رحلة التهنئة والكوميديا الطائرة
بسم الله الرحمن الرحيم
فى مسرحية شهيرة للكاتب البريطانى الساخر اوسكار وايلد ، تسأل العجوز المتعجرفة خطيب ابنتها عن ابيه وماذا يفعل اجاب الخطيب فى غير اكتراث: مات ياسيدتى ، قالت وامك ؟ اجاب مبتسماً : ماتت هى ايضا ياسيدتى . انفجرت العجوز غاضبة : ان يموت ابوك فذلك سوء بخت لا يد لك فيه . اما ان يموت ابوك و امك فيبدو لى ذلك اهمالاً وتقصيراً وسوء تقدير
ولا ادرى لم خطرت لى هذه الفكرة الشاذه ، وانا اطالع اخبار رحلتى السيد الرئيس الى نيجيريا التى اجهضت بعد حوالى يوم واحد، والى طهران التى اعترضتها سلطات مطار جدة واعادتها الى الخرطوم
رحلة نيجريا كانت لغير هدف استراتيجى واضح . فالمؤتمر لم يكن بالاهمية لان يغامر من اجلها رئيس مستهدف فى اجواء بلاد غارقة فى وحل فسادها وصراعاتها التى لاخلاص منها الا بمباركة الولايات المتحدة او تواطؤها . وفى سبيل تلك المباركة وذلك التواطؤ، فان بعض الدول التى يجازف الرئيس باجتيازها مستعده لبيع امه وابيه وصاحبته التى تؤويه ، دع عنك رئيس دوله لامباركتها مطلوبة ولا تواطؤها مرغوباً فيه . وكان يمكن ارسال وزير متخصص فى موضوع المؤتمر وهو على اى حال وكاغلب مؤتمرات افريقيا مجرد " طق حنك" لايقدم ولا يؤخر . وحتى تواصلها الاجتماعى مجدب لا تنتج عنه فائدة الا اذا كان فى وفدك فتاه بيضاء حسناء تسر الناظريين . والرحله برمتها مما يمكن ان ينطبق عليها توصيف العجوز بانها من سوء الطالع الذى سلمت منه الجره هذه المرة.
اما الملابسات التى صاحبت الرحلة الثانية الى طهران عبر السعوديه والتى اعادتها سلطات الطيران السعودى الى الخرطوم تجرجر اذيالها ، كما يقول الشاعر العربى القديم ، او تخفى ذيلها بين فخذيها كما يقول الانجليز ، فيصدق عليها القول انها "كوميديا الاخطاء" .
السؤال البديهى وجّه للسفير السودانى فى المملكة : لماذا لم يسافر الرئيس بالطائرة الرئاسية ، لماذا سافر بطائرة خاصه مستأجرة؟ الذين وجهوا السؤال كانو يحسنون الظن بانه سفير كغيره من سفراء العالم يعلمون متى يسافر رؤساؤهم ومتى يقلعون ، ومتى يجتازون الاجواء ، ومتى يهبطون . ولكن كما ان هناك سفراء فوق العادة ففى السودان سفراء تحت العادة ، لا يستشارون ولا يحتاجهم احد لمهمة . اذا كان لاحد المسئولين حاجة فى بلد ما ، شد اليها الرحال بنفسه وبعض اعوانه وحصد خيرها وحصل على علاواتها . اجاب السفير : لا ادرى! يمكنكم ان تسالا ديوان الرئاسة قال ذلك بعد ان اضطر الى تاكيد رواية سلطات مطار جدة بأن الطائرة جاءت خالية الوفاض بلا تصريح بالمرور، مخالفة بذلك الشروط التى منحت لصاحبها الثرى السعودى بعدم المرور فى الاجواء المملكه أو الهبوط فى اى من مطاراتها الا اذا كان صاحبها على متنها : وليس هينا على سفير أن يضطر الى تكذيب سلطات الدولة التى يمثلها ويتحدث باسمها (ما اتعس ان تكون سفيرا للسودان)
لم استغرب. اذ ادكر من بين تجاربى " السعيدة" ان اخبرنى السفير فقيرى وكنت وقتها مستشارا اعلامياً بدولة قطر بأن وفداً اعلاميا سيصل بعد ساعات لتوقيع اتفاقية مع قناه الجزيرة . سألته : " وهل تعلم شيئا عن هذه الاتفاقية ؟ " ضحك وأجاب فى مرارة : " انت مستشار اعلامى لا انا ". لم تفكر وزاراة الاعلام فى اخطار السيد السفير دع عنك مستشارها الاعلامى بهذه الاتفاقية . ولا ادري كيف علم السفير بوصول الوفد بأى نفس يمكن ان اذهب الى قناة الجزيرة فى امر يتصل بالاعلام إذا كانت القناة اقرب الى سلطات الاعلام منى وتتعامل معها مباشرة . ولقد طالما سألت نفسى لماذا يصر السودان ان يكون له ممثلون فى الخارج اذا كان يفضل التعامل المباشر؟ لماذا لا يحول هذه الموازنة الهائلة الى بند " بطاقات السفر والبدلات والعلاوات ؟"
والتعامل مع السفير والمستشار والملحق قد يكون مقبولاً ، اما ان يمتد التراخى فى امور تتصل بأمن راس الدولة وسمعة الدولة وكرامة شعبها فذلك مالا يمكن التساهل فيه.
