دروس وعبر أمريكية من أحداث 11 سبتمبر .. ترجمة: غانم سليمان غانم
رئيس التحرير: طارق الجزولي
17 September, 2011
17 September, 2011
دروس وعبر أمريكية من أحداث 11 سبتمبر
بقلم: ريتشارد ايه. كلارك*
ترجمة: غانم سليمان غانم
G_ghanim@hotmail.com
كانت أحداث ذلك اليوم مؤلمة للغاية بحيث أنها نقشت فى ذكرياتنا كما لو أنها حدثت فى الأسبوع المنصرم ومع ذلك انقضت عشرة أعوام طويلة ارتكبنا فيها العديد من الأخطاء وحققنا فيها نجاحات. والآن، قبيل أن نعاني من تبعات هجوم إرهابي كبير آخر، وقت مناسب للتوقف والعودة للوراء وتعلم الدروس والقيام برسم مسار جديد بعيد عن الماضي.
بالعودة للوراء، قد نري أشياء لا نريد تذكرها وخلافات نود تركها خلفنا، وكي نتعلم كأمة وتزويد الأجيال القادمة بما يحتاجون معرفته يجب أن نكون واضحين حول ما حدث. لقد تم مهاجمتنا بواسطة حفنة من البشر من تنظيم متطرف صغير نسبيا استغلوا إحباط أقلية معتبرة من بني جلدتهم ودينهم. لقد أصاب أمتنا الذهول بفعل الحدث وأرادت أن تتوحد فى رد الفعل. الرغبة فى التوحد جعلت الكثير من الأصوات تصمت بينما كان متوجبا عليهم المشاركة فى حوار عام يتناول شكل رد فعلنا، ومع ذلك تم اقتراح مخططات جهنمية نادرا ما تم اعتراضها.
لقد قمنا بغزو العراق البلد التي ليست لها علاقة بالهجوم علينا ولكنها مرتبطة بالخطط المصممة بواسطة تنظيم سري يضم أفرادا من داخل وخارج حكومتنا. فى هذا الغزو تم قتل 100 ألف شخص وجرح أضعافهم وتم تشريد الملايين من بيوتهم. واجه الكثير من الأمريكيين حالات موت كثيرة ومؤلمة فى العراق بأكثر مما تكبدناه فى أحداث 11 سبتمبر ويعاني الكثير من جنودنا الذين حاربوا هناك تشوهات وإعاقات دائمة مدي الحياة. لقد تم خداع الأمريكيين، بما فى ذالك جنودنا، فيما يتعلق بدور العراق فى أحداث 11 سبتمبر وسار البعض منهم إلى حتفه تحركه هذه الخدع والأكاذيب.
باسم القضية المختلقة (الإرهاب) تم انتهاك العديد من الحصانات الدستورية التي كافحت أجيال من الأمريكيين لتحقيقها لأمتهم، و عند معاملتنا للآخرين تم عمدا تجاهل حقوق الإنسان التي كافحت من أجلها أمريكا علي نطاق العالم، كما داست الحكومة الأمريكية علي الحقوق المدنية المقدسة وتجاهلت التزامات المعاهدات والقانون الدولي. قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية بإنشاء منظومة من مراكز الاعتقال سيئة السمعة وقامت باستخدام أساليب استجواب وتحقيق مبتكرة بما فى ذلك التعذيب بالإغراق بالماء.
استخدم السياسيون أحداث 11 سبتمبر والحروب التي نتجت منها باعتبار أنها قضية سياسية لكسب الانتخابات وتشويه سمعة الخصوم. ومنذ صياغة مصطلح "لوح بالقميص الدامي" فى الانتخابات التي أعقبت الحرب الأهلية حاول المرشحون للمناصب الدستورية بشكل سمج التكسب من موت الأمريكيين.
لقد تم منح أموال طائلة لوزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات ووكالات استطلاع الرأي المحلية الهدامة وتوسعت أقسام كبيرة فى وكالة الاستخبارات الأمريكية ومن ثم اقتحمت القطاع الخاص لتحقيق الأرباح. بتحليل متواضع فيما يتعلق بالحاجة والفعالية وبإنفاق سخي أنشأنا منظومة استخباراتية صناعية محلية تخفى حجمها الكبير بميزانيات سرية وقوائم مالية وهمية. لم يسأل أحد عن الأموال المزعوم استخدامها فى محاربة أولئك الذين هاجمونا وليس لأحد الشجاعة للسؤال عن الأرباح التي جناها المقاولون. لم يتم الإنفاق بدون تضحيات مالية باهظة فحسب بل بإعفاءات ضرائبية، ولسخرية الأقدار فإن أحد الأهداف المعلنة لتنظيم القاعدة هو تدمير الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تكبيدها المزيد من الخسائر المالية، وبهذه الإستراتجية نجح تنظيم القاعدة. وبينما قمنا بشكل كبير بتعطيل قدرات تنظيم القاعدة التشغيلية إلا أن تكاليف تورطنا العسكري خلال العشر سنوات الماضية أسهمت بشكل كبير فى أزمتنا المالية الراهنة، وتتباين التقديرات المتعلقة بإجمالي تكاليف الحرب علي العراق حيث أن وزارة الدفاع أنفقت بشكل مباشر ما يقارب 760 بليون دولار أمريكي علي الحرب بينما تقدر التكاليف غير المباشرة بما يقارب ثلاثة (3) تريليونات دولار أمريكي، ومؤخرا قدر الباحثون فى "جامعة بروان" تكاليف الحرب علي العراق وأفغانستان ومساعداتنا العسكرية للجيش الباكستاني بإجمالي يتراوح بين 3,2 و 4 تريليون دولار أمريكي.
