رئيس الوزراء المستقيل ورئيس الحكومة البديل
اسماعيل عبدالله
12 March, 2022
12 March, 2022
منذ أن استقال رئيس الوزراء السابق عقب الارهاصات المأساوية للانقلاب الذي نفذه قائد الجيش في الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، ما يزال عسكر الانقلاب ومناصروهم يراوحون مكانهم دون التوصل لاختيار رئيس الوزراء البديل، وضاقت فرص الحصول على البديل بعد أن تململ أنصار الانقلاب، وتسربت تصريحات من قبل بعضهم شكوا خلالها من دكتاتورية العسكر في الاستحواذ على السلطة، الأمر الذي وضع اشياع هذه الحماقة الانقلابية أمام خيارات بائسة، وجل هؤلاء المشايعين من منسوبي الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، ولو كان يعلم هؤلاء المتعلقون باستار كعبة لعسكر أن الحال سيؤول الى ما آل اليه من فشل ذريع، لفضّلوا البقاء متشاكسين مع غريمهم قوى اعلان الحرية والتغيير ولاذعنوا لصوت الحوار المدني، فالذهاب المفاجيءرلئيس الوزراء المستقيل جاء كنتيجة بديهية للصراع الحزبي الدائري الذي يشهده السودان منذ قديم الزمان.
العودة للوراء مستحيلة، وذلك لما للتطورات المتسارعة داخلياً وخارجياً من حضور والزام، ولا اعتقد أن رئيس الوزراء المستقيل سيقبل بالرجوع لمنصبه مجدداً، حسب ما تداولته الأخبار من أن ثمة وساطة اقليمية ناشطة هذه الأيام تسعى لعقد مساومة بين الأطراف المتصارعة، من أجل إعادة الدكتور عبدالله آدم حمدوك إلى موقعه، لأن ما انجزه حمدوك في غضون السنتين اللتين قضاهما كرئيس للحكومة، تم هدمه في يوم واحد بارتكاب الشريك العسكري لجريمة تقويض السلطة الانتقالية، فالمرحلة الانتقالية السابقة للانقلاب قد مضت الى غير رجعة، وعلى الممسكين بمقاليد سلطة الأمر الواقع الانقلابية أن يتحملوا تبعات ما اقترفوه من جرم عظيم، والدافع الرئيس في عدم قبول الذين تم ترشيحهم لسد الفراغ الذي خلفه حمدوك، هو القبضة العسكرية والأمنية الشديدة الحرص على الامساك بكل صغيرة وكبيرة متعلقة بشأن الحكم، الأمر الذي يجعل من أي رئيس جديد للجهاز التنفيذي دمية بيد الانقلابيين، أي وبمعنى آخر وجوب انطباق شروط الرجل الذي يقول نعم في من يقبل بأن يخدم تحت إمرة الانقلابيين.
الحقيقة التي يتغاضى عن رؤيتها الانقلابيون تكمن في أن الشعور والحس الوطني العام، قد لفظ القبول باليد العليا للقادة الأمنيين الذين يجب أن ينحصر دورهم في حراسة مقدرات البلاد، والحراسة هنا لا تعني القيام بواجب الادارة لأن الاختلاف كبير بين مهمة حارس الأمن ودور المدير الاداري، فلا يعقل أن تزج بحارس البوابة (الخفير) في شئون إدارة المؤسسة التي لا يعرف عنها سوى اغلاق النوافذ والابواب، لمنع تسرب الرياح العاتية والامطار العاصفة حتى لا تتلف ما ركن بداخل المكاتب من وثائق مهمة، إن إدارة الدولة عبر حكومة تنفيذية يقودها اكثر من ثلاثين دستورياً من الوزراء المركزيين والولاة، بحاجة الى صلاحيات واسعة يمنحها الدستور الانتقالي لرئيس الحكومة دون تدخل من العسكريين في الاختصاصات الفنية والمهنية لرئيس الحكومة التي لا تخصهم، وفي تجربة الحكومة التي ترأسها الدكتور المستقيل بانت تجاوزات العسكريين ورموز النظام البائد الباقين رغم حدة سيف ازالة التمكين، ووضحت معالم الخلل البنيوي للمؤسسات الحكومية وتم اكتشاف المعايير البائسة التي كانت تدار بها هذه المؤسسات.
