ديمقراطية معاقة؟، المقصود من حوار (الكذبة الثانية) !! 

 


 

 

بهدوووء_

الحوار الذي دعا إليه رأس النظام الانقلابي عبد الفتاح البرهان وكلف مجلس السيادة بترتيبه وإدارته؛ ليس حوارا بالمعنى المعروف وليس وطنيا أيضا، وإنما هو مجرد عملية تجميلية (ديكور) أو طلاء لواجهة النظام أمام ناظرين كبار يريد لفت أنظارهم وكسبهم واستمالتهم ، كما أنه يمثل نوعا من الجري في المحل لاستهلاك الوقت، وإطالة أمد النظام نفسه ببعض المساحيق الشكلية التي لا تستطيع البقاء طويلا.

تمخض الجبل فولد فأرا وبالتالي اتضحت الصورة أن ما سيجري لن يكون حوارا جادا وإنما مجرد مكلمة أو سوق عكاظ، تتوه فيه القضايا الجادة بين ركام من الزيف، ويتوه الساسة والنشطاء بين أكوام الأحزاب والكيانات الوهمية سريعة التجهيز؛ التي ستكون مهمتها شغل الأماكن، لتكون الصورة النهائية هي (عرس العمدة)، حيث يتبارى ممثلو تلك الكيانات الوهمية في كيل المديح للبرهان والعسكر، وتجديد الثقة به وبحكمه، والمطالبة بتصفية من تبقى من خصومه، ثم تخرج وثيقة مشوهة مكتوبة سلفا بواسطة الجهةالمشرفة على الحوار، ليتم اعتبارها "وثيقة الجمهورية الجديدة" التي يطنطن البرهان بها كثيرا، على غرار الاعلان السياسي الموقع مع حمدوك في نوفمبر من العام الماضي ..

لم يحرص النظام المصري على توفير الحد الأدنى من الشكل اللازم لإثبات جديته في الحوار، كأن تكون الجهة الحاضنة له هيئة وطنية مستقلة، وكأن يقدم النظام عربون ثقة مثل الإفراج عن كل المعتقلين احتياطيا على الأقل، وهم يمثلون عددا كبيرا حاليا. وبالمناسبة فإن قرار إخلاء سبيلهم ليس بحاجة لتشكيل لجنة للعفو أو النظر في أسباب اعتقالهم بل هو بيد النائب العام الذي لن يقدم لأحد منحة بل يجب عليه أن يطبق القانون وليس قانون البرهان، و أن يوقف عمليات القتل والقمع ومصادرة الحريات وكذلك وقف الاعتقالات الجديدة.

ومع ذلك وجد النظام الانقلابي من يرحبون بدعوته دون تحفظ. وهذا أمر متوقع وطبيعي  فهذه الأحزاب هي أحزاب الموالاة، لكنها في الحقيقة لا تمثل إلا هامشا محدودا من الشعب السوداني، بينما القوى الحقيقية إما أنها مستبعدة من الحوار، أو متحفظة، أو لها مطالب جوهرية تسبق الحوار، وبالتالي فإننا سنكون أمام (مونولوج) أي حوار بين منتسبين لفريق واحد، وليس (ديالوج) أي حوار بين مختلفين.

لا يوجد عاقل يرفض فكرة الحوار من حيث المبدأ، ولكن لا يتصور نجاح (حوار تحت تهديد السلاح)، ورغم يقيني ويقين الكثيرين بأننا أمام حوار أراده صاحبه حوارا شكليا هزليا يجمع به( زبالة 25 اكتوبر)، ويحقق به مصالح ضيقة، إلا أن استمرار الحراك نتيجة تلك الدعوة قد يدفع النظام نفسه لإعادة النظر في شكل الحوار، وخاصة مع تصاعد الحراك محليا ودوليا، فالانقلاب الذي (حضّر الجن) قد لا يستطيع صرفه بسهولة. قد يتسائل المرء ما هي الجدوى من رفع حالة الطوارئ ليس هنالك فرق بين أن يحكم العسكر الدولة بإعلان أو غيره فالديكتاتور المستبد لا يحتاج لإعلان حالة الطوارئ لاستباحة القتل و الاعتقال و مصادرة الحريات؟ كما أننا أصبحنا حقل تجارب لم نحس بفرضها ولا برفعها فما هو الفارق؟؟

الداعمين لحكم العسكر(الفلول + حلف الثورات المضادة ) قدموا لهم نصيحة بعدم طرد فولكر وبعثته الأممية بالسودان حتي لا يفتحوا باباً للصدام مع المجتمع لتحجيم نفوذهم وهو ماسيحدث خلال الأيام القادمة، الشيء الآخر قرار الأمس الصادر من الانقلابي البرهان برفع حالة الطواري خرج تحسبا ليوم 15 يونيو وهو تاريخ الغاء إعفاء الديون فالبرهان رفع حالة الطوارئ التي لم يشعر بوطأتها إلا ستون شخصاً من الشباب المعتقلين خلال المواكب والمظاهرات والذين تم اعتقالهم بموجب قانون طوارئ الجنرال. بالتالي هي مناورة، ولكن للأسف مازال( الكيزان )يقرأون من نفس كتابهم القديم.!!

