(وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
صدق الله العظيم
كنت قد كتبت مقالاً بالعنوان أعلاه، قبل أربعة سنوات، وكان موضوعه خيانة السيد الصادق المهدي لحلفائه في الحركة الشعبية لتحرير السودان، في محاولة تقربه لحكومة الإخوان المسلمين .. وكان مما كتبته في ذلك المقال : ( "حذر زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي قائد طائفة الأنصار مما أسماه مخططات تحالف الجبهة الثورية المتمردة، قائلاً إنها لاتتبنى برامج قومية أو وطنية بل ستعمل على تطبيق رؤية انتقائية ستقود السودان إلى المزيد من التقسيم. وجدد المهدي خلال لقاء جمعه مع رؤساء الأحزاب المصرية في القاهرة الدعوة للحكومة السودانية والمتمردين والقوى السياسية الأخرى لاتفاق التراضي الوطني من أجل حلول تعالج الأزمة التي تعاني منها البلاد" "الشروق 3/5/2013م". والذي يقرأ هذا الكلام، يظن ان السيد الصادق لا علاقة له بهذه "الجبهة الثورية المتمردة"، لأنها "لا تتبنى برامج قومية أو وطنية"، ولكن الواقع خلاف ذلك، فقد جاء " يبدو أن لقاءك بالجبهة الثورية بلندن مؤخراً أسس لشكل من أشكال العلاقة؟
-في زيارتي الأخيرة إلى لندن التقيت بـ"ياسر عرمان" واتفقنا على مشروع وفاق وطني، وهو تحدث نيابة عن الجبهة الثورية.
على ماذا اتفقتم؟
-اتفقنا على أن يكون المشروع الذي ينبغي الاتفاق حوله هو الحل السياسي وليس العسكري، وهم كقوى مسلحة لا تضع سلاحها إلا بعد وجود اتفاق سياسي، وإلى أن يحدث ذلك هم يقومون بالدفاع عن أنفسهم لكن لا يسعون إلى تحقيق أي هدف بوسائل عسكرية،وهذا ما صدر في البيان المشترك في 14 ديسمبر الماضي والموقف المبدئي لحزب الأمة" "صحيفة المجهر 10/1/2013م".
لماذا جلس السيد الصادق مع الحركة الثورية، رغم علمه بأنها ليس لديها اجندة وطنية، وتسعى الى تقسيم البلاد ؟! ثم إذا قبل أن تظل الجبهة الثورية حاملة للسلاح، واتفق معها أن يواصل حزبه مقاومته السلمية، حتى يتم اتفاق سياسي يرضي الجميع، فلماذا جاء يهاجمها الآن ؟! والجبهة الثورية منذ أن قامت، تقول بأن هدفها هو الحل السياسي، وأنها تحمل السلاح دفاعاً عن وجودها، ريثما يتم الاتفاق السياسي، فما الجديد في ذلك ؟! ألا يعد انحياز السيد الصادق للنظام، الذي يبادر بالاعتداء ضد الجبهة الثورية، التي اتفق معها خيانة ؟!) هذا بعض ما جاء في ذلك المقال قبل حوالي أربعة سنوات !!
واليوم، فإن الشعب السوداني يتململ نحو الثورة، ويظهر معارضته لحكومة الاخوان المسلمين، ويطرد نائب رئيس الجمهورية، ووالي الخرطوم، ووالي شمال كردفان، من مراسم تشييع الأستاذ فاطمة أحمد ابراهيم، ويهتف ضدهم، في وجههم، بأنهم حرامية، ويصور هذا المشهد، وينشره للعالم .. وفي بادرة أخرى، يتجمع في محاكمة الطالب الجامعي عاصم عمر- بعد أن حكم عليه نظام الطاغية بالإعدام- ويشيد ببسالته، وصموده، ويهتف في شوارع الخرطوم تأييداً له .. ثم بعد ذلك، يقيم من تشييع الطالب "جيفاراً" الذي أغتاله أعضاء تنظيم المؤتمر الوطني، في الجامعة الإسلامية،مظاهرة في المقابر، تندد بالنظام، وتسمع للخطب التي ألقاها المتحدثون في الهجوم على الحكومة الظالمة، التي هجم منسوبيها،مع رجال أمنهم، على الطلاب في داخليتهم في ساعة الفجر،وأوسعوهم ضرباً بالسواطير !! واخيراً ما حدث ثالث أيام العيد، حيث طرد المواطنون د. نافع على نافع، من مناسبة إجتماعية، ولا حقوه وهو يهرع بالخروج بالهتاف " ألحس كوعك واطلع برة" !! في مشهد بثت صوره في مواقع التواصل الاجتماعي..
