رواية جديدة لقصة انقلاب هاشم العطا

 


 

 


abusamira85@gmail.com
كتاب (حركة 19 يوليو 1971 ــ التحضير ـ التنفيذ ـ الهزيمة) رواية جديدة في قصة انقلاب عسكري يختلف الناس حوله عند الخوض في وقائع وتداعيات أحداثه الدموية التي مازالت تثير جدلا شارف نصف قرن من الزمان، تعرضت خلاله هذه الوقائع للتشويه والمسخ على يد المنفذين والمنقذين والجناة والضحايا بصرف النظر عن كونهم: مايويين، شيوعيين، ديمقراطيين، ووطنيين.
ويحتوي هذا الكتاب لمؤلفه الرائد (م) عبد العظيم عوض سرور الصادر عن دار عزة للنشر والتوزيع (من القاهرة)، على رواية جديدة لقصة انقلاب 19 يوليو 1971 الذي قاده ونفذه بجسارة واقتدار الرائد الباسل النبيل هاشم العطا.
ويضم الكتاب بين دفتيه سبعة فصول توزعت على 270 صفحة، جاءت رواية المؤلف عن الانقلاب في ستة فصول على مساحة 134 صفحة، فيما استعرض الفصل السابع عددا من الوثائق والصور التي تدعم هذا الرواية الجديدة في قصة انقلاب 19 يوليو 1971.
ذاكرة محايدة
يمكن تصنيف الكتاب ضمن المذكرات التاريخية، وهي التي يعتمد صاحبها في تدوين الوقائع على الذاكرة أو المشاهدة، ملتزما الحيادَ فيما يكتب. وقد نجح الكاتب عوض سرور بدرجة كبيرة، مستندا على أصالة الأمدرمانيين، وانضباط عساكر الجيش السوداني، في القيامَ بدور المسجل البسيط، الذي يدوِّن ما شارك فيه أو عرفه من أحداث. وقد نجح أيضا في أن يعطي انطباعا صحيحا عن هذا الانقلاب المعقَّد المتشابك، لقد دوّن صادقا ومتجردا أقوالا وأعمالا، وهو قابع في زاوية أساسية من زوايا المعركة. وإضافة إلى كل ذلك فقد تحمل بصفة شخصية كل ما يرد في الكتاب من وقائع وأحداث.
ربما تفتح طريقة كتابة عوض سرور الروائية الجدل حول فكرة الانقلاب العسكري، عندما يصبح رمزا في قناع الانتماء لحزب عقائدي، ولكنها تنطوي أيضا على هوية ملتبسة لمقاربة الحزب ضمن مفهوم الاستيلاء على السلطة بوصفها (عمل وطني نبيل).
المحاولة الأولى
كانت المحاولة الأولى للمؤلف في الكتابة أو الحديث عن حركة 19 يوليو، بعد 15 عاما من وقوعها في يوليو 1986، خاصة أن قناعته تشير إلى أنها (كتابة أو حديث عن جزء هام من تاريخ السودان وتأريخ الحزب الشيوعي السوداني. وكان رائي دائما أن الأحداث والوقائع التا ريخية يجب إلا تبقى حبيسة الذاكرة، لأن الذاكرة مع طول الوقت ومرور الزمن معرضة للسهو والخطأ والنسيان).
ويستطرد المؤلف (تحمست للحديث عن حركة 19 يوليو عندما طلب الأستاذ الصحفي أبو بكر الأمين المحرر بجريدة الميدان أن يجري تحقيقا معي حول أحداث 19 يوليو لنشره في جريدة الميدان بمناسبة ذكرى الحركة في 1986).
ويتابع (استغرق الحديث عدة ساعات، وقد أجبت عن عشرات الأسئلة وزودت الأستاذ أبو بكر بصور هامة تجمعني مع الشهيد النقيب معاوية عبد الحي والملازم أبو بكر عبد الغفار وطابور من صف وجنود الحرس الجمهوري، وانتظرنا ظهور ذلك التحقيق على صفحات الجريدة، ولكنه لم ينشر. ولما سألت أبو بكر علمت بأن التحقيق بأكمله قد فقد مع الصور).
