خاتمة أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها

 


 

 

د. حسن حميدة – ألمانيا

سوف لن تقوم لهذا البلد "السودان" قائمة إذا لم يتدارك أهل السودان أمرهم، ويحاولون الاتفاق فيما بينهم. يأتي هذا قائما على هيبة الدولة وتفعيل المؤسسات القوية، المبنية على الوطنية الحقة ونكران الذات والعطاء بلا حدود من أجل بناء سودان المستقبل. أن يتقبل السودانيون بعضهم البعض، ولا يختلقوا العداءات البغيضة فيما بينهم. العداءات المبنية على مبادئ التهميش والتفرقة والعنصرية التي تعكس للعالم صورة سلبية عن شعب يشبه بعضه، ولكن ينكر الانتماء لبعضه البعض.

لقد عدنا ندق النحاس لنحارب بعضنا بدلا من أن نستعد لمحاربة كل دخيل علينا. لم نعد نطرب لدقات النقارة ونتمايل طربا لرميات المردوم. لم تعد تطربنا موسيقى الكمبلا بقرون على الرأس وسعف على الخصر وجلد وصوف على الأذرع وحجول وكشاكيش على الأرجل.و لم نعد نمشي طربا خلف نغمات الكيتا صباح الأعياد. ولم يعد يحرك فينا دق النوبة وملامسة الطار هاجس روحاني. بل لم نعد نبتهج باحتفالات الكريسمس وشم النسيم، واحتفالات رأس السنة والاستقلال.

فالننظر لآخر التقليعات الحديثة في مضمار السياسة السودانية التي تعتبر دخيلة علينا ولا نعرفها من قبل: لقد تفرقنا إلى أهل دار صباح، ودار غرب. وصارت لا تعني لنا الثورة المهدية بأكملها شيئا، بل صار لا يعني لنا استقلالنا الغالي والمجيد من المستعمر بعد استعباد وذل وزجر إنجازا نفتخر به، متحررين من أغلاله ومستمتعين بالحرية. ويتلخص هذا في نكران فضل دولة 1956 التي كنا بالقريب نفتخر بها، نحتفل بها ونرفع راياتها فرحا وابتهاجا وفي شتى ربوع الوطن الحبيب.

ثم تأتي من بعد ذلك آخر تصفيفات الموضة الباهرة، المتمثلة حتى في محاولة نكران أسماء وأصول القبائل التي ننتمي لها. وهذا لأنه لا تعني لنا أصول الأسرة ولا الشجرة الجينية في حد ذاتها شيئا، وكل هذا من أجل طمس الهوية المنبوذة عندنا أبديا زكهكا كلف الأمر من ثمن. التنوع الإنساني الفريد الذي كان له أن يصبح لنا "ظاهرة تعددية نادرة" نفتخر بها بين الأمم، صار إحدى أكبر نقاط ضعفنا الأثنية والعرقية والإنسانية والإجتماعية على حد سواء. وعلى نطاق عالمي، مازال ر البحث يدور عن أصول الإنسان وهويته المفقودة، بما فيه في الدول المتقدمة والمتحضرة وبكل السبل لكي تجدها وتعرفها تاريخيا وعلميا واجتماعيا وثقافيا، مستخدمة في ذلك حتى آخر التقنيات التكنولوجية والعلمية الحديثة كالذكاء الإصطناعي وهندسة الجينات الوراثية. وهذا ليس حصرا فقط على بني الإنسان، بل يمتد حتى لعالم الحيوان. هنا كمثال محاولة إعادة إستنساخ الماموثات الصوفية االمنقرضة، وإعادتها أنفاسها للحياة مرة أخرى بعد إنقراض آخر أفرادها قبل أربعة آلاف عام.

بدلا من أن نتجاهل عمدا، عمل الإدارات الأهلية وقوامها من نظار وعمد وشيوخ، وننكر إنجازاتهم في حل مشاكل القبائل الشائكة من قبل فترة الحكم التركي العثماني، كان الأفضل لنا أن نطور الإدارات الأهلية، ونؤهل طواقمها مبكرا، وكل من يتوجب عليه أن يصبح هيكلا فاعلا عبرها، في المجتمع السوداني القبلي المتشابك. وللأسف ما زالت مشاكلنا مستمرة حتى الآن ومن دون وجود الحلول، بوجود الإدارات الأهلية أو بعدم وجودها، مثالا لذلك، التفرقة اللونية الشائعة بين "الحمرة والزرقة"، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه. السؤال المهم هو أين يوجد الخلل، أهو خلل إداري أم يكمن الخلل في أنفسنا نحن؟