في هذا الجو المشحون برائحة المقاومة، والذي يتقدم فيه الشعب بمواقف ثورية عفوية، ماذا كان موقف السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، وإمام الأنصار ؟؟ كان موقفه هو الإستجداء المخزئ، ليقابل الرئيس البشير، والذي حين شعر بضعفه وهوانه،أمعن في إذلاله، فرفض مجرد مقابلته !! فقد جاء : (الخرطوم –خرطوم بوست رفض الرئيس عمر البشير مقابلة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي بشأن مبادرة سياسية جديدة. وأبلغ مصدر مطلع" خرطوم بوست" أن المهدي طرح عبر وسيط صحفي مقابلة البشير لطرح مبادرة جديدة إلا أن البشير رفض فكرة مقابلة المهدي وانتهر الصحفي المقرب منه وصاحب مركز اعلامي شهير قائلاً : " إنت ما عندك شغلة" . وذكر المصدر أن البشير بعد إلحاحالوسيط الصحفي اقترح أن يقابل المهدي حامد ممتاز الأمين السياسي للمؤتمر الوطني ووزير الدولة بوزارة الخارجية ليطرح له مبادرته وقال البشير " المهدي لو عندو مبادرة يمشي يقابل حامد ممتاز أنا ما بقابلو" . وأوصد البشير الباب تماماً أمام فكرة لقاء المهدي وذكر البشير أنه كلماالتقى المهدي ذهب الأخير الى الإعلام ليقول أن البشير هو من طلب اللقاء)(خرطوم بوست سبتمبر 2017م).
لماذا يسعى السيد الصادق لمقابلة البشير، وطرح مبادرة سياسية في هذا الوقت بالذات، والحكومة تشعر بحراك شعبي ضدها ؟! وهل تحوي المبادرة المزعومة، مطالبة البشير بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، باعتباره المسؤول عن موت آلاف المواطنين، الذي قتلوا من أهالي دارفور ؟! هل تحوي المبادرة المطالبة بالقصاص،من قتلة طلاب المدارس في شوارع الخرطوم في سبتمبر 2013م ؟!هل تحوي المبادرة المطالبة بمصادرة أموال المفسدين، الذي أثروا على حساب نهب أموال الشعب، بما فيهم أشقاء الرئيس ؟! هل تحوي المبادرة أن يشمل جمع السلاح في دارفور، سلاح مليشيات الدعم السريع التي تسمى "الجنجويد الجدد"، والتي يقودها حميدتي ؟! فإذا كانت المبادرة لا تحوي شيئاً من هذه المطالب، فإنها لاتعبر عن مصالح الشعب السوداني، ولكنها قد تعبر عن مصالح السيد الصادق المهدي، المشتركة مع النظام !!
جاء عن هذه تلك المصالح ( ولكن يا سيدي فلنعد الى موضوع استلام المال من الحكومة والمؤتمر الوطني لقد اعترفت زوجتك السيدة سارة الفاضل بأنك استلمت مليون دولار من الحكومة تعويضات عن عربات حزب الأمة. وقبل عودتك من منفاك الاختياري الأخير بالقاهرة في 2003م أرسلت إبنك عبد الرحمن الى رئيس المؤتمر الوطني ليقول له إن أبي يقول لك بأن بقائه في القاهرة ليس عودة الى المنفى ولا هو مرتبط بموقف سياسي ولكنه بسبب العجز عن مواجهة الإلتزامات المالية في السودان وانه يسألك العون حتى يعود الى السودان. وقد استجاب رئيس المؤتمر الوطني وسدد فاتورة العودة. فلماذا تتهموننا بالحصول على التمويل من المؤتمر الوطني إذا كنت انت معارضاً وتستلم التمويل من المؤتمر الوطني بالفعل وليس إتهاماً )( من خطاب السيد مبارك الفاضل المهدي المفتوح للسيد الصادق 5/4/2004م).
إن السيد الصادق المهدي بتزلفه لنظام القتل الجماعي، المعادي للشعب، ومحاولته تصفية بوادر الثورة، ليطيل من عمر هذا النظام الدموي الفاسد، إنما يخون هذا الشعب العظيم، وهي خيانة أكبر من خيانته للحركة الشعبية وأحزاب المعارضة .. والخيانة لهذا الشعب غير مأمونة العواقب، فهو شعب مقهور، ومظلوم، ومجوع،ويستحق النصرة، والدعم، والمساندة، لا الخيانة بالتقرب لجلاديه ..ولأن لهذا الشعب قدراً كبيراً عند الله، لا يعرفه السيد الصادق، فإن من يكيد له، يُخزى، ويفتضح .. فهاهو السيد الصادق المهدي،رئيس حزب سياسي عريق، يدعو الى الديمقراطية، وزعيم طائفة دينية كبيرة، يتزلف لعسكري، دكتاتور، ويستجدي لقاءه، ثم إن السفاح لايقبل ذلك إمعاناً في إحتقاره، فهل شعر السيد الصادق بهذا الخزي المبين ؟! رحم الله القائل:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
د. عمر القراي
Omergarrai@gmail.com