دكتور منصور خالد وأسم الدولة الجنوبية القادمة … بقلم: كمال الدين بلال
7 April, 2010
تناول الدكتور منصور خالد في سلسلة مقالات شيقة ومفيدة في هذه الصحيفة الغراء بعض التداعيات المحتملة لانفصال الجنوب تحت عنوان فرعي متغير ورئيسي ثابت (قراءة في أزمة وطن.. قضية السودان.. إلى أين المصير...)، وقد تناول في إحدى تلك المقالات قضية التعايش السلمي وحسن الجوار بين دولتي الشمال والجنوب في حالة اختيار الأخوة الجنوبيين للانفصال في استفتاء حق تقرير المصير الذي سينظم العام القادم، كما استعرض في مقال آخر بعض الآراء التي أثيرت في ندوة مركز دراسات المستقبل حول آثار وتداعيات تقرير المصير بتاريخ (16 يناير 2010). وقد لفت نظري إغفال الدكتور في مقالاته التي وصل عددها حتى حينه (27) مقالاً مسألة مناقشة أهمية اختيار اسم الدولة الجديدة وعلاقة ذلك بمستقبل العلاقة بين البلدين، كما لم يتطرق المشاركون في الندوة المذكورة وفقا لاستعراض الدكتور لهذا الأمر بالرغم من أهميته.
شبهت الإدارة الأمريكية قضية انفصال الجنوب عن الشمال بالطلاق المدني بين شريكي الحياة، وكما هو متعارف عليه في الثقافة الغربية فإن دالة مصطلح الطلاق المدني تشير إلى أنه يتم بالتراضي بين الطرفين، ومن ضمن الترتيبات التي تناقش في الطلاق المدني ويتم الاتفاق عليها اسمي الطرفين بعد الانفصال، حيث أنه عند الزواج المدني يتم في بعض الأحيان تغيير الأسماء بأن يتخلى أحد الزوجين عن اسم عائلته ويلتحق باسم عائلة الطرف الأخر. وأهمية مسألة التشاور بين الطرفين حول الاسم في الشأن السوداني تتعلق بأن اختيار أي اسم للدولة الوليدة ذو دلالة مستفزة لدولة الشمال قد يسهم في إزكاء نيران الضغائن التاريخية مما سيعطي نافخو الكير الفرصة لتوتير العلاقة بين الدولتين، خاصة وأن سوء الظن بين الطرفين موجود أصلا، فالبعض يربط بين اختيار الحركة الشعبية ليوم جيشها السنوي وتاريخ وأحداث توريت المؤسفة التي راح ضحيتها مئات الشماليين في الجنوب في أغسطس (1955)، كما يربط آخرون بين تكرار وإصرار الحركة على اختيار يوم الاثنين لتسيير مظاهراتها ضد موقف المؤتمر الوطني الرافض لإجازة بعض القوانين لتخويف الحكومة من سيناريو الفوضى لارتباط اليوم المذكور في المخيلة الجمعية للشماليين بأحداث الاثنين الدامي بعد وفاة الدكتور «جون قرنق» الذي أزهقت فيه أرواح عشرات الشماليين على يد بعض أخوتهم الجنوبيين على أساس اللون والعرق مما مهد لأحداث يوم الثلاثاء البغيض الذي أثبت أن بعض الشماليين لا يقلون وحشية وعنصرية من نظرائهم الجنوبيين. وقطعا فإن هذه الأحداث مجتمعة أسهمت بصورة مباشرة في نزيف شرايين الوحدة الوطنية على حساب دم الانفصال الفاسد.
من المرجح انفصال الجنوب بصورة عدائية في حالة استمرار الاحتقان السياسي الراهن وهيمنته على أجواء الاستفتاء، وفي حالة حصول ذلك لا أتوقع أن يسبق الانفصال تشاور بين الطرفين حول اسم الدولة الجديدة، وإذا صدق هذا السيناريو فسيقع على عاتق القادة الجنوبيون مسؤولية تاريخية تقتضي حسن اختيار اسم الوليد السياسي الجديد لكون ذلك له علاقة وثيقة بضمان اعتراف السودان والدول التي تجمعها به علاقة متينة بالدولة الجديدة، كما سيسهم الاسم في رسم معالم خارطة التداعيات المستقبلية للعلاقة بين البلدين، فأما سلام سياسي وعسكري ومجتمعي بين القبائل الحدودية أو تسجيل سلسة حروب مستقبلية بين السودانين على وزن حروب ما بين اليمنين والكوريتين.