يليه نكران فضل الطرق الصوفية التي لم يعرف عنها يوما انتماءها السياسي لحزب من الأحزاب كما هو عليه الحال في بقية التيارات الدينية الأخرى المتزمتة والمتطرفة والدخيلة على السودان. الطرق الصوفية التي دخلت السودان ومنذ الأزل، ناشرة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف بالقبول والرضا ومخاطبة لقلوب وعقول الناس بما يفهمون ويستوعبون. دورها الاجتماعي في إكرام إنسان السودان ولم شمله بعد تشتت، والتي قامت بتلقينه آداب المجتمع والأصول، وإلا كان أو ما زال يمشي عاريا بين الجبال والوهاد والصحاري. ننسى مناسبات المولد النبوي الشريف الذي يحتفل به أغلبية المواطنين في كل بقاع السودان، ويشارك في الإحتفال به مواطنين من ديانات أخرى تحب الطرق الصوفية ووتتعلق بدراويشها. ولا نرى تلك القباب التي تتوزع على إمتداد السودان، الصروح الواقفة والشامخة منذ الأزل، التي نقوم بإنتهاكها، وتدميرها وحرقها.

لنقف هنا مع أنفسنا ومع دور الصوفية وأهلها في هذه الحرب وقفة صفاء، والدور الذي لعبه أهلها في سقي العطشان وإطعام الجوعان ومعالجة المريض، ومواراة الميت الثرى بعد غسله والصلاة عليه في جمع. ونتساءل: أين كان أصحاب التيارات الدينية الأخرى ناشرة العداوة بين الناس، الذين لم نعرف عنهم غير حمل الفتنة لربوع الوطن الآمنة والازدراء على أهل الصوفية بشتمهم وسبهم؟ أين كانوا هؤلاء الذين لم نعرف عنهم غير ارتداء الجلابيب اللامعة والعمامات ناصعة البياض؟ تراهم يرتجلون المنابر، يخطبون في الجمع بالكلمات المجلجلة والأصوات الرنانة. ألم يكن من الأفضل لهم أن يعملوا كما عمل أهل الصوفية من أعمال الخير للمواطن وقت الضيق؟ وكان مسيد الطريقة القادرية ببيت المال في أمدرمان مثالا حي، وكانت دار الطريقة البرهانية بديوم الخرطوم مثالا آخر؟

أخيرا يأتي شكرنا لنشيطين الطرق الصوفية وأهلها باحترافية، محاولين الرمي بها في مواقع لا تناسب الدين، ولا تناسب بساطة الدروايش ولا تناسب تقشف المريدين، ولا تناسب وقار الشيوخ. ولا نريد هنا التمادي في الحديث الكثير، ولكن يجب علينا الآن أن نلخص هذا في قليل من الكلمات، وهو من ليس له قديم، لا يأتي بجديد. علينا أن نتفق أولا حتى نخرج قاربنا المتوكر في الغرق إلى أذنيه بلر الأمان بدلا من الإختلافات والمهاترات الغير مجدية، وهذ حتى لا نصير مهزلة أمام الدول المنتهزة لمشاكل الغير، والمنظمات المنتفعة من مشاكل السودان وحروبه وتناحراته الداخلية التي لا تعني لهم شيئا كما نرى الآن.

