رشاد .. المحلية والناس
كباشي النور الصافي
19 July, 2014
19 July, 2014
هل هنالك من رأى الأمانة تسير أمامه على قدمين؟ من لم يفعل ولم ير الأمانة تسير أمامه فليذهب إلى مدينة رشاد بولاية جنوب كردفان. حديثي هنا عن رشاد القبيلة الناس البشر .. رجالاً ونساءً شيباً وشباباً.. معرفتي بهم كمعرفتي لنفسي.. منذ نعومة أظفاري وأنا معهم ووسطهم بهم ولهم.. أُناس يجبرونك على إحترامهم.. يفرضون عليك أن تقف لهم تحية وتقديراً. يحيرونك بسلوك حضاري تعلمه الكثيرون من كتب الأتوكيت وأفلام البرستيدج السينمائية.
من هي رشاد القبيلة؟ إنها أحد أفرع وبطون قبيلة تقلي المعروفة للجميع. أهل دين وخلاوي وعلم .. ونصرة المك آدم أم دبالو للإمام المهدي هي حجر الزاوية في نجاح الثورة المهدية وبناء السودان الحديث. فلولا كرم المك آدم لما كان ما نحن فيه من وطن الآن. تتفرّع قبيلة رشاد لبطون كثيرة لن أذكرها حتى لا أنسى بعضها وأُلام على ذلك فكلهم أهلي وعشيرتي. ولكن الغرابة تكمن في أن كل هذه البطون تشترك في صفات تكاد تكون كالبصمة الوراثية أو الDNA باللغة الحديثة.
رشاد إحدى مراكز مديرية كردفان القديمة من زمن ماكمايكل وسليمان أكرت. تقع المدينة على مرتفعات تجعل جوها الأفضل في السودان خاصة خلال أشهر الخريف. لا يوجد بها ناموس ولا باعوض. أرضها صخرية ممزوجة بالرمل وتصلح للزراعة في الوديان بين الجبال وفي زراعة المدرجات. بها مخزون استراتيجي من الذهب معروف من زمن الحكم الثنائي ولكنه لم يستغل بعد.
لا يكتمل الحديث عن رشاد إلا بالحديث عن الإنسان الرشداوي- الصحيح رشاداوي – لكنها تنطق رشداوي. بالنسبة لي تعني الرجل الراشد الرشيد المُرشِد. عندما تتحدث عن الرشداوي فإنك تتحدث عن الصدق والأمانة تمشي على قدمين. الرشداوي - وهنا نعني الرجل والمرأة- يمكن أن نقول عليه العبارة المشهورة (تاكل وتقش في طرفه) فهم من الطيبة بمكان. ومما لا شك فيه فالآية الكريمة التي تقول: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) هي تنطبق على الرشداويين بنسبة 110%. لا يتحدث الرشداوي إلا همساً وهذا دليل تقافة القوم وعلو كعبهم وأن جذورهم ضاربة في الحضارة. ودونكم سويسرا فيندر أن تجد سويسريان يتحاوران بصوت مرتفع.
دليلي على أمانة الرشداوي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فلم أسمع في حياتي برشداوي سرق أو خطف أو نهب. إلا من شذّ والشاذ لا حكم له. وكمثال على الأمانة يكفينا دليلاً أنه خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان كل العاملين في دكاكين سوق أبو جبيهة وهو الأكبر في المنطقة من أولاد رشاد. ولا تخطئ عين الزائر لأبو جبيهة هذه الحقيقة. فيمكنك أن تأمن الرشداوي على القناطير المقنطرة من الذهب، فلا يسيل لعابه لها ولا تمتد يد رشداوي لما ليس ملك له. وبرهان آخر هو أن قاضياً مشهوراً نُقل إلى محكمة رشاد في سبعينيات القرن الماضي. مكث القاضي ستة أشهر لم يتخاصم أمامه رشداويان. قال القاضي قولة مشهورة: ( دا منو المغفل العمل المحكمة في البلد دي. ديل ملائكة مش بشر). كانت كل القضايا تأتيه من أبو جبيهة فقرر نقل المحكمة إليها واستقر به المقام هناك وكان لا يزور رشاد إلا لماماً.
بدأ التعليم باكراً في رشاد فمن أساتذتها المشهورين الموسيقار يوسف محمد القديل وقبله آخرون لم أتشرف بالدراسة على أيديهم ولكنهم قاموا بتدريس أعمامي في مدرسة رشاد. كثيرون من أبناء رشاد زاملونا في مدرسة أبو جبيهة الوسطى عندما كانت مدرسة أبو جبيهة هي (توب صالحة بت الحطابي) في المنطقة الشرقية لجنوب كردفان من العباسية تقلي وحتى الليري جنوباً. من زملائنا مثالاً لا حصراً دكتور عبد الرحيم أحمد المصطفى، رجب محمد القديل وشقيقه مصطفى، محمد علي المشهور بدريسة. محي الدين آدم عثمان خبير الغابات المعروف والذي استقر بأبو جبيهة أخيراً بعد أن تقاعد بالمعاش. وسليمان الشهير بورقة. وعبد الرحمن أبكر وغيرهم كثيرون.
ما يحيرني الآن أن الطائرات تقذف بحممها في محلية الرشاد كما أسمتها الإنقاذ، والجنجويد يهجمون ليل نهار على قرى رشاد وذلك بدعوى أنهم متمردون ويقفون ضد الحكومة.. هذه كلمة (باطل) أريد بها باطل. الرشداوي بطبعه لا يحب العنف ولا يلجأ إليه، فكيف بالله يقفز مرة واحدة لمحارب يحمل الدوشكا ويقود الراجمات والدبابات؟ هذا حديث إفك لم أفهم القصد منه وما هو السبب في إختيار رشاد لتكون مسرحاً لعمليات الجنجويد والطائرات. إنه الفشل في كراكير كادقلي وكودة ولهذا لجأ الفاشلون لمنطقة رشاد التي ليس بها محاربون لا قدامى ولا جدد. ليسوا بجبناء ولكنهم لا يحبون الدماء وغير متعطشين لها دون سبب وجيه. فهلا رفعت الحكومة يدها عن منطقة رشاد. وهلا قامت الحركة الشعبية بسحب منسوبيها إن كان لها منسوبين في المنطقة ليجنبوا المنطقة ويلات حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. ألا هل بلّغت .. اللهم فاشهد. (العوج راي والعديل راي).
كباشي النور الصافي
من فضلك زر قناتي في اليوتيوب وإشترك معنا فيها:
http://www.youtube.com/user/KabbashiSudan
////////////