دارفور

 


 

 

معذرة، فهذه المقالة كتبتها عام 2007 ولم أوفق بنشرها نسبة لتقاعدي صحية لفترة طويلة.

أرض السودان رحبت واتسعت لكل من ضاق به العيش في الجوار منذ التأريخ البعيد، مما أهدى السودان نسيجه العرقي المميّز في نسجِ وسط إحترامٍ متبادل وغياب للطمع والخبث في سماحةٍ متناهية. وهذا هو الخط التحتي الذي يميز السودان ويعرّفه في كيانه وجهويته، لا تخدمه بأي حالٍ تزويراتٌ أو تأويلاتٌ للمطالبة بحقّ أحدٍ فيه فوق الآخرين – نعم، كانت به ممالك عريقة ولكنها صغيرة في غابر الأزمان، ولكن كبلدٍ مترامي الأطراف كما هو الآن، بما في ذلك مواقع ثرواته، فلا لإحدٍ حقٌ فيه أكثر من غيره، والمطالبة بذلك لا يأتي منها غير فتح الباب أمام الطامعين من جيرانه من فتح بابٍ لا يسهل قفله في استنزافه وتقسيمه.
ومابين غباء وغياب القرار المسئول لدى الحكام المدنيين في السابق بمغامرات تسليح السودانيين ضد بعضهم البعض في مناطق الإلتماس بين قبائل الرعي والمراحيل، وثقافة المليشيات العسكرية التي ابتدعتها الجبهة الإسلامية وتورط فيها حزب الأمة، وما بين حروب الإبادة وليّ الذراع من الحكومات العسكرية السابقة.

ولعلّ من أكبر إعجازات حكومة الإنقاذ هذه منذ هبوطها علينا، تحقيقها للأمنية القديمة لهؤلاء الطامعين في خيراته خلال أدنى الاستراتيجيات حظاً من الحنكة والحكمة، في المقامرة بخطر الإنقسامات المسببة داخل البنية السودانية.
أتت حكومة الإنقاذ بالمزيد من عبقريات العنف العرقي لديها بمباركة ومواصلة ما قامت به حكومة النميري، غير أنها زادته شراسةً بالبعد الديني الزائف، ثم نفثت سمها على السودان كافةً بانتهاج الأصولية ورد الناس إلى أصولها، في مغامرةٍ بليدة وغير مسئولة لمحاولة مخاطبة تأريخها الديني في دولة المهدية، في عرض فاضح لجهل مهندسيها بالتأريخ وحقيقة الثورة المهدية والتي لم تنبعث من أصولية دينية، فتسببت في نقض نسجها الذي يه يتم تعريف السودان. فطمست هويته وأردته في دوامةٍ من الصراع الإثني والضغائن العرقية. وبدأت الحويصلات العرقية تتكون في أرجاء السودان، ونزل مؤسسوها في شراسة على جسم السودان ينهشونه وبتشجيع كل الطامعين الذين باتوا واثقين أنه لا محالة أن يصيبهم منه في ذلك ما يستطيبون من غنائم واردة وشاردة

ولا يمكن المرور بتعجل فوق موضوع تسليح القبائل من دون التفرس في كيف تسللت إلينا تلك اللعنة ومن المسئول عنها.