ما نفلح فيه هو تصنيف الناس إلى جلابة وغير جلابة، ويأتي هذا للأسف أحيانا من أكثر الناس تعلما، أو من هم جزء لا يتجزأ من هذه التسمية بانتمائهم وامتزاجهم. ولا تزيد ولا تنقص هذه التسمية "الجلابة" من قيمة المسمى شيئا. ويدحض أهل الخبرة والمعرفة والصلات الطيبة بأهلهم، أن هذا التصنيف ما هو إلا طريق لنشر الفتنة بين الناس لا غير. فما عيب الجلابة الذين لم يمارسوا نهبا مسلحا، ولم يسطوا على ممتلكات الآخرين لأكل المال الحرام بالنهب والسرقات سحتا. تراهم يجوبون الأرض حفاة في عمل تجاري شريف، ويستقبلون من أهل كرام في الفيافي والبوادي بالحفاوة والترحاب. وفي ترحالهم وحلهم كانوا دائما نذر الخير والنفع للناس، يأتون للمواطن بالغذاء من الزيت والدقيق وغيره، ويحضرون له حتى الضروريات من معجون الأسنان والصابون والمطهرات، بما في ذلك صابون الفنيك والديتول. وكثير من المنتجات التي تطلب، لا تلقى طريقها المتعرج والشائك لطالبيها إلا عن طريق ما يسمون بالجلابة، الشجعان والكرماء والأمينين. هل كان هذا هو جزاء الجلابة الذين يتركون الأهل من زوجة وبنت وولد، لكي يزودوا أهلهم في القرى والحضر بما يحتاجون إليه من الضروريات؟ وفي كثير أحيان دافعين للثمن بأغلى الأثمان، بأن تنهب ممتلكاتهم نهبا مسلحا، أو بأن لا يعودون أبدا لأسرهم، فاقدين لأرواحهم الغالية من أجل الآخرين. لقد أتى الوقت الذي يجب ألا يكون فيه السعي اللاهث وراء كراسي السلطة الملعونة هو المحرك الأولي لكراهية الأهل ومقت الآخرين ومن دون حق أو مبرر يذكر. لقد آن الأوان لنا الآن لكي نراجع أنفسنا في أمر الجلابية "زينا القومي الرجالي الذي نفتخر به بين جاليات العالم" زأمر كل من يرتديها. أن نبحث عن مصدر كل هذا الغبن الدفين، لكي نصون كل شيء يوصف بأنه جميل في سودان الحبيب.

علينا ألا نكون سوقا عامرا لكل المسترزقين الذين لا يهمهم مستقبل السودان، ولا تهمهم هموم مواطنه. فإذا اشتعلت نيران الحرب وتوهج لهبها يوما، غادروا أصقاع البلاد مهرولين، ويحملون معهم حتى قططهم وكلابهم، تاركين لإنسان السودان لأن يتذوق مرارة الحرب ويتلظى نار القتل. وإذا حل السلم، وعم السلام ديارنا يوما، أتونا من كل حدب وصوب ضاحكين في وجوهنا بمقت "نحن السودانانيين المساكين من دار صباح ومن دار غرب"، وقائلين لنا بمكر ودهاء: لقد أتينا لمساعدتكم أنتم العاجزون عن مساعدة أنفسكم.

ونصدق نحن وقتها للقول، ونكون نحن الأغبياء والجهلاء حينها أمام أعينهم، التابعون لغيرنا بمشاكلنا وحروبنا وتناحرنا واقتتالنا فيما بيننا. والدافعين لثمن الطلق الناري والقنابل والمتفجرات والسيارات والدبابات والطائرات التي نتحارب بها ونقتل بها أنفسنا. والتي تحترق في كل يوم ويتناثر رمادها هباء، بدلا من أن توظف لتحرس أرض السودان وأهله، وتحفظ أمنه وحدوده المعتدى عليها من دول الجوار. ولا فائدة من ذهب ينقب عنه، ولا فائدة من ثروات وموارد تملأ عين الشمس نفتخر بها تبجحا. ولنتحارب، ونبرع في الحرب، ولا أحد غلب، ولا أحد انتصر، ولا أحد كسب. ؟؟فهلا أتى الوقت الذي يتوجب علينا نستيقظ فيه للعمل بوطنية؟؟

قبل الختام نذكر بأهم أبعاد هذه الحرب الشعواء في أثنين وعشرين نقطة، ونأمل أن يعمل المختصون على النظر فيها بتأن ومراجعتها، تحت مظلة سلام دائم، وفي ظل حكم ديمقراطي عادل، بين أفراد مجتمع سوداني متعدد، يتمتع بالوحدة والاستقرار:

البعد النفسي: يجب ألا ننسى التأثير النفسي لهذه الحرب على مواطن السودان، خصوصا الأطفال والشباب وكبار السن والمرضى منهم. يجب متابعة حالات الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب من قبل ذوي الاختصاص، ومعالجة هذه الصدمات على المدى البعيد. وننبه هنا بأنه توجد صدمات خفية للحرب، ربما تأكدت لاحقا وبعد عودة المواطنين لديارهم.

البعد الصحي: يجب وضع جداول عمل لمتابعة الصحة العامة لمواطني السودان من بعد الحرب. أن يخضع كل مواطن لفحص طبي وكشف بدني عام، وهذا حتى وإن لم يكن يعان من مرض أو أعراض مرضية، لأن هذه الخطوة تعتبر خطوة وقائية أولى. كما يجب التدقيق في فحص المرضى الذين غادروا ديارهم أو بلادهم، وهم يعانون من مرض معين بغياب الطبيب والعلاج معا.

البعد الوقائي: يجب أن تخضع بعض الشرائح العمرية للفحص الطبي الدقيق، خصوصا لتحديد النقص الذي يمكن أن ينتج في بعض العناصر المهمة في الدم بسبب سوء التغذية والضغوط البدنية والنفسية أثناء الحرب. هنا على سبيل المثال فحص اليود والزنك والحديد والكالسيوم والفسفور والبروتينات للأطفال والشباب والحوامل والمرضعات وكبار السن والمرضى.

البعد التعليمي: يجب أن تضع خطط تنفذ عمليا بعد الحرب، لكيفية مواصلة التعليم في السودان. وهذا يشمل التعليم ما قبل المدرسي، بتهيئة دور الحضانة ورياض الأطفال، ثم التعليم المدرسي بكل مراحله، والتعليم التقني، والتعليم الجامعي. أن تضع إستراتيجيات مدروسة في كيفية تعويض الفصول أو الأعوام المفقودة، على سبيل المثال بعمل كورسات تكميلية مكثفة.

البعد الاجتماعي: يجب أن توضع بعض الشرائح الاجتماعية المتأثرة بالحرب في الاعتبار، على سبيل المثال، كيفية صيرورة حياة الناس، ومن هو بلا سند كأطفال الملاجئ أو كبار السن في سن متقدمة، أو الأطفال الذين يعيشون في الخرابات والشوارع، أو من هو على قيد الحياة، ولكنه محدود الحركة بسبب إعاقة نفسية أو جسدية أو مرض مزمن. كلهم يحتاجون لمساعدة تبن على الأمد البعيد.

البعد المعيشي: يجب أن توضع تحوطات لمعالجة الأحوال المعيشية للمواطن في مرحلة ما بعد الحرب. ويأتي هذا عند فقدان المواطن العامل والمنتج لعمله أثناء الحرب، ثم البداية الجديدة من أجل كسب العيش بعد تجريد وإفقار. لا بد هنا من تأسيس صناديق شفافة لدعم عيش المواطن فور انتهاء الحرب وإحلال السلام. وهذا حتى لا يواجه المواطن عقبات كبيرة في إمكانية وجود سبيل ملائم للعيش الكريم.

البعد البيئي: يجب أن تبدأ الأعمال البيئية مبكرا، ويستحسن أن تضع خطط لإنجازها الآن. وتكون هذه الأعمال شاملة، تهتم بصحة الهواء والماء والتربة والغذاء والشوارع والمنازل والمؤسسات. وهذه تشمل جمع النفايات المتناثرة، دفن الجثث المنتشرة، القضاء على الكلاب والقطط الضالة والقوارض الضارة والطيور الجارحة وبقية الحيوانات المسعورة، ومكافحة ومحاربة العقارب والثعابين في أمكنة وجودها.

البعد الطبيعي: يجب وضع خطط ملاءمة لكبح جماح الآثار التي ترتبت على صحة الحياة البرية في السهول الوديان والغابات الموجودة في السودان من جراء الحرب. أن تحصر هذه الآثار وتوضع لها جداول عمل، يمكن عبرها صياغة حلول للآثار المترتبة على الثروة الغابية والنباتية والحيوانية، والعمل من أجل إعادة وضع المحميات الطبيعية في السودان لحالها الأول وتحسينه بعد تأثره من جراء الحرب.

البعد الأمني: يجب أن يبسط الأمن في كل ربوع البلاد بعد نهاية الحرب. الشيء الذي يبني على إعادة النظر في ملفات معتادي الجريمة ونزلاء السجون الهاربين ومتابعة تحركاتهم وأعمالهم بدقة. كما يجب النظر الدقيق في سجلات حق الإقامة لضبط الوجود الأجنبي في كل أقاليم السودان. وأن تمهد وتنظم سبل العودة العاجلة للمواطن السوداني إلى موطنه ودياره من مواقع الهروب داخليا، وخارجيا من دول الشتات.

البعد الدفاعي: يجب أن يعاد النظر في قوة السودان الدفاعية الموحدة. أن تتم هيكلة الجيش لجيش موحدا، ينضم إليه مجموع الحركات المسلحة بروح دفاعية وطنية تتفانى في تماسك السودان ووحدته وشأنه. أن يضع حدا حاسم للقوات والحركات المسلحة الموازية للجيش، من أجل وضع حد للتفلتات والجرائم الأمنية. وهذا بداية بجمع كل أنواع السلاح المتداولة حاليا في الحياة المدنية ودفع ثمنها الأصلي لملاكها من المواطنين.

