خلافات الأمة وصراعات الشعبي … للجغرافيا دورها الفاعل..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

سفر الرئيس المكلف لحزب الأمة القومي اللواء معاش فضل الله برمة ناصر إلى خارج البلاد مستشفياً، أحدث جدلاً واسع النطاق داخل أروقة الحزب حول خلافته في التكليف الرئاسي، وبعد أن تم اختيار الفريق صديق اسماعيل فوجئت الأوساط السياسية بنائب رئيس الحزب الدكتور ابراهيم الأمين يرمي باستقالته على الطاولة، وقد سبق ونبّهنا من زمان بعيد وحذّرنا، من مغبة سوق الحزب إلى حتفه المحتوم، بعدم تدارك انعدام المؤسسية وغياب الشفافية في منهجية الإدارة، منذ حياة الراحل الإمام الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، وقلنا بأن أحادية الرأي وسطوة الشلّة ومزاجية النهج القيادي الذي اتخذه الراحل، ستورد هذا الكيان الحزبي الذي كان كبيراً موارد التفكك والتشظي، وما لم يُصعّد الشباب ذوو الرؤى والأفكار الجديدة لن ينصلح الحال، وإذا طال المشوار الموصل لانعقاد المؤتمر العام المفرز للقيادة المنتخبة، المرجو منها مباشرة مشروع الترميم والتجديد والتطوير، لن تقدر الإدارة المكلفة على التعبير عمّا يجيش بقلوب الملايين من العضوية الممتدة على طول البلاد وعرضها، والجهوية البغيضة أيضاً ضربت باطنابها على الجسد النحيل والمترهل لهذا التنظيم القديم، ويجب أن تقرأ استقالة نائب الرئيس من منظور هذا السياق الجغرافي، فالنزعة المناطقية أمست من موضة من (موضات) التعاطي السياسي في هذا العصر الذي أعقب إسقاط رأس النظام (البائد)، فلا منجى للحزب سوى انعقاد مؤتمره العام بأسرع ما يمكن.
المؤتمر الشعبي الكيان المناهض لشقيقه الذي آثر التشبث بكرسي السلطة، ابّان فترة تمكين الإنقاذ في نسختها الثانية بعد المفاصلة، أصبح ملجأً لبقايا النظام (البائد) ومحوراً من محاور التنافس غير الشريف بين إخوان الأمس، وذلك لأنه يمثل الرمزية التاريخية للإسلاميين لاعتبارات تتعلق بصلابة قيادة الراحل أمينه العام، أبيهم الروحي الجامع لكلمهم واللام لشملهم رغم اختلافهم حول المكاسب والمناصب، لقد سعى أمين عام الحركة الإسلامية الجديد المُختلف حوله لخلع أمين عام الحزب المعتقل الدكتور علي الحاج، وهنا أيضاً ترى للنزعة المناطقية والجغرافية دور فاعل في الصراع، فلا يجب نسيان أن ذات هذه الجهوية قد عصفت بوحدة الإسلاميين من قبل، بعد انقضاء العشرية الأولى من ملكهم العضود، وهي نقطة ضعفهم الكبيرة التي وقفت حائلاً أمام وحدة كيانهم (العريض)، فالإسلاميون معروفون بتحولاتهم الحربائية ولباسهم المتجدد شكلاً والباقي والماكث مضموناً، وبالنسبة لهم يعتبر المؤتمر الشعبي الجناح الوحيد الذي امتلك شرف معارضة نظامهم (البائد) بشراسة، وهم يعلمون تمام العلم أن هذا الجناح يمثل المخبأ الوحيد لغسل أدرانهم التي علقت بهم جراء تجربة الفساد وسوء الإدارة والطغيان الطويل الأمد لحكهم الأنقاذي، لذلك سيقاتل (الكرتيون) بمال الحزب (البائد) المُجَنّب، إلى أن يختطفوا الحزب الذي صمد طويلاً أمام جور ذوي قرباه حتى نهاية الحقب العجاف من حكم دويلتهم الأموية الجديدة – بحسب وصف الراحل بلايل.
الشاهد في موضوع الصراعات والاختلافات التي توشك أن تعصف بوحدة الهيئات القيادية العليا للحزبين، هو عودة النزعات المناطقية وانتعاش دوافعها للمرة الثانية بعد خريف من العمر دام ثلاثة عقود، وهذا يؤكد علو كعب عنصر الجغرافيا وتسيّده للمشهد السياسي والسلطوي العام منذ خروج رفقاء كتشنر من أرض السودان، واستحواذ المنطقة – إقليم، ولاية، معتمدية، مدينة، حلة، حي، فريق – على أولى أولويات الأجندة السياسية، وظهرت هذه الخصيصة بتبيين أوضح في نشوء فريقين للتحالف السياسي المنوط به احتضان مشروع الانتقال – قحت (أ) وقحت (ب)، فكلاهما ظاهرهما تُغطيه أثواب الحرية والتغيير والتوافق الوطني، أما في باطنهما فكلاهما يغني ويسوقه حنينه لليلاه المكانية، واستخلاصاً للمحصلات النهائية لتجربتي الحزبين بعد رحلتيهما الطويلة من العمر التي تجاوزت نصف القرن مما نعد ونحسب، يصل المرأ لاستنتاج مفاده أن مشروعي الحزبين بحاجة للمراجعة، لقد أهدرا جهديهما خدمة للأجندات الخاصة والضيّقة، فحزب الأمة كان أكبر همه ومبلغ علمه إرجاع ممتلكات الأسرة الرائسة بعد أن وصل لقصر الحكم، والإسلاميون تشهد عليهم صفحات السنوات الخاتمة للقرن العشرين والفاتحة للقرن الواحد والعشرين، بأنهم لم يقيموا للدين عزاً ولا للأوطان مجداً، بل فتتوا عضد الوحدة الوطنية ببتر جزء عزيز من التراب، وأورثوا الأجيال الحاضرة بلد منهوش العظام بأنياب غول الحرب والفساد.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
26 يونيو 2022
/////////////////////////

 

آراء