(لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها)
عمر الفاروق
تعلم سيدي أن التأييد والاجماع الذي منحك له الشعب السوداني غير مسبوق، ولا حتى انتخابا في السودان الحديث المستقل. فانتخابات السودان منذ 1956 وحتى 1986 درجت على عدم منح أي حزب أغلبية يستطيع بها الحكم منفردا ولا شيء يدل على أن ذلك سيتغيرعلى الأقل في المستقبل المنظور.
كنت أنت يا حمدوك الاستثناء الوحيد الذي أيدته الأحزاب وباركته الحرية والتغيير وقبله الجيش واحتفت به لجان المقاومة ولو استعرضت بهم البحر لخاضوه معك بحماسة وسعادة.
وتلك نعمة هي من بركات ثورة ديسمبر التي تستحق الاضافة لقائمة البركات التي عدّدها الحبيب الامام الصادق في وقت سابق، فالحمد لله الذي جنبنا التشاكس حول من يقود الحكومة الانتقالية وجعل القلوب مجمعة عليك فكانت تلك خطوة مهمة ومفصلية.
بالطبع هذه المكانة وتلك الثقة الكبيرة ترهق من يحظى بها لأنها تحمله عبئا ثقيلا تنوء بحمله الجبال وتكلفه بذلا اضافيا لأنها محّملة بتوقعات بقدرها..
عن نفسي أرسل هذه الرسالة المفتوحة في بريدك مشفقة وحرصا على عدم إضاعة فرصة التحول الديمقراطي مثلما صرحتم في الجلسة التفاكرية حول المؤتمر الدستوري الذي نظمته منظمة السودان للتنمية الاجتماعية(سودو) السبت الماضي الموافق 12 سبتمبر.
ومثلما يفعل الحبيب آدم احمد يوسف نائب الأمين العام لهيئة شئون الأنصار الذي قال أنه يصحح لآل المهدي من مائة(اعترافا بفضلهم في الدعوة) لكن متى ما فارقوا معايير الجودة يخسف بهم الأرضين. وهذا موجود في تراثنا الاسلامي حيث تنفرد أمهات المؤمنين بمكانة خاصة لكن بالمثل يضاعف لهن العذاب ضعفين متى ما أخطئن، فأنا كذلك وغيري ملايين نصحح لك من مائة ونرجو أن لا يتغير ذلك.
عربون المحبة هذا متطلب جدا مثلما أسلفت وفوق ذلك ولكونه مرتبط بثورة وعي هو مراقب للأداء ومع استعداده الكبير للغفران وتفهم الظروف يحتاج للثقة وللمكاشفة ولأن يرى الناس نتائجا ملموسة لما خرجوا من أجله باذلين الدماء والنفس والنفيس.
لا أقول أنك تمتلك عصا موسى لكنك تمتلك هذا الاجماع حولك، الذي يمكنك بسياسات صحيحة وبعون الله و الناس من دق الصخر حتى يخرج الصخر زرعا و خضرة..
ومهما قيل عن أنه في عالم اليوم المؤسسية هي الأهم بينما يتراجع دور الفرد القائد لكننا نرى ونشاهد كيف يمكن للقائد أن يختصر المسافات نحو تحقيق الأهداف. و دور القائد الفذ يبقى مهما
مهما تعاظم دور المؤسسة خاصة في مثل عوالمنا التي لم يكتمل فيها البناء المؤسسي بصورة كاملة بعد.
فمثلا في حالة حكومة الثورة الانتقالية يستطيع قائد فذ يجد ما تجده من التأييد أن يطبق القرارات الصحيحة مهما كانت الجراحة مؤلمة. وأضرب مثلا هنا بالسياسات الاقتصادية السليمة التي تتطلب مثل هذا الإقدام والتي تتبلور في رفع الدعم وتوجيهه لمسار صحيح . في هذا الملف تستطيع تحقيق هذا الإصلاح المطلوب اعتمادا على ثقة شعبك وتأييده.
ولأهمية بقاء هذه الحالة من الرضا الشعبي في أوجها لضمان فترة انتقالية ناجحة يبدو صاعقا أن نرى من الاجراءات ما قد يؤدي للتقليل من التأييد والثقة الشعبية، مثلا:
1-عمدتم لتعيين الولاة دون التزام باصدار قانون ينظم عملهم ودون التفات لخصوصية هشاشة بعض الولايات.
2-أقلتم وزراء دون توضيح لازم ودون معايير محددة وفي حالة السيد وزير المالية تم ذلك في وقت في غاية الحرج لكونه راعي الاتفاق مع المؤسسات المالية التي يعيد تعاملها معنا الثقة في السودان ويعيد استيعابنا في المجتمع الدولي فاقالته في الوقت الذي أقيل فيه تؤدي لاهتزاز الثقة فيما نتخذ من اجراءات اقتصادية وسياسية.
3-تجاهلتم ما يثار حول تحكم بعض مستشاريكم في تسيير سياسة السودان ونحن لا نعرفهم ولم نخترهم ولكننا أجمعنا عليك أنت، مما يكرر لا سمح الله ما وقع فيه الرئيس مرسي من خطأ ترك أمر سياسة مصر لمرشد الاخوان المسلمين فخرج الناس احتجاجا على هذا التصرف الأخرق.
4-لم يتم تعيين الوزراء البدلاء حتى يوم الناس هذا مع خطورة ذلك على العديد من القضايا.
5-مناقشة ملفات خارج سلطة حكومتكم بحسب الوثيقة الدستورية مثل اتفاق المباديء مع القائد عبدالعزيز الحلو.
6-عدم اكمال تكوين المفوضيات حتى اليوم ومنها مفوضية سلام ليترك لها أمر متابعة ملف السلام.
7-تخليكم عن ملفات هي من صلب مسئولية حكومتكم ليرعاها الجيش مثل الاقتصاد ومثل السلام.
8-ليس هناك شفافية كافية تشرك الناس وتشرح لهم ما يجري.
9-كما تهاونت حكومتكم تهاونا ملحوظا في مسألة إعادة صادرات السودان من الضأن ونحن أحوج ما نكون لعائداتها، فما الذي منع الحكومة على مستوى رئيس الوزراء بمتابعة ذلك الملف حتى لا تعاد صادراتنا بسبب عدم مطابقة للمعايير ولنعلم ان كانت هناك أسبابا أخرى لاقعاد الدولة السودانية بإعادة صادراتها.
10-توريط السودان بلا سقوف في دفع تعويضات على أفعال سودان اليوم ليس مسئولا عنها وقد قدم تضحيات جسام من أجل اسقاط حكومة الارهاب التي ارتكبتها والشعب السوداني هو الأكثر تضررا من النظام المباد فكيف يتم تغريمه على موبقاتهم؟!
طمعي في مراجعة ما ذكرت أعلاه بلا حدود وهو ليس من باب عشم ابليس في الجنة، فقد أثبتم أنكم بشجاعة التراجع عن الأخطاء عدة مرات ،مثلا: (العدول عن خطاب الأمم المتحدة الأول، موقفكم الصحيح من التطبيع مع اسرائيل- برغم الاغراءات التي ربطت بين التطبيع وازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، تصريحكم الأخير لوفد مجمع الفقه الاسلامي عن أهمية الدين للسلام والاستقرار).
يبدو أن نجاح الفترة الانتقالية يكمن بعضه في المحافظة على كسب رضا الشعب الذي هو السند الذي يحميك يا دولة رئيس الوزراء من أنصار النظام المباد وكذلك من تمدد سلطة العسكر وتغولهم وكذلك يحميك من تمدد الأجندة الخارجية.
البعض الآخر يكمن في:
-تمتين الحلف المدني /العسكري.
- وفي توحيد الحاضنة السياسية واصلاحها عن طريق المؤتمر التأسيسي.
-وفي الاهتمام بلجان المقاومة والاستماع لمطالب الشارع .
دون ذلك ستفقد الحكومة التأييد وبالتالي السند الشعبي اللازم وهذا ما تنتظره جهات عديدة تتربص بالثورة: النظام المباد،الانقلابيون من العساكر، أصحاب الأجندة الأحادية، جهات خارجية.
فهل سننتبه لتلك المخاطر قبل فوات الاوان أملنا كبير في ربنا وفي استجابتكم لمعالجة ما يحتاج معالجة قبل فوات الاوان واملنا في شعبنا القادر دوما بعون الله على تقويم كل معوج.