دارفور.. بين فتنة الوطنى وإنتهازية الشعبى
د. حسين أدم الحاج
8 January, 2009
8 January, 2009
helhag@juno.com
د. حسين آدم الحاج
الولايات المتحدة الأمريكية
أضحت قضية دارفور فجأة كاليتيم فى مائدة اللئام, وتحولت بقدرة قادر إلى محل جذب وتلاسن بين طرفى الجبهة الإسلامية القومية, المؤتمر الوطنى والمؤتمر الشعبى, وكأنَّهم ورثةً غشماء يتقاسمون مالاً لا يزال صاحبه على قيد الحياة حي يرزق, بل إنَّ سلوك كليهما ينبئ عن قدر غير قليل من لؤم وخداع , فتسلط الأول على رقاب أهل دارفور وزرع بذور الفتنة بينهم بدعم مليشيات الجنجويد وتجيير دولة تشاد ورئيسها إدريس دبِّى للإنحياز لجانبها ضد ثوار دارفور الشرفاء لا تقابلها من الناحية الأخرى إلاَّ إنتهازية الشعبى فى محاولة محمومة لخلق موطئ قدم له بين جموع أهل الإقليم الطيبين, وهى أمنية ظلَّت نجوم السماء أقرب منها إليهم وسراب يحسبونه ماءاً يجرون خلفه دونما طائل, إنَّ سلوك هذين الحزبين تجاه دارفور إنما يماثل تماماً سلوك دولة الإتحاد السوفيتى الزائلة حيث حاول قادتها جهدهم إيجاد موطئ قدم لهم قريباً من, أو فى, منطقة الخليج والجزيرة العربية وخيراتها النفطية, وموقعها الإستراتيجى, ولسان حالهم يقول "ما أمتع هذه المياه الدافئة", وعندما غامروا وإحتلوا أفغانستان كانت تلك بداية نهايتهم, ومثلهم تماماً ظلَّ أهل الجبهة من متنفذى وسط السودان النيلى بجناحيها يصوبون نظرهم نحو دارفور, أهل الشرافة والقرآن والإسلام البرئ, ولسان حالهم يقول "ما أحلى تلك الأراضى السائبة", نعم لقد حسبوها كذلك, ولذلك إستباحوها, مطبقين عليها نظريات ما أنزل الله بها من سلطان من قمع وطرد, وتهجير منظم, ومحاولة تعريب قسرى, وظلم مفضوح, وفتنة كالحة, وحقوق مسلوبة, وإبادة بشرية مسنودة بآلية الدولة ومؤامراتها فى سبيل المشروع والسيطرة على الحكم!
لكن كيف تتوازن كفتا ميزان الحكمة ويدا الطرفان ملطختان بكثافة بدماء أهالى دارفور الزكية, وكيف فات عليهما أن أنين الثكالى وصراخ اليتامى وزفير الغبن وحسرة المحرومين قد إرتسمت على كل وجه ورنا على كل قلب؟ وهل هجر الترابى تصريحاته أيام كان "أنا الدولة"! حين نادى بضرورة تهجير الفور لوادى صالح, والزغاوة لأم روابة, وتوطين القبائل العربية بجبل مرة؟ أم ماذا حدث فى غضون عقد واحد من الزمان ليخرج من منفاه الإختيارى الفاخر ذات الخمس نجوم ويبدأ محاولة مكشوفة بائسة للتسلق على رقاب أهل دارفور؟ وهل نسى ما فعله ببولاد وغيرهم وهو يعرفهم كإبنائه؟ بل وعلى أكتافهم ومجاهداتهم صعد درجات على سلم التسلق السياسى! فأين هو من كل ذلك؟ إن نسى ذاكرته ذلك فإنَّ ذاكرة أهل دارفور ما زال فى طور الصبا وألق الشباب ولم تطلق عصافيرها بعد, أما أهل المؤتمر الوطنى, أهل العقلية الأمنية, فما أضافوا إلاَّ ضغثاً على إبالة, و زادوا على ما بدأه كبيرهم بعد أن أضافوا إليها مسوح من أثر ذاكرات خربة وساروا على دربه فى مشروع تدمير منظم لدارفور وتشريد أهله, وها هى طائراتهم اليوم تخيم على سماء الإقليم كالعقَّاب الجارح لا تخلف وراءها إلاَّ روائح الموت, ورماد الحرائق, وأطلال الخراب, لم يسلم منهم طفل رضيع أو إمرأة مسنة أو شيخ عجوز, لكن ما هى الجريمة التى إقترفها أهل دارفور حتى يلقوا كل هذا الذل والهوان؟ هل بادروا يوماً بأذى ضد هؤلاء الذين يبيدونهم الآن؟ هل لأنَّهم طالبوا بحقهم المشروع فى دولة هم بالأساس سنام صانعيها وحرَّاس وحدتها الوطنية وملح أهلها فى الجد والعمل؟ أم أنَّ هناك رفض مقيت لهم وكراهية عمياء ضدَّهم ظلَّت تنفث أبخرتها النتنة من قيعان أقبية التاريخ المظلمة حالت دون إستيعابهم فى دائرة المجتمع السودانى العريض؟
وحقيقة يتعجب المرء عندا يقرأ ويشاهد كيف تُبنى الدول وتتطور المجتمعات ويقارنها بهذا المسخ الذى يجرى فى بلادنا, خاصة عندما تكون قيمة الإنسان كإنسان تساوى صفراً, بل وتصدر قرارات ومؤامرات باطنية بتصفية روحه لا لشيئ سوى تغييبه قسراً عن الحياة حتى يخلو الجو لسفَّاحيه ليفعلوا ما يريدون, هل هكذا تبنى الأوطان؟ وهل بهذه العقلية المهترئة سنتمكن من بناء سودان موحد تكون حقوق المواطنة فيه هو القاسم المشترك بين أهله دون عزل و إكراه؟ إنَّ واقع الحال لما يجرى فى دارفور اليوم لا يمكنه الإجابة على أسئلة كتلك, ولسبب واحد, هو أنَّك كى تجيب عليها فينبغى عليك أولاً أن تكون عائشاً تتمتع بكل قواك الجسمية والعقلية لفعل ذلك, أمَّا إذا ما حُرمتَ من حق العيش ونعمة الحياة فليس هناك من سقف أعلى من ذلك كى تتعلق به سوى خالق الروح وواهب الحياة عندما تناجيه وأنت فى برزخ الموت.
فقد ورد فى الأخبار أنَّ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية إتهم الدكتورحسن الترابي والمؤتمر الشعبى بتشجيع التمرد في دارفور، وقال في تصريحات لإذاعة أم درمان الرسمية وللصحف السودانية أنَّ حزب المؤتمر الوطني الشعبي الذي يتزعمه الترابي يحاول تخريب المفاوضات الجارية بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان, وأكَّد أنَّه منذ إطلاق سراح الترابي فإنَّه لم يكف عن إذكاء الفتنة في دارفور, وأعلن أنَّ على المؤتمر الشعبي أن يعيد تقييم سياسته وأنشطة عناصره في دارفور وإلاَّ سيتم إلغاؤه من الساحة السياسية (الرأى العام 22/11/2003م). من جانبه رفض حزب المؤتمر الشعبي هذه الإتهامات وأكد أن الحزب لن يُحل وقال على لسان أمينه السياسى الناطق الرسمى باسمه الدكتور بشير آدم رحمة أن الحل يتمثل فى التفاوض الجاد وليس التفاوض لكسب الوقت (الخرطوم 23/11/2003م), كما أضاف محمد الأمين خليفة مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب إن هذه التهديدات تشكل رجوعاً تاماً عن الحريات وخرقاً للمواثيق والإتفاقيات وإساءة إلى تجمع القوى السياسية حول مسائل وطنية رئيسية ( الجزيرة نت 23/11/2003م).
أهل دارفور فى شنو... وأهل الجبهة فى شنو؟ ما الذى يجعل أهل دارفور يعنون بشجار عقيم كهذا وهم معرضون للموت تحت أى لحظة؟ وما الذى فعله هؤلاء المتخاصمون من أجل مساعدتهم فى جهادهم المستميت للتعلق بقشة الحياة؟ هل قام على عثمان أو الترابى أو غيره بإلقاء نظرة على هؤلاء العراة البؤساء فى معسكراتهم المنتشرة فى قفار الصحراء والخلاء على الحدود السودانية التشادية يواسونهم فى مصائبهم ويعزونهم فى قتلاهم؟ وهل أعلنت الحكومة أنَّ هناك كارثة قومية, مثلما ظلت تفعل تجاه أحداث أخرى أقل شأناً, تلتهم أرواح العشرات من الأبرياء مع مغيب كل شمس؟ وأى سودان ذاك الذى يلهث النائب الأول للتفاوض حوله دون أن يلقى نظرة واحدة وراءه ليرى النار تشتعل فى جنبه؟ إنَّ ما نراه من سلوك أهل الحكومة ليدعو إلى العجب والشفقة فى آن واحد, فالسادة وجهاء ومحاسيب النظام أخذوا كامل راحتهم خلال شهر رمضان وصموا آذانهم عن أنين المعذبين فى فيافى دارفور وطفقوا يطلبون الإستجمام والإستشفاء بين مستشفيات الأردن وألمانيا الفاخرة, وآخرون طلبوا العمرة والسياحة فى بلاد الله, والله وحده يعلم إن كان سعيهم سيكون مشكورا, أما القادة المعنيون بأمر الحكم وإدارة البلاد فسدَّوا هذه بطينة وتلك بعجينة, ولا أرى, ولا أسمع, ولا أتكلم فى شأن دارفور! للحقيقة, إنَّ هذا الوطن الذى إسمه السودان لا سيِّد له, فسيِّده غائب, أو مغيَّب, وهو الشعب السودانى, ولذلك صارت البلاد نهباً لك مغامر ومارق.
وفى الوقت الذى تدق فيه الحكومة طبولها لمفاوضات أبَّشى مع حركة تحرير السودان, كخطوة مطلوبة لتهيئة البلاد لمرحلة السلام الشامل, نرى من أمرها عجباً أيضاً, كيف يستقيم عقلاً أن تتحدث الحكومة عن مفاوضات للسلام فى الوقت الذى تهرع فيه لإبرام الإتفاقيات والبروتوكولات الأمنية مع دولة تشاد وتطلب منها تكوين قوة مشتركة من الجيش لإبادة الثوار وتنظيف منطقة الحدود؟ وأى مفاوضات تلك التى تستعد لها الحكومة لأملاء شروطها الأمنية الخاصة دون أن تظهر أى نية لتناول لبَّ القضية أو حتى الإعتراف بوجودها؟ وهل الأجواء مهيئة فعلاً لإكمال مفاوضات ناجحة؟ ثمَّ هل أنَّ المواقف الجديدة للرئيس التشادى الداعم لجهة الحكومة تجعل منه راعياً محايداً وثقة يمكن الركون إلية كضامن لما سيتمخض عنه المفاوضات, إن قامت فعلاً؟ كلا, لا نعتقد ذلك, فهذه المؤشرات تدل صراحة أنَّ الحكومة غير عازمة للدخول فى إى مفاوضات بنية صادقة لتحقيق السلام فى ربوع دارفور, بل إنَّ كل ما تطمح إليه هو إستسلام الثوار وتسليم سلاحهم, ولذلك, وتحسباً لرفضهم المتوقع, فإنَّها ظلت تستعد لهم بقواتها وطائراتها والقوات التشادية ومليشيات الجنجويد للقضاء عليهم. إنَّ وجود معسكرين كبيرين لعناصر عربية أجنبية بالقرب من بلدة عد الغنم وغرب بلدة كبم لفيه سر كبير! ويقال أنَّ هذه العناصر العربية الأجنبية, كما أشرنا فى مقال سابق, قد أتت من بعض الدول مثل موريتانيا والجزائر والنيجر ومالى وليبيا تم تجميعها فى ولاية جنوب دارفور وفى معسكرات مقفولة بعيدة فى الخلاء, فهل رفضت الحكومة زيارة السفراء الأجانب لتلك المناطق خوفاً من إنكشاف المستور؟ ثم هل تعتقد الحكومة أنَّ أولائك السفراء الأجانب مغفلين إلى الدرجة التى يمكن أن ينسوا ما حدث لهم بكل سماحة وطيبة خاطر؟ إن ظنت ذلك فهى واهمة لأنها ولسذاجتها قد أقرَّت بجرم يستدعى التحقيق, والمثل السودانى يقول "الفى بطنو حرقص... براه برقص"! لقد ذكر بعض الأهالى أنَّهم قابلوا بعضاً من هذه العناصر العربية وعلموا منهم أنهم إنما جاءوا لدارفور للجهاد!! فأى جهاد ذاك؟
صحيفة الأيام وثمن الكلمة الشريفة:
ثمَّ جاءت حادثة وقف صحيفة الأيام من الصدور لتعمق من دائرة الإتهام حول مسلك الحكومة تجاه قضية دارفور, ويبدو أنَّ الحكومة قد ضاقت ذرعاً بتغطية الصحيفة لأخبار الكوارث الرهيبة التى تعيشها المنطقة وحملات الإبادة الجائرة لمليشيات الجنجويد, وقد ذكر رئيس تحرير الصحيفة السيد محجوب محمد صالح إن المدَّعي العام أبلغه بأن الصحيفة تنشر مقالات خطيرة "تمثل تهديداً لأمن الدولة", وأنَّ المدَّعي إستجوبه بشأن بعض المقالات التي نشرت على مدى الأشهر الستة عشر الماضية والتي قال المدَّعي إنها زائفة, وأنَّ الكثير من تلك المقالات كانت بشأن منطقة دارفور (الجزيرة نت 18/11/2003م). إننا نعتقد, أو نحسب فقط, أنَّ المقال الذى نشرته الصحيفة وإتخذته الحكومة سبباً لتوقيفها هو الآتى, ننقلها هنا دون أى تصرف:
في عمودها كلمة الأيام:
أحداث زالنجي والجنجويد
الأيام 10/11/2003م
عندما زار وفد قيادات المجتمع المدني والمنظمات المختلفة لقبيلة الفور الخرطوم الأسبوع الماضي كانوا يحملون تحذيرا واضحا أن قبيلتهم مستهدفة وأن معظم الهجمات التي شنتها قوات الجنجويد إنما تستهدف أراضيهم, وإنها لا تستهدف إبعادهم منها بل تستهدف إبادتهم بطريقة منظمة, والخطة تهدف لإحلال قبائل من أصول عربية مكانهم في الأراضي الخصيبة -عندما ردد الوفد ذلك ظن البعض أنهم يبالغون في تصوير الصراع الدائر في دارفور, وأنهم بهذه المبالغة يهدفون للضغط على الحكومة لكي تتحرك في إتجاه حل سلمي لقضيتهم. ولكن الأحداث التي تحدث في هذا الإقليم هذه الأيام تثبت إلى حد كبير أنهم كانوا على حق في مخاوفهم, وأن الموقف جد خطير في الإقليم, وأنه يحتاج إلى علاج سريع تتولاه الحكومة المركزية بنفسها عن طريق القوات المسلحة لتضع حدا لنشاط هذه الجماعات المنفلتة التي تهدد حياة المواطنين وتقوض وجود الدولة في الإقليم. لا بد من أن تتولى القوات المسلحة زمام الأمور وتتعقب الجناة وتجردهم من سلاحهم لأن مجرد وجودهم بهذه الصورة يخلق منهم دولة داخل الدولة وهو وضع يجب أن ترفضه الحكومة تماما وتتخذ حياله الخطوات العاجلة والناجعة. لقد لخص معتمد محلية زالنجي الموقف في هذه المعتمدية فرسم صورة في منتهى الخطورة، فقال إن الجناة هاجموا إثنين وثلاثين قرية حول مدينة زالنجي وحرقوها تماما, وإن عدد القتلى وصل إلى ثمانية وثمانين قتيلا, وأن الجناة يحاصرون موقع الجثث فلم تستطع السلطات الوصول إليه لدفن الموتى, وإعترف المحافظ بأن الموقف أكبر من قدرات المعتمدية وهي لا تستطيع أن تواجه هذه المليشيات وإنها إستنجدت بسلطات غرب دارفور ولكنها لم تكن أحسن حالا "لا تملك القدرة على تقديم الدعم". إذا كان هذا هو الموقف كما يصوره مسؤول رسمي فقد بات الأمر يتطلب تدخلا حاسما ورادعا من القوات المسلحة تبسط من خلاله سلطة الدولة, ويحقق الأمن للمواطن, و تساعدهم على إعادة بناء قراهم ومزارعهم التي أحرقت, وتوفر لهم الحماية المطلوبة لاستقرارهم ونرجو أن تتعامل الحكومة مع الأمر بالجدية المطلوبة إزاء هذا التهديد الخطير.
(إنتهى)
هل يوجد فى هذه القطعة ما يشى بتهديد للأمن القومى؟ تلك هى إذن عين الحقيقة, متمثلةً فى سياسة الحكومة الرامية لتغييب الحقائق التى تتم فى الإقليم عن العالم الخارجى وأجهزة الإعلام والمنظمات الدولية, وفى أثناء ذلك تغمض عينيها كلية وتكتم أنفاس إعلامها ضد كشف تلك الحملات الجائرة للتصفية العرقية والمصحوبة بحرق للقرى والمزارع والمدارس والمراكز الصحية وتسميم مصادر المياه والتهجير القسرى عن طريق تطبيق سياسة الأرض المحروقة, وهى سياسة طبقتها الحكومة سلفاَ فى جنوب السودان ثمَّ فى جبال النوبة واليوم فى دارفور, والقاسم المشترك فى كل ذلك هو إستخدام الحكومة لمليشيات الجنجويد العربية كأداة إبادة, سواءٌ أكان ذلك ضد الدينكا أم النوبة أم الفور! لكن هل يمكن حجب مثل هذه الجرائم المبنية على الكراهية العرقية عن عيون العالم فى هذا العصر الذى صار فيه العالم قرية صغيرة؟ لقد حدثت مثل هذه المجازر فى كل من رواندا والبوسنة وكوسوفو بيوغسلافيا, وصحيح أنَّ الكثير من الأبرياء قد لاقوا حتفهم لا لسبب إلاَّ أنَّهم كانوا من الجانب الآخر, لكن أين الآن تلك الرؤوس التى خططت لتلك الفتن السوداء ورعتها عن قرب؟ فمن لم يهلك منهم جراء فعلته إنتهى فى سجون محكمة العدل الدولية بلاهاى يقضى فيها بقية أيامه فى الحياة تطارده لعنات الملائكة والعالمين أجمعين إلى يوم الدين, ومن سخرية القدر أنَّ إعلام الحكومة قد ظلت تنوح يومها, خاصة تجاه جرائم تصفية المسلمين فى البوسنة, وتلعن قوى الغدر والإستكبار العالمى, فكيف بها اليوم لا تسيل لها دمعة واحدة وجزء من مواطنيها, مسلمون أيضاً, فى دارفور يتعرضون لذات حملات الإبادة وعلى مرأى ومسمع منها! هل إنَّ إسلام البوسنيين أقرب لعقل الحكومة وفكرها من إسلام أهل دارفور؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فماذا فعلت لوقف هذه المجازر التى تحدث وعلى أرضها وضد جزء من شعبها؟ لقد قطعت الحكومة عهداً على نفسها فى محادثات أبَّشى الأولى, وفى البند الثانى من إتفاقية الهدنة تحديداً, بالسيطرة على مليشيات الجنجويد ونزع سلاحهم, فهل أوفت فى عهدها ذلك؟ أم إنَّها ذهبت أدراج الرياح كما ذهبت إتفاقية الخرطوم للسلام التى وقعتها قبلاً مع بعض الفصائل الجنوبية؟ إذاً ما الذى إستجد اليوم حتى تتهم الحكومة حركة تحرير السودان بخرق الهدنة وإعاقة المسار إلى التفاوض؟ وهى التى ظلت تخرق الهدنة يومياً من خلال قصفها المستمر لمواقع الحركة, وإستعداء الحكومة التشادية عليها, وسكوتها عن جرائم مليشيات الجنجويد وتجاوزاتهم, والتى لا تريد الحكومة حلَّها حتى تستخدمهم للمزيد من حملات القتل والسحل.
نعم سيعرف العالم أجمع حجم المأساة التى تحدث بدارفور, وقد بدأت فعلاً فى معرفة ذلك وعن قرب ووضح لديها المشكوك فيه, فأنا أكتب هذه المقالة على ضوء البيان الصارخ الذى أطلقته منظمة العفو الدولية, أعلى منظمة عالمية تعنى بحقوق الإنسان, تتهم فيه الحكومة السودانية صراحة بضلوعها فى مآسى حقيقية بإقليم دارفور, وإنَّ تقاعسها عن كبح جماح الجنجويد هو السبب في لإستفحال الأزمة الإنسانية في بدارفور.
بيان منظمة العدل الدولية حول مآسى دارفور:
لقد صدر بيان منظمة العفو الدولية بتاريخ 26 نوفمبر 2003م, والذى صادف ثانى أيام عيد الفطر المبارك, بعنوان: السودان: تقاعس الحكومة السودانية هو السبب في الأزمة الإنسانية في دارفور, ونشرته بصيغتيها الإنجليزية والعربية مشكورة موقع سودانيزأونلاين على شبكة الإنترنت, ولا ندرى هل ستتمكن الصحف السودانية المغلوبة على أمرها من نشره أيضاً, وعلى العموم, ولتعميم المعلومة نورد هنا مقتطفات من هذا البيان الضافى حتى يقف القراء على حقيقة ما يحدث فى دارفور من مصدر عالمى محايد, فقد قالت المنظمة في بيانها عقب عودة مندوبيها من زيارة لمخيمات اللاجئين شرقي تشاد، إن هناك أدلة دامغة على أن الحكومة السودانية مسؤولة إلى حد كبير عن الأزمة الإنسانية في دارفور، وأنَّه على أدنى المستويات، فقد تقاعست تماماً عن الوفاء بواجبها في حماية مواطنيها, وقالت: "فالشهادات التي أدلى بها عشرات اللاجئين، ووصفوا فيها هجمات على التجمعات القروية شنتها ميليشيات تضم أفراداً من القوات المسلحة أو غيرها من قوات الأمن، قد حدت بنا إلى إستخلاص نتيجة مؤلمة مؤداها أن بعض العناصر في الجيش على الأقل تشجع على إرتكاب مثل هذا التخريب". كما أشارت إلى أنَّه منذ شهر إبريل فرَّ نحو 500 ألف لاجئ هرباً من ميليشيات البدو، المعروفة عموماً في أوساط السكان المحليين باسم "العرب" أو "الجنجويد" (وهم مسلحون يمتطون الخيول)، والتي داهمت بعض البلدات في دارفور، وهي منطقة لا تتوفر فيها إمكانات تُذكر للتصدي لمثل هذه الأزمات. وفي داخل دارفور نفسها، تعرضت المناطق القروية للتخريب، حسبما ورد، وعبر آلاف النازحين الحدود إلى تشاد.
وقد زار مندوبو منظمة العفو الدولية تسع مستوطنات في شرقي تشاد، من طينة في الشمال إلى بيركنجي في الجنوب. وتحدث المندوبون مع عدد من اللاجئين (بما في ذلك بعض أفراد الجماعة العربية الذين رفضوا الانضمام إلى الميليشيا)، وكذلك مع مسؤولين من الحكومة التشادية، ومن الأمم المتحدة، وممثلي بعض المنظمات غير الحكومية. وقالت المنظمة إن "اللاجئين في حالة يُرثى لها تماماً. فليس لديهم قدر يُذكر من الطعام، أو ليس لديهم طعام على الإطلاق، ويصعب عليهم الحصول على المياه، حيث يعيشون في ملاجئ مؤقتة تحفها المخاطر ويعانون بشدة من البرد القارس أثناء الليل". ونقلت المنظمة عن المندوبين قولهم "لقد سمعنا حكايات عن لاجئين إستبد بهم الجوع فعادوا إلى قراهم بحثاً عن الطعام ولكنهم تعرضوا للقتل. كما شنت الميليشيات غارات عبر الحدود، وفي إحدى الغارات على مخيم كولكول، قُتلت امرأة تُدعى عائشة إدريس، وتم الاستيلاء على الماشية، كما قُتل ثلاثة رجال حاولوا تعقب الميليشيا". وفي تشاد، لم تُوزع الأطعمة والمواد غير الغذائية إلا في أضيق الحدود على اللاجئين الأكثر احتياجاً في مواقع قليلة. ولم تتمكن "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة والسلطات المحلية من الوصول لبعض اللاجئين نظراً لرداءة الطرق أو الافتقار إلى وسائل النقل الكافية أو لبعد المسافة, ولم يُسجل الكثيرون بعد على النحو الواجب.
ومضى مندوبو منظمة العفو الدولية يقولون "لقد حكى اللاجئون، واحداً بعد الآخر في مناطق متباعدة، كيف كان أفراد الميليشيات، المسلحون برشاشات كلاشينكوف وغيرها من الأسلحة بما في ذلك قاذفات الصواريخ المحمولة على الكتف والذين يرتدي كثيرون منهم الزي الأخضر للجيش، يداهمون القرى ويحرقون البيوت والمحاصيل ويقتلون السكان والماشية. وقد إستمعنا إلى شهادات عديدة تصف عمليات قتل متعمدة، وكذلك إلى إدعاءات عن أعمال إختطاف وإغتصاب إرتكبها أفراد الجنجويد. ووصف بعض اللاجئين كيف قصفت طائرات حكومية قراهم بالقنابل. كما وصف أشخاص إعتقلهم الأمن العسكري صنوف التعذيب وظروف الاعتقال المروعة". وإستطردت المنظمة الدولية قائلة "إن الوضع في دارفور مهدد بالتدهور سريعاً إلى حرب أهلية شاملة تًستغل فيها الإختلافات العرقية، ويتجه فيها البعض إلى الإنتقام لمن قُتلوا، أو يسعون للحصول على أسلحة للدفاع عن أنفسهم، أو ينضمون إلى جماعات المعارضة المسلحة, كما ينذر الوضع بكارثة إنسانية كبرى، حيث وقعت الهجمات قبل أن يتمكن المزارعون من جني محاصيلهم، وحُرقت الحقول، وقُتل بعض الأشخاص وسُلبت الماشية ودُمرت المنازل. وفوق هذا وذاك، فإن الحكومة تفرض قيوداً مشددة على وصول المساعدات الإنسانية إلى النازحين من ديارهم". وشددت المنظمة على أنه "ينبغي على المجتمع الدولي أن يُظهر نفس التصميم ويستخدم نفس الضغوط لإنهاء الصراع والأزمة الإنسانية في دارفور مثلما يفعل في سياق عملية السلام الرامية إلى إنهاء الحرب في جنوب السودان بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان.
وأشارت المنظمة إلى سلوك الحكومة إزاء ما يحدث فى دارفور فقالت فى تقريرها: فيما يبدو أنه محاولة لإخفاء العواقب الخطيرة لهذا الصراع السياسي العنيف، منعت الحكومة السودانية العالم الخارجي من الوصول إلى النازحين داخلياً في دارفور، أو فرضت قيوداً مشددة على الوصول إليهم. وقد سافر مندوبو منظمة العفو الدولية إلى تشاد في الفترة من 12 إلى 26 نوفمبر للتحدث مع اللاجئين السودانيين المتناثرين على طول الحدود. وكان السكان المقيمون في دارفور قد إشتكوا طيلة سنوات من أن ميليشيات من البدو تسلحها الحكومة كانت تغير على قراهم وتنهبها وتقتل سكانها. ودأبت الحكومة على القول بأن المشكلة تكمن في ظاهرة التصحر والتنافس على الموارد الشحيحة، كما نفت أن تكون قوات الأمن قد تقاعست عن التصدي لهذه الانتهاكات. وفي يناير ، زار وفد من منظمة العفو الدولية دارفور، ودعا إلى حل الصراع عن طريق المصالحة, كما دعت المنظمة إلى تشكيل لجنة نزيهة للتحقيق تتولى بحث الأسباب المعقدة للأزمة وتقدم توصيات لحلها، على أن تُنفذ هذه التوصيات على وجه السرعة. وفي فبراير2003م، بادرت مجموعة من قبائل الفور والزغاوة والمساليت وغيرها من التجمعات الزراعية بتشكيل "حركة/جيش تحرير السودان" الذي شن هجمات على قوات الحكومة السودانية قائلاً إنها تقاعست عن حماية المزارعين. كما شكلت مجموعة أخرى جماعة مسلحة تُعرف باسم "حركة العدل والمساواة". وإعتباراً من فبراير، إزداد الصراع سوءاً، حيث شن "جيش تحرير السودان" هجمات على قوات الأمن، بما في ذلك مطار الفاشر العسكري، بينما أطلقت الحكومة السودانية العنان، على ما يبدو، للميليشيات الموالية للحكومة لمهاجمة السكان المقيمين في المنطقة، والذين إنضم أفراد منهم إلى الجماعتين المسلحتين "جيش تحرير السودان" و"حركة العدل والمساواة".
