دارفور … من القبعات الزرقاء الي الكادامول !!

 


 

 

 

 

‏‫وأخيرا رحلت قوات اليوناميد (القبعات الزرقاء) عن اقليم دارفور في مستهل عام 2021 بعد ثلاثة عشر عاما قضتها في سفوح ووديان ومرتفعات ذلك الإقليم ، فقد كان انتشارها في ذلك الإقليم في يونيو 2007 قد جاء بعد مخاض عسير في مداولات مجلس الأمن اَي بعد صدور القرار 1796 والذي اقر نشر قوات اممية في اقليم دارفور وقد جاء القرار باغلبية (15-12)بامتناع الصين وروسيا وقطر من التصويت .‬
كانت حكومة البشير تري في ذلك القرار تدويلا لقضية دارفور التي أرقت الرأي العام العالمي منذ تفجرها في عام 2003 حيث خلفت تلك الحرب ثلاثمائة الف قتيل وما يفوق المليوني نازح داخل وخارج السودان ، واتسمت تلك الحرب بالبشاعة والانتهاكات الجسيمة المصاحبة للحرب من حرق للقري واغتصاب للنساء وما عرف اختصارا بسياسة الارض المحروقة في ذلك الإقليم .
نظام الخرطوم وقتها كان يري في (القبعات الزرقاء) رقيبا وحسيباً علي تلك الانتهاكات ، وأنها اَي تلك القوات ستفتح نافذة علي العالم للتعرف علي حقيقة مايجري في الإقليم من تصفية عرقية ، ومشاريع الإحلال والإبدال الجارية ، ورغم معرفة النظام لطبيعة دور تلك القوات ، وان تعريف مهمتها اقتصر علي الحياد وعدم استخدام القوة الا في حدود الدفاع عن النفس ، ثم ان تلك القوات لم تثبت جدارتها في حفظ امن المدنيين في تجارب مماثلة في ليبريا وسيراليون وأفريقيا الوسطي وغيرها من بلدان العالم .
الا ان النظام قد ناور كثيرا وكعادته في قبول تلك القوات ، وهو يدبج الخطب العصماء عن الوطنية واستقلال القرار وقد ذكر رأس النظام في احدي خطبه ان هذه القوات لن تطأ ارض السودان الا علي اجسادنا ، ولكنها وطأت ارض السودان معززة بالفصل السابع ،حيث اعتبرت الولايات المتحدة ان موافقة نظام الخرطوم غير ضرورية ، ثم لملم البشير كرامته المفقودة امام العصا الأمريكية ، ومن بعد اصبح الإقليم قابلا لانتشار تلك القوات الأممية .
في الواقع لم تستطع قوات اليوناميد لجم الحرب والكوارث في الإقليم ففي عهدها تصاعدت الحرب بشكل غير مسبوق ودارت طاحونة الموت ،واندفعت أطراف جديدة بصناعة إنقاذية بحتة نحو ميادين القتال متمثلة في تلك المليشيات المشرعنة معتمرة (الكادامول) من قبل النظام واتضح جليا لسكان الإقليم ان اليوناميد ماهي الا (ثعبان ميت) حيث اقتصرت مهمتها فقط كشاهد غير صامت تجوب أرتال سياراته قري ومعسكرات النزوح وتدبج التقارير والإدانة عبر المنظمات الدولية ولعلها قد وفرت عينا مفتوحة لمجتمع دولي تعمد كثيرا ان يغمض عينيه عن ما يجري في اقليم دارفور.
في السنوات الاخيرة سعي السودان كثيرا لاقناع المجتمع الدولي ان الأحوال في اقليم دارفور أضحت تحت السيطرة ، وأنه لم يعد هناك لزوم للإبقاء علي القبعات الزرقاء في الإقليم وقد خاض في ذلك حربا دبلوماسية ضروس مسنودا بقوي إقليمية حليفة لنظام الانقاذ ومسنودة باتفاقيات بائسة مع بعض الحركات المسلحة في دارفور وقد عززت قوي حليفة للنظام (الصين وروسيا ) وساندت نظام الانقاذ حفاظا علي مصالحها الاقتصادية و وجودها الإقليمي اضافة لتراجع موارد واقتصاديات منظمة الأمم المتحدة كل ذلك وغيره جعل الطريق سالكا امام القبعات الزرقاء لمغادرة السودان و رغم ضعف آدائها الا ان سكان الإقليم احسوا انهم امام واقع جديد قد يحرمهم حتي من فزاعة (الثعبان الميت ) اَي شبح القبعات الزرقاء الذي ربما يبدد شيئا من الرعب والموت المجاني في ذلك الإقليم .