والطائرة التى استقلها الرئيس ولنبدأ من حيث يجب ان نبدأ ، تضم وزيرى الزراعه والاستثمار ، ووزراء الدوله الثلاثه بالقصر . اما الوزيران المركزيان فلا صله لهما برحلة التهنئة فهي مجرد مهمة بروتوكولية للمجاملة . ولكل من وزراء الدوله ملفه الخاص ولا صله لواحد من هذه الملفات بايران . ولا ادرى كيف توهط بينهم وزير الخارجية وهو لا يعرف ان كانت اجراءات التصريح الدبلوماسى –التى تقع فى دائرة اختصاص وزارته – قدم تم اتخاذها ؟.
ونعود قبل ذلك ونسأل : متى وكيف تم اختيار الطائره البديله للرئاسية وهل منحت مجانا ام تم استئجارها وعلى يد من, ومن اخذ عمولة استئجارها وكيف يؤجرها صاحبها لا ستخدام رئيس الدوله وهو يعلم ان اهم شروط استئجارها بتصريح مؤقت الا تجتاز اجواء المملكه او تنزل فى اى من مطاراتها , إلا وصاحبها على منتها . كيف يوافق على صفقة تعرض رئيس دوله الى عمل غير قانونى يعرض الرئيس والدولة الى حرج وقد يتسبب فى احداث شرخ فى العلاقه بين السودان والمملكة العربية السعودية ؟
وإذا تجاوزنا المالك السعودى للطائرة ، كيف تورطت السلطات السودانية السيادية والامنية والدبلوماسية فى صفقة تترك امن الرئيس والمرافقين له تحت رحمة طاقم طائره ليس من بينها سودانى واحد وقائد اجنبى للطائرة لانعرف حتى اللحظة جنسيته او هويته : ماذا اذا اختفت فى اجواء السعودية او الم بها مكروه لاقدر الله ولا احد يدرى إلا انها طائرة خاصة يملكها ثرى سعودى يمكن ان يحولها الى اى اتجاه اراد ؟ .
وسنسأل حتى يبح صوتنا ونعرف الا احد يجيب . ومتى اجاب احد عن اسئلتنا التى ظللنا نطرحها فى باب اسميناه " علامات استفهام ": لكننا نلح فى السؤال : من الذى خطط لهذه الرحلة واحاطها بهذا الغموض الغريب الذى يجعلها من جنس رحلات السندباد فى بلاد العجايب ؟ وليس فى الرحلة مايدعو للسرية والغموض وانما هى رحلة تهنئة عادية فى مناسبة عالميه علنية سيغطيها الاعلام فى كل انحاء العالم ؟ .
أهو ديوان الرئاسة ، ام وزاره الخارجية ام هى تلك الجهه السحرية التى خططت لرسو السفن الايرانية فى ميناء بورتسودان دون اخطار وزارة الخارجية ، والمتورطة فى خطة تعاون عسكرى سرية لمد غزة بالسلاح الايرانى وفق اتهام جهات اسرائيليه مما ادى الى تدمير سيارتين وقصف مصنع اليرموك ؟ .
