دلالات السعي القطري لاستضافة كأس العالم عام 2022 … بقلم: محمد المكي أحمد

 


 

 


modalmakki@hotmail.com



زيارة وفد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الى قطر التي اختتمها  يوم الجمعة 18 (أيلول) سبتمبر  2010 ليست حدثا رياضيا عاديا،  إنها  تؤشر الى حقائق عدة  ، وترمز الى دلالات مهمة تستحق أن يتأملها   الناس في كل مكان، وخاصة من  يسعون  لتنمية الأوطان ورفع سقف مكاسبها باستخلاص الدروس والعبر، في سبيل التعلم من التجارب الناجحة .
معلوم أن وفد (الفيفا) زار الدوحة للاطلاع على خارطة الاستعدادات القطرية في اطار سعي الدوحة لاستضافة كأس العالم عام 2022، وزيارة مفتشي الاتحاد الدولي لكرة القدم  الى العاصمة القطرية تعكس مكانة قطر على الخارطة الدولية، وقدراتها وامكاناتها  القادرة على توفير أحدث وأضخم المنشآت و الملاعب  المكيفة  التي تستخدم الطاقة الشمسية على سبيل المثال.
جولة وفد (الفيفا) التفقدية لمنشآت قطر الرياضية ومشاريعها لاستضافة كأس العالم في عام 2022    تؤكد   أن البلد الذي يوصف بأنه صغير بمساحته وعدد سكانه قد حقق حضورا فاعلا ورياديا في مجالات عدة ، وهذا  يؤهله   لاطلاق المزيد من  المبادرات الايجابية الجاذبة في كل الساحات السياسية والرياضية والاجتماعية والتعليمية والاجتماعية  وغيرها .
دخول قطر بقوة في منافسة دول كبرى تسعى الى استضافة كأس العالم بعد اثنتي عشرة سنة من الآن  تعني  أن القيادة  نجحت أولا  في البناء الداخلي في ميادين عدة وقد أهلها هذا النجاح الى اطلاق مبادرات خارجية  باهرة  في ظل شبكة علاقات اقليمية ودولية لافتة.
لابد في هذا السياق من الاشارة الى أن قطر بنت علاقات مع مختلف دول العالم  تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع التمسك الصارم باستقلالية القرار السياسي، وقد دفعت الدوحة ثمن رؤاها الجديدة وثمن اصرارها على نهجها السياسي المنفتح والاصلاحي  خلال السنوات الماضية ،لكنها انتصرت رغم التحديات الاقليمية والدولية وفرضت وجودها وحضورها الفاعل والحيوي على الخارطة الاقليمية والدولية.
لم  تصل  قطر حسب معايشتي للأحداث على مدى سنوات عدة الى وضعها الحالي القادر على اطلاق المبادرات والجاذب لدول العالم لبناء علاقات قوية معها  لأنها فقط  تمتلك احتياطات ضخمة من الغاز مثلا، كما أن الدوحة لم تحقق انجازات داخلية كبرى  لأنها  فقط تملك المال والبترول.
مرتكز النجاح السياسي الأول الذي أهل قطر للعب أدوار كبيرة ومهمة اقليميا ودوليا نبع من الداخل القطري أولا، وأعني هنا أن القيادة القطرية لديها "رؤية"  أو فلسفة عمل واضحة وثابتة، وسر نجاحها يكمن في  وجود اردة سياسية حقيقة تجاه كل شيء .
 في اطار تلك " الرؤية" أطلت  مشاريع بناء سياسي واقتصادي وتعليمي ورياضي وثقافي واجتماعي ، و تحولت قطر  الى ورشة عمل لا تهدأ أو تتوقف، وشملت  كل هذه المجالات وفي تزامن لافت ومثير للاعجاب.
في هذا السياق هناك  جانبان مهمان وأساسيان   يسهمان في بناء أي مجتمع  عصري،وهنا أشير  الى حقيقة كبرى ومهمة،  وهي أن  قطر تتمتع   بالاستقرار السياسي والأمني،  وشكلت مبادرة القيادة  باجراء استفتاء  عام قبل سنوات على دستور دائم أقره الشعب القطري خطوة تاريخية    تحسب للقيادة القطرية، وخاصة أن ذلك  تمت  انطلاقا من  وعي قيادي  بضرورات البناء العصري ،ومن دون ضغوط من أية جهة  محلية أو خارجية، وهنا تكمن أهمية المبادرة النابعة من قناعات  القيادة ونبضها .                                                                                                 
  البناء الدستوري يصون حقوق الناس ويوفر العدالة  في أي بلد  كما يضع   أرضية الانطلاق الواثق للدولة داخليا وخارجيا، وفي هذا الاطار أشير الى أن   الدستور القطري  حدد أيضا صلاحيات القيادة وأجهزتها ، كما نص  بوضوح على  الحقوق والواجبات، وبينها  حقوق الانسان واستقلالية القضاء وحرية الاعلام ومشاركة المرأة  والكثير من الأساسيات  الضرورية لبناء مجتمع متطور استنادا الى الشرعية الدستورية .    
أخلص من كل هذا الكلام الى أن  خوض قطر تحدي المنافسة  لاستضافة أولمبياد 2022  لا يمكن النظر اليه بمنأى عن مسييرة الاصلاح الشامل الذي عم مختلف ضروب الحياة ،   أو بمعزل عن صدقية القيادة التي تقترن أقوالها بأفعالها ، أو بعيدا عن نهج الحوار والتعايش بين الثقافات والحضارات حيث  رفعت قطر أعلام الحوار  منذ سنوات عدة، ويكفي الاشارة الى الريادة القطرية في تنظيم مؤتمرات  حوار الأديان والثقافات .
قطر يعيش على أرضها أناس من مختلف دول العالم ، و الأهم هنا أن الدولة تحترم ثقافة الآخر ولا تفرض على أحد ثقافة معينة ، ولا تمارس  الوصاية على الآخرين ، ولهذا نمت في  المجتمع القطري  روح  الاحتضان للآخر مهما اختلفت ثقافته أو دينه ، وهذا الجانب يشكل  أحد عوامل الجذب التي يتمتع بها المجتمع القطري، وهذا العامل نابع أيضا من رؤية القيادة  المنسجمة مع نبض  الناس.
قطر دولة "جاذبة" و السعي القطري لا يهم القطريين وحدهم، وأعتقد أنه يهم السودانيين والعرب والأفارقة وكل الذين  يعيشون على أرض قطر و يتمنون أن تحتضن الدوحة منافسات كأس العالم ، ليشاركوا كمتطوعين مثلما شاركوا بالتطوع عندما استضافت قطر "آسياد 2006".
  من يزرع الشجرة  ويسقي الوردة ويمد جسور التواصل الحميم  مع الآخرين في كل مكان  في العالم يستحق أن يقطف ثمار نهجه الذي  يعمق  مناخ التعايش بين الناس ومن كل لون وجنس ودين .
  من يبني في الداخل  بصمت وجهد محسوس وووفق خطط مدروسة ،  ويمد جسور الخير الى دول عدة تداهمها الكوارث والمحن  ويطلق المبادرات السياسية  التاريخية   لحل أزمات اقليمية في لبنان والسودان واليمن ،  ولحل النزاع بين  جيبوتي وارتيريا ، هو أهل لاستضافة الأولمبياد، لأنه أيضا  انساني التوجه ، ولأنه يخطط  للمستقبل البعيد.

