ذكرى متجددة: ترنيمة إلى عبد الماجد بوب (1)

 


 

 

 

abdelrmohd@hotmail.com 

خصصوا موقعا اسفيريا باسمك أسموه "تبقى سيرتك هي الكلام.
أغنية منحوتة من أوجاع أحد مبدعينا الذين طواهم الردى خارج مياه الوطن. ومثلما بقيت كلماته وأسلاكه وأشجانه العاتية معلقة في حناجر عشاقه ومسامات ذكرياتهم، تبقى سيرتك هي الكلام أخي ماجد فينا وبيننا الى يوم النشور.
ستبقى منسقة ومتسقة مع ألوان السكسك وأعياد الحصاد في الجنوب لتستقر قوية وساطعة في وجدان الوطن.
• وربما اتخذت شكل ثمرة مانجو او باباى في رومبيك او ياى أو صوت طبل أفريقي هناك تمازج مع تهاليل أو زغرودة تطلقها بنات البحيرات..
• وربما قررت أن تفاوض جوبا وواو بلا زعل فيخلع الساسة أقنعة الموت و تتعمق فوضى الخضرة وتنهار الحواجز وعندها سأكمل معك وعدا لم يقدر الله له الإنجاز ..أن نخصص أمسية أغني لك بطنبوري أغاني الرواويس القديمة وكان في البال أن أمارس مفردات السياسة في حضرة من أهوى ولكن من باب السلك الحنين:
فاوضني بلا زعل
يبقى بكرة المحبوب يصل
وينقطع شيال الخبر

• ربما قررت سيرتك أخي ماجد وهي في تجلياتها المتناهية الأبعاد بين المجرات والسدوم ، أن تتشكل في شكل أناشيد وطنية لها سمات سبائط البركاوي والقنديل في ساقية العلابيب في عمودية جلاس ، لكي يغشاها الطير فينال منها أم راس فترتفع نسبة الفرح في دمه فيستمر في مناجاة القمري من غصن لغصن فلا ينحسر عنه الظل أو يتوقف انسياب الجداول تحته.
وربما أراد مادح كان يتنسم عبير طين الضفاف من أطراف جدول الباجور في عموديتنا أن يطلق عقيرتها بنذر من المديح الجميل وأنت مزفوف بحور عين هناك ...هناك في موقعك السامي:
جمالك نصب عيني
اليه وجهت كلي
فصرت موسى زماني
وصار بعضي كلي

• ربما قررت سيرتك أن تتحول الى عملة نادرة مسكوكة في مصنع التواصل والحب والخير ومنفقة على ملايين الحزانى والفقراء في بلادنا يجدونها منثورة على الطرقات القاسية، لامعة تحت الشمس وعندما يقتربون منها لنيلها ، لا يجدونها دنانيرا تفر من البنان وانما خبز وادام ودواء ونسمة عليلة وضحكة صادقة.

• ربما قررت سيرتك أن تتحول الى نوع خاص من الاحبار اذ ستنهض يوما من رقدتك المطمئنة لتوزع ذلك على تلاميذ المدارس في الوطن يكتبون بها على كراساتهم أناشيد الالتئام مع غذ أجمل. ان لتلك الأحبار قدرة عالية على الغناء بصوت عال وجميل بجميع لغات العالم:
عازة ما سليت وطن الجمال
ولا ابتغيت بديل غير الكمال
وقلبي لى سواك ما شفتو مال
.
• ربما ولأنك في عالمك الجديد تقوم الآن بمواءمة ماكينة ابداعك بما يتلاءم مع نورانية المشهد وجلال المكان ، أن تستمر سيرتك عبر بوادي الوطن في شكل حداء آسر يقتبس منه الشعراء والمغنون والعازفون في سعيهم لإنتاج لحن جديد اسمه السودان ترقص على وقعه الحسان وتحج الى ضفافه أسراب العصافير الملونة في موجات متتالية. هناك ستكون واقفا مع التيجاني يوسف بشير بقامتيكما العاليتين على الضفة الأخرى للنيل جهة توتي تتأملان النهر العظيم وتوزعان معه الخصوبة والعذوبة على الثرى الطهور ..أرض السودان ..تستحسنان صنعه المبارك وترددان:

أنت يا نيل يا سليل الفراديس نيل موفق في مسابك
حضنتك الأملاك في جنة الخلد ورفت على وضيء عبابك.

