رتشارد قولدستون … الوجه الآخر لأوكامبو
7 October, 2009
هناك حالة هياج وغضب تقودها قناة الجزيرة ، والسبب هو لأن السلطة الفلسطينية قررت تأجيل التصويت على تقرير قولدستون ، هناك قفز سريع بين الحقائق من أجل تصفية الحسابات السياسية ، فحسب رواية قناة الجزيرة أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس باع قضية غزة مقابل سماح إسرائيل له بتأسيس شركة للإتصالات ، أي أن الدافع من التأجيل هو المال وليس السبب لأن هناك إنقسام بين المصوتين في لجنة حقوق الإنسان ، ولا يشير البعض هنا إلى تدخل كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة لإجبار السلطة الفلسطينية على سحب الملف ، ولو وصل التقرير لصندوق الإقتراع لسقط من أول وهلة ، ولو وصل إلى طاولة مجلس الأمن ما كان ليجد طريقه إلى النجاح بسبب الأغلال الأمريكية ، فالفيتو الأمريكي سوف يعرقل أي قرار يدين إسرائيل ، لكن بعض المتفائلين يرون أن سحب السلطة الفلسطينية لقرار التصويت أضاع فرصة ذهبية كانت في يد العرب ، حيث كان بالإمكان مقاضاة أولمرت وايهود باراك وأدرعي وأشكنازي ، هذه الخطوة لن تحدث وهذا أسميه غرق في التفاؤل ونرجسية تتجاهل آليات مجلس الأمن ، ربما يريد البعض تصفية حساباته مع الرئيس محمود عباس ، وربما يكون هؤلاء وجدوا فرصتهم الذهبية للقضاء عليه سياسياً ، لكن هناك أسباب عملية أبقت الدولة الإسرائيلية بعيداً عن المحاسبة وايادي القانون ، وليس من بين هذه الأسباب موافقة عباس أو رفضه ،وهذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها العالم متفرجاً على الجرائم الإسرائيلية ،حيث تسقط التوصيات وتُحرق محاضر لجان التحقيق ، فهناك مجازر عدة وقعت ، صبرا وشاتيلا ، دير ياسين ، قانا ، وغيرها من عمليات الإغتيال التي نفذها الموساد ضد نشطاء فلسطينيين ، فإسرائيل هاجمت دول عربية عديدة مثل السودان والعراق وتونس وسوريا ولبنان ، والمضحك في الأمر أن هذه الدول لم تشكو إسرائيل لمجلس الأمن ولم تتظلم ، بل بعضها تكتم على الهجمات ، والمثال الحي الذي بأيدينا هو هجوم إسرائيل على قافلة مجهولة كانت في رحلة سير في شرق السودان ، عدد الضحايا ما بين مائتين إلى ثمانمائة شخص ، ووزير المواصلات الولائي يؤكد أن كل الضحايا من السودانيين ، لكن لماذا لم يشكو السودان إسرائيل إلى مجلس الامن ويدعو لتكوين لجنة تحقيق من أجل محاسبة إسرائيل ؟؟ عدد القتلى يداني نصف ضحايا حرب غزة ،وهناك من يزعم أن السودان طوى هذه القضية بناءً على نصيحة مصرية ، فالسودان في ذلك الوقت كان يتودد من أجل إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة ، وقضية في هذا الشأن سوف تبطئ حركة ذلك التوجه ، وهناك محللون يطرحون نظرية مغايرة بناءً على صرح به المبعوث الأمريكي سكوت غريشن نفسه ، وهذه النظرية تزعم أن السودان ربما يكون قد قدم معلومات عن هذه القافلة التي مرت عبر أراضيه ، وذلك يأتي في إطار التعاوني بين السودان وأمريكا في محاربة الإرهاب ،أي أن الرئيس عباس ليس أول من باع ، وليس آخر من أشترى ، وعندما أرى الضجة الإعلامية حول تقرير غولدستون يجعلني ذلك أعتقد أن نتائج التقرير أفضت إلى تحرير القدس ومنح