خطاب الإمام الصادق المهدي للدكتور التجاني سيسي بخصوص الملتقى الاقتصادي القومي
الإمام الصادق المهدي
2 December, 2013
2 December, 2013
الدكتور/ التجاني سيسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد-
الموضوع: الملتقى الاقتصادي القومي
نشكركم على دعوتكم لنا للمشاركة في الملتقى الاقتصادي، ونود مخاطبتكم بالنقاط التالية:
أولا: المشكلة الاقتصادية التي تعيشها البلاد صنعتها سياسات النظام الخاطئة. يتضح ذلك فيما يلي:
1. التوسع المخل في الصرف والإنفاق :
• توسعت الحكومة في الصرف الأمني والعسكري والسيادي ببنود صرف مفتوحة، لا تخضع لولاية وزارة المالية ولا لمراجعة المراجع العام. ومع أن الحرب تفتح أبواب الصرف على مصرعيها، كما ذكر السيد وزير المالية أن الحرب تصرف في اليوم إيراد شهر، فقد أضاعت الحكومة فرصاً حقيقية لتحقيق السلام مثل رفض اتفاق نافع/عقار 2011م، ورفض مقترح حل أزمة دارفور الذي قدمته للمرحوم مجذوب الخليفة عندما زارني وهو في طريقه للقاء حركتي دارفور في أبوجا 2006م.
• التوسع في الحكم الاتحادي: في الفترة من 1990 الى 2001م، تضاعف الصرف على الحكم الاتحادي 181 مرة، ارتفعت في 2005م الى 420 مرة عما كانت عليه من 1990م. (تكلفة الحكم الاتحادي: 240 مليون دينار في 1990م ، و 43.5 مليار دينار في 2001م ، و101 مليار دينار في 2005م).
• الفساد المؤسسي عبر: التصرف في المال العام بعيداً عن ولاية المالية فيما يعرف بالتجنيب. وحل مؤسسات الضبط والرقابة (التشييد والاشغال، النقل الميكانيكي، المخازن والمهمات، المشتريات الحكومية). هذا وغيره وضعنا ضمن قائمة البلدان الاكثر فسادا في العالم حسب تقارير الشفافية العالمية.
2. السياسات الخاطئة في جانب الإنتاج والدخل:
• إهمال قطاع الإنتاج الحقيقي، والاعتماد على الاستيراد في توفير السلع. ارتفعت فاتورة استيراد الغذاء من 72 مليون $ في عام 1990م الى 2.1 مليار $ عام 2012م ( تضاعفت 29 مرة).
• انعدام التخطيط: من أبرز نتائجه عدم التحسب لانفصال الجنوب. بترول الجنوب كان يمثل إيراداً كبيراً بلغ 70% من عائد الصادر، وحوالى 40% من الإيراد الكلى للسودان الموحد. مع هذا الدور الكبير لبترول الجنوب في اقتصاد البلاد، ومع المؤشرات التي كانت ترجح كفة الانفصال في الاستفتاء (أبرزها اتفاقية قسمة الثروة التي أعطت أهلنا الجنوبيين نصف بترولهم في السودان الموحد، وبالانفصال يحصلون على بترولهم كاملا). أضاعت الحكومة سنوات الفترة الانتقالية الست، فجاء البرنامج الثلاثي لاستحداث بدائل لبترول الجنوب في الفترة ( 2012 – 2014م)، بعد أن وقع الانفصال وفقدت الموارد وبددت عوائد البترول الضخمة (أكثر من 80 مليار$) وحدث العجز.
• قطع العلاقة مع دولة الجنوب، وإدخال بلف أنبوب البترول بين الجنوب والشمال في الحرب الباردة بينهما. يضاف لذلك فساد العلاقة مع الأسرة الدولية.
• لعلك تذكر أن مندوب صندوق النقد الدولي الذي زار السودان العام الماضي قد قال مهما اتبع السودان من سياسات اقتصادية صحيحة من الناحية الفنية فإن إعفاء الدين الخارجي مرتبط بمسائل سياسية السودان حالياً لا يستوفيها.
ثانيا: انعدام إرادة الحل لدى النظام: يدل على ذلك أمران:
1. التجاهل المستمر لمجهودات حزب الأمة لحل المشكلة، وأهمها :
• محاورة النظام ومخاطبته ومناشدته للتبصير بالمشكلة الاقتصادية (ضمن بقية المشاكل) واقتراح الحلول في عدة مناسبات.
• المشاركة في الحوار القومي بمبادرة ورعاية جامعة الخرطوم في يونيو 2012م.