شمس العواصف
انتهت إفادة المؤلف، بتأكيدها من قبل الأستاذ أبو بكر الأمين، وشرع بدوره في تقديم شهادته بتعبير أدبي فحواه (من حيث تشرق الشمس تهب العواصف).
يقول أبو بكر في روايته التي نشرها على حائطه في الفيسبوك (بدأ الأمر بمناقشة في هيئة تحرير صحيفة الميدان حول كيفية تغطية ذكرى ١٩ يوليو، وعبر العديدون عن ضرورة أن تقوم الميدان بعمل ملف مميز بهذه المناسبة وتمخضت المناقشة عن قرار بتحميلي مسئولية إعداد ملف يكون فيه اختلاف وجدة وأن لا يعمد إلى اجترار المواد القديمة).
ويضيف (كنت شديد الحماس لهذا التكليف وطلبت أن توضع عني أي مهام أخرى حتى اتفرغ لهذا العمل بالكلية، وكنت أظن أن الزملاء بمركز الحزب سوف يعينوني في هذه المهمة بما يملكون من وثائق ومعلومات جديدة ربما تم الوصول إليها عقب الانتفاضة، وكان ذلك هو جوهر ما طرحته على الأستاذ التجاني الطيب في أول الأمر، فأكد لي أن مركز الحزب لا يملك معلومات غير منشورة. وقال لي بالحرف إن هذا العمل سيعتمد على ما ستحصل عليه من إفادات الشهود.
ويزيد (قادني التفكير في الأمر أن أجعل وجهتي صوب الشهود المجهولين من الجنود وصف الضباط الذين لم يكونوا محل اهتمام من قبل، وأن لا أبحث عن البطولة وإنما أركز على الوقائع والتفاصيل الصغيرة التي قد تكون حاسمة في ترجيح الآراء أو دحضها، وعلى العموم كانت تلك هي المنهجية التي اعتمدتها وتركت البقية لما يمكن أن تطرحه الإفادات نفسها من واجبات ومن مهام التأكد والتحقق ودقة الصياغة).
ويخلص (في حقيقة الأمر وجدت تعاوناً هائلا وكانت لقاءاتي مع ضباط يوليو تهدف للتعرف على الجنود وصف الضباط الذين عملوا معهم ومن ثم الوصول لهؤلاء الشهود وكان لقائي مع الضابط عبد العظيم عوض سرور واحدا من أهم تلك اللقاءات من حيث غزارة المعلومات، كما قادني لشهود آخرين وهكذا فعل ضباط آخرون وبدأت كتلة أوراقي تتضخم وصارت لي شرائط تسجيل تمتد لساعات، يا مرحى فقد كان تنفيذ التكليف ووفق موجهات هيئة التحرير يمضي دون عقبات).
رائحة حريق
يتذكر الأستاذ أبو بكر أنه كان سعيدا بمهمته، لكنه يستدرك (من حيث تشرق الشمس تهب العواصف). ويقول: كان غيابي عن دار الصحيفة مبررا ولم يكن هناك من زملاء العمل من استغرب غيابي. لكن الأستاذ التجاني الطيب رئيس تحرير صحيفة الميدان في ذلك الوقت صاح بي: وين أنت يازول؟
قلت: اتابع عملي في الملف، وكنت قد دلفت للمكتب لالقاء التحية، وكان هناك شخص يجلس على كرسي عرفته وصافحته بحرارة، ولم استغرب وجود (ف) ففي مكتب الأستاذ التجاني يمكن أن تلاقي أمة من الناس مختلفين.
قال الأستاذ: الجماعة ديل قالوا توقف.
قلت باستغراب: أوقف ماذا؟
قال: العمل في الملف.
قلت ومن هم الجماعة ديل؟
قال: لجنة الحزب العسكرية.
قلت (ولن أنسى ذلك ما حييت): أنا صحافي لا أعمل مع لجنة الحزب العسكرية. أنا أعمل في الوسيلة (الاسم التنظيمي للميدان)
قال: نحنا وافقنا على رأيهم نوقف أي ملف حتى يصدر التقييم.
قلت : رأي الجريدة على العين والرأس.
قال: سلم أوراقك لمكي (المرحوم الأستاذ مكي عبد القادر)
قلت: حاضر وخرجت وقد ثار في ذهني سؤال غامض ما دخل تحقيق صحفي احتفائي بتقويم حزبي لوقائع ١٩ يوليو حتى يوقف؟ قلت في نفسي ألا يساعد الملف الحزب في الوصول للحقيقة؟
ويصمت الأستاذ ابو بكر برهة ثم يحكي (كنت جائعا للحد البعيد وخرجت وقد أزيح عن كاهلي عبء العمل وسلمت أوراقي وشرائط التسجيل للمرحوم مكي وخرجت لسوق الخرطوم ٢ حيث تناولت إفطاري وأنا اقلب الأسئلة التي بدت دون إجابات. وعدت سريعا لمبنى الصحيفة امني نفسي بجلسة عاطلة وونسة مع أناس لا يمل الحديث معهم من أمثال المرحوم عبد الرحمن أحمد).
وعند وصوله لمقر الجريدة يتذكر أبو بكر (كانت رائحة الحريق تملاء المكان ودخان هرولت ناحية مفاتيح الكهرباء كان كل شيء على مايرام وبدا الدخان وكأنه يصدر من خلف المبنى هرولت إلى هناك ويا للهول كان المرحوم مكي يزكي نارا تلتهم أوراق الملف الموعود وشرائط التسجيل).
دا شنو دا يا أستاذ؟
لم يلتفت الأستاذ مكي، وقال: قالوا يحرقوها.
وينهي أبو بكر روايته بأسى قائلا (أنهت كلمة يحرقوها تلك عهدا من عضويتي بحزب الشيوعيين اتسم بالمحبة وبالحماس ليبدأ عهد آخر قوامه الشك والريبة).
دفن الإفادات
لسنا في مقام تحديد مستوى الدقة في الرواية السابقة، لكن الحاصل أن من أحرق هذه الأوراق لم يوفق في دفن الإفادات المرتبطة بالحدث إن كان يقصد ذلك، فهاهو الرائد عبد العظيم عوض سرور يصدر من منفاه البعيد في كندا، كتابا يقول بوضح إن انقلاب 19 يوليو 1971 عند نجاحه في الاستيلاء على السلطة نهارا جهارا، لم يكن سوى (حركة تصحيحية لحركة مايو تم الاتفاق عليها بين الضباط الشيوعيين وحدد لها شهر يوليو موعدا للتنفيذ بعد انتهاء دورة قادة الفصائل في جبيت التي كان مقررا لها أن تنتهي في 30 يونيو 1971).
التحضير والتنفيذ
ارتبط مؤلف الكتاب بتنظيم الضباط الأحرار في مطلع العام 1966، وكان حينئذ طالبا مستجدا في الكلية الحربية، تصله مطبوعات الحزب الشيوعي، ويقرأ بنتظام نشرة (صوت القوات المسلحة). أما علاقته بانقلاب 19 يوليو، فقد بدأت إثر عودته من جبيت للخرطوم بعد انتهاء دورة قادة الفصائل، وتأكد بعد مقابلته المقدم عثمان حاج حسين أبوشيبة العضو القيادي في تنظيم الضباط الشيوعيين والضباط الأحرار أن الانقلاب سيتم خلال الأيام القليلة القادمة.
وكان من المقرر أن يعقد الملازم عبد العظيم قرآنه على خطيبته سلمى زاهر السادات في شهر يوليو نفسه، إلا أن المقدم عثمان طلب منه تأجيل الزواج وقال له بالحرف الواحد (خلينا نخلص العرس الأكبر).
