خترفات ود امنة :حكايات التاريخ الاجتماعي

 


 

 

لحظات المخاض وتاريخ مولدي راسخ في ذاكرة الأسرة لانه صادف وفاة جدي لامي وسبب الوفاة حساسية الصدر او الازمة وهذه من الاشياء التي ورثتها اسرتنا من جهة الام .
انجبتني امي بعد وفاة جدي مباشرة، وسمعت حكاية تروى فيما بعد يقال ان احدهم علق قائلا( الحمد لله الشافع ولدوه بعد وفاة جده ،والا كان يقولو عليه ولادة شؤم )،تحكي امي انها ولدتني (جنا سبعة) لم اكمل المدة المقررة (تسعة اشهر وكنت صغيرا ونحيلا ولم يتوقع احد ان احيا والداية التي اشرفت على مولدي رفضت ان (تحممني) ظنها انني لن اعيش وامكن ما ابقى زول ذاتو وحتى النسوة اللاتى اتين لحمدلة السلامة لامي وليس لمباركة المولود الذي يتوقع موته في اية لحظة كن يقلن لامي(البركة فيك وربنا يعوضك) سبحان الله كبرت وبقيت زول.
عمتي الهداية اخت ابوي من جهة والده، كان ظنها في الله كبيرا وثقتها فيه لا تحدها حدود وقالت للنسوان ( والله بكرة يكبر ويبقى راجل ).كبرت بين اخواني واخواتي ،وقالت امي انها كانت تتركني تحت ظل شجرة (اللوبا العدسي)وتذهب لممارسة حياتها ،تلقط البامية او اللوبا العفن او العدسي واقضي سحابة نهاري بهذه الحال ،وبدأت اجد تفسيرا لعدم احتمالي للحر ..
كبرنا في بيتنا الذي يفتح على البيت الكبير بيت حبوبتنا حرم المدينة ،بين اولاد خالتي الثلاثة بت الضو والسيدة وبتول وامي
كنا اطفال صغااار نسرح ونمرح بين ( الحيشان الثلاثة) وبين حوش اللمين ود طه خالي والخال شريك الوالد ،كنا نجله ونعزه ونقدره ونحبه اكثر ، وبقية اخوالي تفرقت بهم السبل خالي الصديق تزوج واستقر فى قرية ام مغد وظل بحكم عمله في المقاولات كثير التسفار ، وطه خالي استقر بعيدا من الحوش الكبير وتفرغ لدكانه وخالي محمد احمد توفي باكرا لم نره ، وعاش ابنه بعيدا عن الحوش الكبير ،لذلك كنا نرى في الامين والدنا الثاني و بحكم القرب الجغرافي والوجداني كبرت محبته في قلوبنا مع انه كان صارما وحاسما في كل الامور .
والدي عليه رحمة الله ،كان مزارعا وارتباطه الوجداني اكثر بقرية البنبوناب بحكم ان والدته من هناك ، كان يذهب الى مزرعته منذ شروق الشمس ويعود عند ( المغيرب) ويقضي ساعات نهاره بين اهله في البنبوناب ولديه منهج عجيب في التربية ،لا أدري من اين اكتسبه رغم انه كان اميا لكنه مستنيرا لا اذكر انه رفع سوطه او صوته علينا في يوم من الايام ، كان اذا لاحظ شيئا لم يعجبه يحدق فيك طويلا دون ان ينطق ببنت شفة وتفهم الرسالة وتغير سلوكك المشاتر فورا ويتولى الحاج اخوي ايضا النصح والارشاد والعقاب البدني ان دعت الضرورة اما ابوي يعتمد في توجيهه على طريقة البيان بالعمل والقدوة الحسنة .
كنت صغيرا احب المحاكاة وشديد الملاحظة والتعليق الفوري واقوم ببعض المقالب ، مرة جاءنا اسنانه بارزة الى الامام واعتقدت انه يضحك ،فقلت له( انت طوالي طوالي تضحك) فنظر الي والدي نظرة عتاب ..
اذكر كان يذهب بنا الى البحر ( النيل الازرق ) ويتركنا نلعب ونسبح (ونجلبق ) ثم يستدرجنا الى ( الكونية) وهى مكان اكثر عمقا ، ويتركنا لوحدنا نحاول الخروج منها مع المراقبة ..حتى تعلمنا السباحة ..
علمنا منذ الصغر ان نعتمد على انفسنا ، كنا نجمع النبق ونبيعه ونشترى بالقروش التي جمعناه ، مانريد ، كنت اشتري مجلة الصقر القطرية المتخصصة في الرياضة ومجلة الفيصل والعربى والدوحة والشياطين ١٣ .
كان والدى يستعين بمجموعة من النساء للعمل معه في جمع المحاصيل واولئك النسوة من اسرته ، واظن فكرته كانت تنبع من ( خيركم خيركم لاهله )وكنت واخواني نعمل معهن في جمع محصول الطماطم وكنا نشتغل معهن ويمنحنا نفس اجرهن وكنا نحمل صفيحة الطماطم ونذهب بها مسافة كيلو متر جيئة وذهابا منذ السادسة ص حتى الحادية عشر صباحا وبعدها نقوم بعزل النوع الجيد لحاله وهو الذى يذهب الى نقاط البيع بالسوق ، اما طماطم (الملاح ) نضعها لحالها ، وغالبا تقوم النساء بتصنيع الصلصة منها ونستعد للذهاب الى السوق ويخصص الوالد لكل منا صفيحتين من الطماطم نذهب بها الى السوق مع المزارعين ونتحرك عند الثالثة صباحا ،ونعود عند الحادية عشر صباحا .
سألت والدي مرة لماذا نشتغل طالما هناك عمال وعاملات فقال وكنت مراهقا (اذا اشتغلت بتتعلم ،ولمن تشتغل في حقك مع اخرين وتأخذ نفس الأجر عشان ما تحس انك احسن من العامل الشغال معاك ، ولمن تمشي السوق وتبيع صفيحة الطماطم حقتك دي بتعرف درب السوق) واكتشفت لاحقا الحاجة المهمة في هذا الاسلوب ،هى (استثمار فترة المراهقة في حاجة مفيدة تبديد طاقة المراهقة بالعمل الشاق ).
** صحفى واستاذ جامعى
khalidoof2010@yahoo.com

 

آراء