لما بويع أبو بكر بالخلافة بعد بيعة السقيفة تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
{أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم}. ورد عليه أحد المسلمين ( بل نقومك بسيوفنا). * ها نحن نسمع ذات الخطبة من الذي يدعو نفسه ( أبوبكر البغدادي) من مسجد بمدينة الموصل العراقية، وأعلن قيام الدولة الإسلامية عام 2014. وسرق تنظيمه 485 مليون دولار من بنوك مدينة الموصل، وهو أراد ا، يقيم شرع الله!. وهو تنظيم رغبت الدول الأوروبية ودول شرق أوروبا وبعض الدول العربية، في تجميع كل الإرهابيين في سوريا، وبعد ذلك إبادتهم عن بكرة أبيهم. أما إسرائيل، فقد عالجت الجرحى من التنظيم الإسلامي، وأعادتهم إلى ميادين القتال، واعتذر التنظيم أن صاروخاً قد أفلت خطأ من التنظيم الإسلامي وأصاب أرضاً فضاء في إسرائيل. أما تركيا فقد نعمت بالبترول المسروق والمباع لها " بتراب الفلوس" ، وذلك نظير توافد الإرهابيين عن طريقها، وازدهر اقتصادها.
(2) كنت قد شاهدت قناة تلفزيون السودان، وألفيت أمامي (الكاروري) يأم المصلين ويخطب فيهم، وأخبر عن الرسول الكريم حوادث تنازله درأ للفتن وتجنباً لحل الخلاف. وذكر جانب من السيرة النبوية وتجلياتها منذ كتبها ابن إسحاق، وجاء ابن هشام ونقحها. فعرفت أن خطبة الجمعة الموافق 5 أبريل 2019، ستكون تمهيداً لتنازل متوقع للسيد رئيس الدولة عن منصبه الذي سرقه بليل. فهؤلاء يطبخون ما يشاءون، فيختاروا من الذكر الحكيم أو السيرة النبوية المباركة، قبس يصنعون منه تفسير حاضرهم البئيس. فإن رغبوا التنازل، فإنهم يتبعون صفات النبي الأكرم، فهو يأسون بسيرته الفاضلة في الضراء والسراء، بحسب ما ينتقون لموقفهم ذاك ، فهؤلاء فقهاء السلاطين. قد يدعون للتراجع، ويقولون إن النبي قد تراجع وتنازل. كأن رأس الدولة يقتدي بالنبي حذو الحافر. يتبعه في الحل وفي الترحال، كأن القداسة قد زينته، وهو يخطئ في قراءة الآيات القرآنية وتختلط عليه أسماء الصحابة الأجلاء المشهورين!. وبذلك يمجدونه كأنه خليفة النبي، والسائر على درب التقوى والصلاح.
(3) انقضت الخطبة وصلى الخطيب بالمصلين، وفي الذهن أن الخطيب قد صرّح بأن رأس الدولة بصدد التنازل، وهو يمهد له الطريق، عما سوف نعلمه في حينه. وظللت أتابع نشرات الأخبار ، علها تعيننا في تحديد وقت خطاب رأس الدولة الذي، يبشر بالتنازل. وأرغب الظفر بميعاد خطاب رئيس الجمهورية، رغم أن كثيرون خيبوا ظني. وتفاجأت بنشرة الأخبار التي كانت تقول إن السيد رئيس الجمهورية لن يلقي خطاباً، بل سيجتمع مع أعضاء اللجنة القومية العليا لمباشرة الحوار، ويلقي بعض الموجهات! ما الذي حدث ؟ لقد كانت كل الدلائل تشير إلى موعد التنازل. التنازل عن ماذا لا يهم، ولكنه تنازل. وتيقنت أن هنالك ليس بجديد في أفق الجماعة، فهو تسويف وشراء الوقت، حتى لو تنازل النبي الأكرم تبعاً لسيرته المعروفة: تنازله في أن بيت أبي سفيان مأمناً، عند فتح مكة، وأنه تباركت سيرته قد تنازل في عقده صلح الحديبية. كل تلك السيرة الحسنة التي خفض النبي من جناح غضبه، وانصياعه بأنه يصدع بما يؤمر، وهو داعية وأن الله هو منْ يهدي لن تفيد. وقد استبق بعض الإخوان المسلمين خروج رأس الدولة من السلطة بتنازله، وخيب ظنهم. فالأخ باق ( لا يموت ولا يفوت).
