خطة الإخوان لإفشال الاتفاق السياسي وإسقاط الحكومة القادمة (2)

 


 

 

قلت في الجزء الأول من هذا المقال أن جماعة الإخوان قد أعدت خطة لإفشال الوصول للاتفاق السياسي وما سيتمخض عنه من حكومة مدنية تعتمد على 4 مرتكزات: تكوين المليشيات الجهوية والقبلية المضاربة في أسعار العملة الصعبة (الدولار الأميركي)، الإضرابات المطلبية، فضلاً عن تأجيج الصراعات بين مختلف المكونات الاجتماعية (القبائل).
وبينما تستمر الجماعة في إنفاذ تلك المرتكزات بعزيمة وتصميم، فإنها تعمل كذلك على تبني خطة سياسية بديلة في حال نجاح العملية السياسية الجارية في الوصول للاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة المدنية. عماد هذه الخطة هو الدعوة لقيام “الانتخابات المبكرة” وذلك بعد تهيئة الأجواء عبر عملية منظمة لإضعاف وتقسيم وتشتيت الأحزاب المكونة لتحالف الحرية والتغيير وتعطيل عمل الحكومة عن طريق الخطة المشار إليها.
فمن المعلوم أن الأحزاب السودانية تعاني بصفة عامة من مشاكل تنظيمية نابعة من طبيعة التكوين وحقيقة الأوضاع التي ظلت تحكم ممارسة أنشطتها لأكثر من ثلاثة عقود كانت تعمل فيها في إطار نظام شمولي يستند إلى القبضة الأمنية الهادفة لتمزيقها، فضلاً عن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالأوضاع العامة في البلاد والتي تنعكس سلباً على الأداء في مختلف المؤسسات والتكوينات المدنية.
وإذ تعاني تلك الأحزاب من أدواء الترهل التنظيمي والضعف المؤسسي، فإن ذلك ينعكس سلباً على الممارسة الديمقراطية الداخلية وما يرتبط بها من مشاكل متعلقة بتشكيل الرؤى وبلورة السياسات، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تذمر وشكوى الأعضاء الحزبيين من عدم انخراطهم الكامل والمساهمة الفاعلة في اتخاذ القرار.
وبما أن عملية الإصلاح المؤسسي الحزبي لا تنفصل عن السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي توجد فيها تلك الأحزاب، فإنها تتطلب بذل جهود مضاعفة لترسيخ الفاعلية التنظيمية والديمقراطية الداخلية والمشاركة الجماعية، وهى عملية دائمة ومستمرة وليست حدثاً واحداً يتم الوصول إليه عبر عشية وضحاها.
تعمد الأجهزة الأمنية إلى الاستثمار في تعميق المشاكل الموضوعية داخل الأحزاب عبر مختلف السبل، وقد اتضح ذلك بجلاء طوال فترة حكم الإخوان التي امتدت لثلاثة عقود، وما تزال تلك الأجهزة المُسيطر عليها من قبل الجماعة تعمل بقوة على تفتيت الأحزاب الفاعلة في تحالف الحرية والتغيير من الداخل حتى يتم إفشال العملية السياسية التي قطعت أشواطاً طويلة.
ومن جانب آخر، فإن الجماعة قد أقرَّت خطتها السياسية البديلة في حال اكتمال الاتفاق السياسي وتكوين الحكومة القادمة، حيث قررت أن تعمل مع حلفائها من الفلول والحركات المسلحة على الدعوة لعقد انتخابات عامة مبكرة حتى تنتهي الفترة الانتقالية دون إنجاز المهام المطلوبة للتأسيس الصحيح للتحول المدني الديمقراطي.
وأوردت التسريبات انعقاد اجتماع في منزل أحد قادة الحركات المسلحة الأسبوع الماضي ضم جماعة الإخوان والفلول ممثلين في مبادرة الشيخ الطيب الجد، والحركتان المسلحتان الرافضتان للاتفاق السياسي الإطاري، وممثلين عن الأحزاب التي شاركت في نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، لإقرار خطة العمل الخاصة بإفشال الفترة الانتقالية.
وأقر الاجتماع المشاركة في الورشة التي دعت لها الحكومة المصرية واعتبرها المجتمعون خطوة مهمة لخلق مسار بديل للعملية السياسية الجارية، كما اتفقوا على إطلاق حملة إعلامية كبرى للتبشير بمخرجاتها وارسال وفود للولايات من أجل كسب الدعم الشعبي للقرارات والتوجهات التي ستقرها الورشة.
وكذلك اتفقت الأطراف المجتمعة على الدعوة للانتخابات المبكرة في حال فشل جهودهم الرامية لتعطيل الاتفاق السياسي وتشكيل الحكومة، واقترح بعض المشاركين أن تنشئ أطراف الاجتماع تحالفاً لخوض تلك الانتخابات تحت مسمى “حزب السودان”.
لا شك أن الإخوان ومنذ سقوط دولتهم الفاسدة ظلوا يحلمون بالعودة للسلطة دون الوفاء بأي استحقاقات لهذه العودة، وهم يعولون في ذلك على تواجدهم الكثيف في جهاز الدولة وسيطرتهم على مفاصل الاقتصاد الذي تحكموا فيه لثلاثين عاماً كاملة، وفي هذا السياق يمكن فهم دعوتهم للانتخابات المبكرة لأنها في ظل هذه المعطيات ستمكنهم من الرجوع للإمساك بزمام السلطة مرة أخرى.
ومن جانبها، فإن جميع قوى الثورة بما فيها غير المؤيدة للاتفاق الإطار تدرك مرامي الإخوان والفلول جيداً، ولذلك فإن الاتفاق نص بوضوح على تفكيك نظام الجماعة وإزالة التمكين واسترداد الأموال المنهوبة، وهى خطوة مهمة للغاية لا يمكن في غيابها عقد انتخابات عامة حرة تضمن تساوي فرص جميع المتنافسين في الوصول للحكم.
في هذا الإطار، بات من الضروري الإسراع في الوصول للاتفاق النهائي وتكوين الحكومة، ذلك أن تطاول الزمن والتأخير سيعطي الإخوان والفلول مزيداً من الوقت لتعظيم فوائدهم من الفرصة التي اغتنموها منذ وقوع الانقلاب واستطاعوا من خلالها تجميع صفوفهم مستفيدين من نفوذهم داخل السلطة والدولة.
لن تتوقف خطط الإخوان الهادفة لمنع الوصول للاتفاق السياسي النهائي وتشكيل الحكومة ومن ثم تعبيد الطريق أمام عملية التحول الديمقراطي، وهو الأمر الذي يتطلب العمل الجاد لتوحيد القوى الثورية أو التنسيق بينها في الحد الأدنى حتى تكتمل الفترة الانتقالية ويتحقق شعار الثورة الأكبر المتمثل في مدنية الدولة كإطار لإنجاز بقية الأهداف التي ظلت تنادي بها الجماهير منذ اندلاع شرارة الثورة المجيدة في ديسمبر 2018.
*نقلا عن الحرة

 

آراء