رزق اليوم باليوم

 


 

د. أحمد خير
11 October, 2011

 



عبارة "رزق اليوم باليوم" عادة ماتطلق على الفرد الذى يجمع دريهمات معدودات فى كل يوم نتيجة عمل يقوم به بالكاد يكون مردوده كاف للإحتياجات الضرورية اليومية . وهذا لا يثير بأية حال من الأحوال أسئلة أو إستفسارات عن حالة أو تصرف ذلك الفرد . أما وأن تجنح الدولة لنفس الأسلوب فهذا والله يعد تخلفا مابعده تخلف . ونحن نربأ بأن تسلك حكومة مسئولة ذلك النهج الذى يقلل من قيمتها إن لم يكن يدمغها بالتخلف وإبتعادها عن مرتكزات الإقتصاد التى تقول بالتخطيط القائم على الأسلوب العلمى والمعرفة الحقيقية بإمكانات البلاد ومواردها التى تقوم عليها التنمية القومية . المتمعن فى مايتخذه المؤتمر الوطنى من قرارات قبل تاريخ إنفصال جنوب السودان ليصبح دولة بعد إنقضاء الفترة التمهيدية لإتفاق نيفاشاالموقع عليه فى عام 2005 . والذى بموجبه أن يعمل الطرفان المؤتمر الوطنى  من جهة والحركة الشعبية من جهة أخرى لجعل الوحدة جاذبة . وإنقضت الفترة فى عام 2011 وتم إنفصال الجنوب ليكون دولته الوليدة نتيجة إستفتاء نادت فيه الأغلبية بالإنفصال عن الشمال .
القضية الآساسية هى أن المسؤلين فى الحكومة المركزية بما فيهم سيادة الرئيس ظلوا يصدرون التصريحات تلو التصريحات مقللين من ردة الفعل من الإنفصال وإنعكاسات ذلك على إقتصاد البلاد ! وبلغت التصريحات ألمناداة بتحمل الشمال الديون البالغة 38 مليار دولار . وكذلك أن الشمال لديه من الموارد مايعوضه عن فقدان عائدات النفط !
وعندما أصبح الإنفصال واقعا ، أسقط فى يد الحكومة المركزية وبدأ التخبط والبحث عن مخرج ! وليت البحث عن مخرج كان قد قام على أسس علمية بحثت فيه الحكومة المركزية فى الخرطوم عن مايعينها على إيجاد الحلول الحقيقية القائمة على الواقع ! فواقعها أن الزراعة وهى التى كانت عماد الإقتصاد السودانى كانت قد أهملت ومنذ زمن طويل  كما أدخلت عليها مفردات جديدة قائمة على إستيراد بذور زعم أنها محسنة فكانت كارثة على القطاع الزراعى ، هذا بالإضافة إلى إستيراد كيماويات مضروبة عجلت من القضاء على الأراضى الزراعية المستصلحة بما فى ذلك مشروع الجزيرة الذى كان عماد الزراعة فى السودان منذ ماقبل إستقلال السودان فى عام 1956 .
وعندمت تكشفت عورات السلطة المركزية فى الخرطوم بدأت فى الهرولة إلى مناحى ليست ذات قيمة إقتصادية ،  إعتمدت على سفر المسئولين لدول الخليج وإستعطافهم للمساعدة فى دعم إقتصاد السودان ! ومن سوء حظ المسئولين أن كان ذلك فى نفس الوقت الذى خرجت فيه الشائعات التى تقول بإمتلاك بعض المسئولين على المليارات فى البنوك الأجنبية !! ومهما كانت صحة تلك الإدعاءات من عدمه فقد تركت نتائجها السلبية على منحى ذلك الإستعطاف . حيث تمنعت دول الخليج فى تقديم الدعم المطلوب والذى من ضمنه المساعدة فى سداد ديون السودان !
دول الخليج ليست فى كوكب آخر ، بل انها تشهد بأم عينيها كما تسمع بأن تدهور إقتصاد السودان لم يكن نتيجة كوارث طبيعية خارجة عن إرادة القائمين على أمر الحكم فى السودان ، بل كان نتيجة حقيقية لفساد أولى الأمر  وإستغلالهم للمال العام ، الأمر الذى أدى إلى المناداة بتكوين لجنة للفساد . ويعلم الجميع أن تلك اللجنة لم توجد معها آليات محددة لكيفية القيام بمهامها أمام تمنع المسئولين وإتجاه البعض إلى إستخدام الحصانات التى تحول بينهم وتلك اللجنة فكان الفشل الواضح . ومن العجيب أن خرج  علينا بعض الوزراء ومنهم وزير الخارجية بتصريحات يبرر معها إكتنازه للمال    ! بقوله  أنه  ظل يباشر أعمالا حرة خلال العقدين الماضيين بدون خشية المساءلة عن كيف تسنى له ذلك بجانب وظيفته العامة  كوزبر للخارجية ! هذا قليل من كثير فهناك أيضا وزير الزراعة الذى يمارس الإستثمار بدون رادع بمايتعارض مع وظيفته العامة  التى من المفترض أن تحول دون إستغلال النفوذ إن كنا نعيش حقا فى دولة المؤسسات  ودولة القانون .
ثم هناك مايوضح حقيقة تخبط المسئولين حيال إنتهاجهم لسياسات خارجية لاتمت للعقلانية فى شئ ! فأين هو السياسى الحق الراسم للسياسات الخارجية للدولة الذى فى نفس الوقت الذى تذهب فيه الوفود تستعطف مساعدات دول الخليخ تقوم الدولة بإستقبال الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد العدو الأول لدول الخليج المطالبة بإسترداد جزرها المحتلة من قبل أيران " جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى " . ثم كيف لاتتعلم الدولة من أخطاء الماضى عندما وقف السودان بجانب العراق  فى ضمه لدولة الكويت لتصبح المحافظة رقم 19 لدولة العراق مما أدخل السودان فى موقف بات لسنوات طوال يبرر للكويت ودول الخليج ذلك الموقف ليخرج من دائرة العداء لدولة الكويت .
وظل السودان يمارس سياسة رزق اليوم باليوم فىمحاولته لحل قضاياه الإقتصادية المعقدة مبتعدا عن الأساليب العلمية التى تقول بالإستخدام الأمثل لما يملك من موارد وفى مقدمتها الموارد البشرية  .
المتطلع لما يحدث فى السودان سيجد أن المسئولين يعملون فى جزر مستقلة عن بعضها البعض بدون أدنى تنسيق بينها ؟! ناهيك عن إبتعادهم لقضايا المواطن الذى أصبح يعيش الفاقة وشظف العيش ولا يجد السند المطلوب من المسئولين الذين يرفضون دعم السلع الآساسية بحجة أن الأغنياء سيستفيدون من الدعم أكثر من الفقراء وياله من إدعاء يفتقر إلى المسئولية وبه تخلى الدولة مسئوليتها حيال مواطنيها !!! ونتساءل: هل سيستمر ذلك التخبط إلى أن ينهار الإقتصاد وتنهار الدولة ؟!                
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء