ديالكتيك الغًبش ..بين الدبابة والقسم
"المناسبة: عقب تنصيب الفائز في انتخابات الرئاسة السودانية 2010"
منبع أول : شريان الذات
عندما تتساقط الكلمات زخات على فكري ويترنح التعبير مخدرا بين شفتي ،، أدرك بالرغم من أني في غير موضع الادراك ، أن هذا العصير المعتق من جراح الوطن أثقل ذاكرتي ، واستدعى حروفا داميه كتبت على سطح النيل ، مأساة شعب يموت كل لحظه قمعا وكبتا وتعذيبا ، أستنهض ماتبقى مني مخبأ في مسام الطفوله البريئه حيث اللا ادراك لعوالم الراسماليه والسياسه ، وتستحضرني بروح الجماعه "لعبات : شليل وينو،حجله ، الجداده العميانه ، شد وأركب ، قطر قطر، مدرسة مدرسة ، عروس وعريس ، طره وكتابه ، الخ .........." فأنتشي فرحا ويغمر شرياني حنينا لتلك الأيام ، أحتمي به من هجير عشرين عاما، تسلط على سماء الوطن فأحرق الأخضر، وترك اليابس ليكتب فيه عند بداية كل جريمة سرقة أو قتل : " بسم الله الرحمن الرحيم " .
منبع ثاني : ارتجاف القسم
ذلك الصمت الرهيب الذي خيم على الشوارع في العاصمه من مدخل" الكبري القديم" وحتى تقاطع شارع الأربعين مع مدخل سلاح المهندسين ،ومن مدخل شارع المورده حتي شارع قصر الشباب والأطفال، المواصلات العامه التي منعت من الوقوف في مكانها المعتاد أمام "السلاح الطبي " وحل محلها عربات قوات فض الشغب المدججة بالسلاح والدرق ، عربات جهاز الأمن المنتشره هنا وهناك في انتظار المصيده الدسمه لحفلات نشوة السادية ، "الدفارات" المحمية بالشبك الأزرق ومليئه بالزي" المبرقع " والعصي الجائعه دوما للبطش المسعور، عربات الشرطه والنجده التي توزعت هنا وهناك في منطقة أم در التي كانت أمان ، اعاقة كاملة لحركة السير في كل العاصمة ، ولا أحد يعنيه شيئ الكل يتذمر فلهيب الشمس يجذبه سمار البشره ليزيد الحراره درجات من المعاناه، واللهث وراء لقمة العيش التي انقضى من الوصول اليها نصف اليوم ، وكل الطاقه . في ظل نظام اقتصاد "رزق اليوم باليوم ". هذه هي لحظات أداء القسم الدستوري للرئيس المنتخب لحكم البلاد ، عبر انتخابات حره ونزيهه وشفافه، شارك فيها الشعب طوعا واختيارا ، وأعطى صوته للقوي الأمين ، هذا الشعب الآن بدلا من مهرجان تنصيب واحتفال وفرحه عارمه بما حققه من اراده واعية في اختيار رئيسه ، أصبح ممنوعا من الأقتراب ، مبعدا بالسلاح عن موقع الحدث ، أو بعيدا .. ماذا دهاه ؟ هل كانت صور مرشحهم مغايره لذاك الذي في المجلس الوطني أمام الكتاب المقدس الآن؟ ، أم أن روح الفكاهة والنكتة السودانية وليدة المعاناة ، صادقة ، وتوقعوا أن يؤدي القسم المنافس الأول " الشامبيون"؟ فأحبطو في ذلك الهجيرالصيفي متعطشين للمشروب الانتخابي الذي يستعطي على دخلهم اليومي الارتواء به ، لأنه ميزانية وجبه لأطفال ينتظرونهم في المنازل ملأت "موية الفول" شراينهم بدلا من كالسيوم الحليب ،وسكروز الفواكه ،وبروتين اللحوم .
منبع ثالث : جدل الطين
ان ما حادث هو صراع الطبيعة وجدل الواقع ، ان التغيير هو أساس الحياة والاطلاق خرافة العقل المغلق .. مما لايمكن أن يتكرر اجتماعيا أن تأتي فتاة أو أمرأه ترغب في تزيين نفسها عن طريق عادة "دق الشفاه" ، أو أن تدفن وليدة في باطن الأرض لمجرد أنها أنثى ، المرأه التي كان يعاب عليها نطق اسم زوجها أصبحت الآن تجلس جمبا الى جمبه في قاعة الدرس ، وأصبحت رئيسته في العمل ، الوطن الذي كان أسير المستعمر ، عمرا من الزمان ، بل أفريقيا كلها ، تحررت من قيده وحققت استقلالها وشكلت حكوماتها الوطنيه ، الأعوام 89/90/91/92 من تاريخ البلاد التي شهدت اسوأ مراحله، من تعذيب للمواطنين وتنكيل وطرد من الخدمه المدنيه ، وحرب مستعره في الجنوب ، وحل نشاط جميع الأحزاب السياسيه بقرار من مجلس قيادة الثوره ، أصبحت الآن كلها في سجل جرائم تعاقب عليها القوانين الدوليه ، وعادت التنظيمات السياسيه الى الساحه بمكبرات الصوت تقيم الليالي السياسيه وتسير المواكب الاحتجاجية . . . انه الجدل الطبيعي لخلايا "المخ " البشري ، صراع الذات مع الذات، وصراع الذات مع الموضوع ، ولادة النسيج الجديد من نفس الخيط ، فهذا الشعب الآن يمثل قوه ، يمثل مصدرا يبعث الخوف حتى في أسفلت السيارات الفخمه المؤديه للمجلس الوطني ، ناهيك عن مسام من يركبونها ، التي ارتجفت حتى احتمت بالسلاح ، ذات السلاح الذي فرضت به على الشعب سلطتها ، أي منطق هذا الذي يجعل من جاؤوا بالدبابه في حلكة الظلام ، يتربعون طوعا واختيارا على بساط افترشه لهم الشعب عبر التصويت ؟؟ أتبدل الشعب ؟؟ أم أن أصابه الزهايمر؟؟ ...... لم يتبدل ، هو ذات الشعب الذي تظاهر في 2006 ضد زياده أسعار المواد البتروليه ، هو ذات الشعب الذي خرج في شوارع امدرمان 7/14ديسمبر2009 بقيادة تجمع أحزاب جوبا، احتجاجا على القوانين المقيده للحريات ، هو شهداء 28 رمضان ، ومحمد عبد السلام شهيد جامعة الخرطوم 98 دفاعا عن مكتسبات الحركه الطلابيه ، وتظاهرات مدينة ود مدني عن بكرة نضالها على هذه الخلفيه ، علي فضل شهيد نقابة الأطباء تعذيبا وبطشا ، الذي أصبح بدل رمزا تخويفيا رمزا قياديا نحو استرداد الحقوق فكان اضراب الأطباء الصامد 2010 في معركه متواصله مع دكتاتورية السلطه ، هو ذات طلاب وطالبات جامعة الدلنج في مواجهة الرصاص والقتل يونيو2010، بل هو أهل الفاشر وتظاهرة الاحتجاج "سوق المواسير" أمام بيت الوالي رغم السلاح ومرارة الحرب والترهيب ... ان الزهايمر قد أصاب من نسي ويتناسى كل ذلك لينوي اعادة الكره ، على أرض اغتصبت فما توارت خجلا، بل أنجبت أجيالا تأخذ بثأرها .وهكذا سيظل الانسان في صراع دائم من أجل حريته .
ان المواقف هي برهان النظريه ، والنظريه هي : أن التراكمات الكمية تؤدي الى تحولات كيفيه ، فتحول الماء الى بخار في درجة حراره معينه ، بعد تغيير كمي في درجة الحراره يؤدي الى تغيير كيفي ، والحديد الذي يتحول من حالة الصلابه الى السيوله بعد تعريضه لدرجات متواصله من ارتفاع الحراره ، وهكذا الشعب السوداني ، تراكم عليه قمع وكبت وظلم استمر عشرون عاما ونيف ، أفرز في النهايه تحول كيفي في المقاومه من اضرابات وتظاهرات وصراخ في المنابر ، والحديد سيواصل التحول الى حالة السيوله مالم تنخفض درجة الحراره ، فهل سوف تنخفض درجة الحراره من أيدي أدمنت التعذيب؟؟ على حسب علم النفس تصبح الممارسات عاده وسمات أساسيه في الشخصيه بعد مضي فترة سنوات على أدائها ، وهؤلاء أدمنوا التسلط والبطش والنهب .
مصب أخير : اقتباس :
هي الشوارع لا تخون ...
علمتنا أن نفيق .....
أن نبر البرتقالة ... أن نموت فدى الرحيق
اختصاصية نفسية وناشطة في مجال حقوق الانسان
Nada Haleem Saeed [nadahaleem19@yahoo.com]