وبالنسبة للجرائم ضد المواطنين أوردت المنظمة فى بيانها أنَّ أحد اللاجئين من مخيم بيراك قال لمندوبي المنظمة "لقد جاء العرب والجنود إلى قريتنا أمير في الثامنة صباحاً وهم يستقلون عربة ويحملون رشاشات كلاشينكوف وقاذفات صواريخ محمولة على الكتف وأسلحة أخرى وقتلوا 27 شخصاً. كما كان هناك قصف على قرية أمير. كنا من قبل على علاقة طيبة مع العرب، ولكن المشكلة تكمن في تدخل الحكومة".
وروى لاجئ آخر من كشكش ويقيم في مخيم بيراك قال أفراد الميليشيا لنا: "أنتم تزرعون الحقول، والباقي كله لنا. معنا الحكومة في يدنا اليمنى وأنتم في اليد اليسرى. أنتم لا تملكون أي شيء لأنفسكم"".
بل وذكر لاجئ ثالث من جفال ويقيم في مخيم بيراك أن الجنجويد قالوا لهم "أنتم معارضون للحكومة، ولهذا يجب أن نسحقكم. أنتم عبيد لأنكم سود. الحكومة في صفنا وطائرات الحكومة في صفنا"".
هذا، وقد أهابت منظمة العفو الدولية بالحكومة السودانية أن تقر بالأزمة السياسية وأزمة حقوق الإنسان في دارفور، وأن تتصدى لمعالجتها، وأن تتخذ خطوات لاستعادة الأمن والسلام على مناطق الصراع, وترى المنظمة إنه ينبغي على الحكومة تنفيذ التوصيات التالية:
• اتخاذ إجراءات على وجه السرعة لحماية السكان المدنيين في دارفور من الهجمات المتعمدة على أيدي جماعات مسلحة؛
• ضمان وصول المنظمات الإنسانية إلى جميع النازحين داخلياً في دارفور بشكل آمن وبدون أية معوقات؛
• تعزيز اللجنة الثلاثية، التي شُكلت في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر، بمراقبين دوليين، بما في ذلك مراقبون لحقوق الإنسان؛
• ضمان السماح لأعضاء اللجنة بالتنقل بحرية في مختلف أرجاء المنطقة للإشراف على إحترام وقف إطلاق النار والتحقيق في أية انتهاكات لوقف إطلاق النار وإعلان نتائج التحقيقات؛
• محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جنود الجيش السوداني وأفراد جماعات الميليشيا، بتقديمهم إلى محاكمات عادلة، مع عدم تطبيق عقوبة الإعدام أو غيرها من العقوبات القاسية و اللاإنسانية أو المهينة؛
• تشكيل لجنة مستقلة ونزيهة للتحقيق، تتولى بحث الأسباب المعقدة للأزمة، وإصدار تقارير علنية عن نتائج التحقيقات، وتقديم توصيات، على أن تُنفذ هذه التوصيات على وجه السرعة؛
• تقديم تعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وتوفير سبل إعادة التأهيل لهم.
ومضت المنظمة فى تقريرها, أنَّه وبالإضافة إلى ذلك، يجب على سائر الجماعات المسلحة التي تمارس نشاطها في دارفور، بما في ذلك الميليشيات العربية الموالية للحكومة و"جيش تحرير السودان" المعارض و"حركة العدل والمساواة" المعارضة، أن تعلن التزامها بإحترام حقوق الإنسان، وأن تكفل عدم إقدام مقاتليها على إرتكاب إنتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك قتل المدنيين بصورة متعمدة والإغتصاب والتعذيب والهجمات على أهداف مدنية. كما يجب عليها أن تضمن وصول المنظمات الإنسانية ومراقبي وقف إطلاق النار إلى جميع المناطق بشكل آمن ودون أية معوقات. وفي الوقت نفسه، يجب على السلطات التشادية والمجتمع الدولي، بما في ذلك "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، إتخاذ الخطوات التالية:
• ضمان عدم إرغام النازحين هرباً من الصراع في دارفور على العودة إلى مناطق قد يكونون فيها عرضةً لانتهاكات حقوق الإنسان؛
• إستخدام كل ما يمكن من نفوذ لوقف إنتهاكات حقوق الإنسان في دارفور والحيلولة دون حدوث أزمة أسوأ لحقوق الإنسان؛
• دعم المنظمات الإنسانية التي تقدم معونات الإغاثة لضحايا الصراع، سواء داخل دارفور أو في مخيمات اللاجئين في تشاد؛
• بذل كل ما يمكن من جهود لضمان تواجد اللاجئين في تشاد في مواقع لا تجعلهم عرضةً للهجمات عبر الحدود؛
• ضمان توفر سبل الحماية والاحتياجات الإنسانية الأساسية للاجئين والنازحين داخلياً.
ختام:
هل من حجة للمتشككين فى مسلك الحكومة بعد هذا؟ الآن بدت الأمور واضحة وضوح الشمس فى قارعة النهار, وبناء على هذا التقرير الضافى, ومن منظمة العفو الدولية تحديداً, يمكننا وبكل ثقة من أن نتهم الحكومة السودانية بضلوعها فى جرائم ضد الإنسانية, وبرعايتها لتصفية عرقية وإبادة جماعية, على غرار ما جرى فى رواندا والبوسنة وكوسوفو, ضد جزء من شعبها هم قبائل دارفور من الأصول الأفريقية, وهذه ليست بالمرة الأولى التى تتهم فيها الحكومة السودانية الحالية بإرتكاب جرائم من هذا النوع, فهنالك مؤامرة كبرى يتم تنفيذها فى دارفور وضد أهله وبعمق أكبر مما كنا نتصور.
فى نهاية شهر أكتوبر الماضى ربطت حركة تحرير السودان إستمرار التفاوض مع الحكومة في إطار اتفاقية أبشي بالإستجابة لـ «4» مطالب أودعوها الوسيط التشادي هى:
(1) وضع بروتوكول لحماية المدنيين؛
(2) وضع بروتوكول لتوصيل مواد الإغاثة للاجئين؛
(3) وجود مراقبة وضمانات دولية للتفاوض بين الطرفين؛
(4) تجريد الجنجويد من السلاح.
إلاَّ أننا نلاحظ أنَّ ذات هذه المطالب قد طالبت بها منظمة العفو الدولية أيضاً فى توصيات بيانها أعلاه مما يعزز من عقلانية حركة تحرير السودان فى مطالبها التى رفعتها سابقاً, ولكن مع تطور الأوضاع على نحو ما نشاهد فإنَّه يجدر بقادة الحركة توسيع دائرة المطالب ليتضمن كل توصيات المنظمة أعلاه إذ أنَّ ذلك يمثل مدخلاً كاملاً لحل شامل يحيط بكل أبعاد المشكلة ويحدد الجناة والمتورطين فى الجرائم التى حدثت ضد بعض أهل الإقليم.
كما نود أن ننصح الحركة برفض الموافقة على إنعقاد أى محادثات قادمة بدولة تشاد, فالسلطات التشادية التي ترعى المفاوضات لم تعد نزيهة بل تحولت إلى صديقة للحكومة السودانية وأصبحت معدومة الثقة وغير مؤهلة فى وساطتها. لقد سبق أن تحصلت صحيفة أخبار اليوم من مصادرها العليمة بتشاد أثناء جولة المفاوضات الأخيرة أن دكتور شريف حرير كان قد وصل بالطائرة الفرنسية لمطار إنجمينا إلا أنَّ الرئيس التشادي أمر بعدم السماح له بالدخول للأراضي التشادية! وقد عاد بوصوله للمطار وبعد ذلك توجه لنيفاشا, كما أفادت مصادر الصحيفة أنَّ الوفد الحكومي كان قد رفض حضور وفد من المجموعات المسلحة الأخري وسلم الحكومة التشادية قائمة تضم 35 إسما كانوا بصدد الحضور من الولايات المتحدة الامريكية, السعودية, الإمارات, ألمانيا, وعدد من الدول الاخري، ولقد إستجابت السلطات التشادية للطلب! (أخبار اليوم 8/11/2003م). فإذا كان حال الحكومة التشادية هكذا وتعمل بأوامر مباشرة من الحكومة السودانية فكيف يتسنى لها إذن أن تكون محايدة بين الجانبين أو نزيهة فى وساطتها, ثمَّ ماذا ستفعل لو قرر قادة الحركة إشراك ذات هؤلاء الناس الذين ترفضهم الحكومة السودانية فى وفدها ليوافضوا ممثلين لها؟ إذاً يمكن للحركة أن تطالب بعقد إجتماعات التفاوض بكينيا, بدلاً عن أبَّشى, بحيث تكون إمتداداً لمحادثات نيفاشا وأن تكون تحت الرعاية والضمانات الأمريكية البريطانية بجانب الحركة الشعبية لتحرير السودان كونها الشريك الأساسى فى الحكم خلال الفترة الإنتقالية.
