د. جون قرانق .. من مشكلة الجنوب إلى (مشكلة السودان)

 


 

 

ابوبكر القاضي
هذا هو الفصل الخامس من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتي الدعم السريع (5-10) ، وسوف نعالج هذا الفصل تحت رؤوس المواضيع التالية:
++ هدف الصادق المهدي والترابي من المصالحة الوطنية ١٩٧٧ كان تفكيك نظام مايو من الداخل من خلال فكرة فرض الشريعة وتقسيم الاقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم وزرع الفتنة بين الجنوبيين ونظام مايو :
++ لماذا عاد الجنوبيون لمربع الحرب بعد أن ذاقوا السلام لمدة عشر سنوات؟ وهل كانت المصالحة الوطنية أول مسمار في نعش اتفاقية أديس أبابا ونهاية الثقة بين النميري والجنوبيين؟
++ هدف النميري من فكرة من تغيير الحدود هو سرقة بترول الجنوب من خلال قضم الأراضي وضم مناطق اكتشاف النفط في الجنوب إلى الشمال!!
++ استبعد نظام مايو الكادر البشري الجنوبي تماما من التدريب والتأهيل الفني والإداري لانتاج البترول بهدف حجب كامل المعلومات المتعلقة البترول عن الجنوبيين بهدف سرقة بترول ألجنوب!
++ ملف قناة جنغلي .. هل أضياع الجنوبيون أكبر فرصة للتنمية وإعمار الجنوب؟! ام ان مضار القناة اكبر من منافعها؟
++ الحركة الشعبية لتحرير شعوب السودان هي التي صنعت انتفاضة ابريل ١٩٨٥ :
++ هذه هي الاسباب الموضوعية التى (منعت د جون قرانق من الحضور للخرطوم للمشاركة فى تفكيك وازالة اثار نظام مايو ) :

(١) د جون قرانق .. من مشكلة ألجنوب.. الي (تحرير شعوب السودان) :

في هذا الفصل الخامس من كتابنا (التمرد والتغيير.. منذ حامية توريت حتي الدعم السريع (5-10) سوف نتناول فيه بحول الله الظروف الموضوعية لبروز الزعيم د جون قرانق وكوكبة من المتعلمين الجنوبيين من امثال د. رياك مشارق ود لام أكول لقيادة دفة التمرد في الجنوب بغرض تحقيق اهداف الثورة المسلحة بعد تجربة فاشلة من السلام (الفارغ .. اي بدون تحقيق ثمرة السلام.. وأعني بها التنمية) .. لذلك سوف اتناول في هذا الفصل ملف التنمية في الجنوب واكتشاف نفط الجنوب.. وملف المصالحة الوطنية عام ١٩٧٧ وأثرها على اتفاقية أديس أبابا لسلام جنوب السودان، وكيف تطورت القضية (من مشكلة الجنوب) إلى (تحرير شعوب السودان؟ ولماذا عاد الجنوبيون الى مربع الحرب مجددا بعد فترة سلام لمدة عشر سنوات؟ وما هي الدروس التي تعلموها من تجربة السلام ؟

لم يكن هيننا على الجنوبيين العودة إلى مربع الحرب مجددا بعد سلام حقيقي عم ربوع جنوب السودان حيث ذاق الجنوبيون طعم الدولة المدنية الديمقراطية عبر الاحزاب الجنوبية ومن خلال مجلس الشعب الاقليمي في جوبا.. قامت جامعة جوبا كجامعة قومية لكل السودانيين، ولكنها وفرت فرصا كبيرة للجنوبين بشروط قبول خاصة تقع في خانة التمييز الإيجابيّ للجنوبيين .. وبالمقابل فإن من سلبيات فترة السلام أن الحكومة المركزية لم تهتمّ بالتنمية في الجنوب.. علماً بان الفائدة الحقيقية للسلام تكمن في توفير المناخ الملائم للتنمية المستدامة مما يضمن استدامة السلام والاستقرار.. فلو ان الحكومة المركزية قد انفقت نصف ميزانية الحرب في الجنوب على مشاريع التنمية في الجنوب لوطنت السلام الدائم في الجنوب.. لأن هناك تراتبية منطقية: بين (السلام والتنمية .. العدالة والوحدة).. فالسلام وحده لا يكفي إلا إذا كان مصحوباً بالتنمية.. واذا توفرت التنمية فقد تحققت العدالة الاجتماعية للمواطن الجنوبي العادي .. واذا توفرت هذه الأمور فقد توفرت عناصر الوحدة الجاذبة.. في هذا الفصل سنفتح بحول الله ملف التنمية في جنوب السودان لنري علاقة التنمية باستدامة السلام.. وسوف نتناول في هذا الخصوص ملفين: (بترول الجنوب .. وقناة جنغلي.) .. ولكن قبل ذلك سوف أتناول بحول الله (ملف المصالحة الوطنية بين نظام مايو من طرف وبين الجبهة الوطنية المكونة من حزب الآمة برئاسة الصادق المهدي، والحزب الاتحادي الديمقراطي والاخوان المسلمين) .. لأن المصالحة الوطنية قد تضمنت (برنامج شيطاني مدمر للوطن وللسلام الذي حل في ربوع الوطن بسبب اتفاقية أديس أبابا ) .. وزرعت بذور الشك والريبة بين الجنوبيين ونظام مايو مما تسبب في إيقاف مشاريع التنمية ..فالي ملف المصالحة الوطنية:

(٢) هدف الصادق المهدي والترابي من المصالحة الوطنية عام ١٩٧٧ هو تفكيك نظام مايو من الداخل وذلك بنسف اتفاقية أديس أبابا مصدر القوة لدي نظام مايو وذلك من خلال تقسيم الاقليم الجنوبي وزرع الفتنة بين نظام مايو والجنوبيين:

يمكن تلخيص الصادق المهدي في انه :(الانسان عديم الفائدة لوطنه (أتحدى من يقدم لي مشروعا تنمويا واحداً ينفع الشعب السوداني نفذه الصادق المهدي خلال الفترتين التين حكم فيهما في عهدي الديمقراطية الثانية والثالثة) .. فقد انفق الصادق فترة الديمقراطية الثانية في اثبات انه لا يجوز الجمع بين منصبي امامة الانصار وبين منصب رئيس الحزب ورئاسة الوزراء، وقد ترتب على ذلك تقسيم حزب الامة الي حزبين متنافسين، هما (حزب الأمة جناح الامام وحزب الأمة جناح الصادق) ..ثم صرف الصادق ردحا من فترة الديموقراطية الثالثة لجلب رفات الشهيد الامام الهادي ليثبت لدهماء الانصار موت الامام ليخلو له المقام ليجمع بين منصبي امامة الانصار رئاسة الحزب .. فكل شيء حرام على غيره حلال على الصادق المهدي بلا حياء !!، لا يتعدي أفق تفكير الصادق المهدي ذاته واولاده وبناته .. والأدهى من ذلك أنه لا يسمح لغيره ان يعمل خيراً لهذا الوطن.. ومنطقه في ذلك: ( يا فيها .. يا نطفيها).. بمعنى : اي خير للسودان لابد ان ياتي عبر الصادق المهدي وينسب إليه.. وانطلاقا من هذه القاعدة وضع العراقيل امام اتفاقية الميرغني/ قرنق عام ١٩٨٨ حتى تمكنت الجبهة الاسلامية من تنفيذ انقلابها المشؤوم في ٣٠ يونيو ٩٨٩ .. وقد كان الصادق علي علم تام بهذا الانقلاب فوفر له الغطاء الامني بالتواطؤ والصمت !! الصادق المهدي لا يريد سلاما في الجنوب (إلا إذا آتي هذا السلام عبره هو .. بحيث يكون رصيدا سياسيا للسيد الصادق ) .. وسوف نرى في الفقرة التالية أن الهدف من المصالحة الوطنية لم يكن التحول الديمقراطي مثلا ، وانما كان نسف اتفاقية أديس أبابا من خلال فكرة تقسيم الأقليم الجنوبي إلى ثلاثة أقاليم وإلغاء دستور ١٩٧٣ العلماني والعودة إلى مشروع الدستور الإسلامي الذي يكرس سلطة الطائفية الدينية والاخوان المسلمين.. ويشكل حاجزا بين الجنوبيين ونظام مايو .

(٣) السؤال: لماذا عاد الجنوبيون إلى مربع ألحرب بعد أن ذاقوا طعم السلام ؟ هل كانت المصالحة الوطنية ١٩٧٧ اول مسمار في نعش اتفاقية أديس ابابا ونهاية الود بين النميري والجنوبيين؟!

كاتب هذا المقال شاهد على (عهد مايو كله ) بسبب المعاصرة.. فقد كنت ناشطا جمهوريا (من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه منذ عام ١٩٧٤ .. وقد كنا كجمهوريين مؤيدين علنا لنظام مايو ) .. ورغم هذه المعاصرة سوف أتناول الحديث عن عهد مايو من خلال شهادات الغير من الكتاب.. وانطلاقا من ذلك فسوف يجيب على هذا السؤال الكاتب والأكاديمي مالك عبدالله مهدي- جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في بحثه القيّم المنشور بمجلة المستقبل العربي، مبينا أن عودة الجنوبيين لمربع الحرب ترجع إلى عدة أسباب اكتفي منها في هذا السياق بسبب واحد هو (المصالحة الوطنية ١٩٧٧) لان الاسباب الاخرى تدخل ضمن هذا البند نفسه مثل ( تطبيق قوانين سبتمبر ١٩٨٣ .. لان المصالحة الوطنية كان محورها الأساسي هو تطبيق الشريعة في القطر السوداني. وبشأن الاسباب الاخرى احيل القاريء المهتم الي بحث مالك عبدالله مهدي .. فالي المقتطف من بحث الاكاديمي مالك عبدالله:

(اتفاقية المصالحة الوطنية، التي تم التوصل إليها في عام 1977، بين الرئيس السابق جعفر نميري والصادق المهدي رئيس الجبهة الوطنية آنذاك، المناوئة للنِظام في ذلك الوقت، ومن بين ما تم الاتفاق عليه الآتي‏[28]: (أ) قيام ثلاثة أقاليم في جنوب البلاد، بدلاً من إقليم واحد؛ (ب) التمسك بالدستور الإسلامي بدلاً من الدستور العلماني. (ج) إعادة النظر في الترتيبات الأمنية المتعلقة باتفاقية أديس أبابا؛ (د) تعيين رؤساء الأقاليم بدلاً من انتخابهم. أدت الاتفاقية التي لم يعمل بها الرئيس الأسبق مباشرة بعد المصالحة الوطنية إلى إحداث نوع من التغيير في المجال السياسي تجاه الجنوب عموماً، بل ولدت نوعاً من الخوف لدى بعض الجنوبيين معتقدين أن مصالحة الجبهة الوطنية لنِظام نميري تمت على حساب الجنوب والوحدة الوطنية؛ وهذا من ضمن الأسباب، والبواعث التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية الثانية في عام 1983.) انتهى.
المرجع : مالك عبدالله مهدي / تاثير الحرب الأهلية السودانية في الاستقرار والتنمية/مجلة المستقبل العربي العدد ٤٨٢ / نيسان/ابريل ٢٠١٩ .

وبتحليل المقتطف اعلاه المأخوذ من بحث الاكاديمي مالك عبدالله نجد أن نظام مايو بقبوله بشروط الجبهة الوطنية التي مثلها رئيسها الصادق المهدي في اجتماع السفينة في بورتسودان بترتيب من المخابرات الأمريكية قد تنازل عن (مشروع نظام مايو والهدف الأساسي الذي دفع الضباط الأحرار بمشاركة السيد بابكر عوض الله لتنفيذ الانقلاب) الا وهو (إجهاض الدستور الإسلامي) وإحباط خطة توحيد حزب الامة والتي قضت بان يكون الامام الهادي هو رئيس الجمهورية في اول انتخابات بعد اجازة الدستور الإسلامي ويكون الصادق المهدي هو رئيس الوزراء.
كما ان المصالحة الوطنية باتفاقها على قيام ثلاثة أقاليم في الجنوب بدلا من الاقليم الواحد المنصوص عليه في اتفاقية اديس أبابا وقانون الحكم الذاتي ١٩٧٢ المضمن في الدستور الدائم لسنة ١٩٧٣ قد تأمرت على خرق اتفاقية أديس أبابا المضمنة في الدستور لان تقسيم الاقليم الجنوبي الى ثلاثة اقاليم بطريق التعديل القانوني وفقاً لنصوص الدستور شيء في حكم المستحيل لانه يتطلب موافقة ثلاثة ارباع مجلس الشعب القومي، وموافقة ثلثي شعب جنوب السودان في استفتاء عام .. لقد قامت المصالحة الوطنية على هدم اتفاقية أديس أبابا لسلام جنوب السودان، وهدم الدستور الدائم وطرد الجنوبيين من الدولة الاسلامية المتفق عليها لتكون بديلاً للدولة العلمانية القائمة بموجب دستور ١٩٧٣ ! لذلك فإن مقولة ان المصالحة الوطنية كانت اول مسمار في نعش اتفاقية اديس ابابا صحيحة .. وكذلك مقولة الجنوبيين بأن المصالحة الوطنية تمت على حساب الجنوب والوحدة الوطنية صحيحة ١٠٠٪؜ .