فقد لفت انتباهي بيان توضيحى للأخ ناصر فضل الله برمة ناصرإبن اللواء فضل الله برمة ناصر، وزير الدفاع فى عهد الإنتفاضة، و صديقٌ عزيز، والذي حكى لي وقتها مشكلة "الكتاب الأسود" وما قام به لدحض حركة انقلابية لخلق فتنةٍ عرقية. بيان الأخ ناصر كان في الدفاع عن أسرته في دورهم في تسليح القبائل. حول ملابسات تسليح البقارة فى جنوب كردفان ومسألة "الرق المزعومة" حسب ما أورد، كتب يوضح مبررات التنافس القبلي في التسلح في مناطق الإلتماس الرعوية في جنوب دارفور، على أنه أمرٌ تقليدي كتنافس طبيعي على الكلأ والمرعى، ولكن الشئ الخطير هو أنه تقبّل ذلك أيضاً كأمرٍ حتمي وطبيعي في التسليح أيضاً، وليست الطامّة هي في التسليح فحسب، بل في خطورة تطبيع تلك الثقافة كأمرٍ مباح في عقلية السودانيين عموماً بواسطة الحكام غير السويين، حتى أن السيد ناصر لم يجد حرجاً في سردها أموراً مبررة كدفاعٍ مشروع عن النفس، مكتفياً بلوم البادئ أصلاً وهي الحركة الشعبية.
التسليح حسب ما سرده في البيان تم أولاً للدينكا في بحر العرب بواسطة الحركة الشعبية ، وهو أمرٌ رغم عدم تأييده، إلا أنه يصب في دائرة ممارسات التمرد على السلطة بما يبيح التمرد فيها لنفسه، مخالفات لا يجوز لها بأي حال من الأحوال أن تأتي من جهاتٍ تحت مسئوليات محسوبة عليها وسلطة شرعية بين يديها. هذه العقلية الخطيرة هي التي سمحت بسابقة وضع شرعية لممارسة الحكومات في تسليح البقارة ضد الدينكا ثم تبريرتسليح المسيرية على نفس النهج، والذي تمخضت عنه هندسة الجنجويد في أحدث تطوير لبراعة الفتن الداخلية والحرب الأهلية حسب الطلب من نظريات قديمة إسمها"فرِّق تسد" والتسابق في ملك براءتها وتزيينها فخرا فجاءت التسمية "جنجويد" من التعبير"جن أحمر يحمل ج 3 (سلاح) من على ظهر جواد"ً
والجريمة هذه بدأ الترتيب لها لتطبيقها في دارفور منذ زمن حكومة النميري والتي دخلت في مناكفاتٍ سياسية مع العقيد معمر القذافي في استراتيجيته لفتح جبهة قتالية ضد حكومة النميري من غرب البلاد، واستخدم دولة شاد المتاخمة للسودان لنغز الحكم في الخرطوم باستخدام القبائل الزنجية هناك المشتركة بين شاد والسودان من قبائل التامة والمساليت والزغاوة، عن طريق تغيير الحكم في شاد وتسليمه إلى من يمكنه خدمة قضية ليبيا في ذلك، وكان حصان الشطرنج من عندها هو جوكوني عويدي، فقام النميري ببعث من قام بالتسلل إلى تشاد ليزرع فيها السوداني الأصل حسين هبري، وذلك عن طريق "جوكر"، لن أذكر إسمه، كان في نيجريا في حوالي 1976 – 1978، حيث التقى بتوأمي الدكتور سعد عدنان المحاضر فيها وقتها، والذي أخطرني لاحقاً كيف أنه اتخذ خطواتٍ "فهلوية"، وبدأ بالإتصال بمسئولين حكوميين في نيجريا وعرض عليهم رؤى معينة في رأيه في إدارة المشكل بين نيجيريا والسودان (طبعاً وضح لي لاحقاً لابد أنه تخطيط إخواني)، وطلب أن يوعدوه خيراً لو استطاع إقناع السودان بذلك، وتم ذلك.
حسب روايته ذهب للسودان فوراً وطلب مقابلة نميري فوراً وأطلعه بخطته. وافق نميري، بعد وعده بقبول نيجيريا لذلك الأمر، وعينه وزيراً مفوّضاً، فرجع لنيجيريا ووقّع معهم إتفاقاً. لم أكن أهتم بما هو الإتفاق.
ثم أخطرني كانت مهمته هو التسلل لتشاد لزراعة عميل للسودان والعمل على تأهيله وقبوله للفئات التي اختارها ليتأهل ليكون رئيساً لتشاد، وكان المرشح هو حسين هبري. حكى لي كيف تسلل لتشاد وكيف اعتقلته قوات شاد بقيادة عقيد كان سكراناً، وحقق معه وحكم عليه بإعدامه رمياً بالرصاص، ولكن هدوءه ومعاملته للموضوع كمزحة، برّدت حماسة العقيد السكران، ولم يتم إعدامه وأطلق سراحه، وقام بالدخول لتشاد وإنجاح مهمته حسب روايته.
آخر عهدي به عندما جاء لندن عام 1997 كوزيرٍ مفوّض واتّصل بي هاتفياً لأزوره في شقّته في الوست إند، وساءلني عن ما سبب لجوئي، وشرحت له، فطلب مني أن أقدّم له الأسماء ممن قام بتهديدي وممارسات الفساد، على أن يتعهّد بإنصافي وإرجاعي مديراً للخطوط الجوية السودانية، فرفضت، ولما سأل وما مصلحتي في الكتمان على الفاسدين والمخربين، أجبته لأنه أولى لكم لتذوقوا تخريبهم، وسألني: الهذا الحد تبغضنا؟
وظلت تلك اللعبة تمارس حتى بعد النميري ودمجت في منظومة الدفاع القبلي الممارس في الجنوب لمنحها بعداً عسكرياً، وبدت بوادر النجاح وبان على الأفق المنظور الأكبر لاستغلالات أوفى.
وجاءت حكومة الإنقاد العسكرية وبدأت في تطوير النظرية بمنظور عسكري بحت، مبتور من أي دراسات ديموقرافية أخلاقية مطلوبة. فافتعلوا النهب المسلح كمدخلٍ لإعداد المسرح لعمليات تخليق الفكرة ورعرعتها، وأرسلوا الطيب إبراهيم محمد خير، والمعروف ب"الطيب سيخة"، لممارساته العنيفة في عهد دراسته الجامعية في استخدام العنف لتصفية حساباته مع خصومه كاستباحة أخلاقية في مسعاه الديني، أي نشاط أصولي إرهابي.