على كل, وبرغم ذلك, يظل هناك سؤالاً مشروعاً هو هل هناك ما يدعو الحركة للدخول فى مفاوضات مع الحكومة معلوم فشلها مسبقاً؟؟
الولايات المتحدة الأمريكية
أضحت قضية دارفور فجأة كاليتيم فى مائدة اللئام, وتحولت بقدرة قادر إلى محل جذب وتلاسن بين طرفى الجبهة الإسلامية القومية, المؤتمر الوطنى والمؤتمر الشعبى, وكأنَّهم ورثةً غشماء يتقاسمون مالاً لا يزال صاحبه على قيد الحياة حي يرزق, بل إنَّ سلوك كليهما ينبئ عن قدر غير قليل من لؤم وخداع , فتسلط الأول على رقاب أهل دارفور وزرع بذور الفتنة بينهم بدعم مليشيات الجنجويد وتجيير دولة تشاد ورئيسها إدريس دبِّى للإنحياز لجانبها ضد ثوار دارفور الشرفاء لا تقابلها من الناحية الأخرى إلاَّ إنتهازية الشعبى فى محاولة محمومة لخلق موطئ قدم له بين جموع أهل الإقليم الطيبين, وهى أمنية ظلَّت نجوم السماء أقرب منها إليهم وسراب يحسبونه ماءاً يجرون خلفه دونما طائل, إنَّ سلوك هذين الحزبين تجاه دارفور إنما يماثل تماماً سلوك دولة الإتحاد السوفيتى الزائلة حيث حاول قادتها جهدهم إيجاد موطئ قدم لهم قريباً من, أو فى, منطقة الخليج والجزيرة العربية وخيراتها النفطية, وموقعها الإستراتيجى, ولسان حالهم يقول "ما أمتع هذه المياه الدافئة", وعندما غامروا وإحتلوا أفغانستان كانت تلك بداية نهايتهم, ومثلهم تماماً ظلَّ أهل الجبهة من متنفذى وسط السودان النيلى بجناحيها يصوبون نظرهم نحو دارفور, أهل الشرافة والقرآن والإسلام البرئ, ولسان حالهم يقول "ما أحلى تلك الأراضى السائبة", نعم لقد حسبوها كذلك, ولذلك إستباحوها, مطبقين عليها نظريات ما أنزل الله بها من سلطان من قمع وطرد, وتهجير منظم, ومحاولة تعريب قسرى, وظلم مفضوح, وفتنة كالحة, وحقوق مسلوبة, وإبادة بشرية مسنودة بآلية الدولة ومؤامراتها فى سبيل المشروع والسيطرة على الحكم!
لكن كيف تتوازن كفتا ميزان الحكمة ويدا الطرفان ملطختان بكثافة بدماء أهالى دارفور الزكية, وكيف فات عليهما أن أنين الثكالى وصراخ اليتامى وزفير الغبن وحسرة المحرومين قد إرتسمت على كل وجه ورنا على كل قلب؟ وهل هجر الترابى تصريحاته أيام كان "أنا الدولة"! حين نادى بضرورة تهجير الفور لوادى صالح, والزغاوة لأم روابة, وتوطين القبائل العربية بجبل مرة؟ أم ماذا حدث فى غضون عقد واحد من الزمان ليخرج من منفاه الإختيارى الفاخر ذات الخمس نجوم ويبدأ محاولة مكشوفة بائسة للتسلق على رقاب أهل دارفور؟ وهل نسى ما فعله ببولاد وغيرهم وهو يعرفهم كإبنائه؟ بل وعلى أكتافهم ومجاهداتهم صعد درجات على سلم التسلق السياسى! فأين هو من كل ذلك؟ إن نسى ذاكرته ذلك فإنَّ ذاكرة أهل دارفور ما زال فى طور الصبا وألق الشباب ولم تطلق عصافيرها بعد, أما أهل المؤتمر الوطنى, أهل العقلية الأمنية, فما أضافوا إلاَّ ضغثاً على إبالة, و زادوا على ما بدأه كبيرهم بعد أن أضافوا إليها مسوح من أثر ذاكرات خربة وساروا على دربه فى مشروع تدمير منظم لدارفور وتشريد أهله, وها هى طائراتهم اليوم تخيم على سماء الإقليم كالعقَّاب الجارح لا تخلف وراءها إلاَّ روائح الموت, ورماد الحرائق, وأطلال الخراب, لم يسلم منهم طفل رضيع أو إمرأة مسنة أو شيخ عجوز, لكن ما هى الجريمة التى إقترفها أهل دارفور حتى يلقوا كل هذا الذل والهوان؟ هل بادروا يوماً بأذى ضد هؤلاء الذين يبيدونهم الآن؟ هل لأنَّهم طالبوا بحقهم المشروع فى دولة هم بالأساس سنام صانعيها وحرَّاس وحدتها الوطنية وملح أهلها فى الجد والعمل؟ أم أنَّ هناك رفض مقيت لهم وكراهية عمياء ضدَّهم ظلَّت تنفث أبخرتها النتنة من قيعان أقبية التاريخ المظلمة حالت دون إستيعابهم فى دائرة المجتمع السودانى العريض؟
وحقيقة يتعجب المرء عندا يقرأ ويشاهد كيف تُبنى الدول وتتطور المجتمعات ويقارنها بهذا المسخ الذى يجرى فى بلادنا, خاصة عندما تكون قيمة الإنسان كإنسان تساوى صفراً, بل وتصدر قرارات ومؤامرات باطنية بتصفية روحه لا لشيئ سوى تغييبه قسراً عن الحياة حتى يخلو الجو لسفَّاحيه ليفعلوا ما يريدون, هل هكذا تبنى الأوطان؟ وهل بهذه العقلية المهترئة سنتمكن من بناء سودان موحد تكون حقوق المواطنة فيه هو القاسم المشترك بين أهله دون عزل و إكراه؟ إنَّ واقع الحال لما يجرى فى دارفور اليوم لا يمكنه الإجابة على أسئلة كتلك, ولسبب واحد, هو أنَّك كى تجيب عليها فينبغى عليك أولاً أن تكون عائشاً تتمتع بكل قواك الجسمية والعقلية لفعل ذلك, أمَّا إذا ما حُرمتَ من حق العيش ونعمة الحياة فليس هناك من سقف أعلى من ذلك كى تتعلق به سوى خالق الروح وواهب الحياة عندما تناجيه وأنت فى برزخ الموت.
فقد ورد فى الأخبار أنَّ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية إتهم الدكتورحسن الترابي والمؤتمر الشعبى بتشجيع التمرد في دارفور، وقال في تصريحات لإذاعة أم درمان الرسمية وللصحف السودانية أنَّ حزب المؤتمر الوطني الشعبي الذي يتزعمه الترابي يحاول تخريب المفاوضات الجارية بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان, وأكَّد أنَّه منذ إطلاق سراح الترابي فإنَّه لم يكف عن إذكاء الفتنة في دارفور, وأعلن أنَّ على المؤتمر الشعبي أن يعيد تقييم سياسته وأنشطة عناصره في دارفور وإلاَّ سيتم إلغاؤه من الساحة السياسية (الرأى العام 22/11/2003م). من جانبه رفض حزب المؤتمر الشعبي هذه الإتهامات وأكد أن الحزب لن يُحل وقال على لسان أمينه السياسى الناطق الرسمى باسمه الدكتور بشير آدم رحمة أن الحل يتمثل فى التفاوض الجاد وليس التفاوض لكسب الوقت (الخرطوم 23/11/2003م), كما أضاف محمد الأمين خليفة مسؤول العلاقات الخارجية بالحزب إن هذه التهديدات تشكل رجوعاً تاماً عن الحريات وخرقاً للمواثيق والإتفاقيات وإساءة إلى تجمع القوى السياسية حول مسائل وطنية رئيسية ( الجزيرة نت 23/11/2003م).
أهل دارفور فى شنو... وأهل الجبهة فى شنو؟ ما الذى يجعل أهل دارفور يعنون بشجار عقيم كهذا وهم معرضون للموت تحت أى لحظة؟ وما الذى فعله هؤلاء المتخاصمون من أجل مساعدتهم فى جهادهم المستميت للتعلق بقشة الحياة؟ هل قام على عثمان أو الترابى أو غيره بإلقاء نظرة على هؤلاء العراة البؤساء فى معسكراتهم المنتشرة فى قفار الصحراء والخلاء على الحدود السودانية التشادية يواسونهم فى مصائبهم ويعزونهم فى قتلاهم؟ وهل أعلنت الحكومة أنَّ هناك كارثة قومية, مثلما ظلت تفعل تجاه أحداث أخرى أقل شأناً, تلتهم أرواح العشرات من الأبرياء مع مغيب كل شمس؟ وأى سودان ذاك الذى يلهث النائب الأول للتفاوض حوله دون أن يلقى نظرة واحدة وراءه ليرى النار تشتعل فى جنبه؟ إنَّ ما نراه من سلوك أهل الحكومة ليدعو إلى العجب والشفقة فى آن واحد, فالسادة وجهاء ومحاسيب النظام أخذوا كامل راحتهم خلال شهر رمضان وصموا آذانهم عن أنين المعذبين فى فيافى دارفور وطفقوا يطلبون الإستجمام والإستشفاء بين مستشفيات الأردن وألمانيا الفاخرة, وآخرون طلبوا العمرة والسياحة فى بلاد الله, والله وحده يعلم إن كان سعيهم سيكون مشكورا, أما القادة المعنيون بأمر الحكم وإدارة البلاد فسدَّوا هذه بطينة وتلك بعجينة, ولا أرى, ولا أسمع, ولا أتكلم فى شأن دارفور! للحقيقة, إنَّ هذا الوطن الذى إسمه السودان لا سيِّد له, فسيِّده غائب, أو مغيَّب, وهو الشعب السودانى, ولذلك صارت البلاد نهباً لك مغامر ومارق.