وقد غادرت هذه الطائرة مطار الخرطوم فى جو من السريه لايخفى هدفها فقط بل يحاول ان يخفى خط سيرها : فلم تخطر سفيرها فى الدولة التى ستجتاز اجواءها ولم تخبر سلطات الطيران فى تلك الدولة ولم تحصل على اذن بالعبور . واخطر من ذلك لم تحصل على التصريح الدبلوماسى الذى يلزم استخراجه قبل 48 ساعة فى حالة سفر رؤساء الدول .
وهو تصريح لايقصد به مجرد العلم بل هو اجراء ضرورى لمتابعة الطائرة وتوفير الحماية لها عند الضرورة . وقد جرت التقاليد ان يقدم رأس الدولة تحياته لرصيفة ولحكومته وشعب الدولة التى يمر فوق اجوائها ، لا ان يتسلل متخفيا بهذة الطريقة التى تتعارض مع كل الاعراف الدولية .
الغريب فى الامر ان قائد الطائرة لسبب مجهول شاء ان يكذب على السلطات السودانية مؤكدا بانة قد حصل على تصريح المرور ، مما دفع سلطات الطيران السودانية الى الاعلان بأن السلطات السعودية قد منعت الطائره والتى تقل رئيس الجمهورية من التحليق فى اجواء المملكة بالرغم من حصولها على تصريح العبور ، معرضة للخطر العلاقات بين السعودية والسودان وهى علاقات حساسة تحرص عليها الدولتان ، ومثيرة للسخط والغضب بين السودانيين على مارأوة تصرفا يحط بكرامة البلد ورئيسها .
الامر الذى اضطر معه السفير السودانى الى تكذيب بيان دولته وتاكيد سلامة موقف السلطات السعودية فى سابقة لا اعرف لها مثيلاً . ومسلسل الغرابة لا ينتهى فقد عاد قائد الطائرة ليعترف انه لم يحصل على تصريح العبور مبرراً ذلك بعذر اقبح من الذنب بأنة كان يعتقد بأن ملكية الطائرة لمواطن سعودى تمنحه حق العبور بلا ترخيص . بالله عليكم هذا كلام رجل مسؤول ؟ يقود طائرة لايعرف شروط التصديق لها ! ومن بين التسجيلات انه برر عدم الحصول على اذن العبور بان الرحلة كانت مستعجلة ! ماوجه الاستعجال ؟ وتنصيب الرئيس الايرانى كان معروفاً للعالم كله قبل اشهر .
هذا عن تصريح المرور الخاص بالطائرة ، ولكن ماذا عن التصريح الدبلوماسى الذى يؤمن رحلة الرئيس ؟ والذى يبدو ان عدم استخراجه لم يكن سهوا بل كان مقصوداً لاخفاء سفر الرئيس، ولكن مادامت المسألة قد انتهت . لماذا لم يجنبنا قائد الطائرة الحرج؟ لماذا عاد واخبر سلطات المطار بوجود الرئيس؟ هل كان من الغباء بحيث ظن بان الطائرة سيسمح لها بالعبور وإذا كانت السلطات . واذا كانت السلطات لم تتسال بشان تصريح المرور لطائرة خاصة .هل تتساهل فى تصديق دبلوماسى يؤمن طائة رئيس دولة ؟
ونسأل قبل ان يصيب الدوار عقولنا ويسخر القاري من اسئلتنا : هل سينتهى الامر عند هذا الحد ؟ ام سيكون هناك تحقيق وماساءلة تنهى والى الابد هذه الحالة المسخره التى ادخلت السرور فى قلب معارض سودانى (للسودان لا للحكومة) .
التقيتة امام السيوبر استور وكان مبتهجا فرحا كما لو ان المائه يوم لتسخين العاصمة قد اشعلتها نارا واسقطت النظام ، واجهنى بابتسامه عريضة تملا وجهه العريض : هل سمعت ؟ وقبل ان اجيب اعلن خبرة السار : طائرة الرئيس منعوها من التحليق فوق السعودية : هأ ........ هأ ........هأ .
mohammed shoush [mi_shoush@hotmail.com]