hbrayah@yahoo.com
ظل الصوت الجهوري لزميلي الفلسطيني يأتيني منذ ظهيرة التاسع من يناير 2011م (ها.. خلاص انفصلتوا؟) وكنت أرد بقهقهات في محاولة يائسة لنسيان ما يحدث في بلدي، وما يحدث في بلدي وضع عبّر عنه أحد العمال البنغلاديشيين وهو يتحدث مع أحد الزملاء السودانيين، بعربية عمال شرق آسيا العاملين في الخليج: (سودان ممكن إجي اتنين). وعندما يحاول هذا الزميل السوداني الرد، يأتيه الصوت الجهوري ثانية: ودا كلو بسبب الجنجويد؟
آه يا الجنجويد.. وآه يا بلدي.. أي جنجويد يا أيها الآتي من هناك.. وأنا من جيل عاش نبض القضية الفلسطينية، وقرأ وحفظ شعر المقاومة.. ومحمود درويش مات.. وسميح القاسم.. و غسان كنفاني.. وأنا من جيل مهموم ومهووس بالسياسة حد الموت.. ومهموم ومهووس بكل شيء.. وما نفعت هموم وهوس السياسة.. وهذا بلدي (ممكن إجي اتنين!!).. يا إلهي.. كيف فات علينا هذا طيلة أكثر من نصف قرن.. كيف فات علينا ذلك، ونحن نقرأ ميشيل عفلق، وعبدالوهاب البياتي، والبردوني، وهدى شعراوي، وشعراء الغابة والصحراء؟ فات علينا كل ذلك، ونحن نتجادل في أحداث العالم.. وسباق التسلح.. والقومية العربية.. وهلال مريخ..
فضائيات العالم ذات اللسان العربي وتلك التي ترطن ليس لديها هذه الأيام غيرنا.. "ريفرندوم".. "جوبا".. "خرطوم".. "البشير" .. "سلفاكير".. التاسع من يناير.. ويأتيني الصوت الجهوري "خلاص انفصلتوا؟".. وأغوص مع أوراقي وشاشتي.. أحاول أن أنسى شيئاً.. أنسى ماذا؟.. أقوم من مكاني.. أتجول بلا هدف.. يأتيني صوته هادئاً عكس زميلي الفلسطيني تماماً.. "صديق سودان ممكن إجي اتنين؟".. لا جواب عندي يا صديق.. لا جواب عندي.. فأنا في حالة لا أستطيع معها الإجابة.. صدقني لا أملك الإجابة.. يبدو أنك حزين مثلي لأنك من بلد ذاق مرارة التقسيم.. لكنك لست مثلي تماماً .. أنت على الأقل لم تكن هناك عام 1947م.. وأنا كنت هنا عام 2011م.. كنت هنا ولكنني ظللت صامتًا.. لم أفعل شيئاً.. جميعنا لم نفعل شيئاً ظللنا في صمت مطبق... الساسة وحدهم كانوا هناك.. وكان ما يسمى بالمجتمع الدولي.. ومجموعات يُطلق عليها "لوبي".. كلهم كانوا مدعوون .. أكلوا وشربوا.. ودخنوا.. وأعلنوا عام 2005م عام الانتصار.. انتصار على من وعلى ماذا؟ كانوا هناك يقتسمون الثروة والسلطة.. والكيكة .. والوطن.. ظللنا نراقبهم كالبلهاء.. كأن الأمر لايعنينا.. وعندما جاء اليوم الفصل.. أدركنا كم كان الفدح قاسياً جداً.. وكم كان التحديق أجوفاً.. وكم كنا غرباء في وطننا.. وكم هي مرة هذه الحقيقة.. وكم .. وكم...