ثم ان الواقع الجديد الذي افرزته ثورة ديسمبر المجيدة قد عزز كثيرا من غيبيات العالم بان الحرب والدمار قد طويت والي الأبد في دارفور ولم يتبق سوي تفكيك قواعد القبعات الزرقاء وإعلان ساعة الجلاء من السودان،حيث تم ذلك بعد ثلاث عشر عاما من تلك المهمة .
وتبقي سياسيا ذات المفهوم السيادي المشوش حول امن وسلام الإقليم ففي يونيو 2020 صرح الجنرال الكباشي عقب لقائه مع سفير الاتحاد الأوربي رووب دان فول في رسالة حادة في مضمونها ان (السودان يرفض اَي وجود اممي عسكري علي أراضيه) دون ادني رؤية سياسية او ترتيبات لكيفية الحفاظ علي الأمن والسلام في ذلك الإقليم الذي مزقته الحرب بعد مغادرة بعثة اليوناميد .
ودارت مرة اخري ساقية الموت والنزوح وحرق القري والمعسكرات في ميرشنق وغرب الجبل و سرف عمرة وغيرها وغطت سحب الدخان فضاء ذلك الإقليم .
ولعل احداث الجنينة التي اندلعت وللمرة الرابعة في ابريل 2021تثبت بما لا يدع مجالا للشك ولدي إنسان دارفور ان وقفاته واعتصامه امام أطلال سكنات القبعات الزرقاء منادية بضرورة البند السابع وبقاء القبعات الزرقاء ، كانت إشارة الي ان القادم أسوأ .
وكما يفعل رجال الإطفاء بعد تلك الفوضي والتقتيل والحرق الذي طال اجزاء واسعة من الجنينة ، حي جمارك، حي مربعات ، جبل ، وعشرة بيوت من قبل مليشيات تعتمر الكادمول قادمة من تشاد كما ذكر وأكد والي غرب دارفور عبد الله الدومة ، بعد كل ذلك وصل الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة، مصطحبا وفدا عسكريا يتكون من وزير الداخلية ورئيس جهاز المخابرات وخلا وفده من والي غرب دارفور وحتي من قادة حركات دارفور الموقعة علي سلام جوبا وذلك في يوم الثلاثاء الاول من رمضان ،
وأجري ذلك الوفد اجتماعات مغلقة مع قوات نظامية وتكتلات قبلية معزولة وفي ختام زيارته اصدر البرهان عددا من التوجيهات تتعلق باخلاء قوات الدعم السريع لقصر الضيافة في المدينة وعدم حمل الأسلحة الثقيلة داخل المدينةوعدم ارتداء الزي العسكري من قبل بعض المليشيات.
غير ان المثير للسخرية فقد وجه البرهان بحفر خندق حول مدينة الجنينة كما فعل معتمد أمدرمان وقائد سلاح المهندسين بحفر خندق حول مدينة ام درمان عقب غزو حركة العدل والمساواة بقيادة خليل ابراهيم في مايو 2008 .
وما ان غادر البرهان المدينة حتي أصدرت منسقية معسكرات النازحين بيانا شجبت فيه الزيارة منددة بتلك الحلول الرخوة المستهلكة التي ستطلق يد مليشيات الكادامول وفي غياب القبض علي الضالعين في تلك الأحداث مؤكدة علي ضرورة رفع الحصانات عن بعض منسوبي القوات النظامية والدعم السريع وتقديمهم لمحاكمات علنية عادلة .
وفي ذات السياق أعلن والي دارفور عبدالله الدومة عن عزمه لإعلان الجنينة مدينة منكوبة في غضون الأيام القادمة يأتي ذلك وسط احداث متسارعة تشهدها تشاد الجار الملاصق لغرب دارفور بعد مقتل دبي والتي ستمتد آثارها دون شك لتطال كل الإقليم ، وستتعدد القبعات وألوانها والكادامول ولهجاته والذي يبقي دون شك هو عذاب إنسان دارفور وأمنه المفقود .

musahak@hotmail.com

 

آراء