رداً على مقال يوسف عبدالمنان (نوبة نوبة!) .. بجريدتى المجهر والمرصد
بقلم: آدم جمال أحمد - سيدنى – استراليا
طالعت على مقال كتبه الأستاذ يوسف عبدالمنان عبر عموده بصحيفة المجهر "خارج النص" وعلى صفحات جريدة المرصد بتاريخ 9 ديسمبر 2012 م ، بعنوان .. (نوبة نوبة) .. متسائلاً بإستغراب حيث يقول فى إفتتاحية مقاله .. من حيث المبدأ تمثل موافقة الرئيس على عقد الحوار (النوبي النوبى) خطوة إيجابية تمد جسور التلاقى بين القيادة العليا فى الدولة ومجموعة سكانية تنظر لنفسها بأن لها قضية ينبغى معالجتها .. حقيقة ما دعانى لهذا الرد هو نمط التفكير الجيوكلاسيكى غير الإندماجى والنزوع الشخصى بدلاً عن الموضوعى المثبط للهمم والبناء الفكرى لكاتب مرموق مثل الأستاذ يوسف عبدالمنان ، نكن له كل التقدير والإحترام رغم إختلافنا فى كثير ما يخطه ويسطره قلمه ، يظهر إستناده لفرضية خاطئة قادته للكثير من الأخطاء كان الأجدى أن يتداركها بمزيد من التدقيق في تناول مقاله ، وبالتالى كان يمكن له أن ينأى بنفسه عن حرج الإتهام بالجهل لقضية جبال النوبة والعجلة التى تورث الزلل ، فالكاتب ذو الحرفة لا يثير عواطف القبلية ويركن الى الجهوية والعنصرية بنوع من قصر النظر ، ولكن يبدو أن الأستاذ يوسف لا ينظر إلا للجزء الفارغ من الكوب ، بالإضافة الى حملات التجنى والتهجم التى تنعت بها قومية شعب جبال النوبة من بعض الكتاب بالمواقع الإلكترونية وبعض الصحف ومحاولتهم ركوب موجة المشهد السياسى والعسكرى المعقد فى جبال النوبة أشبه ما يكون بقراءة خطوط كف ضامر ، أو إستنطاق بقايا بن محروق فى قعر فنجان صغير ، ولا تعدو أكثر القراءات تفحصاً إلا مثل سلوك وتخبط بعض المسئوليين فى الحكومة ، وما تعيشه البلاد من حيرة وإرتباك إزاء ما يجرى ويدور فى جبال النوبة ، عن كونها محاولة تجديف منجم أو عراف ، إمتهن لعبة الضرب فى أسمال الغيـب ، حتـى رجالات السياسة من قيادات الأحزاب والمعارضة أنفسهم وكل الشعب السودانى ، لا يدركون حقيقة ما يجرى داخل جنوب كردفان ، من صراعات خفية وعلنية والنوايا الحقيقية التى أوصلت جبال النوبة الى الهاوية وشفا جرف قد تهوى به الى درك سحيق ، فذلك قررنا أن نوضح الحقائق من خلال كتاباتنا النقدية وموقفنا الواضح ضد سلوك قيادات الحركة الشعبية وتخليهم عن أجندة جبال النوبة الوطنية وإصرارهم على الحرب ، وتخبط وتصرفات بعض قيادات المؤتمر الوطنى وعدم جدية الحكومة فى حل القضية وفقدانهم لبوصلة يهتدون بها واضح وليس وليد اليوم .. فهنالك جسور من الأحلام آيلة للسقوط ويريد الكثيرون منا أن نمشى على ظهرها .. رفضنا لأننا ندرك الحقائق ونعرف الكثير ، لأننا ننظر الى القضية النوبية من كل الجوانب والزوايا ويؤرقنا مستقبلها المظلم والغامض ، وما قد تؤول اليها الأمور ؛ حتى لا يأتى اليوم الذى يتباكى فيه الجميع على حال جبال النوبة.
