رقص مع الذئاب … بقلم: بروفيسور عصام عبد الوهاب بوب
26 June, 2009
طوال حياتي ظللت مولعا بالقراءة كنقلة لعوالم أخري من المعرفة والتقارب الانساني مع مجتمعات لا أعرفها وإن أصبحت أحبها وأتمني أن أنقل تجاربها إلي عالمي . السينما أو دار الخيالة باللغة العربية الفصيحة كانت ملجأ لخيالي وظلت إحدي الهوايات المحببة إلي يومي هذا . وأحد الأفلام المحببة هو الرقص مع الذئاب وفيه مشهد ما زال يهز كياني وهو بطل الفيلم يرقص علي موسيقي الطبول ولا يؤنس وحدته إلا ذئب اصطفاه صديقا له .
لا أدري ولكن هذا المشهد يشابه موقفنا في السودان الآن .
نرقص مع الذئاب وعلي إيقاع الطبول ولكن بدون رؤية حقيقية عن ماذا سنفعل غدا .
ماذا يفعل المبعوث السوداني في واشنطن وما هي مرجعياته وإلي أي حد يمكنه اعطاء الوعود وإذا كانت هناك أي وعود يجب إعطائها ، هل يمكن للسلطة تنفيذها أم هل ستضاف إلي سجل اللاتنفيذ واللامصداقية ؟ هذا الأمر سيعظم من سوء الموقف .
ألا يعرف أن حقيقة الحلول للنزاع في دارفور والجنوب موجودة في الشودان وليس في واشنطن . هذه إلا إذا كنا نريد أن تأتي الحلول من هناك وهذا ما يبدو عليه الأمر وبناء علي ذلك نمعن في الرقص .
وهل رقصنا هذا سيفضي إلي نتيجة أم أنه مجرد استجابة للإيقاع ، ولكن هل هذا الإيقاع مناسب لمصالح السودان ؟
وهل ندرك حقيقة أننا نرقص الآن مع الذئاب وهي لها أسنان قاطعة ومميتة ، أم أننا ما زلنا نأخذ الأمور بسبهللية وتوكلية كما حدث طوال العشرون عاما الماضية .
يختلف الحال الآن تماما والسودان ليس الحفرة الموجودة في قلب القارة الأفريقية ، وإنما الحياة فيه ممكنة بالنسبة للأوروبيين والآسيويين وفيه مخزون متزايد من النفط . وكذب من قال أن مخزون السودان هو ما أعلن 3,248 مليون برميل (3,5 مليار) . أرقام المحللين في العالم تؤكد أن أكثر من 6 مليار برميل تقبع تحت أرض السودان . وإحصائيا فهذا هو عبارة عن ترجمة لاستقراءات أرقام مسوحات زلزالية تم اجرائها وبرمجتها حاسوبيا . والاستقراءات في الغالب صحيحة وأن خط الاتجاه (Trendline) هو إيجابي ويتصاعد . معني هذا أنه يمكن أن يتزايد المخزون عاما بعد عام بصورة طردية .
نحن داخل العالم الآن وليس علي هامشه وما يحدث في السودان يقرأه العالم يوميا وتتصاعد الأمور مع الأحداث التي تجري ومنها محاسبة من قيل أنهم قتلوا الدبلوماسي الأمريكي جرانفيل .
نحن الآن نرقص مع الذئاب وهي شرسة وقوية وموحدة في مصالحها الاقتصادية وتبني أهدافها علي إحتياجات شعوبها وتعرف تماما ما تريده . ونحن ما زلنا علي غفلتنا في شتاتنا وإستئثار نخبة بكل شئ مما لأدي إلي أنها باتت مكروهة ويزداد ذلك الشعور يوما بعد يوما .
في قمة هيجة المحكمة الجنائية وغضب الرئيس وثورة الجماهير كانت الأقوال تتردد عن أصدقاء السودان وكيف سيساندوه في المحافل الدولية ومن أهمهم الصين وروسيا والعرب .
أعتقد أن السياسيين ومتخذي القرار وحتي ابن الشارع البسيط أدركوا الحقائق وأنه لا يوجد صديق أو عدو سياسي وإنما الحكاية هي مصالح وأن أصدقاء السودان الحقيقيين هم أبنائه وأن الحكومة يمكن أن تفعل الكثير للشعب وتكسبه إلي صفها .
دارفور ما هي إلا مشاهد العرض قبل الفيلم الحقيقي والحكومة لا تخاطب عقل الشعب وإنما تركز فقط علي استمراريتها وسلامتها .
يا أخواننا هوي ، أنظروا إلي إيران ، ندى ماتت بطلقة طائشة وقلوب الشعب ولعت نار . إيران إذا لم تهدأ فيها النفوس وتحصل المصالحة يمكن أن يتغير النظام في غمضة عين .
أهمية السودان في العالم معروفة عند الجميع ، إلا عند العرب . والأمريكان لديهم بيانات كثيرة عن كل شئ ودفعتهم قوتهم ومنعتهم العسكرية إلي تقسيم العالم لدي القيادة العسكرية الأمريكية إلي سبع مناطق ، أهمها منطقة منابع البترول وهي الأولي فيهم . وهل ننسي أن أفغانستان وإيران هما قمة المنطقة وقاعها هو السودان . وحتي إذا لم يكن فيه بترول فهو المنطقة الحاكمة (Controlling Region) . وفيه منطقة البحيرات وحياة قلب أفريقية التي بها روح الحياة نهري الكونجو والزامبيزي . نهر النيل الذي يتصارع عليه الأفارقة أسفل النيل الأبيض ليس به الكثير من المياه التي تذهب شمالا مجرد حصة بسيطة لا تتعدي 20-22 مليار متر مكعب . وإنما هي مياه أنهار قلب أفريقيا التي تصب في المحيط الأطلسي وهي بالمنطق الاقتصادي اهدارا لما يمكن بتحويلة بسيطة أقل قيمة تمويلية من انشاء سد مروي أن تضخ مياها إلي النيل وتزيد من موارده المائية الكلية بمقدار عشرة اضعاف . وبهذا تعيد رسم الخارطة الجغرافية السياسية في العالم بتغيير مناطق الانتاج الزراعي والنشاط السكاني في العالم .
يقول الكثير من الباحثين في السودان أن لدينا مائتي مليون فدان صالحة للزراعة والمزيد القابلة للزراعة مع الاستصلاح . ولكن الشئ الأساسي الذي ينسونه هو أين مصادر المياه الكافية للانتاج هذا ما لا ينساه علماء آخرون ولا ينسون أيضا أن تحسين موارد النيل يعظم من إمكانية توصيل المياه بصورة كافية إلي اسرائيل والأردن .
ومن يستطيع رفض مثل هذه المشاريع إذ أنها إضافة إلي الانسانية .
لا تنفصل هذا الأحلام عن ما يجري الآن في السودان من نزاعات ومحاولات للتوفيق وإذا لم نكن نراها كنظام همش التخبة الذكية فيه ودفعها إلي الهجرة أو حشرها في زاوية الفاقة ، فإن العالم يراه ويعرف كيف يحققه وإن لم نتصالح ونصل إلي توافق فسوف يتحقق علي أنقاض السودان كما نعرفه اليوم .