الحلم الكبير نسمات الشمال عندي حلم كما قال مارتن لوثر كنج: سيعود الشمال أخضرا وستتسع دائرة الإخضرار بعيدا عن النيل وستمسي ليالي الدناقلة والحلفاويين والمحس والرباطاب والمناصير والبديرية والشايقية والبزعة والهواوير والجعليين وحتى العرب بغرب النيل والحلب بهجة وتكثر الأفراح ويعم النماء ويعود الغائب والمهاجر في بلاد الله وستتضاعف كثافة السكان كثيرا. وستتوفر الكهرباء والتقينة في كل بيت وكل وسائل الحياة العصرية الحديثة. وينعم الشمال وتتواصل مسيرة الأجيال بإنجازات مذهلة كالأجداد ترهاقا والكنداكة. وتعمر شندي ومروي وكريمة وأبوحمد والدبة ودنقلا والخندق و الغدار وكرمه والقولد وحلفا القديمة والمتمة والدامر وعطبرة والغابة وحفير مشو وجزيرة بدين ولن (يطير جنا الوزين ) هذه المر ة كما كان النعام آدم يعبق أمسيات الشمال خاصة والسودان عامة ولن (يقل نوم العين). بل ستنام الأعين ملء جفونها ويرتاح البال بالأزاهير والفال ويرد عريسنا البحر ويقطع جرايد النخل. ويستمتع الشمال برقص الدناقلة الرائع وطمبور الشايقية بأنغامة الشجية ودلوكة الجعليين ولن تكون هذه المرة (القده عطشانه) ولكن (دخلوها وصقيرها حام) و(البيت الكبير أشروه وضيف الهجوع عشوه والولد اليتيم ربوه والجاري كان وقع شيلوه والسيف السنين أسعوه) وإن شاء الله يأتي الشمال (عريس خيلا بجن عركوس) وستكون هناك أكثر من بنونه بت المك ومهيرة بت عبود. أرض المحمل والقرآن وسيعم الخير كل ربوع دارفور ويخنقها (خير خنقه) وتعود دارفور سيرتها الأولى تزاوجا وإنصهارا بين الزرقة والعرب : بين الفور والمساليت والزغاوة والميدوب والبرتي والبرقو والبرقد والتاما والقمر والداجو والتنجر والبرنو والهوسا والفلاته وبين العرب: الرزيقات والتعايشة وبني هلبه و الهبانية والمعاليا والزيادية والمسيرية وأولاد راشد والترجم وبني حسين وبني جلول وبني عمران والمحاميد والحوطة والعريقات والماهرية وهلمجرا....... وستعطر الليالي القمرية بأغنيات الكسوك والنقارة و (قميرية طيري فوق شرك كرباني) و أم صلبونج وحتي (إبره ودرت) . وتتفنن نساء دارفور الشيخات والميارم في صنع الطعام وتواصل مدرسة تعليم الطعام التي منشأها الفور والدناقلة في تعليم أهل السودان أصناف الطعام الشهي ( وبلاش العفانات: التركين والفسيخ والكول والمصران الخ...) وبلاش (البخو) و(تشربي بالعافية) وزراعة التمباك. وتكثر (سلي جبتك) أو (الورانية) المشهورة عند نساء الفور - وهي طعام يحتفظ به للزوج الغالي عندما يريد أن يأوي إلي فراشه للنوم تخصه به حبيبته أم عياله. و(ونسة الما قدرك بوجعيك في صدرك). وتعود خلاوي القرآن الكريم كخلايا النحل والمهاجرية والفقراء (القوني) و( أم بتري) . وسيذهل العالم بإنجازات مشرفة كما كانت سابقا من كسوة الكعبة وإطعام الجياع وتتواصل مسيرة تسيير المحمل من فاشر أبو زكريا إلى الحرمين الشريفين بالطائرات. وتزدهر ربوع جبل مرة والمنتجعات والشلالات (قلول ومارتجلوا وبركة الشيطان وغيرها) بالسياح من كل العالم. وستمسح أصابع الزمن غبار السنين عن مدن عريقة مثل الفاشر ونيالا وزالنجي وكتم وبرام والجنينة وكاس وأم كداده والضعين ورهيد البردي والتبون وعديله .وستصبح (كلكة) حقيقة من البلدان اللي عزاهن الله وهن حسب الهلباوي (مكة المكرمة وتونس الخضراء وثالثهن كلكه). وستضع هذه المدن على محياها ألوان الفرح والسعادة والنماء والإستقراد وستكسوها حلة من التمدن والإزدهار. شرق الضياء وستردد جبال التاكا والشرق أغنيات البجه والهدندوة والبني عامر في الأمسيات وتعطر أجواء المدن وتكثر ( دبايوا) و (عوجات كيها) وربنا ما يجيب العوجات. ويسعد (أدروب) في جباله ووديانه بأفخر أنواع التقنية وبهجات الحياة. وتنتعش المناطق السياحية البرية والبحرية بالسياح من كل العالم. وتذهب معاناة (أدروب) إلى الأبد ويعود كسابق عهده يسهم في نسيج المجتمع السوداني بالقدح المعلى كما كان في عهود الفراعنة ويضمخ لغة السودانيين بمفرداته العظيمة ويحتل مكانته بطلا نفخر به كما كان بطلا مغوارا في الحروب وحراسة الثغر ووسام شرف على صدر كل سوداني. وستسعد قبائل البجا والهدندوة والبني عامر والحلنقة والدقنات والرشايدة وغيرها . وتزدهر كسلا الوريفة (الشاربة من الطيبة ديمة) والقضارف و(سمسمها) ومحاصيلها الزراعية الأخرى . وتتألق البورت (بورتسودان) كعادتها وتزداد نظافة وأناقة كسابق عهدها ويعود إليها الحضارم والهنود والحجازيين والأتراك وبقية عرب الجزيرة العربية ومصر والشام كما كان سابقا. وتتألق طوكر وأركويت وسنكات وهيا. وتسترجع سواكن مجدها الآثل وقصورها الفخمة ويكون بدل (قصر الشناوي) العشرات من القصور. و(حار فراقك حار ياسواكن ) يادرة (دقنه ) الجسور. ويزدحم ميناء بشاير ببشاير الخير ويكتظ بالسفن المحملة بالنفط والخيرات. الغرة أم خيرا جوه وبره و( أسير غزال فوق القويز ) و (مكتول هواك ياكردفان) وتزدهر كردفان الغرة (أم خيرا جوه وبره) وتزهو مواكب النماء والتطور من شمالها إلي جنوبها ومن غربها إلى شرقها. ويغني أهلي في دار الريح التي ضمت دار حامد والكبابيش والكواهلة والمجانين والزيادية والمعاليا والهوارة والهواوير أغاني الهسيس والتويا والجراري. ويمتليء الضرع ويخضر الزرع إبتهاجا بقدوم شباب القبائل بإبلهم من نشوق ورعي (الجزو) - شبان يخزوا العين - وتخرج أم بادر وحمرة الوز وحمرة الشيخ والمزروب وجريجخ وبارا وأم درابه والسميح وود عشانا وكجمر وأم كريدم وجبل القاعة والبشيري وأم جمط وأم عشيرة وغيرها في أبهى حللها. وكما يقول الكابلي يشيل أهلي في وسط كردفان شوق وسط العينين وترقص حسان البديرية والشويحات والحمر والحوازمة والجوامعة والركابية والدواليب والهوارة والهواوير في بارا والأبيض والرهد وأم روابه وأم دم حاج أحمد وزريبة الشيخ البرعي وأم صميمة والعيارة وأبو قعود والنهود والأضية وغبيش وأرمل وأم قرنا جاك وأرمل وخماس والتبلدية الصفراء وعيال بخيت وأبو زبد وكازقيل بهجة وحبورا. وتختفي السقاء (القرب) من الآبار والعد ونفتقد غناء الشباب وهو ينشلون الماء من البئر ويهدأ الريف إلا من رياح الشمال وعبق النوار. وتزهو أشجار التبلدي علوا وشموخا. وتعطر الأجواء أغاني المردوم في الليالي المقمرة والنقارة (درق الليل ومقاساتنا المعهودة عند الرقص وهي الزول من الزول عود فاس.) وتسرب الظعينة تشبع البقر من العشب المكلل بالندي في دشرة الصباح ويطير أم منقور من شجرة لأخري ويقدل الغرنوق في بحر العرب وكيلك (أم زقاف) وكجيرة (أم بردي) والقني وتبارك الله وجنقارو الطوال والقصار ودبه عبيد ولقاوة (الحلاوه) ورشاد وأبو جبيهة والحاجز والفرشاية والدبيبات والحمادي. وتكثر كريمة (أكالة العسل) و(أم قيردون). وتزهو الزليط وأبودموع ويشرب الصيد من (المشيش) في لقاوة وتكثر النحلة (أم دلو) في غابات القني وتشوف جمال البقارة فى رقصتهم مع النقارة . تشوف المسيرية بشقيها (الأحمر والأزرق) وهم علي ظهور الخيل والجلكاية (الحربة الطويلة السنان) و تسمع (البوشان ) و ( الجرداق) وغناء (الحكامات) وأهازيج (الحداي ) وتسمع كلام مثل (الدنيا ما ليها أمان والمتحزم بيها عريان) و (نجاركي نجر ليكي إيدي بلا كعيان ورقبة بلا وردان وبطن بلا مصران). تشوف أهلي أولاد حميد وكناة وخزام وسمر الحرفاء والبرامكة والكماكلة في قعدات الشاى (أبو شعيرة الهنىء المو شراب دنيء). و (الشاى حلال على ثلاثة وحرام علي ثلاثة). ) وتكاد الأرض تميد بمن فيها من وقع أقدام النوبة في الكمبلا والصراع وسوط الكجور وهو ينزل من على الجبل في مواسم الحصاد في حبال النوبة للسبر. وألحان فتيات النوبة وهو يصدحن بالألحان الشجية المصاحبة للكمبلا وكيسا وكرن في الوديان وسفوح الجبال. وتغزل جبال النوبة من جديد مارشات عسكرية للجيش السوداني أمثال (مندي) بت المك. ويحتل النوباوي مكانته في الجيش السوداني كعهده أيام نابليون والتركية السابقة وهو الذي شرف الجندية في المكسيك وكرن وطبرق ومالطة والكفرة بإنضباطه وحبه للجندية والفروسية التي تجري في دمه. وتخرج مدن عريقة كالدلنج وكدقلي وكاودا وسلارا وأم بريمبيطه والعباسية تقلي وأبو كرشوله وكاتشا والبحير ورأس الفيل وجبال مثل النيمنج وطبق و تلشي وغيرها في أبهى حللها. وتلتقي أهازيج الجبال الغربية بالجبال الشرقية وتسعد جبال النوبة بتراثها المتفرد وإنسانها الرائع. ويمتلىء جرف أبيي ( نموره) كما كان في الخمسينات من القرن الماضي وتعدو عليه اللنشات محاطة بحدائق الفاكهة على ضفتي الجرف وتختلط أجراس الكنيسة بنداء الأذان للصلاة. وتغدو الأرض من أبيي إلي (انجاديل والدمبلوية وكبري الجنقاي وأبيمنم والقاعة والفيض وأم مانتيك وبانتيو وكواك وناما وضيلم والشراب وأم سكينة والدبب حتى غريقة (المجلد) والبابنوسة والفولة والميرم وبار وبربوج) خضراء زاهية بالصيد وثغاء الأغنام وخوار الأبقار والثيران وصهيل الخيل. و (بولي) يخو علي الجرف ليأخذ نصيبة من الأسماك. وصقر الجديان يقدل في السهول بكل فخر وزهو. والنعام (الربيده) و (الإضليم) يطلق (سكاكاته) للريح مع مجموعة من أفراخة (صقوط). أرض المحنة وتعود الجزيرة سيرتها الأولى ومشروع الجزيرة يمشى كالساعة في دورته المعهودة ويضرب المثل لكل المشاريع في العالم. ويعود المزارع ثريا كما كان أيام المستعمر البريطاني وتمتلئ المطامير بزجاجات (.....) وبلاش هذه المرة حتي لا يضيع المشروع والثراء فالزراعة من الأنشطة التي لا تتفق مع هذه الممسارات. وتخضر الجزيرة من أولها إلى آخرها وتقصدها قبائل السودان للعمل والعيش فيها وتكبر الحلال (جمع حلة) ويعود قطار الوحدة من سنار إلي مدني والخرطوم ويعم الفرح والبهجة الجزيرة المروية بإنسانها الطيب الجميل شكلا ومضمونا ويعود ( العوض ) من المدن الأخرى ومن خارج السودان سالما وغانما. وتغزل خطوط الهاتف في كل الترع واستراحة ضباط الغيط وتحل بدل السيارة (موريس) سيارات آخر موديل. ويختفى (الويكاب) وتظهر أحدث المطاعم العالمية. وتعمر بركات ومارنجان بالأبحاث وتدخل محاصيل وخضر وفاكه جديدة علي الجزيرة المروية ويعم الثراء وتكثر التقابات والخلاوى بطراز عصري حديث. ويسعد إنسان الجزيرة ويهنأ باله ويعود للوجوه جمالها في مدني (أرض المحنة) والحصاحيصا ورفاعة والكاملين وأبو عشر وغيرها. وتطول (الوازا ) ويشتد زعيقها وقبائل الهمج والعنج والقمز والوطاويف والبرتا والمابان وغيرها تسوح في بلادها الجميلة السافانا الغنية ويعود للفنج عزهم الآثل أيام السلطنة الزرقاء والشيوخ الحكماء من بادي أبو شلوخ وعدلان والشيخ فرح ودتكتوك وعجيب وأبو لكيلك وغيرهم وتنير دياجير الظلام كما فعلت دولتهم الأبية بعد سقوط الأندلس وتوهجت علما وحكما وحكمة وعزا وسؤددا في وسط القارة الأفريقية. وتصبح الرصيرص وسنار والدمازين والكرمك وقيسان وسنجة وكركوج الشريف محمد الأمين وأم درمان فلاتة وأم قراد وأبو نعامة والسوكي وبقية العقد الفريد من المدن منارات للعلم والحضارة. أما الجنوب فلا زالت الرؤية ضبابية و لم يتضح الحلم بعد.