خيارات الإنسان: ما بين السعادة والشقآء

 


 

فيصل بسمة
26 November, 2024

 

فيصل بسمة

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

و الأصل و الفطرة الإنسانية في فعل الخيرات ، و الأمر بالمعروف ، و في النهي/الإبتعاد عن المنكر ، و ذلك هو ما يدعو إليه الخالق سبحانه و تعالى ، و الذي أخبرنا أن في ذلك فلاح المجتمعات و الأمم و صلاحها:
{ وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةࣱ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَیۡرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٠٤]
{ یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١١٤]
و أساس إستقرار المجتمعات و صحتها و سلامتها في: أدآء الأمانات و الإحسان و إيتآء ذي القربى ، و في أن يكون العدل هو أساس الحكم ، و في النهي/الإبتعاد عن ممارسة الفحشآء و المنكر و البغي ، و ذلك ما أمر الله به:
{ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرࣰا }
[سُورَةُ النِّسَاءِ: ٥٨]
{ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٩٠]
و قد جآء في معنى الأمانة أنها الحق اللازم/الواجب الأدآء ، و أنها العفاف و الصدق و الإستقامة في السلوك ، و هذه الصفات من نبيل القيم و مكارم الأخلاق ، كما وصفت بأنها تصرف الإنسان ، الأمين ، تجاه ما يستودع لديه من مال و نحوه و ما يوثق به عليه من الأعراض ، و هذه من خصال الفطرة السليمة و السلوك القويم ، و قد عُرِّفَت الأمانة فقهياً على أنها الفرآئض من صلاة و زكاة و صيام ، و كذلك أدآء الدَّين و صون الودآئع و كتم الأسرار...
و قد ذُكِرَ الإستوآء/التسوية و الإستقامة ضمن معاني العدل و كذلك تجنب الظلم و الجور و إعطآء كل ذي حقٍ حقه ، و هذه القيم هي عين ما تتطلبه المجتمعات حتى يتحقق فيها الأمن و الإستقرار الذي يأتي من بعدهما الإنتاج و الوفرة و الكفاية فالرفاه ، و قيل أيضاً أن العدل هو إستعمال الأمور في مواضعها و أوقاتها و وجوهها و مقاديرها من غير سرف و لا تقصير و لا تقديم و لا تأخير ، و تلك من علامات الإتزان و حسن إدارة الأمور و التي من خلالها تنضبط/تنتظم المجتمعات ، و هي بعض من المعايير التي يقاس بها تقدم/تمدن المجتمعات و رقي الأمم ، و قد قيل عن العدل أنه الإنصاف في المعاملة التي تلزم مقابلة الخير بمثله و الشر بما يوازيه ، و تلكم هي الموازين القِسط التي هي من صميم قوانين المجتمعات القوية و المتمدنة...
و قد جآء في معنى الإحسان أنه إتقان العمل مع بذل الجهد في إجادته ، و هذا حتماً يفضي إلى الزيادة في الإنتاج و الوفرة و الكفاية و من ثم الرضا النفسي و المجتمعي ، أما فيما يخص عبادة الله فإن الإحسان يعني الإخلاص كما جآء في الحديث:
(أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
و الإخلاص في العبادة يجلب الراحة النفسية للعبد و كذلك رضا الرب ، و هذا الرضا الإلهي هو قمة ما يهفو و يرنو إليه الإنسان المؤمن...
و قد جآء في معنى الإيتآء أنه الإعطآء و النقل و السوق ، و هذا يقارب معاني العطآء و البذل و توزيع الصدقات و نقل المنفعة و سوق الخير إلى الأفراد و المجتمعات ، و فقهياً فإن إيتآء ذي القربى يعني صلة الأرحام ، و ذلك يعزز من تقوية الصلات الإنسانية و نشر الإلفة و المودة و المحبة بين الأفراد في المجتمعات ، و في ذلك درء للفتن و منع للخصام و نفي لأسباب الشقاق ، أما إيتآء الزكاة فهو دفعها لمستحقيها ، و ذلك هو العدل في إعادة توزيع و تدوير الأموال بين الأفراد في المجتمعات مما يمنع/يقلل من العوز و الفقر و توابعهما من الخلاف و الشقاق و الشقآء ، و مما يقود إلى الطمأنينة و الإستقرار و إعمار المجتمعات و رفاهيتها و من ثم أمنها و أمانها...