البعد الشراكي : يجب أن تعد الأحزاب نفسها مبكرا لخوض انتخابات ديمقراطية نزيهة ونظيفة. أن تبني الأحزاب على مبدأ تجديد الدم في عروقها بمشاركة الأجيال الجديدة، مع المحافظة على دور الشخصيات التاريخية والقومية في نهضتها. أن لا تسوق للمواطن الأوهام ، بمحاولة العمل السياسي من خارج البلاد. فعلى كل من يريد ممارسة العمل السياسي أن يحضر لممارسته في أرض السودان، وليس من خارج أرض البلاد.

البعد الاستقصائي: يجب أن يعاد النظر في الأطياف السياسية والدفاعية التي شكك في أمرها، بأنها أطياف سياسية تستحق الاستقصاء من خشبة المسرح السياسي. ربما كانت أحيانا المشاركة مصحوبة بالمتابعة الدقيقة بديلا للاستقصاء، ولكن يتطلب الأمر هنا نظاما ديمقراطيا قويا، لا يسمح بعمل هذه الأطياف السياسية عند تطاولها على النظام الديمقراطي. كما لا بد من أن تعيد بعض الأطياف السياسية النظر في برنامج عملها السياسي، لكي تتحول من موقع المتفرج إلى موقع المشارك سياسيا.

البعد التنموي: يجب أن يهتم السودان مستقبلا بالتنمية المتوازنة بكل أنواعها، خصوصا مشاريع التنمية المستدامة في القرى والأرياف التي توصف من قبل سكانها بأنها مناطق مهمشة. أن تضع أسس إحصائية دقيقة لعمل هذه المشاريع لكي تبين كيفية تمويلها ونتائجها بعد نهاية كل عام. أن يكون سكان هذه المناطق موضوعين في الصورة منذ البداية في سبل توزيع المشاريع ونجاحها.

البعد الاقتصادي: يجب أن توظف عائدات ثروات وموارد البلاد في الاكتفاء الذاتي للمواطن أولا، خصوصا في قطاعات الأمن الغذائي، ومن ثم تصدير الفائض لدول أخرى بغرض التجارة. كما يجب أن توظف عائدات كنوز الأرض لخدمة المواطن، خصوصا في النهوض بقطاعات مهمة كقطاع الصحة والتعليم والطاقة والصناعة والمعمار والبنية التحتية.

البعد الثوري: يجب علينا إلقاء النظر في قوام الثورات ومظاهراتها. وهذا بعد أن تبين للمتظاهرين الجادين فعلا، ما هي العناصر التي يمكن أن تحتوي عليها ثورة أو مظاهرة. هناك من الناس ما لا يعنيهم هدف الثورة الحقيقي. يأتون لأماكن تجمعات المتظاهرين من باب الفراغ ولأغراض شخصية لا تخدم الهدف المنشود. الشيء الذي تنتج عنه ممارسات شاذة وغير اجتماعية لا تليق بثورة ولا مظاهرة ولا بشخص له قضية أو مشكلة، يسعى جاد لوجود حل مستدام لها.

البعد الخطابي: يجب علينا إعادة النظر مليا في اللغة المستخدمة في الثورات والمظاهرات من أجل التحول الديمقراطي السليم. ألا نترك مسرحها لأشعار لا تليق بآداب الشارع السوداني العام، ويكون شعراؤها من الغواصات بدلا من فطاحلة الشعر وقاماته أمثال محمد مفتاح الفيتوري ومحمد المكي إبراهيم وهاشم وصديق. حتى اللغة الإصطلاحية "الترمينولوجي" المستخدمة منذ أمد وحتى أثناء هذه الحرب لا تتوافق مع آدابنا التربوية ولا تناسب مفاهيمنا السودانية المعروفة.

البعد الدبلوماسي: يجب أن يفعل العرف الدبلوماسي في خدمة السودان كقطر. أن تتخذ مواقف واضحة تجاه بعض الدول الداعمة للحرب في السودان، متمثلا في مواقف جلية ضد نظام الحكم الشمولي الهاضم لحقوق شعوبها. وهذا مع مرعاة أواصر الصداقة التي تربط السودان مع شعوب هذه الدول المعنية، التي هي حقيقة مغلوبة على أمرها بالحكم الشمولي وغير المستدام، والذي هو في طريقه للزوال الأبدي على المدى البعيد.