(٤) ملف النفط في الجنوب وأثره على استدامة السلام .. عهد مايو كشف للجنوبيين وجه الخيانة والطمع في الاستحواذ على (بترول ألجنوب) من خلال تغيير الخرط والحدود لقضم اراضي الجنوب الغنية بالنفط واستبعاد الجنوبيين من الكادر الفني والإداري البشري السوداني حتى لا يعلم الجنوبيون شيئا عن نفطهم !!

(اولا) : تري قيادات الهامش السوداني (في الجنوب الذي ذهب وفي جبال النوبة ودارفور) ان دولة ١٩٥٦ -دولة الجلابة، ومؤسساتها (الجيش السوداني بصورة خاصة) تستثمر في حروب الهامش، وفي فقر وجهل ومرض سكان الهامش السوداني .. وترى هذه القيادات ان الوضع المثالي لدولة الجلابة هو (استمرار حالة الحرب ) .. لان استمرار حالة الحرب يسمح للحكومة المركزية بأن تقول : (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والحرب ضد التمرد) .. واستمرار هذا الوضع يعفى دولة الجلابة من واجبها في الصرف على التنمية والتعليم..الخ وكلنا يعلم أن ميزانية الجيش ٨٢٪؜ من الموازنة العامة.. ونعلم ان ٧٥٪؜ ضباط الجيش من ابناء الجلابة (المنطقة من الجيلي إلى حلفا) .. الطائفية تعشعش في اماكن الجهل والمرض والتخلف.. مشاريع التنمية تجلب الوعي ونقابات العمال واتحادات المزارعين وبالتالي تجلب القوى الحديثة-الشيوعيين والإخوان المسلمين.. دولة ١٩٥٦ ظلت تمارس سياسة فرق تسد

بيمالجنوبيين، وبيمنعابناء جبال النوبة.. وبين ابناء دارفور عربا وزرقة لانها متقدمة في التعليم والوعي على ابناء الهامش في الجنوب، وجنوب كردفان وفي شرق السودان ودارفور لذلك تعلم دولة ١٩٥٦ الاستعمارية ان استثمارها في التنمية والتعليم والصحة يعني تلقائيا تحرير شعوب الهامش من استعمار الجلابة الذي يعود بالأساس الى ( أسبقية التعليم) ..وقد أشار موقع (مقاتل من الصحراء / خالد بن سلطان عبدالعزيز الى فهم الجنوبيين ذي الصلة بما نقوله.. في المقتطف ادناه :

( النفط في جنوب السودان
يرى بعض سياسي الجنوب أن الحكومة المركزية في الشمال، تعتبر فقر الجنوب هو العامل الرئيسي لضمان وحدة الإقليمين. لذا رفضت الحكومة المركزية، اقتراح شركات النفط الخاص بالتنقيب عن النفط في الجنوب عام 1974. ونتيجة لضغط الحكومة الإقليمية الجنوبية، منحت الحكومة المركزية شركة شيفرون الأمريكية، ترخيصاً في الثالث والعشرين من نوفمبر 1974، للتنقيب في مساحة مقدارها 516 ألف كم2 في الجنوب، وبعض الأجزاء الجنوبية في غرب السودان. ) انتهى.
المرجع: مقاتل من الصحراء العدد الحادي والعشرون ٢٠٢٠ بحث الصراعات في جنوب السودان/ خالد بن سلطان عبدالعزيز .

(ثانياً) اكتشاف البترول بكميات تجارية في الجنوب وحضور (لعنة البترول) التي تجلت في محاولة دولة الجلابة سرقة بترول الجنوب من خلال قضم مناطق اكتشاف البترول في الجنوب وضمها للشمال!!

البترول نعمة وخير وبركة.. وليس للبترول لعنة.. وانما البشر هم الملعونون من خلال طمهم وخيانتهم .. وشاهدنا في هذا المقام انه بمجرد اكتشاف بترول الجنوب ظهرت اطماع الجلابة حكومة ومعارضة في المركز/الخرطوم ورغبتهم جميعا في الاستحواذ علي اراضي الجنوب الغنية بالنفط. المقتطف ادناه المقتبس من موقع مقاتل من الصحراء يكشف لنا عن اطماع سلطة مايو في بترول الجنوب:

( وفي عام 1978م أكتُشف النفط بكميات تجارية في أحد الآبار شمال مدينة باتتيو، وكان من النوع رفيع المستوى. واختلفت الحكومة المركزية والإقليم الجنوبي وشركة شيفرون حول تسمية البئر، واُتفق في النهاية على تسمية هذه الآبار "أبار الوحدة"، وسمي الحقل الذي توجد به باسم "حقل الوحدة". واقترحت الحكومة المركزية إنشاء إقليم جديد، يُطلق عليه اسم "إقليم الوحدة"، يتألف من: بانتيو، ومجالس منطقة قورقيال في الجنوب، ومجالس منطقة أبيى، والفولة، وكادوقلى، والدلنج، في جنوب كردفان. وأيد هذه الفكرة قلة من الجنوبيين، الذين ينتمون إلى هذه المناطق.) انتهى. المرجع: موسوعة مقاتل من الصحراء/ العدد الواحد والعشرون/ خالد بن سلطان عبدالعزيز.