ومع تقديري لصاحب المقال فى إجتهاده المهموم ومحاولة إستعراضه .. إلا فى تقديري أنه لم يوفق لأنه لم يتناول محتوى ( الحوار النوبى النوبى ) بموضوعية وحكمة ليوضح لنا ما هي الجهوية أو القبلية حتى يتحامل الجميع على أبناء النوبة ، وهذه نقطة ضعف بعض الكتاب دوماً بإنتقاص قدر أبناء النوبة كلما حاولوا توحيد خطابهم السياسى والإعلامى والإلتفاف حول قيادة موحدة للمطالبة بحقوقهم المشروعة ومطالبهم العادلة ، بل صب جام غضبه وأطلق سهام صواريخه بأسلوب فيه إنكار للحقائق وعن الهدف من الحوار النوبى ، ولماذا وافق رئيس الجمهورية فى لقائه مع الأستاذة عفاف تاور ، وكيف غض يوسف عبدالمنان الطرف عن المسببات والتمسك بسفاسف وصغائر الأمور .. فلذلك سوف أتناول بعض النقاط والفقرات من مقاله ومحاولة التعليق عليها لتفنيد حديثه:
أولآً: لقد تحدث وقال ( ... مع أن الرئيس لا يملك حق الرفض للقاء أي سودانيين أخذوا على عاتقهم حوار أنفسهم بشأن قضية ما.. ولكن الحديث عن حوار (نوبي نوبي) يعيد للأذهان تجارب فاشلة ونتائجها مريرة عرفت بمؤتمرات (الحوار الجنوبي الجنوبي) أو مؤتمرات ما عُرف في فترة ما من تاريخ البلاد بمؤتمر الأغلبية الصامتة.. وقد حصد الشعب السوداني في آخر الشوط ثمرة مرة ذهبت بالجنوب المنفصل كدولة..)......
أخى يوسف عبدالمنان إن الوضع المتردي والمزري الذى يعيشه شعبنا اليوم في جبال النوبة يرجع أولاً للسياسات المتعمدة من قبل السلطة الحاكمة في حكومة المركز ، التي تعمل دون اي شك لإضعاف وتفكيك قوة وإرادة شعب جبال النوبة. وهذا بالتأكيد يتطلب من أبناء المنطقة والحادبين على مستقبلها المساهمة الجدية والعمل يداً واحداً لوضع إستراتيجية مدروسة ومحكمة لمواجهة هذا التحدي الكبير، و لتنفيذ هـذه الإستراتيجية لا بد قبل كل شئ أن يعمل الجميع في لـم الشمل وتوحيد الرؤية السياسية لأبناء النوبة كخطوة أولى لنيل حقوقهم السياسية المشروعة ، ونسبة للظروف التى تمر بها المنطقة من حرب ودمار وإهمال وتهميش بهدف إضعاف الكيان النوبى والقضاء على إنسان المنطقة فى ظل إستمرارية الحرب ، والتى تستوجب وقفة صادقة مع النفس ، وحرصاً منا على وحدة الصف وتوحيد الكلمة فى ظل هذه الظروف الحرجة والعصيبة التى يمر بها اقليم جبال النوبة وسكان المنطقة بمختلف أعراقهم وبطونهم من نوبة وعرب وغيرهم ، يتطلب منا جمعياً التلاحم والتعاضد والعمل سوياً والسعى بهمة والتحرك بفعالية والدعوة الى إسترداد حقوقنا الدستورية والسياسية والإدارية والإجتماعية والإقتصادية للنهوض بالمنطقة تنموياً وتعليمياً وصحيا وخدمياً ، وهذا ما جعل رئيس الجمهورية يوافق فى جلسته مع البرلمانية عفاف تاور لعقد مؤتمر الحوار (النوبى النوبى) ، وهو حلم الشهيد يوسف كوة وفكرة تراود جميع أبناء النوبة على إختلاف ألوان طيفهم السياسى وإتجاهاتهم