دعوات لإلغاء اتفاق السلام… وانتقادات لقادة الحركات المسلحة

 


 

 

الخرطوم ـ «القدس العربي» : تصاعدت موجة الانتقادات الموجهة ضد اتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على خلفية اتهامات وجهها ناشطون لعدد من قادة الحركات المسلحة، بالفساد وتمكين المقربين منهم في مؤسسات الدولة.
ونشطت مؤخرا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بإلغاء الاتفاق، تحت شعار «أنا متضرر من اتفاق السلام»، أكد خلالها الناشطون، أن الاتفاق منح قادة الحركات امتيازات في السلطة على حساب ضحايا الحرب الذين لا يزالون يواجهون أوضاعا إنسانية بالغة التعقيد.
وبعد تأييد عدد من الحركات المسلحة لانقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتمسك أخرى بالشراكة مع العسكر في السلطة، انخفضت شعبيتها لدى الشارع السوداني، إلى حد كبير.
وحسب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، قتل أكثر من 300 شخص في نزاعات قبلية في إقليم دارفور غرب البلاد، شاركت فيها مجموعات مسلحة موالية للسلطات السودانية، خلال الأشهر العشرة الماضية، بينما راح ضحية النزاعات القبلية التي انفجرت مؤخرا في إقليم النيل الأزرق، جنوب شرق البلاد، أكثر من 120 قتيلا.
واتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية السودانية مع الجبهة الثورية المكونة من حركات مسلحة وتنظيمات معارضة، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020، يتكون من خمسة مسارات تشمل (دارفور، منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان، الشمال، الوسط، الشرق) والتي تضمنت مناطق لم تشهد نزاعات مسلحة، الأمر الذي تسبب في اضطرابات واسعة في البلاد.

خطاب استثناء

ونهاية الشهر الماضي، نشرت صحف محلية، خطابا حول إعفاء جمركي لسيارة يمتلكها ابن شقيق وزير المالية، جبريل إبراهيم، الأمر الذي أثار ردود أفعال غاضبة.
وأقر إبراهيم بصحة الخطاب، مشيرا إلى أن الاستثناء ليس قاصرا على الحركات المسلحة، وأن هذه تقديرات متروكة للسلطة التي تستثني جمركيا، جهات كثيرة منها القساوسة، وكل الموارد القادمة للشؤون الدينية، وكذلك العون الإنساني ووزارة الخارجية.

ليس بدعة

وقال إن كل الذين وقعوا على اتفاقيات سلام في الماضي حصلوا على استثناءات لإدخال مقتنيات سواء كانت سيارات أو غيرها، وأن الأمر ليس بدعة، مشيرا في حوار مع صحيفة «الانتباهة»، إلى أنهم أثناء مفاوضات السلام وصلوا إلى تفاهمات لم ينص عليها في الاتفاق، من ضمنها «تفاهم عام» لتسهيل عودة منسوبي الحركات من الخارج بمقتنياتهم لتوفيق أوضاعهم، بينها إعفاءات للسيارات.
وأشار إلى أن اللجنة المختصة، أوصت بإعفاء عدد كبير من السيارات، لكن وزارة المالية رفضت ذلك، واعتبرته غير لائق، بظروف البلاد الحالية، وسمحت فقط لكل رئيس حركة أو مسؤول في حركة مسلحة أو تنظيم من الموقعين على اتفاق السلام، بالتقدم بطلب لاعفاء عربة واحدة، مشيرا إلى أن هذا تم لمعظم الحركات.
وبيّن أن حركته رأت أن أولى الناس بالإعفاء هي أسرة القائد السابق للحركة خليل إبراهيم، وأنهم تنازلوا عن حقهم لها، ولا يجدون في هذا حرجا أو استغلالا للنفوذ ولا أي شكل من أشكال الفساد.
وقتل القائد السابق للحركة، خليل إبراهيم في العام 2008 خلال محاولة قام بها للسيطرة على العاصمة السودانية الخرطوم

مصالح عشائرية

عضو المجلس السيادي السوداني السابق، صديق تاور، قال لـ«القدس العربي» إن أحداث العنف في إقليمي دارفور والنيل الأزرق، أكدت عدم وجود سلام، وإن الاتفاق الذي تم كان مجرد تعاقدات بين أفراد، مشيرا إلى أن أحد العيوب الكبيرة التي لازمت الاتفاق أنه تم بنفس الطريقة الفوقية التي تمت بها الاتفاقات السابقة ولم يجد حظه من المشاورات القاعدية.
وأشار إلى أن الأمر، ليس متعلقا بدعمهم الانقلاب العسكري فقط، لكنه رأى أن التجربة العملية، أكدت على ضرورة مراجعته ومعرفة إلى أي مدى يسير نحو الهدف الذي صنع من أجله، حتى لو لم يستولِ العسكر على السلطة. وحسب، تاور فإن بعض أطراف الحركات المسلحة حولت الاتفاق إلى مصالح عشائرية، وأن سلوكها غاب عنه البعد الوطني، خاصة بعد توليهم مناصب في الدولة تجعلهم مسؤولين عن كل السودانيين، مشيرا إلى أنهم لا يعتبرون بقية أطراف السودان وطنهم، ولا يتعاملون مع كل مواطني البلاد، بنفس الدرجة من التساوي.

