رمضانيات (3) ما يميز هذا الشهر الفضيل

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعا لى: ( هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية
هذا بلاغ للناس


توطئة:
(خاطبوا الناس  بنا يليق ويفهمون) وهو دأب السلف في الشرح والتبليغ ، لذلك نقول أن ما يتميز به هذا الشهر الكريم ، مضاعفة الحسنات فيه ، ولذا تكثر فيه الأعمال الصالحات من تلاوة القرآن، وعبادة اﷲ وقيام الليل، والإحسان إلى الفقراء والمساكين ، فإنني أحب أن أذكر من رزقهم اﷲ مالا من الموسرين ، بأمرين : الخوف من التغيرات الاقتصادية إلى ألا ينفقوا، الأمر الأول: أن يذكروا الفقراء المحتاجين ، وألا يأخذهم الشح ، وأن يبذلوا في هذا الشهر الكريم وفي غيره ، وليعلموا أن اﷲ هو الرزاق ، وليذكروا فضل الصدقة ، والآيات الواردة فيها كثيرة ، وكذا الأحاديث ، ولكن سأذكرهم الآن بحديث وحادثة :أما الحديث : فعن عقبة بن عامر رضي اﷲ عنه قال : سمعت رسول اﷲ صلى اﷲ عليه وسلم يقول: [كل امرئ ثد لا يخطئه يوم إلا وتصدق فيه بشيء ولو رفي ظل صدقته حتى يقضى بين الناس : قال يزيد: فكان أبوم[كعكعة أو بصلة]، فاسمعوها واعجبوا !!
أما الحادثة أو القصة الثانية فقد وقع لأحد الصحابة مع زوجته : فهذه سعدى امرأة طلحة بن عبيد ﷲ رضي اﷲ عنه دخل إليها زوجها يوما أي عديم نشاط  كحال المهموم فقالت : مالك ، لعله رابك منا شيء فنعتبك : أي نطلب من الأيام ، فرأت منه ثقلا رضاك عن الإساءة – قال : لا ، ولنعم حليلة المرء المسلم أنت ، ولكن. سنة اﷲ في خلقه حياة ثم ممات ، وحكمته في كونه ، قدوم وفوات ، واقتضت الجبلة الآدمية على بني البشر النقص والهفوات ، ولهذا شرع المولى الكريم ، مواسم تمسح الذنوب والآفات ، وتغسل الزلات ، وتزيل العثرات ، مواسم لجني الحسنات ، والتخفيف من السيئات ، ومن تلكم المواسم ، شهر رمضان المبارك ، الذي هو شهر ينتظر قدومه المسلمون بكل لهف ، ويتأمله المؤمنون بكل شغف ، وكأني ألمحه على الأبواب ، فمرحبا طوى الليالي والأيام ، وتتقلص الأعداد والأرقام ، وتنصرم الشهور والأعوام ، والناس قسمان رمضان ، فهكذا ، قسم قضى نحبه ، مرتهن بعمله ، حسابه على ربه ، وقسم ينتظر ، فإذا بلغ الكتاب أجله ، فلا يستأخرون ، وطوبى لمن صدقت نيته ، وطابت كثيرا ساعة ولا يستقدمون ، فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفارسجيته ، وحسنت طويته ، فكم من الناس من ينتظر شهر رمضان بلهفة وشوق ، لينهل من بركاته ، ويغترف من خيراته ، فهو المعين الدافق ، والنهر الخافق ، وعندما يقترب الشهر من زواره ، ويحل برواده ، تنقطع آجال أناس منهم ، ويبقى آخرون ، إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى ، ومنة عظمى ، يقدرها حق قدرها ، الصالحون من منّ ﷲ عليه ببلوغ شهر رمضان ، أن يغتنم الفرصة ، ويقطف المشمرون ، فواجب على كل مسلم ومسلمة القطف من الثمرة ، فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة ، وندامة لا تعدلها ندامة ، كيف لا وقد قال المصطفى صلى اﷲ عليه وسلم في محاورته مع جبريل عليه السلام : [ من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له ، فدخل النار ، فأبعده ﷲ ، قل آمين ، ــ ، فقلت آمين " ] أخرجه البخاري في الأدب المفرد واب والطبراني بإسناد حسن ]
المتـن:
إن من الناس اليوم من لا يرحب برمضان ، ولا يرغب بشهر الغفران ، لأنه يزجره عن المعاصي العظام ، ويحجزه عن الذنوب والآثام ، مع أن بلوغ شهر رمضان كانت أمنية نبيكم محمد صلى اﷲ عليه وسلم حيث كان يقول : " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان "[ ، لقد كان السلف رحمهم اﷲ يدعون ربهم ستة أشهر أن يتقبل منهم رى أن يبلغهم رمضان الحالي ، ــ رمضان الماضي ، ويدعونه ستة أشهر أخ فأين الامتثال والاتباع والاقتداء ، أم أن أكثر الناس في غواية وغفلة وجفاء ؟ أمة الإسلام : في استقبال رمضان المبارك ، شهر البركة والرحمة يقول عليه الصلاة والسلام : " أتاكم رمضان ، سيد الشهور ، فمرحباﹰ به وأهلاﹰ " [أخرجه البيهقي ]، قال عليه الصلاة والسلام : " أتاكم شهر رمضان ، شهر بركة ، يغشاكم ﷲ فيه برحمته ، ويحط الخطايا ، ويستجيب الدعاء ، ينظر اﷲ إلى تنافسكم فيه ، ويباهي بكم ملائكته ، فأروا اﷲ من أنفسكم خيراﹰ ، فإن الشقي من حرم رحمة اﷲ " [أخرجه الطبراني ]
إن رمضان شهر هو العبادة والطاعات ، شهر العفة والنقاء والطهر والصفاء ، رمضان شهر التوبة والصيام ، والصلاة والقيام ، رمضان شهر الجود والقرآن ، والإخبات والإحسان ، شهر التهجد والتراويح ، والأذكار والتسابيح ، له في قلوب الصالحين بهجة ، وفي قلوب العباد فرحة ، فنحمد اﷲ أن بلغنا شهر رمضان ، وأن يكتبنا فيه من العتقاء من النيران ، في رمضان تسمو النفوس ، وتصفو القلوب ، وفيه تتجلى القوى الإيمانية ، والعزائم التعبدية ، يدع الناس فيه ما يشتهون ، ويصبرون عما يرغبون ، استجابة لربهم ، وامتثالاﹰ لخالقهم ، وطاعة لمولاهم ، قال تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ، يتركون الشراب والطعام ، ويتلذذون بطول القيام ، دموع تنهمر ، وزفرات تنتشر ، في رمضان تكثر التوبة ، وتنقشع الغشاوة ، في رمضان تصفد الشياطين والجنون ، وتسلسل المردة والمسترقون ، في رمضان تعويد على التحمل والصبر ، وتقبل للإساءة والزجر ، قال صلى اﷲ عليه وسلم : " إذا كانت أول ليلة من رمضان ، فﹸتحت أبواب الجنة ، فلم يغلق منها باب ، وغلقت أبواب جهنم ، فلم يفتح منها باب ، وصفدت الشياطين ، وينادي مناد : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، لله  عتقاء من النار وذلك كل ليلة " [ أخرجه البخاري ومسلم]
الحاشية:
فلنتحدث عن التقوى التي هي ميزان الأعمال ، يجوع الصائم وهو قادر على الطعام ، ويعطش وهو قادر على الشراب ، لا رقيب عليه إلا اﷲ ، هنا يتحقق الإيمان ، وتظهر التقوى ، ألسنة صائمة عن الفحش والرفث ، وآذان صامة عن سماع الحرام من القول ، وأعين محفوظة عن النظر الحرام ، قلوب منكسرة مخبتة ، إلى اﷲ ناظرة وجلة ، ثوابها عند اﷲ ، قال صلى اﷲ عليه وسلم : قال اﷲ عز وجل : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة (حجاب) فإذا كان صوم يوم أحدكم ، فلا يرفث ، ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم ، إني صائم ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند اﷲ أطيب من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما ، إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه " [ خرجه البخاري ومسلم ]
لا بد وأن يستقبل شهر رمضان بالتوبة النصوح ، وترك المحرمات ، والعودة إلى رب البريات ، يجب الإقلاع عن المعاصي في كل وقت وحين ، ولا سيما في شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران ، فأي خسارة يخسرها المرء عندما يدخل عليه رمضان ثم يخرج ولم يزدد فيه حسنة ، ولم يتقرب فيه من اﷲ درجة ، لذلكم هو الخسران المبين ، قال صلى اﷲ عليه وسلم : " إن في الجنة باباﹰ يقال له الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أﹸغلق ، فلم يدخل منه أحد " [أخرجه البخاري ومسلم ]
فلنحرص أن نكون ممن يدخل من ذلك الباب يوم القيامة ، وفلنحذر أن يغلق في وجهنا ، فذلك هو الصغار والعار والشنار ، قال صلى اﷲ عليه وسلم : " فإذا دخل آخرهم أﹸغلق ، من دخل شرب ، ومن شرب لم يظمأ " [ أخرجه ابن خزيمة وهو حديث حسن صحيح ]، ما أعظم رمضان ، وما أروع هباته وعطاياه ، يصوم العبد امتثالاﹰ لأمر ربه ، فتكون المكافأة جزيلة ، والعطية كبيرة .
أخرج الإمام أحمد وابن خزيمة بسند صحيح قوله صلى اﷲ عليه وسلم : " الصيام جنة من النار ، كجنة أحدكم من القتال ، وصيام حسن ثلاثة أيام من كل شهر " ، ألا فأكرم بشهر رمضان والقرآن شفيعاﹰ لصاحبه يوم القيامة ، وحجيجه من النار ، أخرج ابن أبي الدنيا وغيره بسند حسن من حديث عبد اﷲ بن عمرو بن العاص رضي اﷲ عنهما ، أن رسول اﷲ صلى اﷲ عليه وسلم قال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه ، قال : فيشفعان " ، فاجتهدوا في تلاوة كتاب اﷲ ، آناء اﷲ وأطراف النهار ، فالقرآن إما شاهد لك أو عليك ، قال تعالى : " وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراﹰ "
ولنعلم أن من أفطر يوماﹰ من رمضان بلا عذر فقد تعرض للوعيد الشديد ، والعذاب الأكيد ، فعن أبي أمامة الباهلي رضي اﷲ عنه قال : سمعت رسول اﷲ صلى اﷲ عليه وسلم يقول : " بينما أنا نائم أتاني رجلان ، فأخذا بضبعي ،فأتيا بي جبلاﹰ وعراﹰ ، فقالا : اصعد ، فقلت : إني لا أطيقه ، فقال : إنا سنسهله لك ، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار ، ثم أﹸنطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماﹰ ، قلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ـ أي الذين يفطرون قبل غروب الشمس ـ " [ أخرجه النسائي وابن حبان وابن خزيمة وصححه الألباني].
أحبتي علينا أن نستقبل شهر رمضان بالعودة الصادقة إلى اﷲ تعالى ، وهجر المنكرات ، وترك الصغائر والموبقات ، فعليكم بصلة الأرحام وبر الوالدين ، وإياكم وقطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، فهي أعمال تؤدي على النار ، وغضب الواحد القهار ، استقبلوا شهركم بترك الدخان والخمور والمسكرات والمخدرات وكل المنكرات ، فهي المهلكات المدمرات ، وتجنبوا طرق الفساد ، وإيذاء العباد ، وإياكم والزنا والربا ، فهي الحرب على رب الأرض والسماء ، احذروا الفواحش ان في انفسكم واهليكم، ـ ما ظهر منها وما بطن ، كي تنعموا بالأمن والأمان، وعلينا أن نستقبل شهر رمضان المبارك بإقبال الناسك المتعبد ، ومن تقاعس عن التوبة فليتدارك .فشهر رمضان ، هو شهر الخير والبر والنماء ، شهر الجود والكرم
الهامش:
ملح وطرتئف الهدي النبوي: وعن الصحابي زاهر يحضرني موقف ذكره د. عمر عبدالكافي.. أن زاهراَ كان يمشي في الطريق.. فجاء الرسول صلى الله عليه و سلم من خلفه.. و أغمض عيني زاهر بيديه الشريفتين.. و أخذ ينادي : من يشتري هذا العبد..؟؟
فقال زاهر : إنه لعبدٌ كاسد يا رسول الله ؟.. فقال بأبي هو و أمي : و لكنه عبدٌ غالي عند الله.
في يوم من الأيام وبينما كان الرسول وعلي والصحابة يأكلون تمرا كان علي يرمي نوى التمر تحت الرسول وبعد الإنتهاء من الأكل قام علي وقال للرسول ما كل هذا الذي أكلته أيها الرسول فقال له الرسول:أن اكل التمر من دون نوى أفضل من أكله بالنوى، (لم يكن تحت قدمي علي أي نوى).
قصاصة :
من ملح ونوادر العرب: أمّا الشاعر إبراهيم بن هرمة الذي أدخل كما يبدو إلى عرس أو حفل أطال معه أصحاب الحفل الحديث وجعلوا يتذاكرون معه في أمور القرآن ولم يطعموه شيئاً فأنصرف وهو يقول .. لقد حفظوا القرآن وأستظهروا كل مافيه إلّا سورة المائدة!!
تزوج رجل إمرأة قد مات عنها أربعة أزواج فمرض مرض الموت فجلست عند رأسه تبكي وقالت: إلى من توصي بي وعلى من تتركني ، فقال لها إلى السادس الشقي!!
جاء رجل الى فقيه فقال : أفطرت يوما في رمضان ، فقال الفقيه اقض يوما مكانه ، قال قضيت و أتيت اهلي و قد صنعوا مامونية (نوع من الحلوى الفاخرة) فسبقتني يدي اليها و اكلت منها . قال الفقيه اقض يوما مكانه فقال الرجل :قضيت ، و أتيت اهلي و قد صنعوا هريسة فسبقتني يدي اليها فقال الفقيه : أرى ألا تصوم بعد ذلك إلا و يدك مغلولة الى عنقك.
رمضان كريم .. عوافي
Abubakr Yousif Ibrahim [zorayyab@gmail.com]
/////////////

 

آراء