تلا ذلك حث و تجنيد للمواطنين السودانيين من القبائل المتاخمة لشاد من تامة ومساليت وزغاوة للقبول بحمل بطاقات تجنيس شادية تدبرها لهم الحكومة السودانية من السودان وسلاح كلاشنكوف مقابل مائة دولار للفرد الواحد تدفع له نقداً بالعملة الصعبة لتصديرهم لشاد لفرض استراتيجية الحكومة الإنقاذية في شاد.
في ذلك الوقت كنت قد أُحلت للصالح العام عام 1994، ومنعت من الإلتحاق بأي وظيفة حكومية أو خاصة، فقمت ببيع أنصبتي من ميراثي للمرحوم والدي، وأشتريت ببعضه أنصبة من أراد بيع نصيبه في أرض والدي الزراعية بسنار، وقمت بعمل مشروع تهجين الأغنام في الخرطوم (وكتبت عنه في مقالي القشة التي قصمت ظهر البعير الجزء الأول)، بتمويلٍ مني وإدارة زميل من سودانير خبير في المجال. ثم ذهبت لسنار وبدأت في إعداد الأرض مسحاً وتسطيحاً وقلباً وتدبير السقاء لها، واستعنت بمن أعرف من عوائل تقوم بالزراعة هناك، وأوصيت بتعيين مزارعين تامة ومساليت لامتيازهم، وقمت بذلك فعلاً.
وفي بداية الأعمال الزراعية، تقدموا لي بأنهم يطلبون يوماً يغيبون فيه لاجتماع هام لقبائلهم، فأعطيتهم اليوم لذلك الغرض. وعندما عادوا، وكانت العلاقة بيننا حميمة، سألتهم ما بال تلك المقابلة. فأخبروني بأنهم طلبت منهم السلطات بقبول تجنيس أنفسهم كتامة ومساليت من تشاد، وتمنحهم بطاقات بذلك بها صورهم وتأخذ توقيعاتهم، ثم تمنحهم مائة دولار للفرد وسلاح كلاشنكوف، وأن يكتموا السر.
وقتها تذكّرت اسطورة صديقي "الجوكر" وفهمت أنها ممارسة كانت سائرة، وثبتت ممارساتها في إرتيريا عند التحقيق في محاولة اغتيال الرئيس المصري مبارك. ولقد قام عديد من السودانيين من دارفور أو كردفان والمنحدرين من أصول متفرقة عربية وخلافه بالإستفادة من تلك المنفعة سواءاً من مدخل الفساد أو في رؤى أخرى لتوسيع قاعدة النظرية.

ثم ظهرت بشارات مخزونات ضخمة للبترول تحت الأراضي الدارفورية، زائداً الكم الهائل من المياه الجوفية التي سيؤول إليها إسعاف العالم في نقص مياه الشرب المحدق به، ثم مثلث اليورانيوم الهائل هناك، وصارت بذلك اللعبة خطيرة على ليبيا لتتورط فيها، وقد ضيّق العالم الخناق عليها لترعوي، وقد ارعوت، وأكبر من أن تعهد بها أمريكا للقذافي ليلعب فيها دورها وهو لا زال عندها مؤلفٌ قلبه، وهو يقوم بمجهوداتٍ مضنية لخلق دورٍ له في ذلك مرةً بالتوسط لكسب ثقة الحكومة السودانية، ومراتٍ لكسب ثقة المتمردين السودانيين عن طريق تسهيل التنسيق بين قوات جوكوني عويدي وحركة المقاومة في دارفور. وحتى الآن لم تستطع تلك الدول تصعيد الحرب رسمياً ولم تتسرع الولايات المتحدة أو أيٍّ من حلفائها بتدخلٍ لوجود فرنسا هناك وعدم تقبلها لأي تجاوزات تهدد مصالحها، ومكتفيةً بالمراقبة عن كثب، وجميع الأطراف يراقبون وضعهم على ذلك الأساس