الاستعانة بعناصر البشير

وقال إن «الروح الوطنية لم تكن موجودة لدى أولئك القادة، من أجل العمل على تحسين أوضاع السودانيين والانتقال إلى الأمام»، مضيفا أن «كلا منهم، كان ينطلق من جغرافيته الإقليمية، ومن علاقاته القبلية، وروابطه العشائرية، وإن الأمر وصل بهم إلى الاستعانة بعناصر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير فقط لمعيار القرابة وتمكين عناصرهم، على الرغم من أن الوثيقة الدستورية نصت بشكل حاسم على إزالة تمكين نظام البشير».
وشدد على «ضرورة مراجعة الاتفاق ليس بهدف انتقاص المكاسب، لكن لمعالجة الأخطاء الجسيمة التي أظهرتها التجربة العملية»، مشيرا إلى ظهور العديد من الظواهر السالبة التي صاحبت تطبيقه خصوصا محاولة اغتيال مبادئ الثورة والاستئثار بالوظيفة العامة وتحويلها إلى غنيمة للحركات المسلحة، والحرص على الاستحواذ على الوزارات والمؤسسات المعنية بإدارة موارد البلاد ليس من أجل تحقيق العدالة لضحايا الحرب، ولكن للانفراد بالمكاسب». وتابع «لا يمكن أن تكون وزارة بكاملها حكرا على حركة معينة، حيث يتم توظيف عناصرها دون معايير، الأمر الذي وصفه بـ«التمكين وتفخيخ للمؤسسات». وشدد على «ضرورة مراجعة تمكين الحركات المسلحة في فترة الانقلاب العسكري»، مؤكدا أن «عددا منها لا يريد التنازل عن الامتيازات التي نالها في هذه الفترة واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد».

ثمن القبول بالانقلاب

ويبدو أن الحركات المسلحة «ستدفع ثمن قبولها بالانقلاب لأن اتفاق السلام سيصل إلى محطته الأخيرة وسيبقى النظام القديم»، حسب ما قال مالك عرمان الرئيس المكلف للحركة الشعبية لتحرير السودان ــ التيار الثوري الديمقراطي، والذي انفصل مؤخرا عن الحركة الشعبية، بقيادة مالك عقار، بسبب مواقف الأخير الداعمة للانقلاب العسكري.
عرمان، الذي كان كبير مفاوضي «الحركة الشعبية» في المفاوضات مع الحكومة الانتقالية والتي انتهت بتوقيع اتفاق السلام، رأى أن «معظم الحركات المسلحة أسقطت الديمقراطية من حساباتها، دون أن تتمكن من حل قضايا جماهيرها التي لا تزال راسخة في تأييدها للثورة السودانية»، مشيرا إلى «خروج تظاهرات واسعة في دارفور والمنطقتين في 30 يونيو/ حزيران الماضي».