وفى الوقت الذى تدق فيه الحكومة طبولها لمفاوضات أبَّشى مع حركة تحرير السودان, كخطوة مطلوبة لتهيئة البلاد لمرحلة السلام الشامل, نرى من أمرها عجباً أيضاً, كيف يستقيم عقلاً أن تتحدث الحكومة عن مفاوضات للسلام فى الوقت الذى تهرع فيه لإبرام الإتفاقيات والبروتوكولات الأمنية مع دولة تشاد وتطلب منها تكوين قوة مشتركة من الجيش لإبادة الثوار وتنظيف منطقة الحدود؟ وأى مفاوضات تلك التى تستعد لها الحكومة لأملاء شروطها الأمنية الخاصة دون أن تظهر أى نية لتناول لبَّ القضية أو حتى الإعتراف بوجودها؟ وهل الأجواء مهيئة فعلاً لإكمال مفاوضات ناجحة؟ ثمَّ هل أنَّ المواقف الجديدة للرئيس التشادى الداعم لجهة الحكومة تجعل منه راعياً محايداً وثقة يمكن الركون إلية كضامن لما سيتمخض عنه المفاوضات, إن قامت فعلاً؟ كلا, لا نعتقد ذلك, فهذه المؤشرات تدل صراحة أنَّ الحكومة غير عازمة للدخول فى إى مفاوضات بنية صادقة لتحقيق السلام فى ربوع دارفور, بل إنَّ كل ما تطمح إليه هو إستسلام الثوار وتسليم سلاحهم, ولذلك, وتحسباً لرفضهم المتوقع, فإنَّها ظلت تستعد لهم بقواتها وطائراتها والقوات التشادية ومليشيات الجنجويد للقضاء عليهم. إنَّ وجود معسكرين كبيرين لعناصر عربية أجنبية بالقرب من بلدة عد الغنم وغرب بلدة كبم لفيه سر كبير! ويقال أنَّ هذه العناصر العربية الأجنبية, كما أشرنا فى مقال سابق, قد أتت من بعض الدول مثل موريتانيا والجزائر والنيجر ومالى وليبيا تم تجميعها فى ولاية جنوب دارفور وفى معسكرات مقفولة بعيدة فى الخلاء, فهل رفضت الحكومة زيارة السفراء الأجانب لتلك المناطق خوفاً من إنكشاف المستور؟ ثم هل تعتقد الحكومة أنَّ أولائك السفراء الأجانب مغفلين إلى الدرجة التى يمكن أن ينسوا ما حدث لهم بكل سماحة وطيبة خاطر؟ إن ظنت ذلك فهى واهمة لأنها ولسذاجتها قد أقرَّت بجرم يستدعى التحقيق, والمثل السودانى يقول "الفى بطنو حرقص... براه برقص"! لقد ذكر بعض الأهالى أنَّهم قابلوا بعضاً من هذه العناصر العربية وعلموا منهم أنهم إنما جاءوا لدارفور للجهاد!! فأى جهاد ذاك؟
صحيفة الأيام وثمن الكلمة الشريفة:
ثمَّ جاءت حادثة وقف صحيفة الأيام من الصدور لتعمق من دائرة الإتهام حول مسلك الحكومة تجاه قضية دارفور, ويبدو أنَّ الحكومة قد ضاقت ذرعاً بتغطية الصحيفة لأخبار الكوارث الرهيبة التى تعيشها المنطقة وحملات الإبادة الجائرة لمليشيات الجنجويد, وقد ذكر رئيس تحرير الصحيفة السيد محجوب محمد صالح إن المدَّعي العام أبلغه بأن الصحيفة تنشر مقالات خطيرة "تمثل تهديداً لأمن الدولة", وأنَّ المدَّعي إستجوبه بشأن بعض المقالات التي نشرت على مدى الأشهر الستة عشر الماضية والتي قال المدَّعي إنها زائفة, وأنَّ الكثير من تلك المقالات كانت بشأن منطقة دارفور (الجزيرة نت 18/11/2003م). إننا نعتقد, أو نحسب فقط, أنَّ المقال الذى نشرته الصحيفة وإتخذته الحكومة سبباً لتوقيفها هو الآتى, ننقلها هنا دون أى تصرف:
في عمودها كلمة الأيام:
أحداث زالنجي والجنجويد
الأيام 10/11/2003م
عندما زار وفد قيادات المجتمع المدني والمنظمات المختلفة لقبيلة الفور الخرطوم الأسبوع الماضي كانوا يحملون تحذيرا واضحا أن قبيلتهم مستهدفة وأن معظم الهجمات التي شنتها قوات الجنجويد إنما تستهدف أراضيهم, وإنها لا تستهدف إبعادهم منها بل تستهدف إبادتهم بطريقة منظمة, والخطة تهدف لإحلال قبائل من أصول عربية مكانهم في الأراضي الخصيبة -عندما ردد الوفد ذلك ظن البعض أنهم يبالغون في تصوير الصراع الدائر في دارفور, وأنهم بهذه المبالغة يهدفون للضغط على الحكومة لكي تتحرك في إتجاه حل سلمي لقضيتهم. ولكن الأحداث التي تحدث في هذا الإقليم هذه الأيام تثبت إلى حد كبير أنهم كانوا على حق في مخاوفهم, وأن الموقف جد خطير في الإقليم, وأنه يحتاج إلى علاج سريع تتولاه الحكومة المركزية بنفسها عن طريق القوات المسلحة لتضع حدا لنشاط هذه الجماعات المنفلتة التي تهدد حياة المواطنين وتقوض وجود الدولة في الإقليم. لا بد من أن تتولى القوات المسلحة زمام الأمور وتتعقب الجناة وتجردهم من سلاحهم لأن مجرد وجودهم بهذه الصورة يخلق منهم دولة داخل الدولة وهو وضع يجب أن ترفضه الحكومة تماما وتتخذ حياله الخطوات العاجلة والناجعة. لقد لخص معتمد محلية زالنجي الموقف في هذه المعتمدية فرسم صورة في منتهى الخطورة، فقال إن الجناة هاجموا إثنين وثلاثين قرية حول مدينة زالنجي وحرقوها تماما, وإن عدد القتلى وصل إلى ثمانية وثمانين قتيلا, وأن الجناة يحاصرون موقع الجثث فلم تستطع السلطات الوصول إليه لدفن الموتى, وإعترف المحافظ بأن الموقف أكبر من قدرات المعتمدية وهي لا تستطيع أن تواجه هذه المليشيات وإنها إستنجدت بسلطات غرب دارفور ولكنها لم تكن أحسن حالا "لا تملك القدرة على تقديم الدعم". إذا كان هذا هو الموقف كما يصوره مسؤول رسمي فقد بات الأمر يتطلب تدخلا حاسما ورادعا من القوات المسلحة تبسط من خلاله سلطة الدولة, ويحقق الأمن للمواطن, و تساعدهم على إعادة بناء قراهم ومزارعهم التي أحرقت, وتوفر لهم الحماية المطلوبة لاستقرارهم ونرجو أن تتعامل الحكومة مع الأمر بالجدية المطلوبة إزاء هذا التهديد الخطير.
(إنتهى)
هل يوجد فى هذه القطعة ما يشى بتهديد للأمن القومى؟ تلك هى إذن عين الحقيقة, متمثلةً فى سياسة الحكومة الرامية لتغييب الحقائق التى تتم فى الإقليم عن العالم الخارجى وأجهزة الإعلام والمنظمات الدولية, وفى أثناء ذلك تغمض عينيها كلية وتكتم أنفاس إعلامها ضد كشف تلك الحملات الجائرة للتصفية العرقية والمصحوبة بحرق للقرى والمزارع والمدارس والمراكز الصحية وتسميم مصادر المياه والتهجير القسرى عن طريق تطبيق سياسة الأرض المحروقة, وهى سياسة طبقتها الحكومة سلفاَ فى جنوب السودان ثمَّ فى جبال النوبة واليوم فى دارفور, والقاسم المشترك فى كل ذلك هو إستخدام الحكومة لمليشيات الجنجويد العربية كأداة إبادة, سواءٌ أكان ذلك ضد الدينكا أم النوبة أم الفور! لكن هل يمكن حجب مثل هذه الجرائم المبنية على الكراهية العرقية عن عيون العالم فى هذا العصر الذى صار فيه العالم قرية صغيرة؟ لقد حدثت مثل هذه المجازر فى كل من رواندا والبوسنة وكوسوفو بيوغسلافيا, وصحيح أنَّ الكثير من الأبرياء قد لاقوا حتفهم لا لسبب إلاَّ أنَّهم كانوا من الجانب الآخر, لكن أين الآن تلك الرؤوس التى خططت لتلك الفتن السوداء ورعتها عن قرب؟ فمن لم يهلك منهم جراء فعلته إنتهى فى سجون محكمة العدل الدولية بلاهاى يقضى فيها بقية أيامه فى الحياة تطارده لعنات الملائكة والعالمين أجمعين إلى يوم الدين, ومن سخرية القدر أنَّ إعلام الحكومة قد ظلت تنوح يومها, خاصة تجاه جرائم تصفية المسلمين فى البوسنة, وتلعن قوى الغدر والإستكبار العالمى, فكيف بها اليوم لا تسيل لها دمعة واحدة وجزء من مواطنيها, مسلمون أيضاً, فى دارفور يتعرضون لذات حملات الإبادة وعلى مرأى ومسمع منها! هل إنَّ إسلام البوسنيين أقرب لعقل الحكومة وفكرها من إسلام أهل دارفور؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فماذا فعلت لوقف هذه المجازر التى تحدث وعلى أرضها وضد جزء من شعبها؟ لقد قطعت الحكومة عهداً على نفسها فى محادثات أبَّشى الأولى, وفى البند الثانى من إتفاقية الهدنة تحديداً, بالسيطرة على مليشيات الجنجويد ونزع سلاحهم, فهل أوفت فى عهدها ذلك؟ أم إنَّها ذهبت أدراج الرياح كما ذهبت إتفاقية الخرطوم للسلام التى وقعتها قبلاً مع بعض الفصائل الجنوبية؟ إذاً ما الذى إستجد اليوم حتى تتهم الحكومة حركة تحرير السودان بخرق الهدنة وإعاقة المسار إلى التفاوض؟ وهى التى ظلت تخرق الهدنة يومياً من خلال قصفها المستمر لمواقع الحركة, وإستعداء الحكومة التشادية عليها, وسكوتها عن جرائم مليشيات الجنجويد وتجاوزاتهم, والتى لا تريد الحكومة حلَّها حتى تستخدمهم للمزيد من حملات القتل والسحل.