الفكرية والعقائدية ، الهدف منها تجاوز الخلافات والجلوس معاً حول مائدة واحدة للحوار والتفاكر والتشاور حول كافة القضايا التى تهم النوبة وتعانى منها المنطقة عبر مؤتمر جامع لأبناء النوبة بالداخل ودول المهجر فى شكل وعاء يتفق عليه كل النوبة ، حتى يتثنى للجميع المشاركة لبلورة رؤية موحدة ، وخاصة إننا مقبلين على فترة مليئة بالتحديات تواجه أبناء النوبة وتحدق بهم من كل صوب وتعيق مسيرتهم ، وخاصة فى ظل هذه التحولات والمتغيرات السياسية السريعة والمتلاحقة التى يمر بها السودان ومنطقة جبال النوبة على وجه الخصوص يتطلب منا توحيد جهودنا وترتيب صفوفنا وجمع شتاتنا مستهلين بذلك العبر والدروس المستفادة من الماضى والسعى بها لتحقيق غاياتنا وأهدافنا لإبراز دورنا الريادى والقيادى فى جبال النوبة والسودان والعمل على تنمية قدراتنا الفكرية والعلمية والمادية والاجتماعية ، من خلال الحفاظ على ما تبقى من وحدة السودان وأرضه ، وليس كما تتخيله يوسف عبدالمنان ، لأن فى تقديرنا للملتقى أن تقدم أى أمة لا يمكن أن يكون إلا بإرتفاع نسبة الوعى والمستوى الثقافى والعلمى لأبنائها وتنظيم صفوفها وترتيبات أولياتها ، لذلك جاءت فكرة إقامة مؤتمر الحوار النوبى – النوبى الجامع الأول لكل النوبة دون إستثناء لفئة أو مجموعة بعينها لتحقيق الربط الاجتماعى والإنسجام فى إرادة ذاتية عبر قوة وعزيمة ، لإيماننا بأننا اصحاب قضية نحتاج فيها لمعالجة أخطاء الماضى وسلبياته ، ثم يليه المؤتمر الثانى الحوار النوبى – غير النوبى ، لوقف نزيف الحرب وتحقيق السلام المفقود ، لأن الحرب وسيلة وليست غاية ، ونحن من هذا المنطلق نناشد كافة أبناء النوبة فى داخل الوطن الحبيب وفى دول المهجر والحادبين على مستقبل المنطقة ومصلحة شعبها لتلبية هذا النداء الخالص والعمل سوياً بغض النظر عن الجهة أو الأشخاص التى دعت لقيام هذا المؤتمر ، لحشد أبناء النوبة وراء أهدافهم وجمع صفوفهم وتوحيد كلمتهم والإتفاق على التمسك بمطالبهم العادلة وتحقيق مكتسباتهم المشروعة من خلال قيام هذا المؤتمرالجامع وذلك بالمشاركة فكرياً والمساهمة فعلياً للخروج بقضيتنا من النفق الضيق لمواجهه التحديات والتفاكر والحوار حول مستقبل المنطقة وأبنائها.
ثانيآً: لقد كتب وقال (... هل الحرب التي نشبت في جنوب كردفان هي حرب النوبة أم حرب الحركة الشعبية ، وهل حينما ينعقد الحوار (النوبي النوبي) سيجري عمليات فرز واسعة النطاق في صفوف الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وينعقد مؤتمر الحوار النوبي ويحظر على منسوبي الحركة الشعبية من المسيرية والحوازمة والكواهلة والبديرية والبرقو وفلاتة مجرد الاقتراب من مكان المؤتمر ويخلع بروفيسور "خميس كجو كندة" عباءة البروف والوزير والأستاذ الجامعي ويذهب لمؤتمر السيدة "عفاف تاور" كنوباوي فقط!!