وهنا كان لابد لحكومة لا غرض لها في الأخلاقيات المرعية في كل العالم المتحضِّر، وليست لها أجندة لاحترام التعددية العرقية والثقافية، ومكتوفة بجبن قادتها العسكريين الذين يخافون المحاسبة التي تنتظرهم في خرقهم الدستور لإجهاض الحركة الديمقراطية عام 1989 وما تلاها من جرائم اغتيالات وتجاوزات في حقوق الإنسان، كان لا بد لها من الإنزلاق أكثر فأكثر في تورط متصاعد في حل المشكلة بمشكلة أكبر منها في خرقٍ أوسع لحقوق الإنسان، في منظورها القاصر للتجاوز البطولي، أو مقارنة نفسها بالولايات المتحدة التي تبيح لنفسها ما لا تبيحه لغيرها، ناسية أن الولايات المتحدة تختلف في أنها القطب الأوحد الذي تستمد السلطة الدولية قوتها وفعاليتها منه، وأنها في ذلك ترى أن تعريضها لمحاسبات الآخرين تهديد لقدراتها وبالتالي مصالح العالم أجمع، وتكتفي بافتراض ثقة العالم فيها لتؤهلها لاستخدام مؤسساتها العدلية لمعالجة مخالفات رعاياها، وليس هنالك مخرج آخر لبقية العالم غير القبول بما تراه أمريكا في ذلك لقاء قيامها بدورها البوليسي لحماية النظام العالمي الأخلاقي و الأول من نوعه في تأريخ العالم، من بين القوى العظمى التي سادت في كل الحقب، والذي كان أولى بالمسلمين أن يكونوا عضواَ مؤسساً فيه بدلاً عن محاربته.

ومرةً أخرى منعهم الجبن في مواجهة جرائمهم تلك ليتركوها للسودان ليدفع ثمنها عنهم

بدأت هذه المنظومة الخبيثة من تفعيل الحرب الأهلية في نظرية الجنجويد الشيطانية في أشرس وأخبث حرب سرطانية أتى بها رحم هذه الحكومة المجرمة، فهذه الحرب تنتج وقود ماكيناتها بنفسها، فالجنجويد يعتدون على المسالمين من المدنيين، ويستمدون منهم الغنائم و يبيحونهم لجنودهم للإغتصاب والإنتقام فيشحذ ذلك كفاءة تلك الماكينة الخبيثة أكثر فأكثر، ويستفز الهجوم المتمردين المسلحين ليهبوا للمواجهة، فيُفشِلون عليهم استراتيجية حرب العصابات للضرب والهرب، باستراتيجية عسكرية مقابلة فعالة ولكن بسلاحٍ لا أخلاقي. قامت برسمها والتخطيط لها والتنفيذ وكالات إجرامية عالمية في اجتماعاتٍ مع المسئولين في دهاليز الفنادق داخل وخارج السودان في خبثٍ دقيق للإبتعاد الكلي عن مسرح تخطيط الجريمة

ولكن رغم ذلك، شاء الله أن ينقلب السحر على الساحر عندما اكتشف من هوأقوى في العالـَم، المؤامرة الساقطة التي تحيكها حكومة البشير لإحكام قبضتها، مع تأريخها الكالح في ممارسات لا أخلاقية طوال مدة حكمها، وكان لكل من يعلم عن السودانيين صفحتهم البيضاء التي تشهد لهم بها وتمجدهم عنها كل المجتمعات، الإستدراك بأن التفسير الوحيد لصمت السودانيين على تلك الحكومة هو تغييبها لهم كليةً عن مجريات الأحداث، والذي يثبت عدم مشاركتهم لها في إدارة شئون البلاد، فكان لهم عندهاالحديث عن استعمال القوة لوقف ممارساتها تلك.

