خواطر سودانية (12) …. بقلم: أحمد جبريل علي مرعي
18 May, 2010
gibriel47@hotmail.com
الجنوبيون
مشكلة جنوب السودان مشكلة من صنع المستعمر في المقام الأول، والحكومات الوطنية في المقام الثاني، والإنسان الجنوبي في المقام الثالث.
فالاستعمار البريطاني هو الذي وضع سياسة المناطق المقفولة والتي خشي أن يغشاها الإسلام ولغة الضاد. فكانت المديريات الثلاث: أعالي النيل والاستوائية وبحر الغزال موزعة على الكنائس الثلاثة: الكاثوليكية، والبروتستانتية، والأرثوذكسية. ولا يسمح لأي فرد مسلم من شمال السودان بدخول هذه المديريات إلا بتأشيرة من السلطة البريطانية الحاكمة في الخرطوم.
ثم ألحق المستعمر جبال النوبة بسياسة المناطق المقفولة والتي لا يسمح فيها بدخول أي فرد مسلم من شمال السودان إلا بتأشيرة من السلطات الاستعمارية.
وكانت جبال النوبة من أولى مناطق السودان التي شهدت تنمية إبان حكم المستعمر. فقد قام المستعمر بإنشاء الطرق المسفلتة من الدبيبات إلى الدلنج إلى كادوقلي. ولا توجد شبكة طرق كهذه في أي بقعة من بقاع السودان في ذلك الوقت. وكثف المستعمر الكنائس في جبال النوبة والجنوب بهدف طمس هوية هذه المناطق وإتباعها للثقافة الغربية الكنسية.
كما بذل البابا كمبوني (مؤسس مدارس الكمبوني في الأبيض، وسط السودان الحقيقي،والتي انتقلت فيما بعد إلى الخرطوم) جهدا كبيرا في تحويل النوبة إلى مسيحيين. وهو الباني لكنيسة الأبيض (من أكبر كنائس أفريقيا قاطبة).
كما ركز الاستعمار على طمس هوية أبيي الدينية وتحويلها إلى الثقافة الغربية الكنسية. فأنشأ كنيسة أبيي في وقت مبكر والتي منحت (فرانسيس دينج مجوك) أسمه الأول في حين تأثر أكثر إخوانه بدين عرب المسيرية والرزيقات وبقية البقارة الذين كانوا يجوبون تلك الفيافي صيفا مع أبقارهم. فعائلة الناظر دينج مجوك بها أسماء مثل: عبد الله، وأحمد، وحسن، وزكريا الخ.
وبرغم كل تلك الجهود الكنسية المكثفة، سادت اللغة العربية في تلك المناطق المقفولة وانتشر الإسلام. وأصبحت اللغة العربية هي الوسيط اللغوي الوحيد للتواصل بين قبائل الجنوب وجبال النوبة عامة.
يعود الفضل في نقل الإسلام واللغة العربية إلى المناطق المقفولة إلى التجار المسلمين بتواجدهم التجاري في تلك المناطق، وكذلك البدو من القبائل العربية بطوافهم المستمر مع مواشيهم في تلك البقاع رغم جهل كثير من البدو بالإسلام.
فالإسلام ينتشر بحركة ذاتية ولا يحتاج لكبير عناء في الانتشار. وهو أسرع الأديان انتشارا على مستوى العالم. فهو مثل (الذهب) المعفر وغيره (كالفضة) المجلية. فمتى ما وجد المرء ذهبا معفرا وبجواره فضة مجلية فسيأخذ الذهب المعفر بلا شك.
كما تكفل المولى عز وجل بنشر الإسلام والحفاظ عليه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). ومع نشر الإسلام تنتشر تلقائيا اللغة العربية. فهذه سنة الله في الأرض. فلو ترك المولى عز وجل أمر الدين لنا لذهب الدين كله كما ذهب في الديانات الأخرى. وسينتشر الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل ورغم أنف كل البشر (ولو كره المشركون)، ( ولو كره الكافرون). وهذا وعد رباني. فالعاقل من تبين حوله وعلم الحقائق الكونية الربانية.
ومع مرور الوقت حدث تصاهر بين العرب والقبائل المحلية أنتج شخصا مختلط الملامح والوجدان وهو الإنسان الحالي في هذه المناطق. فهناك (عرب مزنجة وزنوج معربة) ختمت عليها أفريقيا بأختامها الثلاثة: الملامح، والشعر، واللون. فلن يخطئك أحد أختامها بأي حال من الأحوال وقد تصيبك الأختام الثلاثة مجتمعة.
دأبت الحكومات الوطنية منذ فجر الاستقلال على تبني سياسة الحروب في الجنوب تحديدا مما ساعد في تشكيل قوة جنوبية موحدة ومعارضة للشمال المسلم.
وعدنا الجنوبيين أولا بمنحهم الفدرالية قبيل الاستقلال لكنا لم نف بوعدنا لهم وهم الذين عقدوا مؤتمر جوبا في عام 1947 وأعلنوا وحدتهم مع الشمال في خطوة وطنية بقيادة الوطني الجنوبي الغيور السيد بوث ديو، بعدما حاول المستعمر إتباع أو ضم الجنوب ليوغندا أو كينيا ولم يفلح.
وقبل أن ننال الاستقلال أظهرت الكوادر الحزبية الوطنية السودانية الشمالية بوادر النكوص عن وعودها في وقت كان المستعمر قد انتهي لتوه من تلقين الجنوبيين مخاوف غير مبررة وتحذيرات، وهو في طريقه لمغادرة السودان. تلك المخاوف التي مهدت الطريق لبذر الشك في نفوس الجنوبيين تجاه إخوانهم الشماليين.
كانت نتيجة تلك المخاوف كارثية على السودان. فقد اندلع تمرد توريت عام 1953، قبل الاستقلال بثلاث سنوات، بأسباب واهية للغاية. وأظهر الجنوبيون حقدا أعمى وارتكبوا مجازر بربرية ضد الشماليين الأبرياء من رجال ونساء وأطفال ومثلوا بجثثهم أشنع تمثيل بصورة كشفت عن ما يدور بدواخلهم ومخزون الغضب المستعر فيهم وحفظهم لدروس المستعمر التخريبية.
كانت أحداث توريت قاصمة الظهر التي نسفت جسور الثقة بين الشمال والجنوب وزرعت البغضاء والكراهية وأعمال الحقد.
وعندما نلنا الاستقلال، نكصنا بوعدنا الذي قطعناه للجنوبيين جراء ما ترسب في النفوس من غضب والثقة التي نسفها الجنوبيون عمدا بفعلهم الشنيع الذي بدأوا به مسلسل الفظائع والحروب.
نتيجة لذلك رفض ساستنا منحهم حق الحكم الذاتي، واستخدموا معهم القوة وسياسة طمس الثقافة والتعريب القسري في الجنوب كما فعل المستعمر في بادئ الأمر. وكانت النتيجة سلسلة من الحروب قضت مضجع السودان قاطبة وانحرفت بنا عن مسيرة التنمية والتطوير إلى مسيرة الهلاك والتدمير.
وبعد سلسلة من حروب التمرد على سلطة الخرطوم (الظالمة دائما للأطراف المهمشة) وبعد جولات من المعارك مع الأنانا (1) والأنانا (2) نعمنا ببعض السلام خلال عشر سنوات إثر توقيع اتفاقية السلام بين النميري وجوزيف لاقو التي منح الجنوب بموجبها حكما ذاتيا. وكادت الأمور أن تستقر لولا تذبذب السلطة الشمالية والنكوص عن وعودها دائما مما عمق الشك أكثر في نفوس الجنوبيين باستحالة الوثوق بالشماليين. وعدنا للمربع الأول، مربع الحرب والدمار.
ونتيجة لبقائنا في مربع الحرب والدمار، بدأ الميل العام للانقلابات العسكرية الرعناء التي ظنت أنها ستهزم الجنوبيين وستعيد الأوضاع كما ينبغي لها. فأشعلت هذه الانقلابات العسكرية النيران في الجنوب كله واستبسل بعض رموزنا العسكرية وبنوا لهم مجدا شخصيا انتقاميا أساسه القتل والفظائع.
وتعطلت عجلة التنمية في الشمال والجنوب وبقية أجزاء السودان. وأصبح الصرف على العسكر وأجندة القتال الباهظة الثمن يحتل أولويات الحكومات العسكرية والديمقراطية. ورويدا رويدا وصلنا إلى مرحلة الإفلاس التام إبان حكم الجنرال نميري واقترضنا لأول مرة من البنك الدولي قرضا ربويا مركبا ظل يتنامى بشكل أخطبوطي لم نستطع إكمال سداده حتى الآن.
أما الحكومات الديمقراطية، التي تولت سدة الحكم خلال عشر (10) سنوات فقط وبشكل متقطع، منذ استقلال السودان قبل 54 عاما، فكانت أضعف من أن تبرم إي اتفاق مع الجنوبيين أو تفاوض من موقف قوة بسبب دوراتها القصيرة، وأخطائها الشنيعة، وسياساتها المتخبطة وانشغال السيدين بترتيب أمورهما الشخصية وتصفية حساباتهما مع الرموز الحزبية الأخرى ومشاكساتهما الكثيرة التي كانت تغضب الشعب السوداني دائما وتجعله يتمنى الانقلابات العسكرية التي كانت سرعان ما تلبي أمنيته وتحقق فأله الشؤم.
ثم جاءت حكومة الإنقاذ " الإسلامية" والتي أقامت الدنيا ولم تقعدها بعنترياتها العجيبة وشتمها وتهديدها الأجوف لقوى الاستكبار (أمريكا التي دنا عذابها) وهي أضعف ما تكون، والتي عندما أصباها الخور والضعف الشديد، لجأت لتجنيد الطلاب، وكل قطاعات الشعب السوداني، ومطاردة الشباب في الأزقة والأسواق والحافلات لتزج بهم في حرب (مشروعها الحضاري).
وبعدما قضت حكومة الإنقاذ على الأخضر واليابس وأزهقت أرواح خيرة الشباب والكهول لجأت _ وليتها لجأت منذ اليوم الأول – إلى البحث عن حل سلمي وهي صاغرة. فقام نائبها علي عثمان بتوقيع اتفاقية (الخزي الشامل) ومحا بجرة قلم كل نضال المجاهدين وساحات الفداء وأخوات نسيبة وكأن شيئا لم يكن.
على أي حال، سكتت المدافع أخيرا وعشنا حالة من (اللاسلم واللاحرب) مع الحركة الشعبية لتحرير السودان،الشريك الأطرش. فتارة يصرح سلفا كير بأنه مع الوحدة وتارة مع الانفصال. وتتبعه (الجوقات) الموسيقية والعديد من (الكورالات) في العزف على هذا اللحن النشاز ويختلط الحابل بالنابل. ولا يدري الجنوبيون والشماليون عن ماذا سيتمخض هذا العرس البائس.
الجدير بالذكر أن الجنوبيين كانوا يشاركون في كل الحكومات الوطنية الشمالية الفاسدة سواء كانت عسكرية أو حزبية ونالوا حظهم من الفساد العام كغيرهم وساهموا في تعطيل عجلة التنمية والتقدم في السودان، دروا أم لم يدروا. وكفى لعبا وتمثيلا وتقمصا لدور (الضحية)!!!
وفي الأشهر القليلة القادمة ومع بداية عام 2011 ستتضح الرؤيا. فإما وحدة كاملة أو انفصال كامل بعدما وصل كل السودانيين أخيرا إلى قناعة السودان الجديد (التي نادى بها قرنق). وبعدما تراخت قبضة الوسط لجغرافي الظالم على أمور البلاد وإصراره على إدارة البلاد مركزيا طوال السنين العجاف برغم فشله الكامل وقصر نظره وسوء إدارته. وبعدما تركت المجموعات الشمالية المتشنجة أجنداتها واستعلائها الأجوف على الآخرين قسرا. وبعدما استلم أبناء الأقاليم المهشمة إدارة دفة الحكم في أقاليمهم وتولوا شئون أهاليهم بعد الانتخابات الأخيرة وعودة الديمقراطية بعد غربة طويلة.
لسوء الحظ وبعدما أجمع الشعب السوداني قاطبة على بنود (السودان الجديد) من حيث التعددية الإثنية والدينية والثقافية، وحققت الحركة الشعبية لتحرير السودان أهم بنودها (بحمرة عين) في اتفاقية الخزي الشامل،ضاعت بوصلتها الوحدوية وبدأنا نسمع نعيق بعض البوم الشؤم من رموز الحركة الشعبية تجاه الانفصال.
فماذا سيكسب هؤلاء الأغبياء من الحركة الشعبية بشعارات الانفصال في وقت يتجه فيه كل العالم إلى توحيد المجموعات؟!!!! فالمناصب التي يسعون إليها قد أصبحت تحت أيديهم وسيشاركون في اقتسام كعكة السودان بكل خيراته مع الاحتفاظ بالجنوب تحت سيطرتهم الكاملة.
ويبدو أن عقدة الدونية والعبودية لا تزال في ذاكرة كثير من المثقفين الجنوبيين. فالسودان به من الإثنيات و(الرطانات) والثقافات والسحن المختلفة عدد لا يحصى. ولكنا لم نر من أي من هذه المجموعات عقدا كعقد الجنوبيين!!!!
حتى الأمريكيين الأفارقة، العبيد الحقيقيين، الذين نقلتهم سفن المستعمر إلى مزارع القطن والسكر في الأمريكيتين، تخلصوا من عقدة العبودية. وشاركوا في نهضة الأمريكيتين ولم ينكفئوا طوال حياتهم يجترون خزي الماضي اللئيم.
أما الجنوبيين عندنا فلا يزالون يوالون المستعمر ولم يفقهوا الدرس بعد، ولا نظرة المستعمر الجديد لهم. فظلوا يوالونه ويتزيون بزيه وأسلوبه كأنهم يمتون إليه بصلة رحم. وظلوا يعادون كل عربي وإسلامي كأنما عرب السودان المزنجة والإسلام سبب نكبتهم في تاريخهم الطويل!!!!
و بين حين وآخر نسمع شعارات مبهمة ظل الجنوبيون يلوكونها مثل (الوحدة الجاذبة). فما هي هذه الوحدة الجاذبة إن لم تكن الحكم الذاتي والمشاركة في كل ثروات السودان التي نجحتم في الحصول عليها؟!!!!
وهمسة في أذن المسئولين الجنوبيين الطرش، لقد تغير الحال إلى الأحسن. ولكن إذا أصرت تلك الأصوات النشاز في الحركة الشعبية، بعد كل هذا، على الانفصال فمرحبا به ألف مرة. ولن نذرف الدمع عليكم، ولن نأسف عليكم، ولن نسترضيكم أبدا أبدا.
وتأكدوا من أنكم لن تبلغوا شأوا يصعب على الآخرين نيله. ولن تكونوا دولة يشار إليها بالبنان. فستكونون كغيركم من دول أفريقيا المريضة والموبوءة بالعنصريات والمعارك القبلية غير الهادفة. وسترزحون في مستنقع مشاكل يعيق نمو جنوب السودان بشكل مؤكد كما تسببتم في تعطيل تنمية وتطور السودان كله.
ألم يفطن المثقفون الجنوبيون إلى أنهم لو أجمعوا على إنشاء حزب سياسي في ماضي الأيام لحكموا السودان بالأغلبية الساحقة ونالوا ما يريدون بدون قتال؟!!! لكنهم فضلوا العنتريات الفارغة والمعارك الخاسرة التي وصلت بهم إلى مفترق طرق الآن.
وكلمة أخيرة (ضعوها حلقا في آذانكم المزينة بالحلق سلفا) فإن عدتم إلينا فمرحبا بكم في وطن يسع الجميع وقد زالت العقد القديمة من كل ربوع السودان بعد مشوار السنين الصعب. ولستم بأول من استعلى عليه وسطنا الجغرافي الظالم ولكن لم يصاب بالزهو والغلو والاشتطات وحب الانتقام الذي أصبتم به.
فهناك مجموعة (الغرابة) المسالمين الذين كسوا الكعبة وأعاشوا الحجيج وسقوهم بحفر الآبار (أبيار علي) وأمنوا طرقهم في جزيرة العرب بمبادرات من السلطان على دينار وغيره من سلاطين الفور الأكارم. وهم الذين أعادوا للدين هيبته بنيران القرآن الكريم في ربوع دارفور في غرب السودان. وهم الذين علموا السودانيين صنع الطعام الرائع وهي علامة حضارية. وبرغم ذلك لم يرقب فيهم الوسط الجغرافي الظالم إلا ولا ذمة، وأذلهم دون وجه حق سوى لتحقيق بعض العنتريات الغبية من بعض عساكرنا الرعن والكوادر شبة العسكرية الأخرى. وبرغم ذلك استعادت مجموعات (الغرابة) الثقة في نفوسها وحكمت الآن أنفسها بأنفسها.
وهناك (أدروب) الذي بدأ يتعافي من ظلم الوسط الجغرافي له طوال سنين سود. لم يرحمه الوسط الجغرافي مطلقا في كل نواحي الحياة وأهمله للفاقة والأمراض والجهل بنفس راضية. وبرغم ذلك أستعاد (أدروب) عافيته وبدأ مشوار التنمية الرائع في ربوعه الشامخة شموخ أهلها الذين زينوا صدور السودانيين في المحافل الدولية بكسرهم للمربع البريطاني أيام (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس).
وهناك (النوبة) في جنوب كردفان الذين بخسهم الوسط الجغرافي الظالم حقهم في الحياة الكريمة وهم الذين علموا الشعب السوداني الجندية وكانوا قوام الجيش السوداني مع غيرهم من أبناء الوطن المهمشين. وهم الذين علموا الشعب السوداني دروس الفداء من (مندي بنت السلطان) إلى (على عبد اللطيف) وكل العقد الفريد من البطولات الرائعة في تاريخ السودان. وهم الذين سارت بأخبارهم الركبان ولم تشهد ميادين القتال بسالة منقطعة النظير كبسالتهم في المعارك في المكسيك في غابر الأيام.
وهناك (نوبة) الشمال أهل الإرث الحضاري قديما وحديثا والذي ظلت تفخر به مصر أم الدنيا والسودان بأهراماتهم وآثارهم العاتية على مر العصور والأزمان. فنوبة الشمال عقها أبناؤها عقوقا لم يسبق له مثيل. فقد تولى عدد منهم سدة الحكم في البلاد منذ الاستقلال. ولكن يبدو أن هذه الخصلة الرديئة مشتركة بين أبناء الشمال عموما. فكل من يهجر الشمال لا يلتفت إليه وينجو بجلده (أنج سعد فقد هلك سعيد).
فنوبة الشمال هم أحفاد (رماة الحدق) الذين أبرموا اتفاقية (البقط) مع الصحابة – عليهم رضوان الله – ومهدوا الطريق لدخول العرب إلى السودان. وبرغم ذلك أهملهم الوسط الجغرافي وهمشهم وهو يدري أنهم سادة السودان قديما وحديثا حضارة وثقافة لكونهم أول من احتضن الإسلام. فهم الذين علموا الشعب السوداني قوائم الطعام المدهش. وبرغم ذلك لم نعرهم اهتماما وتركناهم في تهميش كامل وكأنهم لا يعنون لنا شيئا.
وهناك الفونج والأنقسنا وقبائل جنوب النيل الأزرق التي حملت أولى مشاعل الحضارة والنور والهداية بعد سقوط دولة الأندلس وأنشئت أول دولة إسلامية أنارت دياجير الظلام في قلب أفريقيا. وأوجدت رواق السنارية في الأزهر الشريف. وبرغم ذلك لم يشفع لهم تاريخهم التليد عند الوسط الجغرافي الظالم وتركناهم وكأنهم ليسوا من الذين أسسوا السؤدد للسودان.
ونصيحة أسديها لعرب السودان المزنجة والتي تدعي كل قبائلها الانتساب للأرومة الشريفة. فمن يسمع بهذه الإدعاءات يظن أن الكعبة كانت يوما ما في وسط الخرطوم. وأن قريشا هي التي تجوب ربوع السودان. فهذا إدعاء فريد من نوعه لم نعهده في أي دولة عربية مثل العراق والشام ومصر والمغرب العربي. تلك الدول التي قاتل ومات فيها الصحابة وحيث مقابرهم لا تزال ثاوية. ولكنا لم نر فخرا بالانتساب إليهم بهذا القدر من الاشتطات إلا في السودان!!!!
ونصيحة للجنوبيين وكما يقول المثل (جنا بتعرفه ولا جنا ما بتعرفه). دعوا عنكم العقد الكثيرة وشاركوا في تنمية وطن يسع الجميع وإلا فسنقول فيكم كما قال الشاعر:
ذهب الحمار بأم عمرو فلا عادت ولا عاد الحمار