إن منطقة جبال النوبة تعتبر منطقة متعددة الأعراق واللغات والديانات ، وكان لا بد من النظر اليها بالمسئولية والحكمة وبعد النظر ، مع إستصحاب كل الأثنيات والعرقيات بالمنطقة ، بعيداً عن التعصب الدينى والعرقى وتجاوز مرارات الماضى التى خلقتها السياسات الظالمة لكل الحكومات العسكرية والمدنية التى تعاقبت على الحكم فى السودان لمجابهة ومعالجة قضايا جبال النوبة بالحكمة والمسئولية الوطنية تسعى فيها بإخلاص دون اللجوء للقبضة الأمنية والحلول العسكرية ، وما ولدته هذه الأساليب من مرارات سياسية وإقتصادية وإجتماعية أقعدت كثيراً بنمو إنسان الإقليم ، مما جعله عرضة للتمرد وحمل السلاح بحثاً عن العدل وتحقيق التنمية السياسية والإجتماعية ، وإزاء الواقع المرير الذى تعيشه المنطقة ، كان إنضمام قطاع كبير من أبناء جبال النوبة للحركة الشعبية لتحرير السودان ، منذ منتصف الثمانيات وحتى توقيع إتفاقية السلام الشامل فى نيفاشا ، والتى تمحورت خيارات الوسطاء فى المشورة الشعبية ، والتى أستهلكت من قبل الطرفين قبل أن تتنزل على أرض الواقع تطبيقاً ، وذلك من خلال التلاعب بها لفظياً فأفرغت من محتواها وتجاذبتها أيدى الفرقاء حتى قذفت بها فى أتون الحرب التى أندلعت فى 6 يونيو 2011 ، فأطمئن يا يوسف عبدالمنان حينما ينعقد الحوار (النوبي النوبي) لن تجري هناك عمليات فرز واسعة النطاق أو يحظر على منسوبي الحركة الشعبية من المسيرية والحوازمة والكواهلة والبديرية والبرقو وفلاتة مجرد الإقتراب من مكان المؤتمر أ وي خلع بروفيسور "خميس كجو كندة" عباءة البروف والوزير والأستاذ الجامعي ، فالمقامات محفوظة ، وسوف توجه الدعوات لجميع المواطنين بالمنطقة بمختلف إنتماءاتهم السياسية والأثنية والعقائدية ، وخاصة الأعيان ورجال الإدارات الأهلية وممثلين لكل قبائل وأحزاب جنوب كردفان ، لأن الهدف منه المصالحة وتهيئة الأجواء توطئة للمرحلة القادمة ، ويجب أن تصح مفهومك فى تناولك لأبجديات الشياءمع إظهار حقيقتها دون إستهتار أو إستخفاف ، وحينما يذهب المشاركون الى مؤتمر الحوار النوبى النوبى الجامع وليس لمؤتمر السيدة "عفاف تاور" كما تتصور نسبة لقصور النظر وعكس ما تضمره من القبلية المبطنة!!.
ثالثاً: لقد تحدث وقال (... وهناك أشخاص نصفهم من النوبة والنصف الآخر من قبائل أخرى يتم حرمانهم من هذا المؤتمر بتغليب انتماء على آخر.. أنا مثلاً الذي تزين صورتي مساحتي اليومية تمتد جذوري إلى عدد من القبائل جدتي لأبي دنقلاوية من القولد وجدتي لأمي والدتها نوباوية من كيقا ووالدها من الرواوقة وتمتد جذوري للكواهلة والبرقو، فهل أملك حق حضور مثل هذا المؤتمر (النوبي النوبي)؟! ...