• تنظيم المؤتمر الاقتصادي القومي في نوفمبر 2011م بالتنسيق مع القوى السياسية وبمشاركة فاعلة من الخبراء السودانيين والقوى السياسية. دعى النظام لفاعليات المؤتمر وشارك بممثلين دون المستوى القيادي.
2. النظام يهمل قرارات وتوصيات المؤتمرات والأوراق الاقتصادية التي تنظمها وزارة المالية وأجهزة ومؤسسات الدولة المختصة. مثال على ذلك:
• تقرير الاستراتيجية المرحلية للحد من الفقر والتي أعدتها وزارة المالية إضافة لوزارات الاختصاص في الربع الأول من 2012م: تحدث التقرير بلغة ناقدة للأوضاع والسياسات في البلاد، فأورد ارتفاع نسبة الفقر في البلاد؛ وأشار لأن التفاوت التنموي في البلاد أدى للهجرة من الريف للمدن مما سبب إفقار المناطق الريفية والحضرية؛ وأشار لارتفاع نسبة البطالة وإلى ارتفاع عدد من يعانون من الحرمان الغذائي. أمن التقرير على ضرورة التصدي للفساد، وأن الصورة التي تعكسها تقارير الشفافية العالمية لا تساعد على اجتذاب الاستثمارات ولا تخفيف عبء الديون ولا الحصول على المساعدات الميسرة. وأمن على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية.
• الملتقى الاقتصادي: نظمته وزارة المالية في نوفمبر 2012م في ختام السنة الأولى للبرنامج الثلاثي. جاء في التقارير المقدمة في الملتقى: إن استراتيجية احلال الواردات (المقررة في البرنامج الثلاثي) لم تحقق أهدافها، واستعرضت الأوراق تدهور الإنتاج وأسبابه. كما فصلت الأوراق المشاكل الاقتصادية، واقترحت المتطلبات الفنية للحلول؛ ولكنها أهملت جوانب هامة للتنفيذ، من أهمها توفر الإمكانيات التمويلية المطلوبة وتوفر الإرادة للتغيير.
تقرير الاستراتيجية المرحلية للحد من الفقر (2012م)، وتوصيات الملتقى الاقتصادي الذي نظمته وزارة المالية (2012م) توصيات صحيحة وتجد تأييداً واسعاً ولكن العلة في غياب الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذها.
ثالثا: الزيادات ورفع الدعم عن المحروقات:
• حكومة الإنقاذ رفعت الدعم عن السلع والخدمات منذ عام 1992م. الدعم الحالي للخبز والمحروقات نتج عن انخفاض قيمة الجنيه نتيجة للعجز الكبير في العملة الصعبة والذي أعقب انفصال الجنوب. استمرت الدولة في استيراد بعض السلع التي اعتبرتها استراتيجية بتخصيص الدولار بسعر أقل من سعر السوق لتكون في متناول المواطنين. بهذا فإن مبلغ دعم السلع المذكورة يكون في حالة زيادة مستمرة مدفوعاً بتدهور قيمة الجنيه، وبزيادة أسعار السلع المستوردة من الخارج. بلغ مبلغ الدعم للخبز والمحروقات لعام 2012م 4.2 مليار جنيه. برنامج رفع الدعم، حسبما قررته الحكومة في البرنامج الثلاثي 2012 – 2014م ، كان ضمن منظومة تتضمن تخفيض الإنفاق كل سنة بنسب 25% و 20% و20%، وتتضمن تولية المالية المال العام، وزيادة الإنتاج بالتركيز على زيادة الصادرات وإحلال الواردات. ولكن حدث العكس، فالإنفاق الحكومي زاد في سنتي البرنامج الثلاثي، وفشلت الحكومة في تولية المالية المال العام، وفشلت في إنتاج السلع المطلوبة. يزيد الطين بلة أن إيراد الذهب لهذا العام نزل لأقل من نصف إيراد العام السابق. هذا الوضع في ظل العزلة والمقاطعة الدولية التي يعيشها النظام تضع اقتصاد البلاد في حافة الانهيار.