اتهامات للقادة العسكريين بالحصول على امتيازات والتورط في الفساد

ولفت في مقال نشره مؤخرا، إلى أن هذه الحركات «لم تحقق تحولا في السلطة القديمة، وأن الكثيرين سيترددون في مرافقتهم إن أرادوا العودة إلى مربع ما قبل اتفاق السلام»، مشيرا إلى أنهم «تغافلوا عن النضال لتوسيع مساحة العمل السياسي الديمقراطي كوسيلة للتغيير». وبعض الحركات، «فعلت حسنا، بحفاظها على علاقاته مع قوى الثورة وتحالفاتها»، وفق عرمان، الذي أشار إلى أن «خيارات بعض الحركات المسلحة تبدو مسدودة الأفق».
وأضاف أن «اتفاق السلام يتكون من عشرة أبواب، بدءا من الديباجة التي تتحدث، للمفارقة، عن إنهاء الشمولية والديكتاتورية وإقامة دولة ديمقراطية تنموية، أكدت أن قوى الكفاح المسلح قد قدمت الشهداء والجرحى والمفقودين قربانا للحرية والعدالة والسلام والتنمية، وأكدت على تلبية مطالب الثورة»، معتبرا أن ما يحدث الآن لا صلة له بهذه الديباجة التي «لا يتذكرها موقعوها». وتابع أن «الباب الأول من الاتفاق، تحدث عن القضايا القومية، وهي 29 قضية أهمها الفترة الانتقالية والوثيقة الدستورية ومؤتمر نظام الحكم وإصلاح المنظومة العدلية والتعداد السكاني والانتخابات والقضايا ذات الخصوصية مثل قضية الكنابي (معسكرات المزارعين) والبيئة وقضايا المسيحيين والرحل والرعاة والمزارعين ومكافحة العنصرية والمفوضيات وتقسيم وتخصيص الثروة قوميا وولائيا وقطاع الأعمال والتربية والتعليم والمعاشيين والمفصولين تعسفيا وغيرها من القضايا»، مشيرا إلى أنها لم تمضِ خطوة إلى الأمام، وإنها تقع في باب «لم ينجح أحد وسقط سهوا».
ولفت إلى أن لا أحد يذكر هذه القضايا اليوم بموافقة الذين تفاوضوا عليها والذين رفعوا شعار (الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع)، في إشارة إلى الشعار الذي رفعه عناصر الحركات التي دعمت الانقلاب والتي نفذت اعتصاما أمام القصر الرئاسي، دعا خلاله بعض قادتها قائد الجيش عبر الفتاح البرهان لإصدار بيان الانقلاب، والذي بالفعل استولى على السلطة بعد أيام قليلة من الاعتصام.
وأشار الى أن «قضايا الترتيبات الأمنية والإصلاح الأمني العسكري على المستوى القومي، والدمج على مستوى جيوش الحركات كعملية متكاملة وبناء القوات المسلحة السودانية كجيش مهني واحد، وقضايا الأرض والنازحين واللاجئين وإعطاء40 ٪ من الثروة من إنتاج الولايات التي شهدت النزاعات لتلك الولايات، والذي لم ينفذ على مدى العامين الماضيين، رغم أن وزارة المالية تتبع للحركات».
ولفت إلى أن «الأبواب الأخرى من الاتفاقية التي تشمل الحديث عن الفيدرالية والحكم الذاتي، ولم ينفذ من ذلك إلا قسمة سلطة شملت أفرادا وتوفيق أوضاع بعض الحركات ماليا، وقد تزايد العنف في ولايات النزاع السابقة، والمحير أن قضايا التطبيق قد توارت والضامنين للاتفاق لم تعد لديهم فاعلية وآليات التنفيذ وإشراك الجماهير قد غاب، وهذا يضع الحركات في تناقض مع تاريخها وشعاراتها وتضحياتها وجماهيرها في ظل تزايد الدعوة من منصات متباينة لإلغاء الاتفاق وهي دعوة خاطئة لا تقدم حلولا وستزيد من الاحتقانات الاثنية والجغرافية». أما المتحدث الرسمي باسم حركة «جيش تحرير السودان»، محمد عبد الرحمن الناير، فرأى أن «اتفاق السلام الموقع في 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، امتداد لعشرات الاتفاقيات الجزئية السابقة التي انتهت بوظائف وامتيازات لموقعيها ولم تحقق سلاما على الأرض، بل فاقمت من الأوضاع المأزومة أصلا».
وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور من الحركات التي رفضت الانضمام إلى اتفاق السلام، ودعت إلى حوار سوداني ـ سوداني، يعالج جذور الأزمة السودانية.
الناير، وصف في حديثه لـ«القدس العربي» الاتفاقات التي ظلت توقعها السلطات السودانية مع التنظيمات المسلحة المعارضة، بـ«الفشل»، مشيرا إلى أنها «قامت على منهج خاطئ في توصيف الأزمة في البلاد، واختزلت قضية الوطن في أقلية في الحكومة والمعارضة، ولم تأبه للسواد الأعظم من الشعب السوداني».
وقال إن هذه الاتفاقيات «ظلت تختزل القضايا الوطنية والأسباب الحقيقية للصراع في السودان في معالجة قضايا الأشخاص والتنظيمات، دون معالجة قضايا الوطن بمخاطبة جذور الأزمة التاريخية، وأنها لذلك تنتهي بمحاصصات في السلطة والثروة، ويظل الشعب يعاني ويدفع فاتورة الحرب وفاتورة سلام المناصب والامتيازات التي ترهق كاهل المواطن بالضرائب والجبايات لإشباع نهم الموقعين».

مفاقمة الأوضاع المتردية

ورأى أن «اتفاق السلام الأخير، فاقم من الأوضاع المتردية أصلا في البلاد، ولم يحقق الأمن والاستقرار، بل زاد من وتيرة الجرائم والانتهاكات والقتل خارج نطاق القانون، وتسبب في تدهور الاقتصاد بشكل غير مسبوق، ليصبح السودان على شفا المجاعة الشاملة، فضلا عن السيولة الأمنية، وتفشي الجريمة ولم يعد المواطن آمنا حتى في عاصمة البلاد، وعمت البطالة وارتفعت أسعار السلع وانعدمت الخدمات».
وحسب قوله «السلام الحقيقي يجب أن يشعر به المواطن وينعكس في أمنه واستقراره، وفي فرص العمل والخدمات، وأن ذلك غير موجود في السودان، مؤكدا أن المخرج هو إسقاط الانقلاب، الجاثم على صدر الشعب، بكافة الطرق السلمية وتكوين حكومة انتقالية مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة وعقد حوار سوداني – سوداني داخل البلاد».
وهذا الحوار، وفق الناير، «يجب أن يخاطب جذور الأزمة التاريخية في البلاد بمشاركة كل قطاعات الشعب السوداني السياسية والمدنية والشعبية والعسكرية ما عدا حزب الرئيس المخلوع عمر البشير وواجهاته»، مؤكدا أن ذلك «سيقود إلى سلام عادل وشامل ومستدام وبناء دولة مواطنة متساوية بين جميع السودانيين».

 

آراء