لن يكون هنالك رئيس حقيقي لحكومة الأمر الواقع الانقلابية، وذلك بسبب قصورها وعدم وجود خبراء استراتيجيين حقيقيين، فقد أطل عدد مهول من عاطلي الموهبة وفاقدي المؤهل التربوي وضربوا سياجاً كثيفاً حول الانقلابيين، وطفقوا يقدمون لهم النصح الفطير الذي أودى بحكومة الانتقال وقذف بها الى قاع هذا الدرك السحيق، ومن التحديات التي واجهها الحراك الثوري الفاعل الذي لم يلن يوماً ولم ينكسر منذ ذهاب المخلوع للسجن، هذا البون الشاسع ما بين شجاعة الوعي الشبابي البائن وبين جبن وغباء رموز التحالفات السياسية التي تدعي دعماً للحراك، فعندما يتحدث الشهيد كشة ورفاقه عن الوطن الحلم وما يجب أن يكون، تتضاءل أمام هذا الخطاب الشبابي الواعي والمستنير هامات العمامات البيضاء وربطات العنق العنقاء، فتحزن وتأسى لهذه الحالة المرضية التي لا تسمح لأمثال هذا الشباب المستنير لأن يقود المواجهة السياسية المباشرة مع الانقلابيين المتشبثين بالكرسي الملطخ بالدماء.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
11 مارس 2022
العودة للوراء مستحيلة، وذلك لما للتطورات المتسارعة داخلياً وخارجياً من حضور والزام، ولا اعتقد أن رئيس الوزراء المستقيل سيقبل بالرجوع لمنصبه مجدداً، حسب ما تداولته الأخبار من أن ثمة وساطة اقليمية ناشطة هذه الأيام تسعى لعقد مساومة بين الأطراف المتصارعة، من أجل إعادة الدكتور عبدالله آدم حمدوك إلى موقعه، لأن ما انجزه حمدوك في غضون السنتين اللتين قضاهما كرئيس للحكومة، تم هدمه في يوم واحد بارتكاب الشريك العسكري لجريمة تقويض السلطة الانتقالية، فالمرحلة الانتقالية السابقة للانقلاب قد مضت الى غير رجعة، وعلى الممسكين بمقاليد سلطة الأمر الواقع الانقلابية أن يتحملوا تبعات ما اقترفوه من جرم عظيم، والدافع الرئيس في عدم قبول الذين تم ترشيحهم لسد الفراغ الذي خلفه حمدوك، هو القبضة العسكرية والأمنية الشديدة الحرص على الامساك بكل صغيرة وكبيرة متعلقة بشأن الحكم، الأمر الذي يجعل من أي رئيس جديد للجهاز التنفيذي دمية بيد الانقلابيين، أي وبمعنى آخر وجوب انطباق شروط الرجل الذي يقول نعم في من يقبل بأن يخدم تحت إمرة الانقلابيين.
الحقيقة التي يتغاضى عن رؤيتها الانقلابيون تكمن في أن الشعور والحس الوطني العام، قد لفظ القبول باليد العليا للقادة الأمنيين الذين يجب أن ينحصر دورهم في حراسة مقدرات البلاد، والحراسة هنا لا تعني القيام بواجب الادارة لأن الاختلاف كبير بين مهمة حارس الأمن ودور المدير الاداري، فلا يعقل أن تزج بحارس البوابة (الخفير) في شئون إدارة المؤسسة التي لا يعرف عنها سوى اغلاق النوافذ والابواب، لمنع تسرب الرياح العاتية والامطار العاصفة حتى لا تتلف ما ركن بداخل المكاتب من وثائق مهمة، إن إدارة الدولة عبر حكومة تنفيذية يقودها اكثر من ثلاثين دستورياً من الوزراء المركزيين والولاة، بحاجة الى صلاحيات واسعة يمنحها الدستور الانتقالي لرئيس الحكومة دون تدخل من العسكريين في الاختصاصات الفنية والمهنية لرئيس الحكومة التي لا تخصهم، وفي تجربة الحكومة التي ترأسها الدكتور المستقيل بانت تجاوزات العسكريين ورموز النظام البائد الباقين رغم حدة سيف ازالة التمكين، ووضحت معالم الخلل البنيوي للمؤسسات الحكومية وتم اكتشاف المعايير البائسة التي كانت تدار بها هذه المؤسسات.
لن يكون هنالك رئيس حقيقي لحكومة الأمر الواقع الانقلابية، وذلك بسبب قصورها وعدم وجود خبراء استراتيجيين حقيقيين، فقد أطل عدد مهول من عاطلي الموهبة وفاقدي المؤهل التربوي وضربوا سياجاً كثيفاً حول الانقلابيين، وطفقوا يقدمون لهم النصح الفطير الذي أودى بحكومة الانتقال وقذف بها الى قاع هذا الدرك السحيق، ومن التحديات التي واجهها الحراك الثوري الفاعل الذي لم يلن يوماً ولم ينكسر منذ ذهاب المخلوع للسجن، هذا البون الشاسع ما بين شجاعة الوعي الشبابي البائن وبين جبن وغباء رموز التحالفات السياسية التي تدعي دعماً للحراك، فعندما يتحدث الشهيد كشة ورفاقه عن الوطن الحلم وما يجب أن يكون، تتضاءل أمام هذا الخطاب الشبابي الواعي والمستنير هامات العمامات البيضاء وربطات العنق العنقاء، فتحزن وتأسى لهذه الحالة المرضية التي لا تسمح لأمثال هذا الشباب المستنير لأن يقود المواجهة السياسية المباشرة مع الانقلابيين المتشبثين بالكرسي الملطخ بالدماء.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
11 مارس 2022