رفع قانون الطوارئ سيعزز من قبضة الفريق البرهان والانقلاب علي المشهد بعد حصولهم علي دعم دولي تحت الطاولة وهو ذات الدعم الذي أسقطه مشروع بريطانيا بالتأكيد رفع حالة الطوارئ لاتعني مطلقاً عودة الذين كانوا يسيطرون علي كراسي ومنافذ السلطة قبل انقلاب 25أكتوبر الذي مذق الوثيقة الدستورية رأساً علي عقب وكرّس لواقع استبدادي جديد له حلفاء وداعمون دوليون وإقليمون لن يسمحوا بعودة الديمقراطية إلي سدة الحكم. نحن أمام مشهد جديد لحكم السودان ..مشهد سيأتي بحاكم عسكري استبدادي لحكم البلاد.. كم أتمنّى أن أكون مخطئاً!

أخر الهدوووء:-

- على الرغم من العقبات التي اكتنفت المشهد العام إلا أن تشكيل الحكومة الانتقالية كان خطوة لوضع البلاد في المسار الصحيح.. ولكن الحكومة الانتقالية بضعفها وترددها وتعلقها بقشة الخارج  وتجاهلها غير المبرر  للشارع الذي صنع الثورة ساهمت في ضياع هذه الفرصة وسلمت السلطة للعسكر والمليشيات على طبق من ذهب، رفع حالة الطوارئ وحده لن يكفي فالبلاد بحاجة لمعاجات تخطاب الأزمة بصدق وتجرد ليتمكن الجميع من الخروج من هذا المأزق.

- بمجرد ما تبدأ السلطة الانقلابية في توزيع البركاوي خارجياً علينا أن نعرف  أن هناك عمل كبير وضخم في هذا الطريق؛ وعلى الجميع ربط الأحزمة، فهناك شيء يتحرك خلف الأكمة، والذي يجب التنويه له أن حكومة الأمر الواقع بصدد بدأ اللعب خارجياً بعد أن ظنت أنها قد حسمت (لدافوري) الداخلي الذي يرونه  سياسة.

- العزف على وتر القبلية والجهوية سياسة انقاذية هدفها تفتيت الاحزاب السياسية وافراغها داخل  كيانات قبلية يسهل  السيطرة عليها   عن طريق عدد من الأساليب المعروفة، تلك السياسة أفرغت كل المؤسسات السياسية من محتواها وأعادت السودان لما قبل تشكل الدولة الوطنية ورأينا ثمار هذه السياسة حروبا وتشريد وقتل في كثير من مناطق السودان البعيدة ولكن من المقلق جدا ان تمتد ايادي هذا المشروع التفتيتي التدميري  ليصل العاصمة الخرطوم نفسها .. من المستفيد من هذا العبث بالمكونات الوطنية وهدم نسيج الوطن وتفتيت كياناته ونسيجه الاجتماعي؟.القبلية الرشيدة  قوة وليست ضعف فهي قيم راسخة وتقاليد شامخة رعتها الامة السودانية بآدابها المرعية عبر السنين فأنصهرت القبائل السودانية في بوتقة الوطن وتكونت الاحزاب السياسية فهضمت القبلية داخل منظوماتها المدنية، ولم يبق من القبلية الا كريم فعالها وطيب أصولها.

- قبل أيام داعب مناوي مستمعيه أنه( ماشي الخرطوم محل الرئيس بنوم والطيارة تقوم)؛ أيضاً سبقه جبريل مخاطباً انصاره في لحظة انتشاء بالوزارة  بأن هدفهم حكم السودان، يظن البعض إن ذلك حدث صدفة أو جاء وليد اللحظة..!!

- سيحتاج السودان لسنوات طويلة، وتضحيات جسيمة، ليخرج من النفق المظلم الذي دخله بسبب سياسات المخلوع التدميرية، التي استمرت ثلاثين عاماُ حسوماً ، وهاهي الفاتورة الواجب سدادها في شكل أزمات ورزايا وجهلة يقودون البلاد لحتفها .. بمجرد ظهور الشخصيات  "الانتقالية" البهلوانية على السطح، فأعلم عزيزنا المواطن أن هناك (كيكة) .. فبعد (كيكة) البشير الانقاذية، مروراً (بكيكة) حمدوك الانتقالية، (الأكلة) الآن في انتظار (كيكة) فولكر الدولية. لقد فاق هؤلاء (الانقاذ)في شراهتها للحكم، ونهمها للمال العام، وحرصها على السلطة. هل ثار الشعب لهذا؟.

- شرَّق البعض وغرَّب آخرون في الحكومة الانتقالية بحثاً عن البقاء في السلطة.طبَّع بعضهم وتمرغ البعض الآخر على كراسي السفارات والطائرات في رحلة البحث عن السلطة والشعب المطحون صاحب هذا الحق باقٍ على الارض منتظراً انقطاع حبل مروغاتهم القصير وكذبهم الفطير. الحاضنة القديمة ستعود بخطاب جديد، وسيسري مفعول هذا الخطاب التصالحي في البعض كما سرى تعبير النموذج السوداني في الشراكة بين العسكر والمدنيين.! ديونهم تم اعفاءها، وملف الارهاب تم اغلاقه، والتطبيع اكتمل، كما تمت تبرئتهم في الداخل؛ وخرجوا من السجون. موائد رمضان مهدت للعهد الجديد، الذي سيصعد ممثلوه للمناصب على جثث القتلى، وهياكل الجوعى ودماء الشباب.


mido34067@gmail.com

 

آراء