نعم سيعرف العالم أجمع حجم المأساة التى تحدث بدارفور, وقد بدأت فعلاً فى معرفة ذلك وعن قرب ووضح لديها المشكوك فيه, فأنا أكتب هذه المقالة على ضوء البيان الصارخ الذى أطلقته منظمة العفو الدولية, أعلى منظمة عالمية تعنى بحقوق الإنسان, تتهم فيه الحكومة السودانية صراحة بضلوعها فى مآسى حقيقية بإقليم دارفور, وإنَّ تقاعسها عن كبح جماح الجنجويد هو السبب في لإستفحال الأزمة الإنسانية في بدارفور.
بيان منظمة العدل الدولية حول مآسى دارفور:
لقد صدر بيان منظمة العفو الدولية بتاريخ 26 نوفمبر 2003م, والذى صادف ثانى أيام عيد الفطر المبارك, بعنوان: السودان: تقاعس الحكومة السودانية هو السبب في الأزمة الإنسانية في دارفور, ونشرته بصيغتيها الإنجليزية والعربية مشكورة موقع سودانيزأونلاين على شبكة الإنترنت, ولا ندرى هل ستتمكن الصحف السودانية المغلوبة على أمرها من نشره أيضاً, وعلى العموم, ولتعميم المعلومة نورد هنا مقتطفات من هذا البيان الضافى حتى يقف القراء على حقيقة ما يحدث فى دارفور من مصدر عالمى محايد, فقد قالت المنظمة في بيانها عقب عودة مندوبيها من زيارة لمخيمات اللاجئين شرقي تشاد، إن هناك أدلة دامغة على أن الحكومة السودانية مسؤولة إلى حد كبير عن الأزمة الإنسانية في دارفور، وأنَّه على أدنى المستويات، فقد تقاعست تماماً عن الوفاء بواجبها في حماية مواطنيها, وقالت: "فالشهادات التي أدلى بها عشرات اللاجئين، ووصفوا فيها هجمات على التجمعات القروية شنتها ميليشيات تضم أفراداً من القوات المسلحة أو غيرها من قوات الأمن، قد حدت بنا إلى إستخلاص نتيجة مؤلمة مؤداها أن بعض العناصر في الجيش على الأقل تشجع على إرتكاب مثل هذا التخريب". كما أشارت إلى أنَّه منذ شهر إبريل فرَّ نحو 500 ألف لاجئ هرباً من ميليشيات البدو، المعروفة عموماً في أوساط السكان المحليين باسم "العرب" أو "الجنجويد" (وهم مسلحون يمتطون الخيول)، والتي داهمت بعض البلدات في دارفور، وهي منطقة لا تتوفر فيها إمكانات تُذكر للتصدي لمثل هذه الأزمات. وفي داخل دارفور نفسها، تعرضت المناطق القروية للتخريب، حسبما ورد، وعبر آلاف النازحين الحدود إلى تشاد.
وقد زار مندوبو منظمة العفو الدولية تسع مستوطنات في شرقي تشاد، من طينة في الشمال إلى بيركنجي في الجنوب. وتحدث المندوبون مع عدد من اللاجئين (بما في ذلك بعض أفراد الجماعة العربية الذين رفضوا الانضمام إلى الميليشيا)، وكذلك مع مسؤولين من الحكومة التشادية، ومن الأمم المتحدة، وممثلي بعض المنظمات غير الحكومية. وقالت المنظمة إن "اللاجئين في حالة يُرثى لها تماماً. فليس لديهم قدر يُذكر من الطعام، أو ليس لديهم طعام على الإطلاق، ويصعب عليهم الحصول على المياه، حيث يعيشون في ملاجئ مؤقتة تحفها المخاطر ويعانون بشدة من البرد القارس أثناء الليل". ونقلت المنظمة عن المندوبين قولهم "لقد سمعنا حكايات عن لاجئين إستبد بهم الجوع فعادوا إلى قراهم بحثاً عن الطعام ولكنهم تعرضوا للقتل. كما شنت الميليشيات غارات عبر الحدود، وفي إحدى الغارات على مخيم كولكول، قُتلت امرأة تُدعى عائشة إدريس، وتم الاستيلاء على الماشية، كما قُتل ثلاثة رجال حاولوا تعقب الميليشيا". وفي تشاد، لم تُوزع الأطعمة والمواد غير الغذائية إلا في أضيق الحدود على اللاجئين الأكثر احتياجاً في مواقع قليلة. ولم تتمكن "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة والسلطات المحلية من الوصول لبعض اللاجئين نظراً لرداءة الطرق أو الافتقار إلى وسائل النقل الكافية أو لبعد المسافة, ولم يُسجل الكثيرون بعد على النحو الواجب.
ومضى مندوبو منظمة العفو الدولية يقولون "لقد حكى اللاجئون، واحداً بعد الآخر في مناطق متباعدة، كيف كان أفراد الميليشيات، المسلحون برشاشات كلاشينكوف وغيرها من الأسلحة بما في ذلك قاذفات الصواريخ المحمولة على الكتف والذين يرتدي كثيرون منهم الزي الأخضر للجيش، يداهمون القرى ويحرقون البيوت والمحاصيل ويقتلون السكان والماشية. وقد إستمعنا إلى شهادات عديدة تصف عمليات قتل متعمدة، وكذلك إلى إدعاءات عن أعمال إختطاف وإغتصاب إرتكبها أفراد الجنجويد. ووصف بعض اللاجئين كيف قصفت طائرات حكومية قراهم بالقنابل. كما وصف أشخاص إعتقلهم الأمن العسكري صنوف التعذيب وظروف الاعتقال المروعة". وإستطردت المنظمة الدولية قائلة "إن الوضع في دارفور مهدد بالتدهور سريعاً إلى حرب أهلية شاملة تًستغل فيها الإختلافات العرقية، ويتجه فيها البعض إلى الإنتقام لمن قُتلوا، أو يسعون للحصول على أسلحة للدفاع عن أنفسهم، أو ينضمون إلى جماعات المعارضة المسلحة, كما ينذر الوضع بكارثة إنسانية كبرى، حيث وقعت الهجمات قبل أن يتمكن المزارعون من جني محاصيلهم، وحُرقت الحقول، وقُتل بعض الأشخاص وسُلبت الماشية ودُمرت المنازل. وفوق هذا وذاك، فإن الحكومة تفرض قيوداً مشددة على وصول المساعدات الإنسانية إلى النازحين من ديارهم". وشددت المنظمة على أنه "ينبغي على المجتمع الدولي أن يُظهر نفس التصميم ويستخدم نفس الضغوط لإنهاء الصراع والأزمة الإنسانية في دارفور مثلما يفعل في سياق عملية السلام الرامية إلى إنهاء الحرب في جنوب السودان بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان.
وأشارت المنظمة إلى سلوك الحكومة إزاء ما يحدث فى دارفور فقالت فى تقريرها: فيما يبدو أنه محاولة لإخفاء العواقب الخطيرة لهذا الصراع السياسي العنيف، منعت الحكومة السودانية العالم الخارجي من الوصول إلى النازحين داخلياً في دارفور، أو فرضت قيوداً مشددة على الوصول إليهم. وقد سافر مندوبو منظمة العفو الدولية إلى تشاد في الفترة من 12 إلى 26 نوفمبر للتحدث مع اللاجئين السودانيين المتناثرين على طول الحدود. وكان السكان المقيمون في دارفور قد إشتكوا طيلة سنوات من أن ميليشيات من البدو تسلحها الحكومة كانت تغير على قراهم وتنهبها وتقتل سكانها. ودأبت الحكومة على القول بأن المشكلة تكمن في ظاهرة التصحر والتنافس على الموارد الشحيحة، كما نفت أن تكون قوات الأمن قد تقاعست عن التصدي لهذه الانتهاكات. وفي يناير ، زار وفد من منظمة العفو الدولية دارفور، ودعا إلى حل الصراع عن طريق المصالحة, كما دعت المنظمة إلى تشكيل لجنة نزيهة للتحقيق تتولى بحث الأسباب المعقدة للأزمة وتقدم توصيات لحلها، على أن تُنفذ هذه التوصيات على وجه السرعة. وفي فبراير2003م، بادرت مجموعة من قبائل الفور والزغاوة والمساليت وغيرها من التجمعات الزراعية بتشكيل "حركة/جيش تحرير السودان" الذي شن هجمات على قوات الحكومة السودانية قائلاً إنها تقاعست عن حماية المزارعين. كما شكلت مجموعة أخرى جماعة مسلحة تُعرف باسم "حركة العدل والمساواة". وإعتباراً من فبراير، إزداد الصراع سوءاً، حيث شن "جيش تحرير السودان" هجمات على قوات الأمن، بما في ذلك مطار الفاشر العسكري، بينما أطلقت الحكومة السودانية العنان، على ما يبدو، للميليشيات الموالية للحكومة لمهاجمة السكان المقيمين في المنطقة، والذين إنضم أفراد منهم إلى الجماعتين المسلحتين "جيش تحرير السودان" و"حركة العدل والمساواة".