 التجارب أكدت أن  قطر بقيادة أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني  اذا وعدت تنفذ وعودها ، وهي من دون شك قادرة على توفير  كل متطلبات البطولة العالمية،  لأنها   صاحبة "رؤية" حددت كيفيات  البناء الداخلي ،ثم انطلقت في  فضاء   الشراكة العالمية، ونجحت في بناء شبكة مصالح  مشتركة مع دول العالم ، ويكفي الاشارة هنا الى الريادة القطرية في انتاج الغاز  .                                                                                        
لا يكفي أن يمتلك أي بلد في عالمنا العربي  أو غيره من دول العالم الثالث  امكانات مالية أو موارد طبيعية  ضخمة ليتطلع لاستضافة كأس العالم ، فهناك مثلا  دول عربية لديها امكانات وموارد  أكثر من قطر، لكن مشكلة بعض الدول العربية وغيرها   تكمن   في غياب الرؤية العصرية لادارة الدولة والتعامل مع الآخر في الخارج  من دون عداوات أو خصومات  ،  وفي غياب   الاحتكام الحقيقي  لفاسفة سياسية   تحترم عمليا لا كلاميا   ثقافة  الآخرين.                                                                          
برقية  :
زيارة وفد (الفيفا)  الى قطر دليل نجاح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي  
عن صحيفة (الأحداث) 20-9-2010  

 

آراء