دور وسائط الإعلام فى التوعية الجماهيرية … بقلم: د . احمد خير / واشنطن
12 December, 2009
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]
وسائط الإعلام المرئي منها والمسموع والمكتوب ، تعمل فى شبه تكامل للقيام بالدورالمعلوماتى والتثقيفى وسط الجماهير . منها ماهو خاص وآخر تملكه الدولة ، منها ماهو يتمتع بالحرية وآخر تحت قيود . وبين هذا وذاك ، تتأرجح الجماهير، وتبقى الحقيقة هى مطمح من لهم الوعى الكامل بحقوقهم ، أما المغيبون منهم فيحسبون ان مايحصلون عليه من فضلات تقدمها السلطة هى أقصى مايتمنونه !
ان التجاذب الذى يحدث بين مؤسسات الإعلام والسلطة فى بلد ما ، غالبا ما تكون ضحيته الجماهير . حيث أن السلطة فى معظم الأحوال تواجه ذلك التجاذب بقوانين تحد من حرية المؤسسات الإعلامية ، مما يتسبب فى حجب المعلومات . وهنا يبرز دور الجماهير اما بقبول الأمر الواقع أو تكون هناك مقاومة بطريقة أو بأخرى .
المقاومة أو المصادمات بين السلطة ومؤسسات الصحافة ليس بالشئ الجديد حيث ان منتصف القرن السابع عشر شهد إستصدار قوانين للحد من حرية الصحف مثل قانون الرخص فى عام 1662 الذى اعتبر معوقا لتوسع دور الصحف فى بريطانيا . وهذا القانون بالطبع وجد مقاومة من قبل مالكى الصحف والصحافيين مما أجبر الحكومة البريطانية آنذاك بإبطال العمل بذلك القانون فى عام 1694 .
العلاقة بين الإعلام والسلطة تتشكل حسب الوضعية التى عليها الإعلام فى الدولة المعينة . وبالتالى فلابد من معرفة عما كان الإعلام فى تلك الدولة مملوكا للسلطة أم تملكه مؤسسات خاصة ؟ وحتى ان كان الإعلام مملوكا لمؤسسات خاصة ، هل حرية الإعلام متاحة أم تقيدها قوانين تفرضها السلطة للحد من تلك الحرية ؟ ثم هل يصبح لزاما على الإعلامى الذى يعمل فى مؤسسة إعلامية مملوكة للسلطة إرتداء قميص السلطة فى كل مايقدمه ؟! أم أن فى إمكانه أن يحيد عن الخط الذى رسمته السلطة ؟ وما هو مقدار الحرية المتاح للإعلامى ؟ ثم لماذا ينصب بعض الإعلاميين من أنفسهم أبواقا للسلطة فيصبحون ملوكا أكثر من الملك ؟
بالطبع الإجابة على تلك الأسئلة تتوقف على عوامل كثيرة من بينها ، نوعية الحكم ، أن كان شموليا أوغير شمولى . فليست كل السلطات تتشابه قبضتها على أجهزة الإعلام . هذا من جانب ، ومن جانب آخر علينا الأخذ فى الإعتبار طبيعة وشخصية الإعلامى نفسه . بحيث أن هناك من الإعلاميين من يفرض واقع يشكله هو ولايسمح بأن تشكله الظروف .
كما هو معلوم ان على الفرد مهما كانت مهنته أن يتقيد بالسياسة العامة للمؤسسة التى يعمل بها ، طالما قبل العمل ، كما أن عليه الإلتزام بقوانين المؤسسة ومراعاة الضوابط التى تحكمها . وهنا لايختلف الإعلامى عن غير الإعلامى ، ولكن يبقى هناك ما يميز بين شخص وآخر ، ألا وهو مدى إيمان الشخص بإنتمائه للمؤسسة ، ومدى إخلاصه لها .
السلطة يمكنها تسخير وسائل الإعلام لخدمة مآربها . وهنا يصبح الإعلام موجها لآداء الغرض المطلوب . وهذا الغرض المطلوب أحيانا بالرغم من تأثيره على الجماهير إلا أنه ربما لايحقق رغباتها . ولنضرب مثالا بما حدث ابان حرب الأيام الست بين بعض الدول العربية وإسرائيل بحيث كانت إذاعة صوت العرب هى البوق " احمد سعيد " الذى أخذ على عاتقه بث روح الحرب ثم المقاومة ، وان كان قد إتخذ أسلوبا جديدا فى بث الحماسة لدى الجماهير العربية بإختياره مايطربها ويدغدغ مشاعرها ، مثل تصريحاته بأن الجيوش العربية باتت قاب قوسين أو أدنى من " تل أبيب " وأن النصر آت بعد سويعات . وكان يعاضد ذلك ببث الأناشيد الحماسية التى تحرك الجماهير " الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر فوق كيد المعتدى ..الله للمظلوم خير مؤيدى .... " وكنت تشاهد الجماهير العربية من مشرقها إلى مغربها ملتصقة بأجهزة الراديو ومتصفحة الصحف اليومية متوقعة ساعة النصر . وأن النصر آت لامحالة ! إلى أن تبينت الحقيقة وهى الهزيمة بمرارتها وقسوة التعامل معها !
هنا الإعلام كان قد لعب دورا تمكن معه من ان يلهب مشاعر الجماهير ويوحد أمانيها ، ولكن هل كان ذلك إعلاما حقيقيا ؟! وهل من سخروا حناجرهم وأقلامهم فى تلك الفترة لنقل نتائج معارك غير حقيقية كانوا يثقفون الجماهير أم كانوا يخدعونها ؟! كان ذلك ما يسمى بالإعلام الموجه ، الذى يسخر لآداء مهمة معينة وهى تعبئة الجماهير . وبالطبع لا لوم على أمة إستخدمت كل مالديها بما فى ذلك الإعلام للعمل على إلتفاف الجماهير حول قياداتها . حتى وان لم يتحقق النصر المطلوب .
كى يلعب الإعلام دورا حقيقيا فى تثقيف الجماهير ، لابد وان تتوفر له الحرية الكاملة والإمكانات التى يتمكن معها من تقديم أفضل مالديه من خلال برامج مدروسة ومخطط لها أن تؤدى الغرض المطلوب . وأن على السلطة أن تعى أهمية الإعلام والدور الذى يمكن أن يلعبه كرقيب على مؤسسات الدولة كى تعمل على مايحقق آمال الجماهير . وإلا .. الطوفان !