طوال السنوات العشر الماضية كان رد فعلنا على الهجوم الإرهابي لصالح المهاجمين حيث أن تدميرنا الغاشم لبعض الدول العربية واضطهادنا للمعتقلين وتعذيبنا للمتهمين وفوبيا الإرهاب والتمييز الديني الملحوظ أدى إلي ابتعاد الملايين عن مساندة قضيتنا والتحاق الكثيرين بصفوف مهاجمينا. إن الاعتداءات الوحشية المتكررة من جانب أعداءنا وقتلهم أخوانهم فى الدين بدأت تفقدهم وببطء تعاطف ومساندة الآخرين. بواسطة الرئيس الجديد فقط تحول محور جهودنا من العراق إلى جهد مدروس جيدا لتدمير التنظيم الذي هاجم أمريكا فعليا فى 11 سبتمبر.
ولو لم نقم بغزو العراق ولم يتم خلال السنتين الماضيتين استنزاف قدرات القاعدة بدلا عن ذلك لكان بإمكاننا تقليل حجم ذلك الخطر قبل خمس سنوات. هذه هي الحقائق التي يجب عدم حجبها برغبتنا فى التعافي.
إن التعلم من هذه الحقائق المفحمة أصعب بكثير من تحليلها ودراستها مجددا. أحد الأشياء الصعبة والعسيرة ولكنه من الأهمية بمكان هو الإقرار بأننا ولفترة طويلة كنا لعبة فى أيدي أعداءنا نفعل بدقة ما يريدون منا القيام به بالاستجابة بنفس الطريقة التي يستفزوننا بها وبتدمير اقتصادنا وباستثارة كراهية معظم شعوب الشرق الأوسط. إن تعزيز والمحافظة علي تفكيرنا الموضوعي كأمة يعتبر أكثر أهمية فى وقت قد تطغي فيه بخلاف ذلك المشاعر والغرائز الدونية وذلك بادراك أنه حتى فى أوقات الأزمات القومية فإن فكرة اختبار حكمة حكومتنا أو وطنية قادتنا يجب أن تكون الاستنتاج الواضح من تجربة العشر سنوات الماضية. العبرة من ذلك هو أن الوطنية يجب أن لا تشمل السعي لاستغلال كوارث الأمن القومي والموت بأعداد كبيرة كأساس للتربح السياسي الحزبي. ولأجل حدوث ذلك فى المستقبل، لا نحتاج فقط لزعماء مستنيرين ولكن لزعماء لديهم الشجاعة بالمخاطرة للتضحية بمناصبهم وتوضيح التبعات بدلا من التبسيط المخل والمخاطرة غير الضرورية بأرواح جنودنا.
يعتبر الاستماع فى الجلبة للأصوات المُتَجاهلة، مثل أصوات الخبراء الذين حذرونا من تبعات وتداعيات غزو العراق، حاجة ملحة كما أوضحت تجربة السنوات الأخيرة فالذين يتنبأون بالكوارث ليسوا دائما علي حق ولكن يجب الإصغاء إليهم ويجب أن يعطوا الفرصة لاختبار مزايا خبراتهم وصدقيه تحليلاتهم. إن معرفة ماهية قيمنا الجوهرية والالتزام بها حتى فى أوقات المحن يجب أن يكون درسا لنا عندما نرى نتائج الممارسات السلوكية وانتهاكات حقوق الإنسان فى الظروف الطارئة. يجب علي أمريكا أن لا تصاب بالرعب والهلع والمبالغة فى ردة الفعل مرة أخري عند أي هجوم إرهابي علي هذه البلاد.
إن رسم مسار جديد بعيد عن الماضي يتطلب أن نتصرف علي ضوء تجربتنا خلال العشر سنوات الماضية بأن الإرهاب مسألة أمنية دائمة ومستمرة ويمكن حدوث سلسة أخري من الهجمات الإرهابية ولكن الإرهاب ليس خطر يهدد وجود الولايات المتحدة الأمريكية ما لم ينطوي علي هجوم نووي. إن الأخطار الإرهابية الحالية لا تبرر الحجم الكبير للإنفاق الحكومي والاستخباراتي ولا يبرر كذلك حالة الاستعداد والاستنفار الدائم لقواتنا المسلحة. إن الضرر الذي أصاب بلادنا بسبب تردي النظام التعليمي الابتدائي والثانوي وتغير المناخ وإهتراء بنياتنا الأساسية وعدم كفاية الجهود فى مجال الأبحاث وعدم حماية ملكيتنا الفكرية يتجاوز أي مهددات أخرى يمكن أن يحدثها لنا الإرهاب فى العقد القادم.
نحن كأمة ينبغي علينا التوقف من مجرد التصرف بردود الأفعال بل علينا السعي لتحقيق الأهداف التي نخطط لها وذلك بالعمل علي إيقاف مسار عدم الاستقرار المرتبط بالفوارق الكبيرة فى الدخول والعمل كذلك على تحسين مهارات قوانا العاملة وتعزيز الأبحاث التي تؤدي إلى خلق وظائف وصناعات جديدة وتطوير الحوار السياسي فى بلدنا. وما هي أفضل ذكري يمكن أن تكون لشهدائنا الأبطال الذين قدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن فى العشر سنوات الماضية سوي أن نبني بأسمائهم اتحادا أكثر قوة.
* رئيس سابق للأمن القومي