لم يسألك أحد من أبناء النوبة أخى يوسف عبدالمنان عن هويتك أو شجرة نسبك والى أى جذور تنتمى ، لأننا ليس بعنصريين أو جهويين ، وانت تعلم ذلك جيداً ، بلعلينا أن نعترف بأن هذا التفكير جزءاً من المناخ العام السائد ، والتفكير الجهوى بطبيعته وثيقة الصلة بالمناخ العام فى المجتمع ، ولا يشجع هذا المناخ على التطلع الى المستقبل ، ولا يعطى فرصة للتأمل والغوص فى القضايا الراهنة ولا التطلع الى المستقبل والمدى البعيد باعتبارنا كيان واحد وأمة فريدة بتنوعها ومفرداتها ، رغم الإختلاف فى اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والموروثات إلا أن هويتنا السودانية واحدة ، ولا يساعد نمط تفكير يوسف عبدالمنان على سيادة قيم التنوير الحقيقى التى تتمثل فى أعمال العقل فى نقد الواقع ، ولا أن نتفاعل إيجابياً مع إنتاج إنجازات وقيم رفيعة .. ويغيب خلال هذا المناخ حقيقة بأنه لا يملك طرفاً مهما أوتى من الحكمة .. الحقيقة كاملة ، إلا من خلال الإعتراف ببعض والجلوس لإستماع أفكار كافة الأطراف والإتجاهات فى منطقة جبال النوبة بهذا التنوع ، ولكن فى ظل هذه الأراء الاقصائية والمغالطات التشكيكية فى نوايا وإنتماءات الآخرين وأسلوب المؤامرات تمضى السياسات المرسومة بدون إستراتيجية .. وبدون هدف رئيسى ، ويستمر التخبط والحيرة والإلتباس فى قضايا جوهرية ، خلال الاتهامات والتردد والمراوغة بين آليات السوق والحرب وراء أذواق المستهلكين بدق طبول دعاوى العنصرية والتكتل وممارسة أسلوب التهجم والتخوين ليست من لبنات أفكار أبناء النوبة ، الذين يحسون دوماً بأنهم جزء من هذا الوطن الذى قدر الله أن يكونوا جزءاً من مكوناته رضيت أم ابيت.
رابعاً: لقد تحدث وقال (... تجدني مع أي خيار يتراضى عليه أغلب الناس وإذا كان مثل هذا الملتقى يحقق السلام ويؤدي لوقف الحرب فليعقد الملتقى اليوم قبل الغد في الداخل أو في الخارج.. وحتى الولاية المسماة بجنوب كردفان إذا كان تغيير اسمها يؤدي لوقف الحرب فلتُسمَّ جبال النوبة ولكن أن لا يصبح الاسم مدعاة لهضم حقوق ومنح امتياز لآخرين و(كلنا نوبة!!)...
إن أبناء النوبة ينظرون الى قضيتهم بالمسئولية والحكمة وبعد النظر ، مع إستصحاب كل الأثنيات والعرقيات بالمنطقة ، بعيداً عن التعصب الدينى والعرقى ، ويحاولون بذلك تجاوز مرارات الماضى التى خلقتها السياسات الخاطئة ، فلذك نؤكد لكم بإن شعب النوبة لهم قضية ولهم مظالم ومطالب ، وأن حملهم للسلاح وتحالفهم مع الحركة الشعبية يمثل مرحلة من مراحل النضال التى بدأت سلمية ، وأن النوبة شعب مسالم صادق الوعد والعهد مع كل من تحالفوا معهم ، ولقد خدموا هذا الوطن ودافعوا عن ترابه ، وهم عماد قوة دفاع السودان لقد ناصروا المهدية وناهضوا المستعمر ، وبالرغم من صغر رقعة جبال النوبة جغرافياً قياساً بحجم السودان ، إلا أن ثورات شعب جبال النوبة كانت هى الأكبر عدداً والأكثر شراسةً فى وجه الوجود الأجنبى ، ولكن ما أغفله التاريخ عمداً أو تجاهلاً سيظل حقائق لا يمكن إنكارها ، والنوبة لقد حطموا السياج الذى أُريد به عزلهم عن التفاعل مع المحيط الإجتماعى حولهم ، ولقد ظل باب جبال النوبة مشرعاً ذراعيه منذ مئات