تنظر محكمة العدل الدولية حالياً في قضية رفعتها جمهورية مقدونيا ضد اليونان على خلفية اعتراض الأخيرة على انضمام الأولى لحلف الناتو لعدم اعتراف اليونان باسم جمهورية مقدونيا لوجود إقليم بذات الاسم في اليونان مما يعد تعديا سياديا وفكريا على الحقوق اليونانية. وعلى مستوى القارة الأفريقية كانت الأسباب المعلنة لنشوب ما يسمى بحرب الكريسماس بين بوركينا فاسو ومالي في ديسمبر (1985) النزاع الحدودي بين البلدين وقيام اللجنة الوطنية العليا لتنظيم استفتاء عام في بوركينا فاسو بدخول بعض القرى المالية الحدودية وتسجيل سكانها في السجل الانتخابي، وبالرغم من هذه الأسباب المقنعة للحرب إلا أن التاريخ أخبرنا أن من ضمن الأسباب غير المعلنة لتلك الحرب كانت تغيير الرئيس «توماس سنكارا» في أغسطس (1984) لاسم بلده من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو والتي تعني في لغة الموري الرسمية للبلدين (بلد الشرفاء)، وكما هو معلوم فإن الاسم يعني بمفهوم المخالفة أن الدول الأخرى المجاورة ليست داراً للشرفاء مما يعد تعريضا بها، وربما من عاش في سودان سبعينيات القرن الماضي يدرك معنى عبارة (بيت أحرار) التي كانت تكتب على بعض أبواب المنازل التي تقع في مناطق التماس بين بيوت الدعارة المشبوهة وغيرها من بيوت الشرفاء.
في القارة الأوروبية أطلق الفرنسيون على هولندا بعد احتلالهم لها اسم (les Pays-Bas) أي الأراضي المنخفضة، وبالرغم من أن حوالي (26%) من أراضي هولندا تقع تحت مستوى خط البحر إلا أن الهولنديين يستهجنون هذا الاسم لدلالته السالبة بوضاعة المرتبة والمكانة في فقه السيادة والندية بين الدول، ولهم حق في ذلك الموقف فقد شتم العقيد القذافي هولندا في إحدى خطبه الجماهيرية وأشار إليها باسم (الأراضي الواطية) للتقليل من شأنها (الرجاء ملاحظة أنه لم يقل الأراضي الوطيئة لحصر دلالة الانخفاض على الوضع الجغرافي).
في السودان هنالك بعض النماذج العملية لاختيار أسماء أحياء طرفية بدلالات اجتماعية وإنسانية معبرة توحي بالتهميش والرفض، كما تشتهر بعض أسماء الكنابي الحديثة التي نشأت نتيجة لطرد بعض المجموعات السكانية من القرى المجاورة بأسماء موغلة في الدلالة على الحنق والغيظ المكتوم مثل جبرونا وغصبونا وزقلونا وطردونا وأسماء أخرى لا يليق ذكرها (وللمعلومة الكنابي جمع كمبو أو كنبو وهي مفردة مشتقة من كلمة (Camp) الإنجليزية والتي تعني معسكر سكني لمجموعه ذات صفات مشتركة، ولفائدة أبناء البندر فإن مفردة كنابي يمكن أن يقابلها اسم مدن الصفيح أو القرى الهامشية غير المخططة التي ليس بها خدمات كما لا يملك قاطنيها الأرض التي يسكنونها، وقد أنشئت في الأصل من قبل المستعمر لتأوي عمال مشروع الجزيرة الموسميين الذين وفدوا من مناطق أخرى). وتمثل هذه الكنابي قنابل مجتمعية موقوتة أكثر ما تكون قابلة للانفجار في أوقات الانتخابات عندما يبرز وزنها الانتخابي المقدر في وقت تكثر فيه شيكات الوعود الانتخابية الطائرة التي ليس لديها رصيد في سوق السياسة اليومية.
بالرجوع لأدبيات الحركة الشعبية في أيام حمل السلاح يبرز اسمان أظن أن اختيار أي منهما ربما سيكون مقبولا لدولة الجوار الشمالية، الأول دولة الأماتونج نسبة لجبال الأماتونج الشامخة، وقطعا فإن دلالة الاسم ووجود الجبال في الجنوب سيطمئن السودان بأن الدولة الجديدة ليس لديها أطماع في أجزاء أخرى من الشمال وذلك بخلاف ما إذا أطلق عليها اسم مطابق لممالك أفريقية كانت موجودة جغرافياً في الشمال، وأخشى أن يكون مصرع الدكتور «قرنق» على سفوح جبال الأماتونج سببا لاستبعاد هذا الاحتمال تشاؤماً من الاسم. الاسم الثاني المحتمل هو اسم (السودان الجديد) وذلك لهيمنته على برنامج الحركة الشعبية، وفي حالة اختيار هذا الاسم سيربط للأسف تلقائيا وقهريا اسم السودان على مستوى العالم باسم (السودان القديم)، كما سيتضمن اسم السودان الجديد كذلك مفارقة طريفة، فماذا سيصبح اسم الدولة الوليدة بعد أن تشيخ أو تعاني من أعراض أزمة منتصف العمر بعد مرور عشرات ومئات السنين على إعلانها؟ هل ستحتفظ بلفظ الجديد في الاسم؟. هذه المفارقة تذكرني بواقعة طريفة حين ذاع التلفزيون السوداني قرار الرئيس السابق «جعفر نميري» رحمه الله بتعيين المهندس «صغيرون الزين صغيرون» متعه الله بالصحة وزيراً للري، فقد أرفق التلفزيون الخبر بصورة لسعادة الوزير فعلق والدي عليه رحمة الله ساخراً بعد أن تمعن في الصورة (مفروض يسموهو كبيرون الزين كبيرون).
لاهاي
kamal Bilal [kamal.bilal@hotmail.com]