وتأجل موعد الانقلاب عن يوم 14 يوليو بسبب قدوم وحدات من الأقاليم للخرطوم، وتأجل يوم 17 يوليو كذلك لأحداث وقعت في جامعة الخرطوم. وأخيرا تحددت الساعة الثالثة والدقيقة الخميس بعد ظهر يوم 19 يوليو موعدا للتنفيذ. وكان اختيار هذا التوقيت من أفكار صغار الضباط في التنظيم، حسبما أفاد المؤلف، لا سيما أن خطة الانقلاب قد نفذت بنسبة 100 في المائة، ولم يصب خلال التنفيذ سوى جندي واحد بجرح في يده، حاول المقاومة في القيادة العامة، ومن ثم استولت المجموعة التي قادها الرائد هاشم العطا بسهولة على السلطة،
وتمت خطوات التنفيذ بسلام، حيث تمت كل الاعتقالات، وتم احتلال كل المواقع العسكرية بالعاصمة، وتم ذلك خلال ساعتين فقط وهذا يعتبر أسرع انقلاب في تاريخ الانقلابات العسكرية في العالم.
في مهام التنفيذ للانقلاب أسند إلى الملازم عبد العظيم سرور العائد من جنوب السودان، مهمة اعتقال الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم بحسبانه أكثر قادة مايو شراسة، لكن السرد المُطمئن لملابسات الاعتقال يُوحي أن الكاتب قد ملك الحقيقة، ولم يستسلِم لرؤى المُباشرة والتقريرية، وهو صانع للأحداث، خاصة عندما تختلط أحلام العسكر بغسيل السياسة القذر. وهنا يتعين أن نعيد حكاية وردت في سياق السرد الشيق لعمليات اعتقال قادة مايو الذين شاءت الصدفة أن يعتقلوا من منزل الرئيس نميري، سأل الرائد مأمون عوض أبوزيد من هو قائد الأنقلاب، وبعد تكرار السؤال رد عليه المؤلف عبد العظيم سرور: قائد الانقلاب هو هاشم العطا. رد مأمون: الحمد لله كلم هاشم يرسل لي النوامة.
مذبحة بيت الضيافة
رغم أن 45 عاما تفصلنا عن أحداث انقلاب 19 يوليو 1971، إلا أن الجديد في قصة انقلاب هاشم العطا أن رواية عبد العظيم سرور لم تختزل الملابسات التي أحاطت بمذبحة بيت الضيافة، حيث لا تزال الإفادات المتناقضة هذه المذبحة. وتبدأ رواية سرور بنفي أية مسؤولية للحزب الشيوعي أو تنظيم الضباط الأحرار فيما حدث في بيت الضيافة. ويؤكد أن التصفية الدموية لم تكن في أي مرحلة من المراحل ضمن خططهم.
ورغم أن بداية الرواية يثير مزيدا من الغموض، حول ما حدث في بيت الضيافة، إلا أن سرور يستدرك أن ما حدث في بيت الضيافة كان تصرفا فرديا يستوجب الإدانة. ويستدل على هذه الفردية، بأن تنظيم الضباط الأحرار، أنكر منذ البداية ولسنوات طويلة أية علاقة له بما حدث في بيت الضيافة، إلا أن جهة آمرة في انقلاب 19 يوليو أصدرت أمرا فرديا بتنفيذها، حسب روايته التي يدعمها بأن ضابطا أو اثنان مع جنودهما قاموا بتنفيذ جزء من المجزرة.
وخلاصة شهادة سرور أن مذبحة بيت الضيافة جريمة مزدوجة بدأها الضباط والجنود المشاركون في انقلاب يوليو وأكملتها مجموعة من ضباط الصف الذين عادوا في سبتمبر 1975 ونفذوا انقلاب المقدم حسن حسين. ولعل ما يدعم هذه الخلاصة أن التقرير الفني لأحداث مذبحة، ونتائج الكشف الطبي أكدا أن الضحايا في بيت الضيافة قضوا نحبهم نتيجة إصابات من مسافة قريبة.
جدران شاهقة
سعى كتاب سرور إلى افتتاح ثغرة في جدران شاهقة، وكاد أن يقول عند مناقشته لتقييم الحزب الشيوعي السوداني للانقلاب، إن التواني عن عدم الخوض في المسكوت عنه حزبيا هو عين خيانة موصوفة ليس بحقّ الضحايا وحدهم، بل هو أيضا خيانة موصوفة لحق الانتماء لفكرة ولمطلوبات ما يعرف عند الشوعيين القدامى بـ (الشرف الماركسي).
ورغم مرور 45 عاما على انقلاب 19 يوليو 1971، إلا أن أهمية هذا السعي تكمن في أن الانقلاب يعد من أهم الأحداث السياسية في السودان، بالنظر إلى التناقضات والصراعات متعددة الأطراف التي سبقته وعجلت به، ووبحسبان عناصر القوة والضعف التي صاحبت العملية العسكرية والممارسة السياسية خلال الأيام الثلاثة التي مثلت عمر الانقلاب. وينبغي أيضا استصحاب ردود الأفعال السودانية والخارجية والتصفيات الدموية الباهظة علي طرفي الحدث، وإختلال موازين القوي الطبقية والسياسية، حيث لا يزال الحزب الشيوعي، بغض النظر عن مسؤوليته في الانقلاب، يجاهد لترميم آثاره. وكل هذه وغيرها جديرة بالمعاودة والتقويم الموضوعي ووضع النقاط فوق الحروف، وهنا تبرز أهمية رواية سرور، الذي كتب في مدخل الكتاب: إن ما تقدمه هو للحقيقة والموضوعية. ويبدو واضحا كتاب سرور هو عبارة عن حصيلة تجربته انقلاب 19 يوليو. والرجل صاحب أصيل في تقديم تجربته، فهو بين قلة من العسكريين والمدنيين الأحياء ممن تضافرت لهم عوامل الزمان والمكان يقف علي بعض جوانب التخطيط والتنفيذ والتداعيات التي تلاحقت في مثل لمح البصر أو أقرب منه وأفضت فشل الانقلاب.
أسئلة معلقة
أثار مؤلف الكتاب في مقدمته سؤالا جوهريا عن علم وموافقة الحزب الشيوعي السوداني على تنفيذ الانقلاب؟ وعلى الرغم من أن هذا السؤال يتفرع إلى عدة أسئلة، إلا أن كل الأجابات عنها تكاد تنحصر في العبارة السحرية المبهمة التي أطلقها الحزب الشيوعي (شرف لا ندعيه وتهمة لا ننكرها).
ورغم أن المؤلف ينفي بوضوح أي صلة للحزب بتنفيذ الانقلاب، إلا أن السؤال يصبح هل شارك الحزب الشيوعي أو السكرتير العام له في التخطيط للانقلاب؟ صحيح أن هذا السؤال ظل معلقا، إلا أن التفاصيل الفنية العسكرية بخطة تنفيذ الانقلاب وحركة الاعتقالات التي أوردها المؤلف باستفاضة في الفصل الثاني التنفيذ تنفي بوضوح مشاركة الحزب الشيوعي في التنفيذ. ومع ذلك فإن السرد الشيق في الفصل الأول من الكتاب، لتفاصيل التحضير للانقلاب تطرح الأسئلة أكثر من أن تقدم الإجابات عن دور الحزب الشيوعي أو السكرتير العام في التخطيط والتحضير للانقلاب. ويستوقف القارئ أيضا السهولة الفائقة في توفير وتبادل منشورات الحزب الشيوعي بين الضباط والجنود داخل الوحدات العسكرية. ويبدو أن طبيعة المحامي قد غلبت على سرور الذي درس القانون وعمل بالمحاماة، فقدم كل الأسئلة الإفادات في سياقات تبريرية. ويبدو واضحا أيضا تأثر المؤلف بمسألة تجاهل الحزب الشيوعي لروايته. ولسنا في مقام تقييم الأخطاء عسكرية كانت أم سياسية، ولكن كانت هناك أخطاء فادحة كان من الممكن تفاديها.
3 أيام شيوعية
عندما غابت شمس يوم 19 يوليو 1971 في سماء مدينة الخرطوم، كانت النقاط المهمة عسكريا تحت سيطرة حركة هاشم العطا. وحين لف الليل بغلالته السوداء العاصمة المثلثة، سارع الشيوعيون والديمقراطيون لإكمال مطلوبات الشق السياسي في الانقلاب، ودعم قائد الانقلاب هذا التحرك بحظر التجول وإعلان حالة الطوارئ.
