دعوة لفك الاشتباك بين الهيئة القومية للكهرباء وإدارة السدود

 


 

 

hbrayah@yahoo.com

 

أتوقع أن كثيرين مثلي يريدون أن يفهموا العلاقة التي تربط بين الهيئة القومية للكهرباء وإدارة السدود ممثلة في إدارة سد مروي. فربما لاحظ الكل أن العلاقة بين الجهتين يكتنفها الكثير من الغموض والاتهامات المتبادلة وكأن كل جهة تعمل لحساب جهة أو جهات أخرى!

هذا الغموض وتلك الاتهامات تظهر جليّاً عند انقطاع التيار الكهربائي وحينها نبدأ نسمع ونقرأ سيلاً من الانتقادات والاتهام بالتقصير من كل جهة للأخرى، وهي انتقادات واتهامات لن تفيد هذا المواطن المسكين الذي ينتظر الكهرباء والذي بشرته الجهات الرسمية أن كهرباء سد مروي ستجعله ينسى كل سنوات العذاب الماضية التي سببها له الانقطاع المستمر للكهرباء. ليس هذا فحسب بل إن هذه البشرى قد ذهبت بعيداً للقول أن زوال السنوات العجاف، من تردٍ في إمدادات الكهرباء، ستعقبها سنوات سمان سيفيض  خيرها حتى يعم الدول المجاورة كذلك.. فتأمّلوا!!

عاشت العاصمة يوماً مظلماً يوم الأحد الرابع من أكتوبر الحالي (2009م)، واستمر الانقطاع لعدة ساعات. ربما يراها المرء قليلة بحساب الزمن وما اعتاد الناس عليه، لكنها لو تعلم الهيئة القومية للكهرباء كثيرة بسبب الخسائر التي تسببها مثل هذه الظاهرة. خسائر في المستشفيات مع احتمال تعرض حياة مرضى في غرف العمليات للخطر، وخسائر في المصانع، وخسائر في المنازل، وأخرى تطال كل أوجه الحياة، ومع هذا يبدو الأمر عادياً!! والأدهى والأمر أنه لا توجد جهة يمكن محاسبتها فكل جهة تحاول رمي اللوم على الأخرى. فالهيئة القومية للكهرباء انتقدت الطريقة التشغيليّة لسد مروي ووصفتها بأنّها لا تحفظ استقرار الشبكة القومية للكهرباء، وإدارة وحدة السدود تقول إن استهلاك الهيئة القومية للكهرباء هو (58)% فقط من كهرباء سد مروي.

قولوا لي بالله عليكم ماذا يستفيد المواطن المغلوب على أمره من مثل هذه الاتهامات المتبادلة؟ تنص الرؤيا المستقبلية للهيئة القومية للكهرباء على أن هدف الهيئة توفير إمداد كهربائي مستقر لكل بقاع السودان. إذن الهيئة هي الجهة المنوط بها توفير الإمداد الكهربائي المستقر لهذا المواطن الذي يعرف أن الهيئة هي الجهة التي تبيع الكهرباء له، وأنه متى أراد خدمة تتعلق بالكهرباء فإنه يتوجه للهيئة القومية للكهرباء وليس لوحدة السدود.

لن تفيدنا مثل هذه الانتقادات والاتهامات المتبادلة، ولن تؤدي مثل هذه التصريحات، التي أصبحت مألوفة من كثرة ما ترددت في الآونة الأخيرة. فبدلاً من إضاعة الوقت في مثل هذه الأقوال، التي لن تعيد التيار الكهربائي المقطوع، دعونا نحدد أماكن الخلل، والجهة أو الجهات المسئولة عن تصحيحه، ومن ثم نعمل جميعنا في الهيئة القومية، وفي وحدة السدود وأي جهات أخرى ذات علاقة من أجل إصلاح الوضع. انقطاع الكهرباء وضع اعتاد عليه الناس، ولو اطلعت على أخبار مشاكل انقطاع الكهرباء في صحيفة محلية قبل ربع قرن، وقارنت هذه الأخبار بما تتناوله الصحف اليوم، لوجدت أن العناوين نفسها واستطلاعات المواطنين نفسها. تختلف أسماء المسئولين فقط، ولكن المشكلة هي.. هي.. العاصمة تغرق في ظلام دامس.. البلاد تعاني من شح إمدادات الكهرباء.. الجهات المسئولة تعزي انقطاع الكهرباء لضعف الإمداد بسبب عطل في التوربينات والطلب المتزايد على الكهرباء في فترة الصيف!! إذن المشكلة نفسها ولم نفعل شيء منذ أكثر من ربع قرن لمعالجتها. أكثر من ربع قرن نتحدث في ساس يسوس، وتخرج جامعاتنا آلاف المهندسين، وبلادنا حباها الله بثروة مائية هائلة يمكن أن تسهم بصورة كبيرة في إنتاج الطاقة الرخيصة. لكن أخشى أن تخرج علينا الهيئة القومية للكهرباء كما فعلت وزارة البنى التحية بولاية الخرطوم، بحثاً عن أعذار لتردي خدماتها، بالتشكيك بكفاءة مهندسيها بعد الدمار الذي سببته أمطار هذا العام، فقد ذكر وزير البنى التحتية بالولاية في كلمة له تناقلتها الصحف ومواقع الإنترنت على نطاق واسع أنه تم اختيار (240) مهندساً لرصف الطرق والشوارع خلال فترة الخريف الحالي،إلا أن الأكْفَاء والفعالين منهم لا يتعدون (25). ولعل الدخول في تساؤلات عن الجهات التي خرّجت هؤلاء المهندسين والجهات التي وظفتهم، يحتاج إلى مجلدات ضخمة. ومثل هذه التصريح وحده كان كافياً بتكوين لجنة وطنية مؤهلة تُمنح صلاحيات النظر وبحث الموضوع ومن ثم تتخذ قراراتها الملزمة بحق الموظفين والجهات التي وظفتهم، وحتى الجامعات التي تخرجوا منها، إذا ما ثبت لديها بالدليل القاطع عدم كفاءتهم. ولكن – حسب علمي – لم يحدث شيئاً من هذا.. فهل هذا يعني أن ما حدث في خريف هذا العام سيستمر في المواسم القادمة؟

ومن غير القول بأن تدني توفير الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء مسئولة عنه المقاطعة والحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، كما فعل أحد المسئولين في حديث له أمام المجلس الوطني مؤخراً، تبقى الجهات الخدمية مسئولة مسئولية مباشرة عن العمل الجاد لتوفير هذه الخدمات، وهي –كما تعلمون – خدمات مدفوعة الأجر ولا تُمنح هبة من هذه الجهات. وفي ظني أن المحاسبة والمساءلة لكل من يقصر في القيام بأداء مسئولياته، من الركائز والضمانات الأساسية لتوفير هذه الخدمات، أو على الأقل إقناعنا أن هناك جهود تُبذل لتوفيرها.

 

 

 

* مترجم وكاتب صحفي يعم بالمملكة العربية السعودية

 

 

 

آراء