجَوِيد قد أصدر (أمراً إدارياً إستثنآئياً) لجميع قواته ، بما فيها (قوة حماية المدنيين) ، حول عدد من الإلتزامات الخآصة بتعزيز ”حماية المدنيين“ و تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية ، و دعى حِمِيدتِي جميع القادة في المستويات كآفة للتقيد بالأوامر ، و تنفيذ التعليمات و قواعد الإشتباك أثنآء القتال بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني ، و أن كل من يخالف هذه الأوامر يعرض نفسه للمسآءلة القانونية!!!...
و كما الڨيديو فقد أثارت التصريحات العديد من التعليقات و التسآؤلات:
- هل هذه الأوامر الإدارية ”الإستثنآئية المشددة“ تعني أن الأمر الطبيعي لدى مليشيات الجَنجَوِيد هو عدم حماية المواطنين و (تخويفهم) و مضايقتهم و عدم الإلتزام بقواعد الإشتباك و القانون الدولي مما لزم الإصدار؟...
- و هل إصدار هذه الأوامر يعني الإعتراف الضمني بأنه قد حدثت ، و ما زالت تحدث ، إنتهاكات و إعتدآءات و فظاعات من قبل مليشيات الجَنجَوِيد تجاه المواطنين السودانيين (الخآئفين)؟...
- و هل إصدار مثل هذه الأوامر يعني أن حِمِيدتِي قآئد مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) يعلن/قد أعلن رسمياً إنتهآء مرحلة القتل و (التخويف) و الإرهاب و التهجير و التدمير و النهب و الشَّفشَّفَة و بداية تكوين الدولة ”المدنية“ الفيدرالية في المناطق (المحررة) و ما (سقط) من المدن و الحاميات الواقعة تحت (حمايته/سيطرة قوات حمايتي)؟!!!...
حاشية:
و (حمايتي) هو اللقب الآخر لمحمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدتِي) ، و قد أطلقه/أسبغه عليه المخلوع عمر البشير...
الدلآئل و الشواهد و الوقآئع و الأحداث تأكد أن مليشيات الجَنجَوِيد ما هي إلا مجموعة عصابات إجرامية تم تجميعها و تكوينها من جماعات الرَّبَّاطَة و الهَمبَّاتَة و النَّهَابَة و الغَنَّامَة و القتلة و رد السجون ، و أنها تعمل دون رقيب أو حسيب ، و أنها تعمل في المناطق المختلفة بإستقلالية تآمة و بالإرادات الذاتية لقياداتها الميدانية و جنودها الذين تشير الشواهد و الأدلة إلى أن بعضاً/كثيراً منهم ربما يعانون من الأمراض النفسية و العاهات الإجتماعية و الأحقاد العرقية و المرارات الجهوية ، الذين لا تقيدهم قيم أخلاقية ، أو تردعهم نظم قانونية ، و لا يخضعون/يذعنون لتوجيهات أو (أوامر إدارية) من قيادات عليا مركزية حتى لو كانت ”إستثنآئية“ أو ”مشددة“!!!...
و الشاهد هو أن حِمِيدتِي و قيادات المليشيات المتمردة تعلم ، و فات أَضَانها ، إعتدآءات المليشيات و الفظاعات لكنها تآثر/قد آثرت الصمت أو أنها قد تعودت على رمي اللوم على ”متفلتين“ ، و أنها لهذا الشأن فقد أنشأت قوة (حماية المدنيين) ، و أنها تعاقب المسيئين ، هذا و قد ذكر مواطنون فارون من أمام مليشيات الجَنجَوِيد و آخرون لم يقووا على الفرار أنهم يَ
طرِشهم و يعميهم ، و أضافوا أنهم ما زالوا خآئفين و مرعوبين و ما مصدقين ما حدث و حصل من أهوال...
و الشاهد هو أن هذا الصمت قد شجع أفراد مليشيات الجَنجَوِيد على (إسقاط) المزيد من المدن و (تحرير) الأراضي و تفريغها من السكان و المقتنيات و شَفشَفَتَها مستخدمين في ذلك أدوات/أليات (التخويف) و الترويع و الإرهاب مع الإفراط في عمليات القتل و الإغتصاب و الإذلال و السلب و النهب و التخريب...
الخلاصة:
هنالك من يرى أن علم صاحب المليشيات بالممارسات و الإنتهاكات هو ما دفعه إلى إصدار تلك الأوامر الإدارية ”الإستثنآئية المشددة“ حتى يكسب ود ”المجتمع الدولي“ و ما تبقى من قاطني ما سقط من المدن و القرى...
و هنالك من يرى في إصدار الأوامر إعتراف غير مباشر بأن مليشيات الجَنجَوِيد لا تلتزم بحماية أمن المواطنين السودانيين و لا بقواعد الإشتباك و لا بالقانون الدولي و لا تعيرهم أدنى إهتمام/إحترام...
و قد يحسن بعضٌ من الناس الظن بصاحب المليشيات (حِمِيدتِي/حمايتي) و يفترضون أنه لا/لم يكن يعلم بممارسات مليشياته تجاه المدنيين لكنه لما علم بها صحا ضميره النآئم/الغآئب فأصدر من فوره الأوامر الإدارية الإستثنآئية المشددة!!!...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء