خواطر سودانية (14) … بقلم: أحمد جبريل علي مرعي
3 July, 2010
gibriel47@hotmail.com
المسكوت عنه والبديل!!!
ظلت مجموعات سودانية كثيرة مغيبة دهورا وهي تتفرج على مجموعات بعينها تحتكر المسرح السياسي والثقافي والاجتماعي والرياضي الخ. تلك المجموعات التي استمرأت حكم السودان وجعلت من أنفسها سادة والآخرون ما دون ذلك. وصدقت هذه الفرية السخيفة وهذه الكذبة البلقاء وسمت بأنسابها إلى الأرومة الشريفة زورا وبهتانا.
استمرت هذه المجموعات المحتكرة لكل شيء في أدائها السخيف إلى أن زهقت كل المجموعات السودانية الأخرى منها وقررت مواجهتها بالسلاح. فبدأ الجنوب في وقت مبكر وحمل السلاح. ثم تلاه الشرق والغرب وأوشكت مجموعات في شمال السودان أن تحمل السلاح.
احتملت مجموعات سودانية عديدة قهرا كل هذه الخزعبلات والسخافات والترهات لأكثر من مائة عام. منذ أن هزم الغزاة الباغون الوطنيين البواسل الأفذاذ في كرري وانكسرت دولة العز والإسلام الحق. وتنادت الضباع وأبناء آوى والمجموعات العميلة والخائنة على جيف الأبطال المسجية بعز وفخار على أرض كرري.
استمر كل ذلك بعدما سلم الغازي البغيض حكم السودان للخونة وأبنائهم كمكافأة على جهدهم المقدر في العمالة والخيانة وإسقاط دولة العز والإسلام الحق.
فقد كانت دولة المهدية شأن إي حكومة لها معارضة تناصبها العداء. وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم ناصبته قريش العداء وهم أهله وعشيرته.
استغل الغازي البغيض المعارضة العميلة واستقطبها في مصر، كالعادة، وفي طريقه إلى عاصمة البلاد أم درمان. وفي صباح معركة كرري يقال بأنه وضع المجموعات السودانية في صف المربع البريطاني الأول لتكون الضربة الأولى معركة بين السودانيين العملاء وبين الوطنيين الشرفاء. وكانت كذلك وتركت غبنا وحقدا وعداء سافرا إلى عهد قريب بين تلك المجموعات العميلة وبقية السودانيين الشرفاء. وحرم السودانيون الشرفاء الزواج من العملاء. وضربت أمثال غريبة وعجيبة تكشف عن مدى البغض لهذه المجموعات العميلة.
واستعان المستعمر البغيض بتلك المجموعات العميلة في إدارة دفة البلاد خلال وجوده في السودان مما وضع السودانيين في خانتين مختلفتين بمنظور الحاكم والرعية. نتج عن ذلك إقصاء بعض القبائل عن سدة الحكم والتنمية ونعمت القبائل العميلة بكل شيء في حضور سيدها. فأورث ذلك ما يسمى بالتهميش الذي وصل بنا إلى حمل السلاح في وجه حكومة الخرطوم من جهات السودان الثلاث.
هذا هو تاريخنا، باختصار، من معركة كرري إلى عهد قريب. وليس معنى ذلك أن نظل في الخانتين ولا نتسامح ويغفر بعضنا لبعض. علينا أن نتجاوز هذا التاريخ المخزي. ويبدو أنه بعد تلك المدة تجاوزت الأجيال الجديدة الواقعة وتمازجت الأعراق إلا أن ظلال ذلك التاريخ تتمدد أحيانا وتتقاصر أخرى في ممارسات الحكومات تجاه مجموعات سكانية بعينها وهذا ما يفسر تصرفات الحكومات المختلفة التي توالت على سدة الحكم في البلاد.
هذا هو الحال بعد (الكسرة) في معركة كرري. هذه المعركة التي خرج إليها طوعا أكثر من خمسين ألف مقاتل صباح ذلك اليوم ولم يطاردوا في الأسواق والأزقة والمواصلات العامة والجامعات ودور العلم ليزج بهم في حرب (المشروع الحضاري) قسرا كما فعلت حكومة الإنقاذ!!!
وعندما انكسر صف المجاهدين لأول مرة في معركة كبيرة كتلك، تفرق المجاهدون أيدي سبأ بعدما استباح (كتشنر) أم درمان. تلك المعركة التي شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء وقال فيها ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية: (لقد دمرناهم ولم نهزمهم). وصرح (بأنه لم ير أشجع منهم على وجه البسيطة).
وقال فيهم أيضا شاعر الإمبراطورية (روديار كبلنج)حين كسر الأمير والمقاتل الجسور والعبقري الفذ عثمان دقنة المربع البريطاني في شرق السودان: (أنهم قاتلوا في كل جهات الدنيا الأربعة، ولكنهم لم يروا أشجع منهم).
كانت تلك هي المرة الأولى التي يكسر فيها المربع البريطاني حيث قال (كبلنج) في قصيدته التي أسماها الفظي وظي (fuzzy wazzy)، أي المحارب ذي الشعر الأشعث،حسب ترجمة محمد صالح ضرار: (لأنك وأن كنت قد خسرت أعدادا أكثر منا، إلا أنك هشمت المربع).
هذا جزء يسير مشرف ووسام شرف في تاريخ (أدروب) الأشعث الذي ازدرته وهمشته الحكومات الوطنية قاطبة، ولم تعره انتباها وتركته نهبا للفقر والجهل والجوع والمرض غير مبالية به إلى أن حمل السلاح مضطرا لتحقيق أهدافه العادلة!!! أدروب الذي أخذت منه معظم قبائل الشمال والوسط مقطع (آب) ووضعته في نهاية أسماء قبائلها وترك بصماته اللغوية الواضحة على المفردات السودانية. (أدروب) الأصل والفصل في تاريخ السودان.
كان تشرشل محقا حين قال بأنهم لم يهزموا أبطال كرري البواسل، ولكن دمروهم. لقد أحدثت آلة الحرب الجديدة ذلك الفارق الكبير بين الهزيمة والنصر. فقد استخدم مدفع (مكسيم) المبتكر حديثا في معركة كرري لأول مرة في حرب في العالم الثالث.
كان ذلك المدفع بدائيا. وبرغم ذلك أحدث الفارق العظيم. وحطم جموع المجاهدين الذين كانوا يتنادون (سدوا الفرقة، سدوا الخرمة) عندما يتساقط الشهداء أفرادا وجماعات وفوجا إثر فوج والذين لم يكونوا يدرون بأنهم (بسد الفرقة وسد الخرمة) يسهلون على الآلة الحربية الجديدة حصدهم وإبادتهم.
حذا غرب السودان حذو شرقنا الحبيب في التمرد وإن كانت بوادر التمرد على المجموعات المحتكرة للسلطة في السودان قد بدأت منذ حكم الجنرال نميري – رحمه الله رحمة واسعة - عندما حل الإدارة الأهلية وانفرط عقد الأمن والأمان والاطمئنان ، فظهرت مجموعات النهب المسلح في دارفور.
لقد كانت مجموعات النهب المسلح المتمردة تفرق بين شاحنات (الغرابة) وشاحنات مجموعات (الجلابة) في كثير من الأحيان. فتترك الأولى وتستولي على الثانية. فكانت تلك أولى الإشارات الدالة على وميض نار تحت الرماد. ولكن لا حياة لمن تنادي. فلم تستيقظ هذه المجموعات المحتكرة للسلطة إلا على دوي مدافع وبنادق المهمشين.
وظهرت بوادر التمرد على السلطة عندما غزت مجموعة الأحزاب المعارضة لحكم الجنرال نميرى(حزب الأمة والاتحادي والإسلاميين وغيرهم) السودان من ليبيا بمجموعات معظمها من (الغرابة). فنحا النميري نحوا عنصريا بغيضا. وقام بتقتيل (الغرابة) تقتيلا بربريا في الحزام الأخضر. وأطلق عليهم زورا وبهتانا اسم (المرتزقة) مستغلا جهل الوسط الجغرافي الظالم ببقية قبائل السودان.
فكان زبانية أمن ما يسمى بثورة مايو (سبة الدهر) يأخذون (الغرابة) بالشكل والشعر القرقدي (الزنجي) ونطق كلمة الحصاحيصا (معذرة لأهلنا الطيبين في الحصاحيصا) التي يحول الغرابة (ومعظم الناطقين بغير العربية) الصاد فيها سينا.
كما قام النميري بشحن ماسحي الأحذية من (الزغاوة ) وأبناء دارفور عامة إثر فشل انقلاب البطل محمد نور سعد في قطار إلى دارفور وتصدى له محمد إبراهيم دريج – محافظ دارفور آنذاك – ومن ورائه أهل دارفور بأنه متى ما وصل هذا القطار إلى محطة نيالا فإنهم سيشحنون كل مجموعات (الجلابة) – ويقصدون بها أبناء المديرية الشمالية - التي قدمت إلى دارفور لكسب عيشها بحجة أن أبناءهم ذهبوا للخرطوم لكسب عيشهم فإعادتهم السلطات. وهي معاملة المثل بالمثل.
أضطر رئيس الجمهورية إلى تحويل القطار إلى الأبيض التي عاد بعدها (الغرابة) إلى الخرطوم ثانية بعد الأحداث المأسوية. واضطر النميري(القائد الملهم) لبلع قراره.
وقد بلع النميري قائد جيشنا (الماكل لحمنا وشارب دمنا يا جيشنا يا جيش الهنا والذي لم نر بطولاته إلا في حروب داخلية منذ فجر الاستقلال إلى الآن) قراره الثاني عندما عين الطيب المرضي (من مواطني كردفان) محافظا على دارفور فخرجت الفاشر عن بكرة أبيها تهدد بحرق المحافظ المعين وطائرته إذا حطت رحالها في مطار الفاشر.
استكثرت جماهير دارفور عدم تعيين المحافظ من بنيها. واضطر (أبوعاج) ثانية إلى الرضوخ لقرار أهل دارفور وإلى تعيين محمد إبراهيم دريج غصبا عنه ونزولا عند رغبة أهل دارفور.
وحكم (أبو عاج دراج كل المحن إلى داخل السودان) على أهل كردفان والأبيض خاصة (وسط السودان الحقيقي المظلوم) بالحرب وتعطيل التنمية في ربوع كردفان الغراء (الغرة أم خيرا جوه وبره) في أعقاب انقلاب البطل حسن حسين وانقلاب البطل محمد نور سعد.
صبر أهل كردفان الأشاوس على حرب حكومة مايو لهم بعلو همة وحكمة كعادتهم. وتساموا فوق الصغائر واحتملوا الحرب الشعواء التي شنها زبانية نظام النميري عليهم دون وجه حق. ولم يحملوا السلاح إلا بعدما بلغ السيل الزبى وطفح الكيل فانبرى الفارس المغوار المرحوم (يوسف كوه) وغيره من الصناديد من أبناء النوبة و أبناء المسيرية وقبائل أخرى لوقف تلك العنجهية وانضموا إلى جموع المتمردين الجنوبيين والمهمشين بقيادة الراحل قرنق، كما يفعلون الآن مع حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم وغيرها من الحركات المتمردة.
وظل الشعب السوداني يعاني الأمرين خلال 54 عاما من حكم السودان؛ كان نصيب العسكر الأغبياء الذين جثموا على صدر السودان كالبلاء 44 عاما. يقاتلون سنين عددا ثم يتراجعون بعد هلاك الكثير من البشر إلى المربع الأول.
لقد رأينا كيف قاتل عسكر حكومة الإنقاذ جيش قرنق خمسة (15) عشر عام. وشهدنا (البروجي) و(ساحات الفداء) و(كتائب الأهوال) و(صيف العبور) و(الميل أربعين) وغيرها من المآسي!!! بعد ذلك أعادونا للمربع الأول، بل أسوأ.
أعادونا للمربع الأول باتفاقية الخزي الشامل التي ضاع معها المجاهدون الأبرار وضاعت معها كل المكاسب الوطنية. تلك الاتفاقية البائسة التي ستمنح الجنوبيين الانفصال المؤكد. فليت عسكر حكومة الإنقاذ منحوا الجنوبيين الانفصال منذ اليوم الأول وأراحونا من (وجع القلب) ولم يهلكوا كل الزرع والضرع ولم يفسدوا في الأرض.
ونسمع تهديدات هذه الأيام من الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني بأن الجيش السوداني سيتصدى لخليل إبراهيم ميدانيا. يبدو أن جيشنا الحالي لا قبل له بالمعارك البطولية الدولية ولم يسمع بها. ويبدو أن تاريخه سيكون حافلا فقط بالمعارك الداخلية على أبناء الشعب السوداني فقط، يا للعجب!!!!
هكذا حال العسكر في كل الحكومات التي سبقت. مراجعات بعد فوات الأوان. ولهم العذر في ذلك لأن الشعب السوداني لم يفرز قادة مدنيين أكفاء يأتمنهم على مستقبله. فقد اتسم القادة السياسيون المدنيون بقصر النظر، وسوء التخطيط، وضعف الإرادة والإدارة والتنفيذ، وكثرة المشاكسات، والجعجعة، والحسد لبعضهم البعض.
واستمر الشعب السوداني مع هذه الحلقة الشريرة وذاق الأمرين وأصبح بين سندان العسكر الأغبياء ومطرقة الأحزاب الخايبة. وكان كالمستجير من الرمضاء بالنار. ولسوء حظ الشعب السوداني واصلت هذه القيادات الطائفية وغير الطائفية من المجموعات التي تدعي التقدمية (العواسة) كالعادة ولم تجد من يتصدى لها من المتعلمين الشرفاء.
ورضي بعض المتعلمين الخائرين بأن يكونوا (مرمطون) في حكومات العسكر وينالوا من فتات موائدها أو خدم عند سادة البيتين الكبيرين (الأمة والاتحادي) ويقبلوا أياديهم ولا يستغلوا علمهم في النهوض بالأمة حتى وصل بنا الحال إلى ما نحن فيه الآن!!!!
وفي السنين الأخيرة شهدنا تمردات وانشقاقات داخل الأحزاب كانت بداية شق عصا الطاعة على الطائفتين التقليديتين اللتين سخرتا الشعب السوداني – طائعا مختارا - لخدمتهما طوال عقود من الزمان. وبرغم ذلك تمخض الجبل فولد فأرا!!!!
برغم ذلك لم تفرز هذه التمردات والانشقاقات قيادات يشار إليها بالبنان في الغرب أو الشرق أو الشمال أو الجنوب أو الوسط ولو بين القبائل إلا نادرا!!!!
فمثلا قبائل جهينة -عطية وحيماد وراشد الولاد -من بقارة وأبالة وغنامة في غرب السودان عموما لم تفكر مطلقا في مفارقة قيادة حزب الأمة الفاشلة من أحفاد المهدي الذين لا يحملون منه سوى أسمه العظيم فقط.
ظلت تلك القبائل عقودا من الزمان وهي تتفرج على أحداث السودان التي تسير من سيء إلى أسوأ وتزيد من تهميشها. تنعقد المؤتمرات المحلية والدولية في قضايا تهم هذه القبائل، ويتم تغييبها تغييبا كاملا وعمدا.
أبرمت اتفاقية الخزي الشامل دون الرجوع إلى هذه القبائل. وتمت المصادقة على حق الدينكا نقوك في التصويت على حق تقرير مصير أبيي دونها. وحجب وزير البترول آنذاك (الجاز) عن أهلها العمل في مناطقهم -التي فتحها أجدادهم عنوة، وبذلت فيها نفوس كريمة، وحرسوا هذا الثغر لأكثر من 300 عام لم يؤت السودان من قبله - وآثر توظيف غيرهم من أبناء قبليته. وكذلك حل المؤتمر الوطني ولايتهم (ولاية السلام) عشان سواد عيون شريكه الأطرش. والآن تنعقد محادثات الدوحة بشأن مشكلة دارفور بدون الرجوع إلى قبائل جهينة وغيرها!!!!!
ظلت الأحداث تترى ولا يؤخذ لهذه المجموعات القبلية رأي، وكأن هذه القبائل لا فكر لها ولا رأي!!! عجبا وقد كانت أهل الرأي والفكر والجهاد في سبيل الله عندما استعان بها المهدي ورفع راية الجهاد فسارت خلفه ظعائن هذه القبائل في كل المعارك وهي تردد (في شان الله .....في شان الله). و حين كان الرجل يخرج من بيته مودعا أهله والدنيا وهو يردد ( في شان الله.... في شان الله).
وخلال وقت وجير (قرابة الأربع سنوات) جمعت هذه القبائل المجاهدة الباسلة مع غيرها من القبائل الوطنية الأخرى السودان المترامي الأطراف في دولة امتدت من نمولي جنوبا إلى حلفا شمالا، ومن الجنينة غربا إلى سواكن شرقا. وأنشأت دولة سامية الأهداف عمرت زهاء الستة عشر عاما بنيران القرآن والجهاد الحقيقي المتواصل – الذي لا يشبه جهاد حكومة الإنقاذ الكاذب -حتى تداعي عليها الخونة والمأجورون والمرتزقة فأسقطوها.
فتحت تلك الدولة الحبشة وأضافتها للمليون ميل مربع الذي يتباهي به السودانيون الآن ولا يعلمون من ضحى في سبيل الحفاظ عليه. ولا يعلمون أن السودان كان أكثر من مليون ميل مربع!!!!
ثم جاءت حكومة الإنقاذ وضيعت حقوق مجموعات كبيرة من هذه القبائل في اتفاقية أطلق عليها خطأ (اتفاقية السلام الشامل) وحقيقتها (اتفاقية الخزي الشامل). ورأينا كيف انكسر المؤتمر الوطني وضيع حقوق تلك المجموعات القبلية – من بينهم قبائل التماس - بانكساره المخزي في هذه الاتفاقية المشؤمة.
ظلت تلك القبائل – برغم التمرد والانشقاق الذي اجتاح حزب الأمة القومي - في ولائها الأعمى لقيادة حزب الأمة القومي الفاشلة التي لم تقدم شيئا لمناطقها ولم تنهض بها خلال عقود من الزمان!!! وكذلك فعلت القبائل الموالية لأحفاد محمد عثمان الميرغني الكبير!!!
هذا الحب (اليتوبي) جعل الأنصار يسلمون أمرهم وقيادتهم لأحفاد المهدي. وفعل الختمية الشيء ذاته وسلموا أمرهم وقيادتهم لأحفاد الميرغني الكبير. فأبقت الطائفتان على جماهيرهما في جهل تام وسخرتهما لخدمتها ولم ترع لهم حرمة، ولم تتق الله فيهم، ولم ترد الجميل بإنشاء مدرسة أو مستشفى أو تمهيد طريق في مناطق الأنصار أو الختمية. وبعد كل هذا، أما آن لهذا الحب من جانب واحد أن يتوقف؟!!!
نقدر لهذه القبائل ولاءها وإخلاصها المثالي وأن (الأنصارية) أو (الختمية) جزء من تاريخ أسرها ومسيرتها في الحياة. لكن من المؤكد أن الأجيال الجديدة ستبحث عن صيغ جديدة للأحزاب والقيادات بعيدا كل البعد عن الأصنام القديمة ولن تستكين. وقد بدأت بشائر ذلك في التمرد الذي ضرب الحزبين الكبيرين ومزقهما أربا.
وأثناء البحث عن بديل، وعن صيغ وقيادات جديدة للحكم، سيظل المؤتمر الوطني يعوث في الأرض فسادا ويتفنن في تنغيص عيش وحياة الناس بأشكال جباياته التي فاقت جبايات التركية السابقة (عشرة في تربة ولا ريال في طلبة)، وفي تعذيب الخلق بشتى صنوف العذاب التي مهر المؤتمر الوطني في إيجاد صيغ لها.
وبرغم كل ذلك نسمع إيقاعات طبول و(دلوكة) و نرى رجالا يعرضون - ولا يستحون - كأنهم حققوا شيئا ثمينا سيحفظه لهم التاريخ بمداد من نور!!!