• ربما قررت أن تتخذ سيرتك شكل الضوء الباهر وتخلل كل خطوط الطول والعرض فتعيد الوطن الى حالة الالتئام مرة أخرى بعد أن أصبحت يا جوبا مالك عليا هي أغنية الموسم المرة عندما أنفض السمار وارتحل العاشقون وحمل إبراهيم دينق طنبوره العتيق مغنيا أيضا:

حتى الطيف رحل خلاني
ما طيبلي خاطر

• يبدو لي أن تشكل سيرتك عبر خطوط الطول والعرض في العالم ، يتلاءم مع حقيقة أن الأحبة انتشروا عبرها عندما عفت الديار وتلاشت ضحكات السمار في الامسيات ، وكأن الأحبة بانتشارهم هذا يريدون أن يعيدوا الى هذا العالم طعم العذوبة التي افتقدها فصار عالما ماسخا لا يعرف ضوء القمر أو حنين الكمنجات.
• لسيرتك أن تتحول الى حروف هجائية صالحة لتتخلل السلالم الموسيقية في العالم يتعلم من خلالها الأطفال معاني الحب والصفاء والطيبة والرقة والذكاء المبدع واشعاع الفكر وصفاء الروح ونقاء الوجدان. وربما تعلم المبدعون منهم أساليب أن تعتذر لشخص على ذنب لم ترتكبه كما كنت تفعل.

تلك قرارات اختيارية أخي ماجد لسيرتك أن تتخير أفضلها تاركة في سمواتنا وأذهاننا مجموعة من الشروط والأسئلة والخواطر منها:

• أن من يكتب سيرتك فلا بد من أن يقل خيرا أو يصمت، كما أن اللغة التي ستعبر عن سيرتك ، يجب أن ترتدي أفخم ما عندها من أساور وتلبس أجمل ما عندها من أقراط مع أنها ستتفادي التكحل لأنها تعرف أن التكحل في العينين ليس كالكحل فلغة الكتابة عنك ذات كحل ، بليغة وأنيقة تحب أن تمارس عادتها في ترتيل الآية الكريمة" لسان الذي يلحنون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"
• لا بد أن تتخذ حروف لغة سيرتك شكل الغيث الهتون الذي يكفي لمليء مجرى ترده أسراب الطير ويغشاه الحزاني والمقهورين كنهر يمر ببابهم كل يوم خمس مرات فلا يبقي ذلك من درنهم شيئ.
• لغة الكتابة عنك يجب أن تتخذ شكل علم البلاد لعدة اعتبارات فهو رمز لأمتنا وأنت عالم رمز للفكر ثم أن العلاقة بينك وبين العلم هي علاقة صفة ولغة فأنت علم.
• كتابة سيرتك تحتاج الى مغني بارع يسعى بها بين الناس مرددا "وكت سيرتك يجيبوها أهلي كتير بعزوها" وربما اختار صداها أغنية أخرى كتبها محمد بشير عيق في الزمن العذب "يا نسيم بالله أغريلو...تباريح شوقي وهيامي"
• كتابة سيرتك يجب أن تتخذ شكل نخلة في عيد لقاحها الأول تسجد شكرا للخالق الذي وهبك لأامة أنتجتك ...وأحببتها وعشقتك فأحسنت أداء أغنية عثمان حسين تلك "كيف لا أعشق جمالك ...ما رأت عيناى مثالك". إن تلك النخلة التي شكرت خالقها نالت أستحقاق أن يهيم بها ألراحل أحمد عمر الرباطي وينتج من ولهه تجاهها سيمفونية من ربوع السودان :
الشتيلة الفوق جدولا
سوت ام راس من هي خدرا
جيت أمد ايدي اتناولا
طبعا حديثي معك عن البلد والنخل والناس والاهل لم ينته فقد تحول الى تجمع أحزان كثيرة في كبدي اذ سيطول انتظار النخل في سواقينا تلك .الأهل هناك، أصدروا أمرا أمر للنخل هذا العام ، ان تتحول سبايطه الى عراجين قديمة كالقمر في اطواره الأخيرة" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم" " وان يتوقف القمري عن الهديل وأن يزداد حنين السواقي وترتفع نبرته وأن تتوقف حمحمات الصاقين وتدخل اسراب الطير في اجازات اضطرارية ، فقد جاء رجل من المدينة يسعى قال يا قوم أن ماجد لم يعد هناك ، فاحفظوا حقه واكتبوا سيرته وخلدوه فالامم العظيمة تخلد عظماءها . سموا المنابر باسمه واجمعوا أعاله واعيدوا طباعة كتبه ولقاءاته وبرامجه فقد قال قولا يجب على الدهر انشاده وعلى الوطن تخليده وعلينا مجيده.

سلام عليك في الخالدين أخي ماجد فقد كنت لحنا ليته لو تم ومبنى ليتنا نعمنا بسكناه ومعنى سيظل بيننا الى أن نلتقي..

 

آراء