و قد جآء في معنى الفحش في معجم المعاني أنه هو ما تنفر عنه الطباع السليمة و لا تقره العقول المستقيمة ، و قد عُرِّفَت الفحشآء على أنها كلُ فعلٍ تكرهه الأنفس و لا يقبله الشرع كالزنا و فعل قوم لوط و نحوهما ، و هذه النوعية من الممارسات الجنسية المحرمة دون شك تضعف/تهدد مفهوم الأسرة و قد تقود إلى الفوضى الجنسية و خلط الأنساب...
و المنكر هو ما أنكره و كَرَّهَه و حَرَّمَه الشرع الإلهي و نهى عنه من قبيح القول و الفعل ، و هو ما يتناسق مع نهج العقول السليمة/الصحيحة التي لا تستحسن/تستسيغ المنكر و تحكم بقبحه ، و هذا مما يتوافق مع الفطرة و الشريعة الإلهية...
و البغي هو طلب الشيء و السعي إليه ، و قد جآء ذكر البغي في القرءان الكريم في سياق الفساد و العدل عن القصد و الظلم و تجاوز الحد فيما يخص الأفراد و الطوآئف ، و قد قرن بعض من المفسرين البغي بالفساد و الزنا و الخروج على الإمام العادل و نكث بيعته و مخالفته و قتاله...
و قد دلت التجارب الإنسانية أن دمار الأقوام و الأمم و هلاك القرى يأتي من مخالفة أوامر الله الخالق سبحانه و تعالى الداعية و المُحِثَّة على فعل الخير ، و في الخروج عنها ، و في ممارسة الفسوق:
{ وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـٰهَا تَدۡمِیرࣰا }
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ١٦]
و قد جآء في معنى الفسوق أنه الخروج عن الشيء المعتاد ، و قد يعني زوال الغطآء و بيان ما كان مخفياً تحته ، فيقال فسق الرطب إذا خرج عن قشره و غشآءه ، و يفسق المرء إذا خرج عن جادة الطريق ، و تصف المجتمعات الشخص المنحرف الذي يسلك طريقاً غير قويم بالفاسق ، أما في الفقه فإن الفسق هو الخروج عن الشرع و عن طاعة أوامر الرب و ترك الواجبات و فعل و مقاربة المحرمات ، و المترفون المذكورون في الآية أعلاه قد أُمِرُوا بإتباع الأوامر الإلهية الدالة إلى الخير لكنهم إختاروا ، بمشيئاتهم و إراداتهم ، الفسوق و الخروج/العدول عنها ، و عوضاً عن ذلك إنغمسوا في إتباع/سلوك/ممارسة/فعل كل ما هو منكر و قبيح و فاحش...
و كثيراً ما يلجأ المترفون و المبذرون و المجرمون و الظالمون إلى تبرير أفعالهم الغير سوية و ردها إلى العادات و التقاليد و إرث الأبآء و الأجداد ، بل أحيانا قد يتجرأون و يقولون أن الله ، تنزه و تقدس سبحانه و تعالى ، قد أمرهم بذلك:
{ وَإِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةࣰ قَالُوا۟ وَجَدۡنَا عَلَیۡهَاۤ ءَابَاۤءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٢٨]
{ وَإِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةࣰ قَالُوا۟ وَجَدۡنَا عَلَیۡهَاۤ ءَابَاۤءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٢٨]
و هم يعلمون أن الله سبحانه وتعالى لا يأمر إلا بكل ما هو فيه خير و إعمار و فلاح و صلاح للإنسانية و المجتمعات ، و رغم ذلك فقد إختار المترفون و الفئات الأخرى ، بمشيئاتهم و إراداتهم ، العصيان و عدم إتباع الأوامر الإلهية و النكوص عن الإلتزام بالأساسيات من: أدآء الأمانات و الإحسان و إيتآء ذي القربى و البذل و الصدقات و العدل ، و عوضاً عن ذلك آثروا ممارسة الظلم و الفحشآء و المنكر و البغي و أضرابهم ، و هم بعزوفهم عن فعل الخير و ممارساتهم لتلك الشرور يكونوا قد أكملوا ، طواعيةً ، جميع متطلبات القضآء فكان أن حق عليهم القول و نزول/وقوع الدمار...
و هكذا خيارات الإنسان ، أفراد و مجتمعات ، فإذا ما إهتدى بالهدي الإلهي و اتبع الأوامر نال الرضا و كان الفلاح و الصلاح و النعيم و السعادة ، و إذا ما إختار بمشيئته الفسوق و الخروج عن الصراط المستقيم كان الخسران و الدمار و الضلال في الحياة الدنيا و هي الفانية و كذلك الشقآء في الآخرة و هي خَيرٌ و أبقى...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

المراجع:
- القرءان الكريم
- الويكبيديا https://ar.m.wikipedia.org/wiki
- شبكة درر https://dorar.net/alakhlaq
- شبكة المعاني https://www.almaany.com

fbasama@gmail.com

 

آراء