فأقبل كل من يستطيع القيام بدورٍ ما، وفي وحدةٍ عالمية مشهودة، للتسابق في مساندة وتأييد محاربة السودان في ذلك الشأن، تركنا ذلك نحن السودانيين الذين في المهجر وممن ليسوا طرفاُ في نزاعات دارفور بين خيارين أحلاهما مرٌّ، نتدارى خجلاً من التعرف علينا بالإسم الذي دنسته الطغمة الحاكمة لدولة السودان. فهل تستطيع يا أخي أو تستطيعين يا أختي رفض فكرة التدخل الدولي في دارفور لإنقاذ الوضع هناك؟ أم هل لدى أحدٍ منكما البديل وهو الإنخراط في جيوش المقاومة للمساهمة نحو المسحوقين بالإنسحاق معهم؟

عقلانية المحاسبة الدولية أيضاً لم تجد،ِ عندما استطاع العالم استخلاص مايؤسس مادةً للبحث فيها قضائياً، لإدانة أو تبرئة ساحة من بلغها من المتهمين بارتكاب جرائم الحرب في دارفور.
ففي مارس 2007، وفي تعنت أخرق لغلق الباب نهائيا أمام أيّ احتمالٍ للتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية أسقط اجتماع لقيادة الدولة العليا برئاسة البشير، مقترحاتٍ قدمت له بتشكيل فريق من القانونيين لتمثيل السودان في محكمة لاهاي للرد على تقرير مدعي المحكمة لويس مورينو اوكامبو

وكانت صحيفة "السودانى" قد نشرت مقابلة مميزة مع البشير، كشفت فيها أنه يخشى فقدان المواجهة القانونية في محاكمة مسئولين كبار مثل الوزير أحمد هارون وآثر المواجهة السياسية ولم تتم مطلقاً أيّ إشارة إِلى كوشيب المتهم مع أحمد هارون... ثمّ لِمَ لا تتمًّ محاكمةٌ داخلية على أقل تعبير؟ كذلك تصريحه بعدم إخضاع أحمد هارون للتحقيق مرةً أخرى رغم تصريح المدعى العام صلاح أبو زيد في صحيفة الأيام بتأريخ 24 مارس 2007 بأن محضر الاتهام به ما يستوجب إعادة استجواب هارون، كان فيه مؤشرٌ واضح للمحكمة الجنائية بأن حكومة السودان غير راغبة فى محاكمة المتهمين

تبجحت الحكومة بأنها ليست موقعةَ علي ميثاق تكوين المحكمة الدولية في تفاخرٍ مزرٍ للغياب مرةً أخرى في تقويم ومساندة مؤسسات حماية حقوق الإنسان وتمتين السقوفات الأخلاقية لعالم أخلاقي، على أقل تقدير

وتبجحت بأنها لا تقل عن أمريكا في ذلك الحق!

ومرةً أخرى في أول نجاح للمحكمة الدولية في ذلك الصدد، تمكنت من خلال مالديها من أدلة لإصدار مذكرة توقيف بحق إثنين من مجرمي الحرب في الثالث من مايو الحالي، الأمر الذي غيّر الإستراتيجيات القانونية فأسقط حجة الحكومة في عدم التعاون مع المحكمة الدولية، إذ أنها الآن ملزمة لدى مجلس الأمن لمقابلة ذلك الأمر. لكن البشير لم يوافق وأصر على تعنتٍ أخرقٍ آخر، ودافعه جبن آخر، وهو أن محاسبة هارون، وليس كوشيب، حتماً ستقود إلى وضع القيد على أيدي متخذي القرار من القادة حسب القائمة الأولى المقدمة في حق 51 متهماً في جرائم حرب دارفور.

وكان البشير في تصريحٍ آخر فاضح قد تساءل: ومن يعلم سقف قائمة مدعى المحكمة الجنائية حتى يتحدث عن استقالة أحمد هارون؟

وتمزقت وحدة الحكام في خلافاتٍ نشبت مند فكرة دخول القوات الدولية لوقف حروب الإبادة بوقوف فصيل الحكومة الكبير بقيادة السيد/ رئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفا كير ميارديت مع فكرة قبول دخول القوات الدولية، ثم انضمت إليه جهات حزبية كالإتحادي الديمقراطي وحزب الأمة في تأييد صلاحيات مجلس الأمن لتوجيه المحكمة الدولية لمحاسبة السودان، بما ينطوي ذلك من صلاحياته في ذلك بتطبيق الفصل السابع بناءاً على توصياتها، حتى على من لا يعترف ب أو يوقع على ميثاق، إنشاء المحكمة، مما تنطوي في داخله القوات الدولية بالصلاحيات المراقبية والدفاعية التي رفضها السودان، وبأكثر من ذلك من صلاحيات الغزو والإعتقال كما تم في العراق، كما صرح المحاضر في علوم السياسة الدكتور الطيب زين العابدين في مقابلةٍ صحفية معه في قناة الجزيرة بعد قرار المحكمة الدولية بتوقيف الشخصين المذكورين بأن الحكومة ملزمة بالإذعان لذلك القرار.

izcorpizcorp@yahoo.co.uk
////////////////////////

 

آراء