البعد الاستشاري: يجب أن يؤسس مجلس استشاري مستقل في السودان، يمكن أن يطلق عليه "المجلس الأعلى لحكماء السودان"، الذي يتيح الفرصة لأن يحتكم له أهل السودان في المسائل الوطنية المستعصية. ويجب أن يكون هذا المجلس ضاما لحكماء وأهل اختصاصات حقيقية، بشرط أن لا يكون لكل عضو فيه انتماء سياسي. وأن يكون من مميزات هذا المجلس الاستقلالية والكلمة الأخيرة قبل تنفيذ أهم القرارات، من دون تدخلات مؤثرة، ومن أجل مستقبل السودان ووحدته.

البعد الإنساني: يجب على أهل السودان أن يحفظوا للدول المجاورة والدول الصديقة، الجميل الذي قاموا بفعله تجاههم في تقديم المساعدة لهم أثناء هذه الحرب. ونعني هنا الدول التي فتحت بوابات حدودها لأهل السودان وقت الذروة لكي يصلوها بسهولة ويتخذوا منها وطنا ثانيا لحين. وفي مقدمة هذه الدول تأتي دولة أرتريا الجارة والصديقة حكومة وشعبا. يأتي هذا متزامنا مع إغلاق دول أخرى لحدودها، موصدة لأبوابها في وجه السودان الذي ظل يستقبل كل من فر منها لكي يستقر.

البعد القانوني: يجب ألا تترك جرائم الحرب من دون محاسبة. محاسبة كل من تسبب في الحرب، ومن قام بتأجيج نارها، ومن قام بالاعتداء على المواطن ودياره وممتلكاته وأعراضه. محاسبة كل من تسبب في قتل الأبرياء من الناس في الشوارع والمنازل والمؤسسات. محاسبة كل من قام بدفن المواطنين وهم أحياء، أو من قام بالتمثيل بجثثهم بعد الموت، لأنه حتى للموتى إكرام.

البعد الرياضي: يجب أن يوظف الجانب الرياضي في خدمة السودان ومواطنه في كل أقاليم السودان. وألا تنحصر أنواع الرياضة في نوع واحد فقط، وهو كرة القدم. فكما يبرهن لنا أهلنا في جنوب السودان، ماهي إمكانات السودان الكبير، على سبيل المثال في كرة السلة. لنا أن نوسع في أنواع الرياضة لتشمل كل الأنواع، خصوصا التي نمتلك مقوماتها، لترفع إسم السودان عاليا، ولتكن سبيل أمثل للتواصل بين أهل السودان.

البعد الثقافي: يجب أن تسخر إمكانية الدولة "عند إنشائها وتهيئتها مجددا" في سبل التواصل الثقافي بين أهل السودان. أن تعمل المؤسسات الثقافية من أجل تقريب وجهة النظر بينهم. وهنا يمكن أن يتحقق ذلك عبر إحياء عمل المسرح والسينما والراديو والتلفاز والمعارض الفنية ووالندوات الثقافية والزيارات المتبادلة من اجل التواصل، وكسر حاجز التهميش المبني على التجاهل والسطحية.

ختاما: نعتذر للقراء الكرام لطول المقالات التسعة عشر المنشورة. ويأتي هذا لأهمية الموضوع، وصلته المباشرة بأبعاد هذه الحرب التي قصمت ظهر السودان وأهله في الداخل والخارج. سبب هذه الحرب في تعطيل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وحتى العام في السودان2030. الشكر الجزيل موصول للأخ الصديق، أستاذ طارق الجزولي لصبره علينا وإتاحته لنا المجال للنشر في موقعه المرموق "سودانايل". نأمل من المولى -عز وجل- أن تندمل كل جراح الوطن بعد عام من الحرب، وأن يعود كل غائب لأهله ودياره سالما وآمن. ودمتم في حفظ الله ورعايته. آمين يا رب العالمين.

(خاتمة أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها – سوف تجمع كل المقالات المنشورة لاحقا في شكل كتيب موسع بعد المراجعة والتدقيق، مدعوم بالمصادر والصور والتحقيقات التوثيثية لبعض جرائم حرب السودان ومنذ الخامس عشر من شهر أبريل للعام 2023).

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de

 

آراء