وبالنسبة للجرائم ضد المواطنين أوردت المنظمة فى بيانها أنَّ أحد اللاجئين من مخيم بيراك قال لمندوبي المنظمة "لقد جاء العرب والجنود إلى قريتنا أمير في الثامنة صباحاً وهم يستقلون عربة ويحملون رشاشات كلاشينكوف وقاذفات صواريخ محمولة على الكتف وأسلحة أخرى وقتلوا 27 شخصاً. كما كان هناك قصف على قرية أمير. كنا من قبل على علاقة طيبة مع العرب، ولكن المشكلة تكمن في تدخل الحكومة".
وروى لاجئ آخر من كشكش ويقيم في مخيم بيراك قال أفراد الميليشيا لنا: "أنتم تزرعون الحقول، والباقي كله لنا. معنا الحكومة في يدنا اليمنى وأنتم في اليد اليسرى. أنتم لا تملكون أي شيء لأنفسكم"".
بل وذكر لاجئ ثالث من جفال ويقيم في مخيم بيراك أن الجنجويد قالوا لهم "أنتم معارضون للحكومة، ولهذا يجب أن نسحقكم. أنتم عبيد لأنكم سود. الحكومة في صفنا وطائرات الحكومة في صفنا"".
هذا، وقد أهابت منظمة العفو الدولية بالحكومة السودانية أن تقر بالأزمة السياسية وأزمة حقوق الإنسان في دارفور، وأن تتصدى لمعالجتها، وأن تتخذ خطوات لاستعادة الأمن والسلام على مناطق الصراع, وترى المنظمة إنه ينبغي على الحكومة تنفيذ التوصيات التالية:
• اتخاذ إجراءات على وجه السرعة لحماية السكان المدنيين في دارفور من الهجمات المتعمدة على أيدي جماعات مسلحة؛
• ضمان وصول المنظمات الإنسانية إلى جميع النازحين داخلياً في دارفور بشكل آمن وبدون أية معوقات؛
• تعزيز اللجنة الثلاثية، التي شُكلت في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر، بمراقبين دوليين، بما في ذلك مراقبون لحقوق الإنسان؛
• ضمان السماح لأعضاء اللجنة بالتنقل بحرية في مختلف أرجاء المنطقة للإشراف على إحترام وقف إطلاق النار والتحقيق في أية انتهاكات لوقف إطلاق النار وإعلان نتائج التحقيقات؛
• محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك جنود الجيش السوداني وأفراد جماعات الميليشيا، بتقديمهم إلى محاكمات عادلة، مع عدم تطبيق عقوبة الإعدام أو غيرها من العقوبات القاسية و اللاإنسانية أو المهينة؛
• تشكيل لجنة مستقلة ونزيهة للتحقيق، تتولى بحث الأسباب المعقدة للأزمة، وإصدار تقارير علنية عن نتائج التحقيقات، وتقديم توصيات، على أن تُنفذ هذه التوصيات على وجه السرعة؛
• تقديم تعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وتوفير سبل إعادة التأهيل لهم.
ومضت المنظمة فى تقريرها, أنَّه وبالإضافة إلى ذلك، يجب على سائر الجماعات المسلحة التي تمارس نشاطها في دارفور، بما في ذلك الميليشيات العربية الموالية للحكومة و"جيش تحرير السودان" المعارض و"حركة العدل والمساواة" المعارضة، أن تعلن التزامها بإحترام حقوق الإنسان، وأن تكفل عدم إقدام مقاتليها على إرتكاب إنتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك قتل المدنيين بصورة متعمدة والإغتصاب والتعذيب والهجمات على أهداف مدنية. كما يجب عليها أن تضمن وصول المنظمات الإنسانية ومراقبي وقف إطلاق النار إلى جميع المناطق بشكل آمن ودون أية معوقات. وفي الوقت نفسه، يجب على السلطات التشادية والمجتمع الدولي، بما في ذلك "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، إتخاذ الخطوات التالية:
• ضمان عدم إرغام النازحين هرباً من الصراع في دارفور على العودة إلى مناطق قد يكونون فيها عرضةً لانتهاكات حقوق الإنسان؛
• إستخدام كل ما يمكن من نفوذ لوقف إنتهاكات حقوق الإنسان في دارفور والحيلولة دون حدوث أزمة أسوأ لحقوق الإنسان؛
• دعم المنظمات الإنسانية التي تقدم معونات الإغاثة لضحايا الصراع، سواء داخل دارفور أو في مخيمات اللاجئين في تشاد؛
• بذل كل ما يمكن من جهود لضمان تواجد اللاجئين في تشاد في مواقع لا تجعلهم عرضةً للهجمات عبر الحدود؛
• ضمان توفر سبل الحماية والاحتياجات الإنسانية الأساسية للاجئين والنازحين داخلياً.
ختام:
هل من حجة للمتشككين فى مسلك الحكومة بعد هذا؟ الآن بدت الأمور واضحة وضوح الشمس فى قارعة النهار, وبناء على هذا التقرير الضافى, ومن منظمة العفو الدولية تحديداً, يمكننا وبكل ثقة من أن نتهم الحكومة السودانية بضلوعها فى جرائم ضد الإنسانية, وبرعايتها لتصفية عرقية وإبادة جماعية, على غرار ما جرى فى رواندا والبوسنة وكوسوفو, ضد جزء من شعبها هم قبائل دارفور من الأصول الأفريقية, وهذه ليست بالمرة الأولى التى تتهم فيها الحكومة السودانية الحالية بإرتكاب جرائم من هذا النوع, فهنالك مؤامرة كبرى يتم تنفيذها فى دارفور وضد أهله وبعمق أكبر مما كنا نتصور.
فى نهاية شهر أكتوبر الماضى ربطت حركة تحرير السودان إستمرار التفاوض مع الحكومة في إطار اتفاقية أبشي بالإستجابة لـ «4» مطالب أودعوها الوسيط التشادي هى:
(1) وضع بروتوكول لحماية المدنيين؛
(2) وضع بروتوكول لتوصيل مواد الإغاثة للاجئين؛
(3) وجود مراقبة وضمانات دولية للتفاوض بين الطرفين؛
(4) تجريد الجنجويد من السلاح.
إلاَّ أننا نلاحظ أنَّ ذات هذه المطالب قد طالبت بها منظمة العفو الدولية أيضاً فى توصيات بيانها أعلاه مما يعزز من عقلانية حركة تحرير السودان فى مطالبها التى رفعتها سابقاً, ولكن مع تطور الأوضاع على نحو ما نشاهد فإنَّه يجدر بقادة الحركة توسيع دائرة المطالب ليتضمن كل توصيات المنظمة أعلاه إذ أنَّ ذلك يمثل مدخلاً كاملاً لحل شامل يحيط بكل أبعاد المشكلة ويحدد الجناة والمتورطين فى الجرائم التى حدثت ضد بعض أهل الإقليم.
كما نود أن ننصح الحركة برفض الموافقة على إنعقاد أى محادثات قادمة بدولة تشاد, فالسلطات التشادية التي ترعى المفاوضات لم تعد نزيهة بل تحولت إلى صديقة للحكومة السودانية وأصبحت معدومة الثقة وغير مؤهلة فى وساطتها. لقد سبق أن تحصلت صحيفة أخبار اليوم من مصادرها العليمة بتشاد أثناء جولة المفاوضات الأخيرة أن دكتور شريف حرير كان قد وصل بالطائرة الفرنسية لمطار إنجمينا إلا أنَّ الرئيس التشادي أمر بعدم السماح له بالدخول للأراضي التشادية! وقد عاد بوصوله للمطار وبعد ذلك توجه لنيفاشا, كما أفادت مصادر الصحيفة أنَّ الوفد الحكومي كان قد رفض حضور وفد من المجموعات المسلحة الأخري وسلم الحكومة التشادية قائمة تضم 35 إسما كانوا بصدد الحضور من الولايات المتحدة الامريكية, السعودية, الإمارات, ألمانيا, وعدد من الدول الاخري، ولقد إستجابت السلطات التشادية للطلب! (أخبار اليوم 8/11/2003م). فإذا كان حال الحكومة التشادية هكذا وتعمل بأوامر مباشرة من الحكومة السودانية فكيف يتسنى لها إذن أن تكون محايدة بين الجانبين أو نزيهة فى وساطتها, ثمَّ ماذا ستفعل لو قرر قادة الحركة إشراك ذات هؤلاء الناس الذين ترفضهم الحكومة السودانية فى وفدها ليوافضوا ممثلين لها؟ إذاً يمكن للحركة أن تطالب بعقد إجتماعات التفاوض بكينيا, بدلاً عن أبَّشى, بحيث تكون إمتداداً لمحادثات نيفاشا وأن تكون تحت الرعاية والضمانات الأمريكية البريطانية بجانب الحركة الشعبية لتحرير السودان كونها الشريك الأساسى فى الحكم خلال الفترة الإنتقالية.
على كل, وبرغم ذلك, يظل هناك سؤالاً مشروعاً هو هل هناك ما يدعو الحركة للدخول فى مفاوضات مع الحكومة معلوم فشلها مسبقاً؟؟