• التقى ممثلو الحكومة بقيادات القوى السياسية في البلاد لشرح خطوة رفع الدعم التي رأوا حتميتها. هذا توجه حميد شكرناهم عليه وسلمناهم رأينا كتابة فيما يجب فعله. لكنهم للأسف أهملوا كل ما قيل وكتب لهم. ومضوا في تنفيذ برامجهم كما قرروها هم. فالزيارات لم تكن أكثر من برنامج علاقات عامة. إن الدافع الرئيسي لزيادات المحروقات والرسوم الجمركية والدولار الجمركي التي أعلنت في سبتمبر الماضي هو سد عجز الموازنة الكبير والمتزايد نتيجة لزيادة الإنفاق وتدهور الإنتاج. إن هذه الزيادات تلقي بآثار كارثية على معيشة المواطنين؛ وبالفعل فمنذ إعلانها ارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، مما قلل الاستهلاك. وسينتج عن ذلك أن الإيراد المتوقع من هذه الزيادات لن يتحقق. إن لهذه الزيادات آثاراً سلبية على الإنتاج الزراعي، لأنها تؤدى لرفع تكاليف الإنتاج أثناء الموسم الزراعي، وليس بالضرورة أن تقابلها زيادة في أسعار المنتجات.
المشكلة الأكبر أن هناك زيادات أخرى قادمة أعلنها السيد وزير المالية. إن المضي في رفع الدعم لسد العجز لن يصل الغاية المنشودة، فالعجز مستمر في الزيادة، كما ان مبالغ الدعم نفسها في حالة زيادة. هذا المسار يشير لأننا مقبلون على أوضاع اقتصادية بالغة الخطورة. أخطر ما فيها هو نذر ثورة الجياع التي بدأت إرهاصاتها في سبتمبر الماضي. الإحصائيات تقول إنه منذ 1990 بدأت أعداد النازحين في التزايد حتى أصبح نازحو السودان خمس نازحي العالم. أكثر من نصف نازحي السودان في الخرطوم، فأصبحت بذلك أكبر تجمع نازحين في العالم (بولاية الخرطوم اكثر من 10% من نازحي العالم)، ويمثل النازحون والعشوائيون حوالى ثلثي سكان الخرطوم. إن تبعات الزيادات وارتفاع تكاليف المعيشة ستقع عمودياً على الفقراء والضعفاء والنازحين وستحرمهم من أبسط متطلبات الحياة. هذا الوضع يمثل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، ولو حدث ذلك فستقضي على الأخضر واليابس. التعامل الأمني مع هذا الوضع لن يحل المشكلة وسيراكم أسباب أخرى للانفجار. فهؤلاء مواطنون سودانيون وضعتهم في هذه الظروف سياسات النظام الخاطئة. فالنظام اهتم بالخرطوم وأهمل الولايات المنتجة حفاظاً على كرسي الحكم. المدخل الصحيح للحل هو توزيع التنمية والخدمات على كل أهل السودان بعدالة.
رابعا: المخرج ( الوحيد) الممكن:
المشكلة الاقتصادية، كما سبق تفصيله، صنعها النظام بسياساته الخاطئة. فلا يمكن حلها بدون تخفيض الصرف وزيادة الإنتاج والدخل بشكل أساسي، وهذا لا يمكن بدون تغيير النظام وتغيير هذه السياسات. وهذا يتطلب اتفاقاً قومياً عبر آلية قومية. لتكون الآلية قومية بالفعل يجب ألا تكون تحت رئاسة وسيطرة حزب النظام أو أي من الأحزاب الأخرى. لابد من حيادة الآلية لإضفاء الطابع القومي. هذه الآلية القومية كان يجب أن يتم التشاور والاتفاق عليها، فلا تصبح حكم أمر واقع على المطلوب مشاركتهم وتقدم لهم الدعوة كضيوف. لذلك أحجمنا عن حضور الملتقى، وقررنا المناصحة برأينا.
ومع الاعتذار عن حضور الملتقى الاقتصادي لأنه ليس قومياً بمقاييسنا، ومع غياب الإرادة السياسية ستلحق توصياته بما سبقها من تحليلات وتوصيات مهما كان صوابها فسوف تلحق بسابقاتها، فإنني على استعداد لمقابلتك لتفصيل أية نقاط يراد تفصيلها في خطابي هذا.
المطلوبات بإلحاح لحل مشكلة الاقتصاد مدخلها سياسي: تكوين حكومة قومية انتقالية واسعة التمثيل لكل مكونات الطيف السياسي السوداني، لا تعزل احداً، رشيقة، تحقق السلام على الأرض، وتعيد وتبنى جسور التواصل مع الأسرة الدولية، و تتبنى برنامجاً اقتصادياً بمشاركة قومية للاتفاق على برنامج للتنمية والاستثمار توزعهما على كل البلاد استنادا على الجدوى والاستحقاق. هذه المفردات هي جزء من النظام الجديد الذى ظل يدعو ويكرر الدعوة له حزب الأمة.
رئيس حزب الأمة