(4) ماذا كان يضير (الجبهة الإسلامية القومية ) في زمان الديمقراطية السودانية الثالثة، لو اقنعت المنتمين للتنظيم أن يصبروا، فقد تمرغوا في سلطة مايو، واغتنوا من غابات السودان فقد حولوها إلى فحم، حتى نفذوا كل أجندتهم المالية التي لا تسهم في تطوير الاقتصاد والأجندة الأمنية التي هي عليها أساس الانقلاب العسكري اللاحق. وجاءت الديمقراطية، واستغلوا كل الهفوات القانونية، وسرقوا بسلطة المال والتدليس، فصعدوا إلى (50) مقعداً بدلاً عن (3) مقاعد خلال الديمقراطية الثانية؟. لعلها نزوة الأمين العام، ومرضه الشخصي بأن يحكم، ولو على جماجم البشر. تجاوز هو كل السوابق التاريخية، وصعد بقوة الانقلاب للسلطة، يريدها فسحة لبسط التنظيم الإسلامي وتخلله مفاصل الدولة، ثم يعود بعد ذلك للديمقراطية، بعد أن يكون قد أمّن مسارات حزبه الذي يحمل القرآن على أسنة الرماح، فلا يؤاخذه العامة فيما يفعل. ولكن رئيس القيادة العسكرية رفض العودة، ومن هنا بدأ مشروع ما يسمى بالمفاصلة. فشل مخطط الأمين العام، وكان خياره هو رجل بلا طموح ولا شخصية، ويكون قائد الانقلاب. وانقلب السحر على الساحر.
(5) لقد جرب الشعب السوداني شكل النضال المتتابع والمتصل. وشهدنا في أكتوبر 1964، ثورة سلمية ناهدة، حققت معظم أهدافها. ثم جاءت انتفاضة مارس/أبريل 1985 ، وتكررت سلطة الثورة السلمية التي انتزعت سلطة الشعب من براثن دكتاتورية الفرد. وجاء الذين بيّتوا النية لاستئصال الديمقراطية النبيلة. لا نقول بخلوها من العيوب، لأن الديمقراطية كالطفل، يحتاج الرعاية، ويحتاج لزمن لاستيعاب قضايا الحرب وإسعاف الأرياف ببنية تحتية مناسبة وإبراء الجراح وإفشاء العدالة والتنمية المتوازنة وتجتث الفساد. وجاءت سلطة الإخوان المسلمين الدكتاتورية، والاستقصائية وعسف الدولة وسلطة الفساد الذي استشرى في كل مكان. وكتابة دستوراً يجد كل فرد أن مرآة مطالبه المشروعة فيه.
وجاء حكام السلطة الدكتاتورية بكل وجه جديد، يغيّرون وجوههم في كل مرة، عندما تطل أزمة معقدة متطاولة ، لانتزاع الحرية السياسية والاقتصادية، واسترداد حقوق المقهورين.
لقد جاءت الثورة لتصير الاستنارة كسب جديد، أكثر عدالة، وأكثر رأفة بالفقراء. بيد حانية رؤومة، تعيد الكفاءة للاختيار للعمل العام، وتنهي إلى الأبد سياسة التمكين الانتهازية. وتستبدل الفشل المستشري، بالنجاح وفق الممكن، خطوة تتبعها خطواط. لقد جاء الوعي لوضع العربة خلف حصان التنمية والعدالة والشفافية.