السنين لكل من وفد اليه وهو ما تعكسه التركيبة السكانية ونماذج التعايش السلمى الذى كان وما زال سائداً فى الإقليم ، حيث أدى التمازج والمصاهرة الى وجود عنصر خليط بين النوبة والعرب كالشوابنة وأولاد نوبة وعرب تلودى . .. الخ ، فالملتقى الذى تسخر منه أخى يوسف عبدالمنان المراد به تقليلاً لحجم الكارثة والحرب أو النهايات التى يمكن أن تقود اليها ، ولكن وفقاً لواقع الحال بالمنطقة يتضح أن مفاتيحها موجودة لكن هناك من يريد إخفائها بل عنق الحقائق حتى تتحقق مأربه ، فالمسألة ليست مرهونة فى إسم الولاية المسماة بجنوب كردفان أو إن العبرة فى تغيير اسمها يؤدي لوقف الحرب ، لتسمى جبال النوبة رغم أنه مطلب رئيسى ، ولكن يجب بأن لا تكون إنطباعى فى الحكم على الأشياء ، وتعتقد بأن الإسم قد يصبح مدعاة لهضم حقوق ومنح امتياز لآخرين ، ومن الذى قال لك (كلنا نوبة!!) ، بل قل كلنا سودانيين...، وبالتالى نقول لك وللأطراف المتساكنة أن القواسم المشتركة لحل المشكلة والوصول الى تسوية وسلام بالتراضى للتعايش ما زالت باقية فقط علينا تسوية منعرجاتها وسد تشققاتها ، وعلى القلة التى نذرت نفسها للإصطياد فى الماء العكر أن تكبح جماح الأطماع والأحقاد المدفوعة بالمرارات ، وأن توظف جهودها فى نبذ العداء ودرء الفتنة.
خامساً: لقد تحدث وقال (... إذا افترضنا تقدمت مجموعة من نواب البرلمان من قبائل البقارة بطلب للرئيس لعقد ملتقى للحوار (العربي العربي) هل من حق الرئيس رفض الطلب أو الموافقة عليه؟ وهل انعقاد ملتقى للحوار (النوبي النوبي) يفتح الباب لمؤتمرات أخرى للحوار (الشايقي الشايقي) والحوار (المسلاتي المسلاتي) و(الجعلي الجعلي)؟ أم أن الحوار الذي وافقت عليه الدولة في أعلى سلطتها حصرياً على النوبة كامتياز اقتضته ظروف بعينها؟ ...
يجب أن تعلم وتتدارك بعمق وعقلانية بأن أبناء النوبة هم أكثر شعب قدم التضحيات وأرتال من الشهداء والمأساة الحقيقية لم يقدمه أحد فى السودان ، فلا يخلو بيت من جبال النوبة من جريح أو شهيد أو مفقود أو نازح أو لاجئ ، ويتضح جلياً أن تعقيد المشكلة كانت نتيجة للتحليل والوصف الخاطئ لأسبابها الأساسية ، مما مهد الطريق الى سياسات متطرفة وفتح الباب على مصرعيه لأساليب لم تكن مألوفة ، وقد غيبت مطامع قلة نفعية الحكمة والعفوية فى محاولة تأكيد بأن الإنسان النوباوى غير مأمون ، وبالتالى يجب إبعاده من المناطق الحيوية ليقوم بحراستها القوى الأمين ، وهذا بدوره يقود الى مزيد من الإستفزاز والتحريض وفقاً لمجريات الأحداث ، ومحاولة لخلق صورة نمطية عن قضية جبال النوبة تحول دون التعاطف والتفاعل معها ، وإظهار النوبة بأنهم العدو الحقيقى المهدد لأمن الشمال وسلامته ، من قبل بعض العناصر فى الحكومة ، ومن خلال حملة إعلامية منظمة لبعض الكتاب تحاول إلصاق تهم العصبية والعنصرية والعمالة على قومية النوبة ، وبالتالى لا بد من المواجهة والحيلولة دون ذلك ، فى إيجاد مبررات وإضفاء شرعية لكل الأساليب التى تتطلب التصدى لكسر شوكة تمردهم ، دون أن تجتهد الحكومة أو هؤلاء الكتاب فى عكس صورة تتصف بالحكمة والمسئولية الوطنية تسعى فيها للإعتراف بقضية جبال النوبة وخصوصيتها والسعى بإخلاص دون أى مرواغة فى عملية حلها. ، فأبناء النوبة لا يريدون حق تقرير المصير ولا يرغبون فى الإنفصال وقيام دولة مستقلة ، بإعتبارهم من الشعوب الأصيلة فى السودان ، فلا يريدون إعادة إنتاج الأزمة مرة أخرى ، بالعودة الى منظومة تخل بحقوقهم ، إيماناً منهم بأن الحوار السلمى والسياسى هو الوسيلة المثلى لحل كافة قضايا ومشكلات الوطن ، وإدراكاً منهم لخصوصية وتمايز مشكلة جبال النوبة عن مشكلة أى إقليم آخر ، يتطلب الإعتراف بقضية جبال النوبة كقضية من قضايا الوطن التاريخية ، والتى يتعين حلها عبر الحوار الموضوعى من أجل تكريس واقع تعايش سلمى وإنجاز مستقبل مزدهر للمنطقة ، وإقامة نظام ديمقراطى يفتح الباب أمام التعددية ، ويستبعد أى شكل من أشكال الهيمنة الثقافية والعرقية ، فلذلك جاءت فكرة الحوار النوبى النوبى ، فليست المسألة محتاجة لإفتراض إذا تقدمت مجموعة من نواب البرلمان من قبائل البقارة بطلب للرئيس لعقد ملتقى للحوار (العربي العربي) هل من حق الرئيس رفض الطلب أو الموافقة عليه؟ ، وأن إنعقاد ملتقى للحوار (النوبي النوبي) لم يفتح الباب لمؤتمرات أخرى للحوار (الشايقي الشايقي) والحوار (المسلاتي المسلاتي) و(الجعلي الجعلي)؟ ، وحينما وافقت عليه الدولة فى أعلى سلطتها حصرياً على النوبة كإمتياز لهم إقتضته ظروف بعينها لا ينكرها إلا مكابر ومغالط .. فلذلك أبناء النوبة يريدون الحفاظ على ما تبقى من السودان ، والوحدة المبنية على العدالة والإعتراف بالتعدد والتباين الثقافى والعرقى والدينى ، وبحقهم فى المشاركة فى السلطة والثروة ، من خلال حكم ذو صلاحيات واسعة فى إطار دولة السودان الواحد لتحقيق مطالبهم العادلة وإزلة المظالم التى لحقت بهم وبإقليمهم ، فلذلك أنها تحتاج من القائمين على أمر البلاد الى محاولة إعادة قراءة القضية ، وفقاً للملامح الأساسية لمسبباتها ، لأن هناك تعتيم متعمد ضرب على قضية جبال النوبة منذ البداية ، فكان له الأثر الكبير فى عدم إتاحة الفرصة لقراءتها بطريقة منطقية ، وخاصة ما صاحبها من التشويش المخل والمربك ، والذى أدى الى تعذر الرؤية الواضحة للأسباب الحقيقية والأساسية ومآلات ذلك وفقا للتعقيدات المتلاحقة ، فلذلك آن الأوان لإعادة قراءة هذه القضية بصورة جلية توضح الأسباب الحقيقية والأساسية ، حتى نتمكن سوياً فى تحليل وتفسير المواقف والأحداث التى كان إنسان جبال النوبة الضحية ، ونسبة لخطورة الأحداث الجارية بالولاية ، والتى تدلل بأن هناك جهات تعمل على تصعيد العدائيات من نفس المنطلقات السابقة ، والتى نخشى أن تقود الى دارفور أخرى ، وبالرغم من أن حركة النوبة السياسية كانت أساساً حركة تذمر ضد عدم التوازن التنموى والتهميش السياسى والإجتماعى والإقتصادى على المستوى القومى والمحلى ، إلا أن قيامها أدى الى ردود أفعال مضادة من الطرف الآخر ، مما أدى بصورة تدريجية الى إنهيار التعايش السلمى بين المجموعات السكانية بالمنطقة ، وقيام نزاع عسكرى بدلاً من تدابير صنع السلام وفض النزاعات بالطرق السلمية.
ولنا عودة .....
آدم جمال أحمد - سيدنى – استراليا
5 يناير 2013 م
Adam Gamal Ahmed [elkusan67@yahoo.com]
/////////