(ثالثا)؛ الحكومة السودانية (تحاول تغيير حدود المديريات الجنوبيّة لولا مقاومة الجنوبيين لهذه المحاولة عبر المظاهرات مما اضطر معها النميري لتشكيل لجنة تحقيق برئاسة مولانا خلف الرشيد وكان توصيته لصالح الجنوبيين:

يظل القضاء السوداني هو (البدر المنير في الليلة الظلماء) .. كان حكم مولانا بابكر عوض الله في قضية حل الحزب الشيوعي ببطلان تعديل الدستور وطرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان هو عنوان الحقيقة رغم رفض الصادق المهدي رئيس الوزراء آنذاك تنفيذه بزعم أنه حكم تقريري غير ملزم للحكومة!! وكذلك كانت توصية مولانا خلف الله الرشيد بعدم المساس بالحدود وضرورة الإبقاء على الحدود كما هي مرسومة في الاول من يناير ١٩٥٦ كان نقطة الضوء في الظلام الحالك .. وكذلك كان تقرير مولانا دفع الله الحاج يوسف بشأن الانتهاكات والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت في دارفور خلال عامي ٢٠٠٣ و ٢٠٠٤ هذا التقرير الذي فتح الافاق لمجلس الأمن لاحالة ملف دارفور للمحكمة الجنائية الدولية.
فلنذهب إلى المقتطف ادناه الذي يتضمن التاريخ المظلم لنظام مايو والنميري شخصيا من (زيارة مريبة جدا للجنوب في غيبة اي جنوبي وبدون علم الجنوبيين، ومحاولة نظام مايو تغيير حدود المديريات الجنوبية بغرض سرقة بترول ألجنوب مما احدث ثورة شعبية في الجنوب، وقد قالت لجنة مولانا خلف الله الرشيد كلمة الحق للتاريخ وقد اخذ بها النميري (ولو مؤقتا) على سبيل المناورة .. فالي المقتطف :

(في شهر مارس 1980 زار الرئيس نميري منطقة أبار النفط في منطقة "باتتيو"، يرافقه حاكم كردفان ومحافظ جنوب كردفان وجنوب دارفور، دون أن يشترك في الوفد أي عضو من الجنوب. وأذيعت أنباء الزيارة بعد فترة طويلة من القيام بها، مما أثار أهالي الجنوب.
محاولات الحكومة المركزية تغيير حدود المديريات في منتصف عام 1980، بهدف نقل المناطق الغنية بالنفط والزراعة والمرعي، التابعة لأعالي النيل وبحر الغزال، إلى المديريات الشمالية. وعندما خرجت تظاهرات بهذه المناطق، شكل الرئيس نميري لجنة برئاسة "خلف الله الرشيد" رئيس القضاء، لبحث الوضع القانوني المتعلق بهذه الحدود. وأوصت اللجنة بالحفاظ على الحدود المرسومة في أول يناير 1956، وكما أقرتها أيضاً اتفاقية أديس أبابا. وقبل الرئيس توصيات اللجنة.) انتهى . المرجع السابق./ العدد الواحد والعشرون من موسوعة مقاتل من الصحراء.

( رابعا) استبعاد الكادر البشري الجنوبي تماما من التدريب والتأهيل الفني والإداري المتصل بأنتاج البترول وعائداته بغرض حجب كامل المعلومات المتعلقة بأنتاج البترول وادارته عن الجنوبيين !!

الدليل القاطع على نوايا نظام مايو السيئة لسرقة بترول الجنوب هو استبعاد العنصر البشري الجنوبي من التدريب الفني والإداري لانتاج البترول بغرض حجب المعلومات عن الجنوبيين.. وقد اصبح هذا السلوك ديدن (الجلابة ) بما في ذلك الأيادي المتوضية لصلاة الفجر حاضر من الاسلاميين لاحقا في عهد الإنقاذ حيث استبعدت دولة الجلابة ابناء المسيرية تماما من الكادر البشري المتصل بإنتاج وإدارة البترول.. ولم تدخل عائدات البترول في خزينة وزارة المالية !! المقتطف ادناه من موقع مقاتل من الصحراء النوايا السيئة لنظام مايو لسرقة بترول ألجنوب:

(أثار الاتفاق، الذي تم بين الحكومة السودانية وشركة شيفرون، لتدريب كوادر سودانية لتولي مسؤوليات مختلفة في مجال التنقيب عن النفط. أما أهل الجنوب، فهم يرون أن الاختيار للأفراد انتهج سياسة التفرقة العنصرية بين أهل الشمال وأهل الجنوب، حيث أبعدت الحكومة المركزية وشركة شيفرون أهل الجنوب عن أسرار النفط وإدارته في الإقليم. ) آنتهى. المرجع السابق/ موسوعة مقاتل من الصحراء .

المسألة في غاية الوضوح: حين قررت ادارة شركة شيفرون تدريب وتاهيل الكادر البشري السوداني المنوط به ادارة انتاج بترول الجنوب.. قررت سلطة مايو بالتواطؤ مع ادارة شركة شيفرون.. قررت استبعاد الجنوبيين تماما من المشاركة في التدريب (بسوء نية) .. والهدف واضح هو سرقة بترول الجنوب.. من خلال حجب معلومات انتاج البترول والكميات المنتجة.

(خامسا) حكومة الخرطوم- سلطة مايو تخطط لسرقة الموارد المالية المخصصة لخزينة الحكومة الاقليمية طبقا لاتفاقية أديس ابابا، وتشمل (الموارد المالية الناتجة عن النشاط الزراعي والتجاري والصناعي ) وذلك بتحويلها إلى خزينة الحكومة المركزية في الخرطوم.. وتشمل ضريبة الانتاج وأرباح الأعمال والدخل ، والدخل الناتج عن بيع حصة الحكومة من النفط .. في خرق مفضوح لاتفاقية أديس أبابا لسلام جنوب السودان!! المقتطف ادناه من موسوعة مقاتل من الصحراء يكشف لنا المخطط الكامل لدولة الجلابة لسرقة بترول الجنوب .. والمقتطف ناطق عن نفسه بلغة سهلة وفي نقاط محددة.. فالي المقتطف:

( وطبقاً لاتفاقية أديس أبابا، خُصصت كل موارد الحكومة المركزية في الجنوب، الناتجة عن النشاط التجاري، والزراعي والص ناعي والخدمات، للخزينة الإقليمية . وتضمنت هذه المخصصات الأرباح المستحقة للحكومة المركزية، عن المحاصيل المصدرة من الإقليم الجنوبي. ويرجع ذلك إلى فقر الإقليم الجنوبي. ولكن اكتشاف النفط عام 1978 أدى إلى تغيير الموازين، لأن تنفيذ اتفاق أديس أبابا يعني ذهاب ضريبة الإنتاج، وأرباح الأعمال، والدخل، والأرباح الناجمة عن بيع حصة الحكومة من النفط، إلى خزينة الجنوب، مما يفقد الحكومة المركزية مبالغ طائلة. وأدى ذلك إلى اتخاذ الحكومة المركزية الإجراءات الآتية:
أ. إعادة تغيير الحدود بين المديريات، لنقل حقول النفط من الجنوب إلى الأقاليم الشمالية.
ب. إقامة المصافي خارج الإقليم الجنوبي.
ج. محاولة الإسراع بنقل النفط عن طريق الأنابيب، بعيداً عن المسرح المشحون بالنزاع.
د. محاولة خلق إقليم الوحدة، لتفادى تطبيق نصوص الترتيبات المالية عليه.
هـ. تقسيم الجنوب لإضعاف الموقف الموحد لسُكان الإقليم. )انتهى .
المرجع السابق-الإصدار الحادي والعشرون من مجلة مقاتل من الصحراء/ تاريخ النفط في جنوب السودان .

(٥) ملف قناة جنغلي.. مشروع قناة جنغلي .. هل هو اكبر مهدد للبيئة في جنوب السودان ووسط افريقيا؟ ام انه ضياع اكبر فرصة للتنمية وإعمار الجنوب ؟!!

(أ) الناظر لمشروع قناة جنغلي، من حيث مساحته الضخمة، وكمية المياه التي يمكن ان توفرها القناة لمصر الاكثر حاجة للمياه خاصة بعد قيام سد النهضة الذي اصبح واقعاً لا مهرب منه خاصة بالنسبة لمصر، وفي ضوء الطفرة الزراعية الكبيرة المؤمل عليها في جنوب السودان وفي مصر المبينة تفصيلا هنا ادناه في خانة (ايجابيات القناة ) .. في ضوء هذه الإيجابيات التي تبدو لقناة جنغلي اجد العذر للشخص العادي حسن النية الذي يتحمس للتنمية ويحب بلده ويحب أن يرى ثمرات السلام والتنمية تتنزل خيرا وبركة على جنوب السودان من خلال ايجابيات القناة المبينة في المقتطف ادناه :

( ايجابيات قناة جنغلي :
هذه هي ايجابيات قناة جنغلي انقلها من موقع موسوعة مقاتل من الصحراء:

( قناة جونقلي
أ. يهدف مشروع قناة جونقلي لزيادة إيراد مياه النيل للتوسع الزراعي في السودان، وفي جمهورية مصر العربية وذلك بتقليل الفاقد من مياه النيل في مستنقعات بحريّ الجبل والزراف ويعد أحد مشروعات تقليل الفاقد بمناطق المستنقعات، والذي يقدر بـ (42) مليار من الأمتار المكعبة سنوياً لا تجد طريقها لمجرى النيل، ولا يسهل استغلالها حيث هي . ويبلغ متوسط إيراد النهر عند منقلا ببحر الجبل (29) مليار متر مكعب سنوياً لا يصل منها إلى ملكال سوى (14) مليار متر مكعب، ويضيع النصف الآخر في مناطق السدود والمستنقعات بالتبخر والانتشار.
ب. كان من الفوائد المنتظرة لهذا المشروع الطفرة الزراعية الكبيرة المؤمل عليها في كل من السودان ومصر، وربما يغطي إنتاج هذه المشاريع حاجات دول المنطقة من المحاصيل الزراعية والخضر والفاكهة والإنتاج الحيواني، بالإضافة للفوائد الأخرى التي ستنعكس على مواطني جنوب السودان على ضفاف القناة والمنطقة التي حولها، وتتمثل في الآتي :
(1) إقامة مشاريع زراعية على النمط الحديث.
2) استيعاب عدد مقدر من العمال في المشاريع المرتبطة بالقناة.
(3) الخدمات المتوقع تقديمها في شكل مدارس، ومستشفيات، وطرق.
(4) تسهيل حركة النقل النهري، وتقصير وقت الرحلات عبر مجرى القناة.) انتهى. المرجع: مقاتل من الصحراء/ المبحث العشرون/ أسباب الحرب الاهلية والتمرد الثاني ما بعد اتفاقية السلام ١٩٨٣ - ٢٠٠٥

( ب) هذه هي فوائد وإيجابيات قناة جنغلي.. وهي فوائد تبدو حقيقية.. ومعلوم ان من يسمع دعوي المدعي في غيبة خصمه المدعي عليه لا يملك إلا أن يحكم لصالح المدعي.. ولكن مثل هذا الحكم لا يمت إلى العدالة بصلة شكلا وموضوعا.. اما شكلا فلأنه ينطوي علي إخلال بحق الدفاع.. وأما موضوعا فلان المحكمة لم تلم بكل جوانب القضية وذلك من خلال الاستماع لدفاع ودفوع الطرف الآخر المدعي عليه .. الجميل في الأمر أن سلبيات القناة قد لا تقدح أبدا .. ابدأ في إيجابيات القناة ومع ذلك ترجح السلبيات بكلّ الإيجابيات أعلاه .. وهذا بالضبط ما سيحدث عندما نقارن بين ايجابيات القناة وسلبياتها سنجد أن السلبيات ترجح بالحسنات دون ان نقدح او نشكك في امكانية او ترجيح حدوث هذه الحسنات.. فالي سلبيات قناة جنغلي:

أضرار او سلبيات قناة جنغلي:

(أما الأضرار، التي ستترتب على قيام مشروع قناة جونقلي، والتي كانت سبباً في قيام المظاهرات في كل من جامعة جوبا ومدينة ملكال (عام 1974م)، وأدت لاضطرابات وتذمر، وأصبحت واحدة من أسباب التمرد، فتتمثل هذه الأضرار في الآتي:
(1) جفاف مناطق واسعة كانت تنتشر فيها المياه وكانت مراعي لأعداد كبيرة من الأبقار وسيترتب على ذلك نزوح عدد كبير من المواطنين من هذه المناطق لمناطق أخرى ربما تجرهم لنزاع وقتال مع مواطني المنطقة التي سينزحون إليها وبنفس القدر فإن مناطق أخرى ستغمرها المياه وستؤدي إلى نفس النتائج.
(2) يعد صيد الأسماك من أهم مصادر الغذاء للمواطنين في المنطقة، ويتوافر بكميات كبيرة في المستنقعات، وبالتالي فقدان الثروة السمكية الهائلة.
(3) كان من المتوقع وصول عدد من المصريين للعمل في القناة والمشروعات المصاحبة لها، ويرى الجنوبيون أن هذا قدوم استعمار جديد، مثلما جاءت قناة بنما بالأمريكان إلى بنما.
(4) مجتمع النوير مجتمع رعوي، والقليل منهم يعمل بالزراعة لذا فإن خطة الحكومة لعمل مشاريع زراعية على ضفاف القناة وبالري الحديث، لن يجد القبول من قبائل النوير في المنطقة، كما أن قطعان الأبقار بتلك الأعداد الضخمة التي يمتلكها النوير يصعب أن ينجح معها زراعة في مساحات واسعة، لتضارب الرعي مع الزراعة، ولصعوبة السيطرة على الأبقار ومنعها من إتلاف الزراعة.
(5) اتهمت بعض القيادات الجنوبية بتحريض الشباب على المظاهرات لمواجهة الحكومة الإقليمية رافضين فكرة شق قناة جونقلي، حيث ضبط العضو شيش يوزع منشورات تشير إلى ذلك، لأنها تحمل في طياتها رفض استجلاب العمال المصريين، وإقامتهم إقامة دائمة، بمنطقة القناة.) آنتهى. المرجع السابق.

(ج) في الترجيح بين ايجابيات وسلبيات قناة جنغلي:
الجهة التي تمتلك سلطة الترجيح بين إيجابيات وسلبيات قناة جنغلي هي (السكان على الارض الذين يتضررون من تنفيذ مشروع القناة، واعني بهم مثلاً صائدي الأسماك في منطقة السد الذين يقع عليهم الضرر مباشرةً .. ورعاة البقر الذين تعودوا على حياة الرعي منذ (150 الف سنة من عمر الانسان العاقل) .. فليس بمقدور اي برلمان في اقليم جنوب السودان ان يغير النشاط الاقتصادي لقبيلة النوير من الرعي الى الزراعة (بتصويت برلماني) دون الرجوع إلى السكان ملاك مجري النهر خلال مئات الاف من السنين.. فإما تعاملهم الدولة معاملة المواطنين المحترمين، وإما ان تعاملهم معاملة المستعمرين البض للسكان الأصليين من الهنود الحمر في امريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا الذين كان مصيرهم الابادة بلا رحمة .. فهل تقدم دولة جنوب السودان على تغيير نمط الحياة في منطقة السدود من اجل توفير المياه لمصر التي لا تبالي ابد .. ابدا بمصير صائدي الأسماك او رعاة البقر في منطقة السدود ؟!
. دراسات الجدوى الاقتصادية لمشروع قناة جنغلي متوفرة.. وقد كان الشهيد د جون قرانق من اوائل الدارسين للجدوى الاقتصادية لمشروع قناة جنغلي. الدراسات مهمة.. ولكن الاهم منها هو رأي المواطن في منطقة تنفيذ المشروع فانه مستعد للموت من اجل الحفاظ على البيئة الطبيعية والحرف التي ورثها عن اسلافه (حرفتي رعي الأبقار وصيد الأسماك) . هل تغيرت مواقف الجنوبيين من تنفيذ مشروع قناة جنغلي بعد انفصال الجنوب وبالتالي زوال المخاوف حول جلب مليوني فلاح مصري لمنطقة القناة لتغيير التركيبة السكانية للمنطقة؟ تتبعت مصير قناة جنغلي بعد انفصال جنوب السودان حتى تاريخ كتابة هذا الفصل فوجدت أن الدولة المصرية تضغط من أجل استكمال القناة وكأن حكومة الخرطوم الاسلاموية هي التي كانت تضع العراقيل أمام تنفيذ المشروع، فتبين لي ان وزارة البيئة في جنوب السودان هي حاجز الصد الأقوى ضد مشروع قناة جنغلي وتشكل لوبي بيئي قوي في شكل مؤسسات مجتمع مدني مناهضة لاستكمال مشروع قناة جنغلي بسبب آثاره الكارثية على البيئة والحياه البرية في جنوب السودان.

٦- د جون قرنق والعودة إلى مربع ألحرب بعد فشل نظام مايو في خلق وحدة جاذبة مع الجنوبيين.. بل استبدلهم عبر المصالحة الوطنية بالصادق المهدي والترابي- وهي قوي يمينية معادية للعلمانية والعيش المشترك مع الجنوبيين المسيحيين والروحانيين:

في عام ١٩٨٣ دخل نظام مايو في مواجهة ذات طابع نقابي مع لجنة القضاة بسبب الاهانات اللفظية التي وجهها النميري للقضاة في مدينة الفاشر.. فطالبه القضاة بالاعتذار عنها وعلى اثرها دخل القضاة في إضراب مفتوح لحين اعتذار النميري.. وفي نهاية المطاف انكسر النميري امام صمود القضاة فاعتذر لهم ولكنه قرر الانتقام منهم.. فأحاط النميري نفسه بالإسلام الشعبوي الصوفي.. واعلن عن مشروع (العدالة الناجزة) ومحاكم الطوارئ والعدالة الناجزة.. بقصد تهميش القضاة المدنيين بوضعهم تحت القضاة الشرعيين في ممارسة لسياسة فرق تسد بين القضاة المدنيين والشرعيين في الوقت الخطأ تماما لان الدولة قد وضعت خطة علمية لدمج وتوحيد القضاء وقد نجحت الخطة.. لذلك فان اي خطة لوضع القضاة الشرعيين فوق القضاة المدنيين بعد دمج وتوحيد القضاء لا تعدو ان تكون خطة شيطانية لتمزيق وحدة القضاة الذين وقفوا متحدين لهزيمة النميري.
النتيجة التي اود الوصول إليها هي أن النميري حين اعلن نفسه إماما للمسلمين في السودان ومعلنا تطبيق الشريعة ومنع الخمور وأغلق اماكن بيع الخمور واهدر الخمور في النيل حتي سكرت اسماك النيل كانت أمنيته ان يجد معارضة من حلفائه القدامى (الصادق المهدي والترابي ومحمود محمد طه) ليتخلص منهم بحجة معارضتهم للشريعة.. وقد كان اسعد الناس بهذه الخطوة الاسلام السياسي الاخواني.. وقد بكي الشيخ يس عمر الامام فرحا من خطوة إهدار الخمور في النيل.
فاذا كان النميري قد اعلن الشريعة والعدالة الناجزة في اطار صراعه مع القضاة المدنيين ونكاية وانتقاماً منهم فان الجنوبيين والمسيحيين قد اخذوا الموضوع مأخذ جد .. وقد قال الشهيد محمود محمد طه قولة الحق في منشور (هذا او الطوفان) الصادر بتاريخ ٢٥ ديسمبر ١٩٨٤ .. ذكر فيه بما معناه أن قوانين سبتمبر ١٩٨٣ تضر بمركز الجنوبيين والمسيحيين وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية.. وطالب المنشور بإلغاء قوانين سبتمبر.. وقد فهم الجنوبيون رسالة الجمهوريين.. وقال احدهم (مات محمود محمد طه من اجلنا) !
7.
/ مقاومة الحركة الشعبية والجيش الشعبي والتصعيد العسكري في الجنوب هي التي صنعت انتفاضة مارس/ابريل ١٩٨٥ :
8.
إننا نصمم على أن انتفاضة مارس/ابريل ١٩٨٥ كانت بسسب التمرد.. واعني به التصعيد العسكري للجيش الشعبي لتحرير شعوب السودان بقيادة د جون قرانق في الجنوب .. فالأسباب الحقيقية للانتفاضة حدثت في الأحراش في الجنوب، وأعنى بها العمليات العسكرية المكلفة جدا والمرهقة جدا لخزينة الدولة تعرف ب (فاتورة الحرب) .. وتقع آثارها على ( الشرائح الاجتماعية الضعيفة من ذوي الدخل المحدود لاسيما المزارعين والعمال، والطلاب الذين يمثلون نبض الشارع.. ومن طبيعة الاشياء أن الانسان يضخم دوره الاجتماعي .. لذلك يدعي اهل المركز في الخرطوم وعطبرة انهم هم الذين يصنعون الثورات في السودان.. وما علموا انهم-اي اهل المركز ماهم الا السبب المباشر للانتفاضة.. لا السبب الرئيسي للثورة .. ويلاحظ في انتفاضة مارس/أبريل غياب دور الاحزاب السياسية بسبب ضعفها الشديد لطول امد نظام مايو مما ترتب عليه طول امد غياب الأحزاب السياسية عن دائرة الممارسة السياسية اليومية.. وقدّ ملأت (النقابات فراغ الاحزاب) لاسيما (لجنة القضاة) التي نظمت إضراب القضاة الشهير عام ١٩٨٣ .. هذا الاضراب الشهير الذي أفقد النميري صوابه وقوي لديه رغبة الانتقام من القضاة.. وقد سبق الحديث عن هذا الموضوع. ويبقى السبب الاساسي لانتفاضة ابريل ١٩٨٥ هو التصعيد العسكري في الجنوب وقد أشار الى هذه الحقيقة د الجزولي دفع الله رئيس نقابة الأطباء الذي صار رئيس الوزراء الانتقالي في المقابلة التي اجرتها معه (العربي في معرض رده على اسباب الانتفاضة معزيا سببها الى الاوضاع الاقتصادية الصعبة والسخط الشعبي.. ولا يستطيع د الجزولي ان يكون صريحاً اكثر من ذلك بل لا يستطيع أن يذكر دور التمرد في تغيير النظام لان الجيش لا يحتمل ذكر هذه الحقيقة.. ولكن الحقيقة تظهر من اجابة د الجزولي على هذا السؤال: من الذي تسبب في الضائقة الاقتصاديّة والسخط الشعبي؟ فتاتي الاجابة : (فاتورة الحرب في الجنوب وأثرها على الشمال لاسيما على شرائح العمال والمزارعين والطبقة الوسطى عموماً في الخرطوم وعطبرة .. المقتطف ادناه يتضمن شهادة د الجزولي دفع الله رئيس الوزراء الانتقالي حول اسباب انتفاضة ابريل:

(أوضاع اقتصادية صعبة وسخط شعبي
يقول رئيس وزراء الحكومة الانتقالية عام 1985-1986 جزولي العاقب، إن السودان في الأشهر الأخيرة من النظام المايوي كان يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة جدًا، حيث كانت هناك صعوبة في دورة الحياة الأساسية.
ويشرح: أن البلاد كانت مظلمة من دون كهرباء، ولا وقود بأشكاله المختلفة، وكادت الحياة أن تكون متوقفة تمامًا. ) آنتهى. المرجع: العربي /البرامج - كنت هناك/ ثورة ابريل ١٩٨٥ بشهادات من عايشها.. كيف انحاز الجيش لمطلب السودانيين؟١٤/مايو ٢٠٢٢ .
آما المهندس عمر الدقير رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذي له القدح المعلي في تحريك الجامعة والطلاب عموما والشارع .. فانه يعزو احد اسباب الانتفاضة إلى إعدام النميري للشهيد محمود محمد طه بتهمة الردة وهو قد بلغ من العمر (٧٦ عاما) في محاكمة ظالمة لا تمت للعدالة بصلة.. كان الهدف من هذا الاعدام ارهاب الشعب السوداني واذلاله .. ولكن الشعب السوداني الآبي بعد (٧٦ يوما فقط من اعدام الشيخ محمود ذي ال ٧٦ عاما - فجر غضبه ضد نظام مايو والنميري شخصيا في شكل انتفاضة شعبية في ٢٦ مارس الي ٦ ابريل ١٩٨٥ فذهب نظام مايو إلى مذبلة التاريخ.. وبعيد سقوط نظام مايو اعلنت المحكمة العليا بطلان حكم محكمة الاستئناف برئاسة المكاشفي طه الكباشي التي ادانته بتهمة الردة .. تجدر الإشارة إلى ان الحكومة الانتقالية برئاسة الجزولي دفع الله قد أبعدت نفسها تماماً عن دم الشهيد محمود ، وقد عبر عن موقفها السيد عمر عبد العاطي النائب العام في الحكومة الانتقالية الذي امتنع عن الدفاع عن حكم الردة ضد الشهيد محمود والجمهوريين . ادناه شهادة السيد عمر الدقير للعربي حول دور السخط الشعبي ضد النميري بسبب إعدامه للشهيد محمود مما أدي إلى الثورة ضده:

( من جانبه، يوضح رئيس اتحاد طلبة جامعة الخرطوم عام 1984-1985 عمر الدقير، أن الأمور بلغت قمة السخط الشعبي بعدما تم إعدام محمود محمد طه في يناير/ كانون الثاني 1984، والذي كان قد أوضح المدى البعيد الذي بلغته الوحشية والقمع من جانب نظام مايو.) آنتهى.
المرجع : العربي /البرامج - كنت هناك/ ثورة ابريل ١٩٨٥ بشهادات من عايشها .. كيف انحاز الجيش لمطلب لمطلب السودانيين؟ /بتاريخ ١٤/ مايو/ ٢٠٢٢ .،
(٨) السؤال : اننا اذ نسلم بواقعة ان المقاومة المسلحة للمتمردين بقيادة د جون قرنق هي التي تسببت في الضائقة المعيشية في الخرطوم وتركت اثرها على ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى فصنعت انتفاضة ابريل ١٩٨٥ .. السؤال: لماذا لم يحضر د جون قرانق الي الخرطوم لجني ثمار التغيير الذي شارك بقوة في صناعته؟

الفترة الانتقالية كانت بلا طعم ولا لون ولا رائحة.. اختصرها د جون بانها مايو رقم ٢ .. المجلس العسكري الانتقالي برئاسة سوار الدهب الكوز ومجلس الوزراء الإنتقالي برئاسة الجزولي دفع الله الكوز .. وبقية اعضاء مجلس الوزارء تحسب منهم فقط عمر عبدالعاطي النائب العام ود امين مكي مدني. في هذه الفترة لم يتم التواصل اطلاقاً بين سوار الدهب ومجلسه العسكري، وبين د جون غرنق ، وانما جرى التواصل بين عثمان عبدالله وزير الدفاع بحكم علاقة الصداقة التي تربطه بالدكتور جون حيث ارسل خطابا لدكتور جون .. وبعد اقل من اسبوع ارسل د الجزولي بصفته رئيس مجلس الوزراء خطابا لدكتور جون قرنق تضمن ذات فحوى خطاب وزير الدفاع عثمان عبدالله يعرض فيه استعداد مجلس الوزراء بالالتزام التام باتفاقية أديس ابابا. رد عليه د جون غرنق (من مكان عال) بقبوله مبدأ التفاوض.. ولكن لمناقشة (مشكلة السودان.. وليس مشكلة جنوب السودان) .. وبشروط مسبقة اخرى مثل رفع حالة الطوارئ، والغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر وليبيا.. والغاء قوانين سبتمبر ١٩٨٣. وبعد فترة وجيزة ردت الحكومة الانتقالية (ردا عمليا وليس خطيا) برفض شروط د جون غرنق للتفاوض اختصره استاذنا د سلمان محمد احمد في المقتطف التالي:

(دستور السودان لعام 1985 وقوانين سبتمبر
في تلك الأثناء كان دستور السودان الانتقالي قد تمّ إعداده والموافقة عليه بواسطة مجلس الوزراء، ثم تمّ اعتماده وإجازته بعد ذلك بواسطة المجلس العسكري الانتقالي. وقد وقّع كل أعضاء المجلس العسكري على الدستور في 10 أكتوبر عام 1985، ودخل الدستور حيز النفاذ في نفس ذلك اليوم. ولم يكن هناك أي دورٍ للتجمع الوطني في تلك المهمة. بل إنه لم تتم حتى استشارة التجمع في مسودة الدستور.
وقد نصّت المادة 4 من الدستور على أن "الشريعة الإسلامية والعرف مصدران أساسيان للتشريع، والأحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم." 
هكذا أكّدت ورسّخت تلك المادة من دستور عام 1985 بقاء قوانين سبتمبر التي كانت انتفاضة أبريل قد طالبت بإلغائها.) آنتهى. المرجع السابق/ د سلمان محمد احمد.
لقد كان الدكتور جون غرنق حكيما حين رفض الحضور للخرطوم عقب انتصار انتفاضة ابريل ١٩٨٥ التي كانت من صنع التصعيد العسكري للجيش الشعبي في أحراش الجنوب.. وقد اتي هذا التصعيد العسكري أكله في المركز من خلال الضائقة المعيشية الناتجة عن آثار فاتورة الحرب في الجنوب على الأوضاع المعيشية في الشمال لاسيما على ذوي الدخل المحدود. رفض د جون غرنق الحضور للخرطوم عقب الانتفاضة في ابريل ١٩٨٥ يدل على نضج الحركة السياسية في الجنوب بقيادة د جون غرنق.. فقد تعلم الجنوبيون من التجربة الفاشلة لحضورهم للخرطوم بعيد ثورة اكتوبر المجيدة حيث رفض الشماليون بالإجماع فكرة الفيدرالية وأصروا على أن السودان بلد لدين واحد وهو الإسلام.. ولغة واحدة هي العربية.. وذهبت الاحزاب الشمالية لتقنين الدستور الاسلامي.. باختصار رفضت الحركة الشعبية لتحرير شعوب السودان الحضور للخرطوم بعيد انتصار انتفاضة ابريل ١٩٨٥ لانها لم تر في الساحة السياسية في الخرطوم شريكا للسلام في الخرطوم!!

في الفصل السادس القادم من كتابنا: (التمرد والتغيير.. من تمرد حامية توريت وحتى الدعم السريع (6-10) نتناول بحول الله علاقة التمرد بالديمقراطية الثالثة ١٩٨٦ - ١٩٨٩ .

ابوبكر القاضي
نيوبورت / ويلز/UK
الاول من رمضان الموافق ١١/ مارس ٢٠٢٤

aboubakrelgadi@hotmail.com
////////////////////////

 

آراء