حق العودة للمهجرين والتعويض المالي لكل المتضررين ، فالعرب يطالعون جانباً واحداً من التقرير وهو الجانب الذي يسرهم ويتماشى مع خطهم المؤيد لحركة حماس ضد محمود عباس ، فهناك جانب من التقرير أشار إلى ضلوع حركة حماس أيضاً في جرائم الحرب مثل مهاجمة المستوطنات بالصواريخ وأعمال التصفية البدنية لسجناء حركة فتح بحجة تعاونهم مع إسرائيل وإستخدام المدنيين كدروع بشرية ، صحيح ربما يكون للبعض نظرته الخاصة التي تبرر تصرفات حركة حماس ، لكن بالنسبة للمجتمع الدولي هذه الأعمال تُعتبر جرائم حرب يحاسب عليها القانون الدولي ، والمحاسبة كان يُمكن أن تشمل الطرفين قادة إسرائيل وقادة حركة حماس ، وما كان العرب ومنظماتهم الصديقة سوف يوافقون على محاكمة أي فرد من حركة حماس ، ولو كان الصف الفلسطيني موحداً لكان بالإمكان تدارك هذا الخطأ ، لكن المتأمرين الحقيقيين هم الذين دعموا إنقسام الشعبي الفلسطيني ، وأستغرب كيف يقف البعض مع الرئيس البشير بذريعة صيانة السيادة السودانية وإعتبار أن التهمة الموجهة ضده سياسية بينما يلهثون وراء تقرير كتبه قاضي يهودي متزمت يقول أنه أستهدى بالهولوكوست من أجل كتابة تقريره ، رتشارد قولد ستون من محبي دولة إسرائيل ويحمل فكراً توراتياً من العهد القديم ، لكن هذا لم يمنعه من ممارسة عمله بمهنية تامة ، وكون الإنسان يهودي أو نصراني لا يعني ذلك أنه غير مستقيم في العدالة ، فقد طعن بعضهم في أهلية أوكامبو بحجة أنه مسيحي يريد محاكمة رئيس مسلم يحفظ سورة البقرة وآل عمران ، لذلك على العرب أن يوحدوا نظرتهم لمسألة العدالة ، وأن يقبلوا بها تحت كل الظروف ، لهم أو عليهم ، فإن كان هذا القاضي جرّم إسرائيل على الرغم من أيمانه بها بسبب العدالة ، أي أن إيمانه بالعدالة أكبر من إيمانه بالخط القومي والديني ، فعلى العرب من هذه الناحية أن يقفوا مع محاكمة الرئيس البشير حتى تكون لهم مصداقية بين دول العالم ، ليس عليهم أن يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه ، فالعدالة مفهوم إنساني لا يتجزأ ، نفس الفريق الذي ناصر تقرير قولدستون وذرف الدمع على فوات التصويت عليه هو نفس الفريق الذي منع محاكمة الرئيس البشير ، الجامعة العربية ، المؤتمر الإسلامي ، الإتحاد الأفريقي ، القطريون وآلتهم الإعلامية ، هذه الأوركسترا نصرت الرئيس البشير ظالماً ومظلوماً ، ضحايا حرب دارفور أكثر من ضحايا حرب غزة ، أستطاعت حركة حماس أن تدفع لكل متضرر فلسطيني مبلغ خمسة آلاف دولار وقامت بتزويج الأرامل ورعاية الأيتام ، مما يعني أنها تملك مشروعاً يضعها في إطار مختلف ، إطار مثل الدولة المستقلة التي عليها دراسة تبعات الحرب قبل شنها ، نعود للجرح النازف دارفور والتي أعتبر أوليتها عندي قبل القضية الفلسطينية ، يرزح الآن أكثر من 4.5 مليون دارفوري في معسكرات النزوح ويعانون من الجوع والمرض وعدم الأمان ، ربما يكون قد أستيقظ ضمير هذا القاضي اليهودي فأنصف أهل غزة ..فيا ترى متى يستيقظ الضمير العربي والإسلامي لمحاكمة الرئيس البشير ؟؟ قال شاعرهم :
أتصحو .. أم فؤادك غير صاحٍ .. ولم يسمع بدندنة القداح
سارة عيسي
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]