رأسمالية امريكا و مسئولية ’إنقاذها‘ … بقلم: تقديم/ صديق عبد الهادي
4 February, 2009
كلام في الاقتصاد
Siddiq01@gmail.com
أجاز الكونغرس في الاسبوع الماضي الحزمة المالية التي تقدم بها الفريق الاقتصادي لادارة الرئيس باراك اوباما لاجل إنعاش الاقتصاد الامريكي الذي دخل شهره الرابع عشر منذ ان امسكت به الازمة و خلخلت بنيانه. و صلت الحزمة المجازة الي ما قدره 819 مليار دولار. الفكرة الاقتصادية وراء ذلك هي ان يتم ضخ هذا الميلغ من المال لاجل تحريك ساكن الاقتصاد و ذلك عن طريق تشجيع اصحاب الاعمال التجارية و الشركات والمؤسسات علي الاستدانة من البنوك والمصارف التي ستعمل كوسيط، كما هو معلوم، للقيام بمهمة تسهيل الحصول علي القروض التي ستوفرها هذه الحزمة المالية. و بذلك سيتوقف، على الاقل، نزيف العطالة الذي وصل الي 2,6 مليون في العام 2008م.
يؤكد الاقتصاديون، إن كان ممنْ يؤيدون إقتصاد السوق الحر أو ممن يقفون ضده، أن الامر الاساس في شأن هذه الازمة هو فقدان الناس للثقة في النظام الاقتصادي. ولكن السؤال الذي يلح على الذهن هو ما المقصود بفقدان الناس للثقة؟ هل في اداء النظام الاقتصادي في الفترة التاريخية المحددة ام فقدان الثقة في النظام الاقتصادي الرأسمالي اصلاً؟. ما يفهم من جل التحليلات الاقتصادية ان المقصود هو فقدان الثقة في الاداء الاقتصادي في الفترة التاريخية المحددة. فلو سلمنا بذلك، هل يمكننا ان نعزل ظاهرة الاداء في هذه الفترة التاريخية عن مجمل تركيبة النظام الراسمالي عموماً او اصلاً؟.
إن فقدان الثقة هو النتيجة و ليس السبب، لان السبب الاساس هو ان النظام الراسمالي في جوهره، إن كان ان تمّ تحسينه ام لا، يعمل لاجل خلق الارباح و من ثمّ تعزيز الملكية ، وبكل السبل، وباقصرها و لو اكثرها ضرراً، وفي ذلك ، بالقطع، تتساوى كل الاشكال والانماط المختلفة للنظام الراسمالي، الامريكي منها والاوربي والاسلامي.
إن قطاع المال و خاصة البنوك و المصارف تعتبر الاداة الناجزة للتحقيق، و قد كانت تلك هي الحكمة التي إتبعتها الراسمالية الاسلامية في السودان، حيث لم تكن صدفة أن ركزت كل جهدها في هذا القطاع عند بدء نشاطها في مطلع السبعينات من القرن الفائت. و البنوك ما زالت تحتفظ بتلك المهمة الخطرة إن كان في السودان او في قلب النظام الرأسمالي الامريكي. إن كل حزم الدعم المالي، إن كانت تلك التي نفذها الرئيس السابق جورج دبليو بوش أو التي يعمل علي تنفيذها الآن الرئيس باراك اوباما، للمصارف قولٌ فصلٌ فيها لان لسان حالها و مقالها يؤكد بانها ’سوف لن تمر إلا من هناك‘.
لا شك في أن الحزمة المالية المجازة حالياً و بمبلغ 819 مليار دولار سيكون لها اثر في تحريك الاقتصاد و لكن ستستفيد منها المؤسسات و الشركات الكبرى اكثر من المواطن الامريكي العادي ، مع العلم بان هذه المليارات الطائلة تعتبر عبئاً علي الاجيال الامريكية القادمة و ستكون ديوناً واجبة السداد كمل يقول الاقتصاديون في الولايات المتحدة. و لكن في حقيقة الامر، لو يعلمون، انها ستكون عبئاً على اجيال قادمة لدى شعوب اخرى و في بلدان اخرى. و ذلك ليس رجماً و انما بفضل آلية النظام الراسمالي نفسه الذي خلق الازمة الحالية نفسها.
(*) نقلاً عن اجراس الحرية.