خمسون عاما على اغتيال الشفيع أحمد الشيخ 

 


 

 

"يكفيه مجدا وسام الاستشهاد ويكفيكم عارا سلب اكفان الموتى"

هذا عنوان الرسالة التي أرسلتها الأستاذة فاطمة احمد ابراهيم الى الرئيس جعفر نميري بعد اعدامه الزعيم النقابي الشفيع احمد الشيخ وفيها تقول له:

" سيكفيه فخرا انه من قادة الطبقة العاملة، وابنا بارا عرفه الشعب مناضلا جسورا وقائدا متواضعا لم تدفعه الاغراءات بكرسي الوزارة، ولم يخفه السجن والاضطهاد للتخلي عن مصالح الطبقة العاملة. وهكذا عرفه الشعب وعرفته الطبقة العاملة ولم يعرفوه فجأة حاكما مستبدا مغرورا. "

سجل التاريخ للشفيع احمد الشيخ، انه أحد أهم القيادات النقابية ، التي ساهمت بفعالية تامة، وهمة لا تفتر ، وروح مرنة، وذهن متفتح في تشكيل مسار الحركة النقابية السودانية. ساهم الشفيع، منذ البداية، في رفدها ومدها بالاجتهادات الفكرية الجادة ، والطاقة النضالية المتجددة ، والهمة الحركية الصلبة التي ميزتها عبر سنواتها الأولى ، عندما كان الشفيع ورفاقه من الجيل المؤسس يمسكون بدقة القيادة، فقدموا التضحيات في نكران ذات، ولم يتنكروا ابدا لقضايا العاملين. ونجحوا في  بناء حركة ديمقراطية مستقلة تملك زمام امرها في وطن تميز بالتعدديات القبلية والإقليمية والطائفية.


ولد الشفيع بمدينة شندي في 1924 ، وقد تنقل منذ طفولته ، في انحاء السودان ، لان والده كان موظفا في الدولة يعمل في مصلحة البريد والبرق.   درس الشفيع مراحله الدراسية الاولى بشندي وبورتسودان، وبعد اكمالها التحق في عام 1942  بمدرسة الصنائع بعطبرة ، التي يتخرج منها العمال المهرة، وبرزت قدراته القيادية خلال فترة الدراسة بمدرسة الصنائع ، حيث اختاره زملاؤه الطلاب رئيسا للجنة التي كونوها ،     وممثلا لهم امام الادارة.     وقد كتب ذات يوم في احدى جرائد الحائط المدرسية: " ان الانسان يعيش حقا حين يستفيد من حياته الناس الطيبون ". وقد قاد الشفيع اول اضراب طلابي في تاريخ المدينة ،    مما ادى الى ايقافه عن الدراسة (هو وزملائه في لجنة قيادة الاضراب) لمدة عام كامل.  وفى سنوات لاحقة  ، شبه الشفيع هذا الاضراب بمثابة " الحجر الذي يلقى ليحرك ساكن الحياة".

وقد وصفه الدكتور مصطفى السيد (رئيس اتحاد طلاب كلية غردون آنذاك واحد أبرز الذين نشروا الوعي السياسي وسط الحلقات الاولى للعمال)، في مذكراته المنشورة في كتابه (مشاوير في دروب الحياة) بانه : " شاب بلون الابنوس، يتمتع بذكاء حاد ونشاط خارق، وهو ايضا من الشبان المحبوبين وسط الطلاب ووسط المجتمع العمالي عموما، دائم الحركة في العمل وخارجه في النادي او المدرسة او حتى في الشارع، يمد يد العون لكل من يطلب منه ذلك ". وتحدث الدكتور مصطفى السيد عن دور الشفيع في انشاء الحلقات الماركسية الاولى، ووصفه باعتباره أحد مؤسسي الحزب الشيوعي في عطبرة ومن أبرز وانشط كوادره في العمل التنظيمي والسياسي العام.


 تخرج من مدرسة الصنائع في 1946 حيث التحق بالعمل في ورش سكك حديد السودان في وظيفة براد. في نفس عام التخرج، تم انتخابه في لجنة خريجي مدرسة الصنائع ، وأيضا  لجنة نادى خريجي المدارس الصناعية.    ولعبت لجنة النادي تلك دورا بارزا في التحضير للاجتماعات الاولى والمشاورات التي ادت لقيام اللجنة التمهيدية لهيئة شئون العمال.  وهي لجنة النادي التي وصفها سليمان موسى، أول رئيس لهيئة شئون العمال : (عندما حاول الاستعمار خلق تفرقة بين العمال الخريجين الفنيين والعمال الاخرين  ،   عن طريق انشاء نادى منفصل للعمال الفنيين) قائلا: " الا ان الوعي الذي يتمتع به خريجو مدرسة الصنائع ،  من العمال ، قد كشف هدف الاستعمار، وفضح خطته،      فكان العمال الفنيون اول من فتح ابواب ناديهم لجميع افراد الطبقة العاملة، فأصبح النادي ملتقى الجميع، بل صار مكانا امنا ،    لممارسة النشاط السري للجنة العمالية التي تعمل على تحقيق التنظيم العمالي ".   وصار هذا الموقف أحد الدروس التي استوعبتها الطبقة العاملة، باكرا، حول التنبه لمحاولات السلطات تقسيمها لفئات متصارعة ،  وان وحدتها هي صمام امانها ومصدر قوتها.


تم انشاء هيئة شئون عمال السكة الحديد وبدأت نشاطها بتعبئة وتوحيد العمال ، للمطالبة بقيام جسد نقابي ،  يمثلهم. ثم خاطبت ادارة السكة الحديد حول ذلك المطلب العادل. كانت الدولة الاستعمارية، تعتقد بان عمال السودان لم  يصلوا لدرجة الوعي الكافي التي تسمح لهم بإنشاء نقابة.   وعند اشتداد وتيرة المطالبة بتكوين نقابة تحركت السلطة  الاستعمارية للسيطرة على الموقف وقامت بتقديم مقترح   بديل لمطلب العمال حول قيام نقابة تمثلهم بطرح قيام ما سمته باللجان المصلحية. وهي لجان استشارية فقط ،        ليس من مهامها المطالبة بحقوق العمال الاقتصادية كالأجور والبدلات وشروط الخدمة.  وهي ايضا تعمل تحت اشراف     رؤساء الاقسام الانجليز حيث يترأس رئيس أي قسم لجنة قسمه.  رفض العمال ذلك بقوة  ،  وأصروا على قيام جسد نقابي حقيقي يمثلهم بدون وصاية من الادارة.

وعندما تعنتت الادارة في التعامل مع لجنة هيئة شئون العمال ، ورفضت الاعتراف بها كممثل للعمال ،   قررت اللجنة تسليم مذكرة للإدارة ، يشارك في تقديمها كل عمال السكة الحديد بعطبرة عن طريق موكب سلمى بعد ساعات العمل.    وتحوطا للاعتقالات المتوقعة لأعضاء اللجنة القيادية تقرر، مسبقا، ان تكون   هنالك عدة لجان احتياطية سرية، تحت قيادة الشفيع لتواصل قيادة العمل.  وفعلا تم الصدام مع البوليس ،  وأعلن العمال الاضراب الفوري الذي قادته لجان الظل بقيادة الشفيع، بعد اعتقال اللجنة الرسمية ، واستمر الاضراب لعشرة ايام عطلت الحركة تماما ، في كل خطوط السكة الحديد والتي كانت بمثابة عظمة الظهر للاقتصاد الاستعماري.      وكانت لجان الشفيع السرية هي القيادة المحركة للإضراب، ولم تفلح السلطات الاستعمارية وامنها في معرفتها او الوصول اليها وشل نشاطها. ويصف  النقابي الحاج عبد الرحمن، الذي شارك في تلك المعركة النقابية الهامة، ذلك الموقف وقد سطره في كتابه : "      ملامح من تاريخ الحركة النقابية " ما يلي:

" بعد اعلان الاضراب، تكونت في الحال ثماني لجان احتياطية ، لقيادته تحسبا لمفاجآت قد يترتب عليها فشل الاضراب الاول من نوعه.  وكان الخوف من فشل الاضراب، وانتكاس قضية العمال وفشلها الشغل الشاغل لقادة العمال.           وكان الشفيع احمد الشيخ الذي لم يستطيع البوليس التعرف عليه، يقود حركة الاضراب بعد ان أودع قادة هيئة شئون العمال السجن.     فقد جرت في اليوم الثاني للإضراب اعتقالات عامة لكل اعضاء هيئة شئون العمال ،  وعدد من الكوادر التي ظهرت على مسرح الاحداث ،   حتى بلغ عدد المعتقلين 64 عاملا أودعوا   سجن الدامر، وظهرت في شوارع عطبرة   ولأول مرة عربات الجيش المصفحة، حاملة المدافع ومن خلفها جنود من القيادة الغربية ".


تصدت هيئة شئون العمال، فور الاعتراف الرسمي بها، للدفاع عن مطالب العمال حول تحسين اجورهم ،وشروط خدمتهم، وعندما تعنتت الادارة قادت الهيئة عدة اضرابات أشهرها اضراب ال 33 يوما التاريخي وفى الدورة النقابية الثانية (1948)   تقلد الشفيع منصب السكرتير العام للجنة  هيئة شئون العمال ،  وهي اللجنة التي واصلت التقاليد النضالية المجيدة  للجنة التأسيسية لهيئة شئون العمال. وقامت تلك اللجنة بفعل تاريخي بإنشاء نقابة عمال السكة الحديد.

  ساهم الشفيع، من موقعه في قيادة النقابة، في قيادة الحملة المضادة لقانون النقابات لسنة 1948  ،    وقد وصف الشفيع القانون بعبارة صارت مشهورة وسط العمال" بانه قانون للعقوبات وليس قانون للنقابات ".   وبعد اشتداد وتوسع تلك الحملة تراجعت السلطات الاستعمارية  ، واجرت بعض التعديلات   في القانون، ورغم مقاومة النقابة للقانون الا انها قررت بعد صدوره رسميا ان تستخدمه في تنظيم عمال السودان حيث قادت حملة عامة ادت لإنشاء العديد من النقابات.

وفور تحويل هيئة شئون العمال الى نقابة عمال السكة الحديد ، تم انتخاب الشفيع سكرتيرا لها ، وهو موقع أبرز قدرات الشفيع القيادية واسهاماته المتميزة ، في تحديد مستقبل مسار الحركة النقابية ،    وهي تخطو خطواتها الاولى ، وعرضه ذلك للعديد من محاولات العزل عن العمل النقابي. وكانت اول تلك المحاولات استخدام الحيل لعدم ترشيح الشفيع في انتخابات النقابة للدورة الجديدة.      فقد ورد في تقرير دورة النقابة لسنة 1951 ما يلي: " وقد تطور هذا التنافس وتبلور في شكل صراع مرير بلغ مرحلته القصوى  يوم ان قيل ان القانون الانتخابي يحول دون ترشيح الزميل المناضل الشفيع احمد الشيخ ،      كأحد مرشحي فرع البنوكة قسم الورشة.  ناقض هذا الزعم الرغبة الواضحة لعمال البنوكة    اصحاب الحق الاول في اختيار ممثليهم ، يساندهم عمال المخازن الذين امتنعوا عن ممارسة انتخاباتهم مصرين على ترشيح الشفيع لأنهم يرون في منعه اعتداء صريح على حقوق العمال في ممارسة انتخاب ممثليهم بحرية تامة، دون املاء او تحد لرغباتهم. " ثم يوضح تقرير الدورة ما تم: “وفى اليوم المحدد لإجراء عملية الانتخابات  لم تر اللجنة المركزية بدا من اضافة اسم الزميل الشفيع الى قائمة المرشحين ، وقد كان هذا وضعا طبيعيا ، اذ بدونه لا يمكن تفادى الضغط العنيد الذي كان يقوم به عمال البنوكة في ذلك الوقت واخيرا   ظهرت نتيجة الاستفتاء التي اسفرت عن اغلبية ساحقة للشفيع ، الذي أصبح منذ ذلك الحين الممثل الحقيقي للبنوكة من وجهة نظر الناخبين".

وتميزت تلك الدورة بمواجهات شهيرة مع ادارة المصلحة والسكرتير الإداري للدولة الاستعمارية واشتهر الشفيع بانه كرس خطاب الحركة العمالية النقابية الصدامي من خلال تصديه الشجاع لصلف المستعمرين  وكان العديد من عمال السكة الحديد يحفظون اجزاء  من المذكرات التي ارسلها الشفيع  للحكومة ،     من موقعه كسكرتير للنقابة ، وكان اشهرها وسط العمال  رده على طلب السكرتير الإداري لحكومة السودان   بان تعتذر النقابة فيكتب الشفيع (ان نقابة عمال السكة الحديد من القوة بمكان  ولذلك فهي عازمة على قبول هذا التحدي وتؤكد للسكرتير الإداري أنه   لا توجد قوة على الارض ترغمها على الخضوع والنزول الى هذا الدرك السحيق ، الذى ارادته لها الحكومة ويختم بعبارة قوية هي :   ( اننا لن نعتذر لأننا لن نعتذر ). وكنتاج لذلك النشاط الواسع  ، وحملة تحريض العمال وتعبئتهم وتحميسهم للنزال والصدام  ، ظلت الادارة الاستعمارية تترصد الشفيع وتتحين الفرص للتخلص منه ، ظنا منها ان ابعاده سيتيح لها تسيير النقابة كما تريد. ولكن خاب فألها فقد وضع الشفيع وزملاؤه أساسا متينا لنقابة مصادمة ومنحازة لقواعدها.

شارك الشفيع بفعالية ولعب دورا اساسيا في تأسيس المؤتمر العمالي في عام 1949.   وكان المؤتمر اول محاولة لتأسيس مركز نقابي موحد لقيادة الحركة الوليدة ، وهو  تنظيم     يجمع العديد من النقابات القائمة آنذاك وبعدها تم تطوير المؤتمر وتأسيس اتحاد العمال ، رغم رفض السلطات ورغم قانون النقابات الذي يحرم قيام الاتحاد.  لعب الشفيع دورا محوريا في تأسيس اتحاد   نقابات عمال السودان  ،   وتقلد منصب سكرتيره العام منذ تأسيسه وحتى اخر يوم في حياته.  وساهم من خلال موقعه في قيادة الاتحاد  ،  في كل الانشطة التي خاضها اتحاد العمال من اجل حقوق العمال  ، وفى كل مواقف اتحاد العمال المتميزة  ،  في النضال الوطني ضد الاستعمار. كما ساهم في بناء منظمة ديمقراطية حقيقية ، في    بلد يتميز بالانتماءات الطائفية والقبلية والاقليمية.

عندما حاولت السلطة    الاستعمارية اصدار قانون سمى بقانون الطوارئ من خلال الجمعية التشريعية،    أرسل الشفيع باسم التجمع النقابي البرقية التالية للحاكم العام لحكومة السودان:

 " ان الحقوق العامة للحريات التي كفلتها كل القوانين الدولية وخاصة حقوق الانسان  ، والتي اقرتها هيئة الامم المتحدة لتجعلنا نحن العمال نحذر سلطتكم التي تسمى بالتشريعية من اتخاذ أي خطوة اجرامية لكبت الحريات أكثر من الان.   وان العمال اتخذوا قرارات في غاية من الخطورة والاهمية في اجتماع المؤتمر العمالي العام. واعدوا عدتهم لمواجهة كل الظروف ، التي يعيش فيها الشعب السوداني من ارهاق وارهاب ويحذرونكم وكل السلطات الخاضعة للحكم الثنائي من اقرار قانون الطوارئ المقدم لجمعيتكم التشريعية ، والا فانهم مستعدون لاتخاذ خطوات ايجابية حاسمة للحيلولة دون هذه المؤامرة."


وقد ساهم الشفيع، مع بقية قادة الاتحاد، في دعم الفئات الاجتماعية الاخرى فدعموا مواقف اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل ، ونظموا مزارعي جبال النوبة ومزارعي الشمالية وحاولوا تأسيس اتحاد عام لمزارعي السودان.  ودعم اتحاد العمال حقوق عمال جنوب السودان في الاجر المتساوي مع عمال الشمال، ودعموا انشاء منظمات النساء والشباب والسلام، وفتحوا اندية العمال ، وجريدة الاتحاد  (الطليعة) لتلك المنظمات الوليدة .ومن المواقف الوطنية للشفيع شخصيا دعمه المباشر لإضراب البوليس الشهير في 1951 ، بسبب تدنى مرتباتهم وسوء اوضاعهم المعيشية، فأعتقل الشفيع ، وتمت محاكمته بالسجن ، وبدأت الإدارة               الاستعمارية تخطط جديا لتلجيم هذه الحركة النقابية المتصاعدة والمصادمة.


وعندما فصلت الادارة الاستعمارية طلاب خورطقت الثانوية أصدر الشفيع بيانا قويا وهدد بإضراب العمال ما لم يتم ارجاع الطلاب المفصولين لدراستهم وجاء في بيانه: " ان على المعارف ان تتخلى عن سياستها الفاشلة وتقلع عن نظرتها العدوانية نحو الطلبة ومستقبلهم لإنها تعلم قبل غيرها ان الاستقرار المنشود لا يمكن ان يتم على أنقاض حريات الطلبة وتجاهل مطالبهم وبدون تهيئة الجو التربوي الصالح الذي دعائمه الاحترام والثقة المتبادلة بين الطلبة والمدرسين".


واستغلت السلطة الاستعمارية اصدار الشفيع لبيان لأعضاء النقابة، بصفته سكرتيرا لها، وكان البيان يدعو للاستعداد لشن النضال من اجل تحسين ظروفهم المعيشية وكان العمال يحفظون ،  ويردون بعض فقرات ذلك البيان ومنها: " لقد صبرنا طويلا ولن نصبر بعد اليوم، وتحملنا كثيرا  ،     ولن نتحمل بعد اليوم. ان الطبقة العاملة السودانية اذ تتحرك اليوم فهي كمارد جبار نفض عنه غبار الكسل والخمول وهي كالبركان يحرق كل من يلمسه بضرر. " وهاجت الادارة الاستعمارية  ، وماجت واعتبرت البيان حضا مباشرا على كراهيتها، ولكنها فركت يديها فرحا، لان فرصة التخلص ممن أسمته بالمشاغب العنيد قد حانت.    وتمت محاكمة الشفيع بالسجن شهرا والفصل النهائي من العمل بمصلحة السكة الحديد.  ولسوء حظ الاستعمار فقد تفرغ الشفيع للعمل النقابي ليقود أكبر منظمة نقابية سودانية هي اتحاد نقابات عمال السودان.


 اشتهر الشفيع وتميز بحنكته كمدافع صلب عن العمال على المستوى الجماعي خلال مراحل التفاوض او على المستوى الفردي، عندما يتعرض أحد العمال لإجراءات التأديب المصلحي. وساهم في مساعدة ودعم العشرات من العمال.  لذلك لم يكن غريبا ان لجا له الجزولي سعيد عندما تآمرت عليه الادارة الاستعمارية وعقدت له مجلس تأديب مصلحي ،  فحضر معه الشفيع كصديق (حسب ما يسمح به القانون).    كما كتب الشفيع مقدمة كتاب قاسم امين الشهير (الاتفاقية في الميزان). ولسو الحظ فشلنا في العثور على نسخة منه، رغم الجهد الذي بذلناه بسبب اهمية هذا الكتاب. وهو الكتاب الذي قدم قراءة نقدية لاتفاقية الحكم الذاتي  ،  الموقعة من قبل الحكومتين البريطانية والمصرية ، واثار خلافات حادة وسط الحركة النقابية      والحركة الوطنية وهو موقف ادى لاتهام الشفيع وقادة اتحاد العمال بالتبعية للحزب الشيوعي.

وفى إطار توحيد القوى السياسية من اجل الاهداف القومية العليا التي أعلنها اتحاد العمال كسياسات له تقدم الشفيع، في عام 1955، باسم اتحاد العمال، بمشروع للميثاق الوطني الذي تم توجيهه للجبهة الاستقلالية والحزب الوطني الاتحادي وحزب الاستقلال الجمهوري للاتفاق حوله ومن ثم العمل به. وجاء في مقدمته ما يلي: " بما ان المكاسب التي أحرزها شعبنا في سيره المتقدم نحو الحرية والاستقلال الوطني جاء يوم ان اجتمعت كلمة الامة واتحدت احزابها وهيئاتها وافرادها، وبما ان الخسران كان نصيبنا حينما تفرقت كلمتنا، فأننا نرى ان الخير كله في اتحاد الشعب وتماسكه واجتماع كلمته." ومضى ليطرح رأى الاتحاد: " ان الاتحاد العام لنقابات عمال السودان يرى ويعتقد انه يشارك جميع المواطنين المخلصين لوطننا ان وحدة بلادنا هي الشرط الاول لتقدمنا، أكثر من أي وقت مضى، وهي ترى ان وجوب جمع كلمة الامة في هذه الظروف الدقيقة التي تجتازها والتي لن نخرج منها منتصرين دون وحدة متينة بين كل اقسام الشعب".

وتركزت أهم نقاط الميثاق في: اعلان الاستقلال من داخل البرلمان، اجلاء جميع الجيوش الاجنبية، عدم الارتباط باي حلف عسكري او معاهدات سياسية مع الدول الاستعمارية، حل ديمقراطي لمشكلة الجنوب، احترام مبادئ الحريات الديمقراطية.


عندما تعرضت مصر عبد الناصر للعدوان الثلاثي في 1956، سافر الشفيع متطوعا لجبهة القتال ، ووجه من هنالك نداءات شهيرة لعمال السودان من اجل المشاركة في حملة الدفاع عن مصر ،   ومطالبا حكومة السودان باتخاذ مواقف أكثر ايجابية في دعم مصر الشقيقة ، ومواجهة دول العدوان الثلاثي بقطع العلاقات معها..


شارك الشفيع، ولأول مرة في تاريخ النقابات السودانية، كممثل للحركة النقابية السودانية في المؤتمر العام لاتحاد النقابات العالمي الذي انعقد بفيينا عاصمة النمسا في 1957،    حيث تم انتخابه نائبا لرئيس الاتحاد العالمي، وكان أصغر من تقلد هذا المنصب. ومنذ ذلك الحين  ،    صارت الحركة النقابية السودانية طرفا اصيلا في الحركة النقابية العالمي ، وتقلد ممثلوها، وأبرزهم ابراهيم زكريا، مواقع مهمة في قيادة الاتحاد العالمي.


قاد الشفيع معارك اتحاد العمال ضد اشتراك السودان في الاحلاف والمشاريع الاستعمارية  وضد مشروع النقطة الرابعة ، وزيارة نائب الرئيس الأمريكي لتسويقها للسودان.   وقاد موكبا جماهيريا    ضد السياسة الامريكية في اكتوبر 1958، ومن المشاهد الغريبة في ذلك الموكب  ،  محاولة السفير الأمريكي ان يشق طريقه  وسط الموكب بعربته ، في تحدى واضح للمتظاهرين، ولكن الشفيع وبعض  قادة العمال ، نجحوا في حمايته واخراجه سالما من وسط المتظاهرين.  وقدم اتحاد العمال شكوى للحكومة حول ذلك التصرف من السفير الأمريكي.


    عندما سلم حزب الامة السلطة للعساكر في 1958 كان الشفيع في القاهرة ، للمشاركة في مهمة لاتحاد العمال   العرب لحسم الخلافات بين عبد الناصر والرئيس العراقي عبد الكريم قاسم  ،  وعندما بلغه خبر الانقلاب قرر الرجوع فورا للسودان رغم تحذير بعض اصدقائه وفى مقدمتهم الشاعر جيلي عبد الرحمن. رجع الشفيع رغم علمه انه على رأس القائمة المستهدفة من الدكتاتورية ،  فتم اعتقاله بعد ايام من وصوله وحوكم بخمسة سنوات سجن وكانت اول سابقة في تاريخ السودان ، ان يحاكم مدني امام محكمة عسكرية.  ولكن ذلك القرار كان يعبر عن هلع العسكر من وجود الشفيع حرا طليقا وسط قواعده العمالية.   وقد واجه الشفيع تلك المحكمة بشجاعة وجرأة تميز بهما. وجاء في دفاعه امام المحكمة:

“ان القانون الذي نحاكم به (المادة 4 من قانون الجمعيات غير المشروعة) قانون     باطل لأنه ألغي ضمن قرارات البرلمان الخاصة بقانون النشاط الهدام ولان الشعب السوداني   الغاه عمليا، واخذت الصلة بالتنظيمات التي يذكرها القانون (اتحاد النقابات العالمي، مجلس السلم العالمي ....  الخ) تمارس بشكل علني وبعلم الدولة وأصبح السودانيون يسافرون للخارج والوفود تروح وتجئ بجوازات سفر من وزير الداخلية       وبموافقة سلطات الامن."   ثم تساءل الشفيع: لماذا رفعت هذه القضية وفى هذا الوقت بالذات؟ هل المقصود منها ضرب الحركة النقابية السودانية؟ ام هل المقصود منها اقرار ان الصلة باتحاد النقابات العالمي وحده غير مشروعة في الوقت الذي اصبحت فيه الصلة ببقية المنظمات المشمولة بجدول المادة الرابعة مشروعة؟ أم المقصود محاكمة واضطهاد شخصيات بعينها في الحركة النقابية السودانية؟"  كما وجه الشفيع النداء لضباط الجيش قائلا " دوسوا بأحذيتكم القوية على هذه القوانين فهي نفس    القوانين التي حاكمت رفاقكم قادة ثورة 1924." حكمت المحكمة العسكرية على الشفيع بالسجن لمدة 5 سنوات بناءا على تلك التهم الملفقة والضعيفة.

انضم الشفيع، فور خروجه من السجن، الى العمل النقابي السري المعادي للدكتاتورية  ، وكان أحد اعمدته الاساسية. وساهم الشفيع بفعالية في انجاح مؤتمر الجريف النقابي السري الذي انعقد في نهاية 1963 ،       ووضع برنامجا لقادة النقابات لمواجهة تدخل النظام في العمل النقابي  ، وتوحيدهم لقيادة مساهمة النقابات في الاعداد والمشاركة في الاضراب السياسي العام ، والذي كان مرفوعا منذ 1961 كأداة اساسية لإسقاط الدكتاتورية.

 وبعد ان انتصر الشعب في ثورة اكتوبر 1964،  وأسقط الدكتاتورية العسكرية الاولى  تقرر منح العمال وزارة تقديرا لنضالهم ضد الدكتاتورية العسكرية.   وقد تمسكت الحركة العمالية بتقاليدها الديمقراطية في عملية اختيار ممثلها. وقد تم اجراء انتخابات ، بمشاركة أعضاء مجالس إدارات النقابات ،    لتحديد ممثل النقابات العمالية في الوزارة ،      تحت اشراف القاضي آنذاك ابيل اللير ، حيث فاز الشفيع   بثقة اعضاء مجالس ادارات النقابات وأصبح وزيرا للعمال في وزارة اكتوبر. ومما يجدر ذكره ان الشفيع تبرع بمرتبه كوزير لصالح اتحاد العمال. وهنا يجدر الاشارة لاتهام وجه كثيرا للشفيع بانه جمد مطالب العمال،  بعد ان أصبح وزيرا. حقا ، لقد قررت اللجنة التنفيذية لاتحاد العمال تجميد مطالب العمال ،        تقديرا للظروف الاقتصادية السيئة لحكومة ثورة اكتوبر وقررت ايضا التبرع بيوم لدعم الثورة  ، ويتضح ان القرار صدر عن قيادة الاتحاد ، وهي وفى مقدمتها الشفيع تتحمل المسئولية الكاملة عن القرار  ، والتاريخ سيحكم  هل كان قرارا صائبا لمصلحة الوطن ام لا ؟


طالب اتحاد العمال، بعد انتصار ثورة  اكتوبر في 1964، وعند مناقشة مشروع قانون الانتخابات الجديد، بتخصيص دوائر انتخابية للعمال والمزارعين باعتبارهم عصب الانتاج في السودان  ، ولدورهم السياسي في اسقاط الدكتاتورية. رفضت الاحزاب التقليدية ذلك الطلب، وتمسكت بجوهر قانون الانتخابات التقليدي المبنى على شخص واحد صوت واحد.   حينها قرر اتحاد العمال ترشيح بعض قادته ،  في بعض الدوائر الجغرافية.  فتقرر ترشيح الحاج عبد الرحمن في دائرة عطبرة والشفيع في دائرة الخرطوم الجنوبية وذلك لخوض انتخابات 1965.  ومن المعروف ان دائرة الخرطوم الجنوبية من المواقع التقليدية للحزب الوطني الاتحادي ومن ضمن دوائره المضمونة. لذلك رشح الحزب الاتحادي أحد قادته هو ابراهيم المفتي لخوض انتخابات الدائرة. وعند ظهور النتيجة فاز ابراهيم المفتي بنسبة 40 % من الاصوات  ،  بينما نال الشفيع 33 % من الاصوات.

 قاد الشفيع اتحاد العمال في فترة ما بعد انتصار ثورة اكتوبر وكان  من أبرز الانشطة ذلك الجهد التنظيمي الذي بذل لإعادة بناء اجهزة الاتحاد مؤسساته وتطوير اساليب عمله.   كما برزت في نفس الفترة مشاركة الاتحاد الفاعلة في القضايا الوطنية العامة.  وعلى المستوى النقابي  ، طور الاتحاد اساليب مفاوضاته ،     وتخطى اساليب الحماس القديمة وصار يعتمد على الدراسات المتخصصة ولغة الأرقام  ، وكما بذل جهدا متواصلا لتدريب المئات من كوادره على اسس المفاوضات الجماعية وكيفية ادارة العمل النقابي.  و اعاد الاتحاد اصدار جريدته (الطليعة) وأنشأ دارا للنشر النقابي قامت بإصدار سبعة كتب نقابية.

أدى ازدياد قوة ونفوذ اتحاد العمال  لغضب الحكومة ، وصارت تسعى لتحجيمه.  تصدى الشفيع شخصيا لمحاولات الحكومة تقديم قانون جديد للنقابات في 1966 للجمعية التأسيسية سمى (قانون منازعات العمل) بدون مشاورة او مشاركة النقابات وكتب الشفيع   مقالا في جريدة الايام  ،   مفندا حجج الحكومة ومحذرا من المضي في الطريق الذي اختطته حكومة عبود. كتب الشفيع:" ان كلمة منازعات نفسها تعنى ان هنالك أكثر من طرف، وهذا يعنى بالضرورة    اشتراك جميع الاطراف في وضع اسس تنظيم تلك المنازعات، ولكن الحكومة وهي الطرف الأساسي، لا بوصفها المهيمنة على   جهاز الدولة   ولكن بوصفها أكبر مخدم في بلادنا، آ ثرت ان تنفرد بوضع القوانين واللوائح التي تنظم منازعات العمل، سالبة بذاك العمال حقهم    في ان يقولوا رأيهم في شان من أخص شئونهم.  ولعله من نافلة القول ،    ان نذكر ان العمال هم الجانب   المهضوم في   كل المنازعات التي تنشأ ببن العمال والمخدمين، وقد انشأوا منظماتهم النقابية ،     بغرض استعادة بعضا من حقوقهم السليبة - ولعل هذا هو منشأ المنازعات التي يراد تنظيمها ".           ورد على الاتهامات قائلا: " اما الحديث عن المصلحة الوطنية فتاريخ الطبقة العاملة ناصع البياض، حافل بالمواقف المشرفة في الحفاظ على تلك المصلحة. وتاريخ الحركة النقابية ، يشهد بان العمال في بلادنا لم      يلجؤوا الى استعمال      سلاح الاضراب من اجل الفوضى او التخريب، ولكنهم كانوا وما زالوا يلجؤون اليه عند الضرورة القصوى، وبعد ان يستنفدوا كل الوسائل الممكنة لحمل المخدمين على اجابة مطالبهم ".

 اما مطالب العمال الاقتصادية فلم يتنازل عنها الاتحاد ، وواصل مفاوضات مضنية تواصلت لسنوات مع الحكومة، ولكن ممانعة الحكومة اوصل المفاوضات لطريق مسدود. دفع موقف   الحكومة الاتحاد لإعلان اضراب عام في 1968 ، اشتهر باسم اضراب الكادر والذي شاركت فيه قرابة المئة نقابة عمالية.

 حاولت الاحزاب التقليدية عزل الشفيع عن قيادة اتحاد العمال، واستخدمت القانون من اجل تحقيق ذلك  ، الحلم القديم المتجدد، وشجعت، بل ومهدت الارض لتفتيت وقسم الحركة النقابية  ، بإنشاء ما سمى باتحاد عمال القطاع العام والذي استطاع الشفيع بخبرته وحكمته ان يصفيه تماما، ويقنع النقابات التي خرجت فيه بان ترجع الى موقعها الطبيعي في اتحادها العام، باعتباره المركز القومي الموحد للحركة النقابية ومصدر قوتها واستقلالها.

  وقامت السلطة، في إطار محاولاتها لعزل الشفيع، لاتهامه بالمشاركة في محاولة انقلابية في عام 1966 وقد رد الشفيع ساخرا من تلك التهمة بمقال شهير بجريدة الايام، جاء فيه :   " لقد تملكتني الحيرة من ذلك الاتهام الغريب.  ولو كانت هنالك تهمة اقر عليها سلطات الامن وارى لها فيها الحق كل الحق،  فهي تهمة العمل على فشل الحكم العسكري في بلادنا واعادة حكم الدستور.  لو وجهت لي سلطات الامن    مثل تلك التهمة لقلت   ان في جهاز امننا عقولا تستقرئ وتستلهم الحقائق في توجيهها للاتهامات ولقبلت عن رضى وسعادة ان اكون المتهم رقم واحد ...  لماذا اتهم بتدبير انقلاب؟ هنالك امران لا ثالث لهما في هذا الموقف قد يدفعا الذين يريدون اتهامي بمثل هذه الفرية الغريبة ، الامر الاول ان تكون لديهم من الادلة   والبراهين ما يكفي لإلصاق الاتهام بي    او على الاقل يقربها منى او يجعلها تحوم حولي، وقد وضح للجميع  انه لم تكن لدى السلطات مثل هذه الادلة.   والامر الثاني ان يكون في تاريخي وسوابقي   ما يشير الى امكانية صدوره منى - وليس في تاريخي شيء مثل هذا، بل على العكس فيه ما يشير الى غير ذلك ".

ويوضح مواقف الحركة النقابية الديمقراطية قائلا: " لقد ارتبط نشاطي العام بالحركة النقابية في بلادنا -   ولقد تحدثنا كثيرا وابنا لكل من له قلب سليم     ان الحركة النقابية لا يمكن ان تحيا وتزدهر، وان تستثمر جهودها الا في ظل مجتمع ترفرف فوقه الوية الديمقراطية وتصان فيه حريات الناس -  بذلك وبذلك وحده يكتمل وجودها ويستقر كيانها. الحركة ا لنقابية حركة ديمقراطية ترتكز    على قاعدة جماهيرية عريضة. ولقد قادت الحركة ا لنقابية ، وعلى راسها ذاك الجهاز النقابي الذي اتشرف بالمساهمة في قيادته ،  اتحاد نقابات عمال السودان، قادت معارك ضارية في حماية الديمقراطية وحكم القانون والدستور   وقاومت كل المشاريع الاثمة التي اريد بها تكبيل حرية الشعب ".


 بعد انقلاب مايو 1969 ، ساهم اتحاد العمال بقيادة الشفيع في دعم النظام، وقررت الحركة النقابية اعلان موقفها بتسيير موكب جماهيري خاطبه الشفيع في 2 يونيو 1969.         أدى ذلك الموقف الداعم لتحسين العلاقات بين الاتحاد والحكومة والتي سارعت بتكوين لجنة لصياغة قوانين جديدة للعمل.   ساهم الشفيع، بفعالية من خلال تلك اللجنة، في انجاز قانون العمل الموحد لسنة 1970 ، والذي يٌوصف بأنه اول قانون ينحاز للعمال في تشريعات العمل السودانية، ولكن القانون لم يعمر الا فترة بسيطة جدا حيث الغاه نميري واستبدله بقانون العمل الموحد المعدل بعد فشل انقلاب 19 يوليو.

 كان الشفيع مبدئيا في تمسكه بوحدة الحركة النقابية ورفضه لكل محاولات قسمها تحت أي دعاوى كانت. وكان ذلك موقفه منذ تأسيس الحركة النقابية ، وأكده في كل كتاباته وخطبه، وخلال السنوات الاولى لنظام مايو عندما انقسم   الشيوعيون في تقييمهم لنظام مايو وتحديد موقف منه واحتد الصراع فيما بينهم ، تمسك الشفيع بضرورة وحدة الحركة النقابية وابعادها عن ذلك الصراع ،      لإنها ليست طرفا فيه، ورفض أي محاولات لقسم الحركة النقابية تحت أي شعارات او دعاوى ، لدعم السلطة او العداء لها.  فالحركة النقابية السودانية، وفي استقلال تام، تحدد موقفها من السلطة، أي سلطة، بموقف تلك السلطة          من القضايا والمطالب النقابية.


ولم تكن اسهامات الشفيع في العمل النقابي منحصرة في السودان،  بل للشفيع اسهامات متميزة في الحركة النقابية العالمية، منذ اول مشاركاته في خمسينات القرن الماضي، في مؤتمرات      اتحاد النقابات العالمي وانتخابه نائبا لرئيس اتحاد النقابات العالمي كأصغر شخص يتقلد هذا المنصب، وكذلك له ادوار بارزة في الاتحاد العالمي لعمال النقل ، وفى اتحاد الدولي للعمال العرب واتحاد عمال افريقيا. ومن أبرز مواقفه انه قاد الحملة النقابية العالمية القوية للتضامن مع شعب الجزائر في نضاله من اجل الاستقلال.


 اعتقل الشفيع بعد فشل انقلاب 19 يوليو وعذب بوحشية. وتحت وطأة التعذيب قال الشفيع لجلاديه : ( لم نرتكب خيانة ضد الوطن وشعبه، وقفنا مع التقدم ومصالح الناس. وإذا متنا فالمهم ان يحافظ الناس من بعدنا على التنظيمات الجماهيرية التي اشتركنا في بنائها مع الاف الناس).  وقدم الشفيع لمحاكمة سريعة انتفت فيها اسس العدالة وقررت اعدامه بناء على اوامر نميري.


 جاء ايضا في صحيفة الصحافة الصادرة صباح الاثنين 26 يوليو تحمل مانشتا رئيسيا هو

(الاعدام شنقا للشفيع احمد الشيخ) وورد الخبر كما يلي  : " فرغ المجلس العسكري الذي ينظر في قضية التآمر والخيانة من محاكمة الشفيع احمد الشيخ. وقرر الحكم بإعدامه شنقا.     وقد صدق الرئيس القائد جعفر محمد نميري على هذا الحكم."      وفـي نفس يوم الاثنين 26 يوليو1971، جاء خبـر عـبر الاذاعـة السـودانيـة باختـصار شـديـد يفيد: " انــه قـد تـم فـجر اليــوم اعـدام الشـفيـع احـمد الشـيخ شنقا بسـجن كـوبـر ،  وبحـضـور قـاضـي ومـدير إدارة السـجن واكتـفي الـمذيع بقـراءة نـص الـخبر القـصيـر ، بدون الـترحـم علـيه او توضـيح اذ ما كـانت الـجثة وقـد سـلمـت لذويـها كما جرى العرف وحسب نصوص القانون.

وفى جريدة الصحافة الصادرة يوم الثلاثاء 27 يوليو جاء ما يلي: " أعلن الرئيس ان كل معتقل مدنيا كان او عسكريا سيقدم للمحاكمة لأنهم كلهم سودانيون خانوا بلادهم وستكون كل المحاكم عسكرية ميدانية".

أثار هذا الاغتيال المتعمد غضبا عارما داخل وخارج    السودان. فقد أصدر اتحاد النقابات العالمي كتابا عن الشفيع بعد اغتياله بعنوان هو: (الشفيع احمد الشيخ: الابن البار للطبقة العاملة السودانية) ، وقد صدر بالإنجليزية والعربية ووزع في كل انحاء العالم.  كما ادى اغتياله لحملة تضامن عالمية معه ، ومع الشعب السوداني      شملت فرنسا وايطاليا واسبانيا واليونان وبلجيكا والاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا        وبولندة ورومانيا وكوبا، واثيوبيا، والكنغو، والجزائر.


 هذه ملامح عامة او سطور سريعة من حياة الشفيع سطرتها كخلفية تاريخية ،  ونهدف بذلك للمساعدة في التعلم من تجربة نشاط الشفيع النقابي ، ليس لنسخها بحذافيرها ، فقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر النقابي السوداني ، ولكن بهدف دراستها و التعلم منها ، حتى تكون للأجيال الجديدة من الباحثين والنقابيين  معرفة بتاريخ وتجارب الحركة النقابية. ولتدرس تاريخ الحركة النقابية و  تجربتها ، ولتقييمها بموضوعية وعمق ويهدف كل ذلك  لتطوير العمل النقابي  ،و الاجتهاد  لوضع استراتيجيات نقابية جديدة  ، تواكب التحولات المحلية والعالمية في مجال النشاط النقابي و مناهج العلاقات الصناعية  ،  والتغييرات العميقة التي مست جميع اوجه الحياة في بلادنا.


siddigelzailaee@gmail.com

 

آراء