ووعاشت الخرطوم ثلاثة أيام شيوعية، حيث اعتلت قيادات الحزب الشيوعي مسرح الاحداث، حيث زار الأستاذ عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الوفد المصري بقيادة أحمد فؤاد في فندق السودان، وطمأنهم بأنها حركة تصحيحية لحركة مايو. وكان أبرز من ظهر مع السكرتير العام في تحركاته الأساتذة: التجاني الطيب، الرشيد نايل، ومحمد إبراهيم نقد.
أما الأستاذ الشفيع احمد الشيخ سكرتير اتحاد عمال السودان، فقد حدد موقفه بشكل واضح تجاه تأييد الحركة الجديدة ودعا لموكب جماهيري ضخم بقيادة اتحاد العمال تأييدا للحركة التصحيحية، وخرج الموكب في العاشرة من صباح الخميس 22 يوليو، وتحرك الموكب من ميدان أبو جنزير متجها إلى ساحة الشهداء المجاورة للقصر الجمهوري. وخاطب الموكب الرائد هاشم العطا والشفيع أحمد الشيخ. كان هتاف الجماهير (طبقيون، أمميون، سايرين في طريق لينين، يانميري ياجبان الشيوعيون في الميدان، عاش نضال الطبقة العاملة، الخرطوم ليست مكة). وهكذا عاشت الخرطوم ثلاثة أيام شيوعية اجتهد خلالها الحزب في دعم الحركة التصحيحية، ولكن أتت الريح بغير ما تشتهي سفن الحزب.
بدايات الهزيمة
في عصر اليوم الشيوعي الثالث الذي عاشته الخرطوم، هبت رياح العاصمة المثلثة بغير ما تشتهي سفن الحزب الشيوعي، ولاحت نذر الهزيمة، ويحتوي الفصل الخامس من الكتاب المعنون (الهزيمة وأسبابها) على استعراض جيد، فقد لوحظ منذ الساعات الأولى بعد تنفيذ الانقلاب (التساهل) و(التراخي). إضافة إلى أن القوات غير كافية لتغطية كل المواقع الاستراتيجية. ويضيف سرور عنصرا مهما يتمثل في أن حركة الانقلاب كانت تعتقد أن الرأي العام داخل القوات المسلحة ضد مايو بنسبة 100 في المائة، ولم يكن هذا صحيحا، فضلا عن أن قيادة الحركة سمحت لكل من (هب ودب) بالانضمام إليها. وأدى كل هذا إلى وجود حالة من (الهر ج والمرج) داخل القيادة العامة تسبب في عدة اشكالات.
وفي يوم الانقلاب الثاني كانت الأمور تسير بصورة عادية، لكن المؤلف تحدث عن شعوره بالفوضى والإهمال من قيادة انقلاب 19 يوليو. ويستفيض المؤلف في تفاصيل اليوم الثالث العسكرية، ولكن عند شعوره أن المعركة خاسرة قام بتسريح الجنود وكان عددهم نحو 30 جنديا، وجلس على كورنيش النيل قبالة القصر الجمهوري، من ثم انتقل إلى معسكر الشجرة، وفي التحقيق المبدئي ذكر أن وجوده بالقصر كان بالصدفة، لأنه ينتمي للحرس الجمهوري. لكنه اعتقل بعد ساعات بعد أن تعرف عليه أحد الضباط المعتقلين ببيت الضيافة. وفي اعتقال عوض سرور ملابسات طريفة فقد أفرج عنه من معسكر الشجرة لضعف البينات، لكنه أعيد اعتقاله مرة أخرى في سلاح المهندسين، بعد أن تعرف عليه الرائد مأمون عوض أبوزيد. المهم في قصة الاعتقال والإفراج ملابسات مختلفة تشكك في مزاعم أن قادة مايو كانوا باطشين بالانقلابيين.
مساهمة قيمة
يمثل كتاب (حركة 19 يوليو 1971 ــ التحضير ـ التنفيذ ـ الهزيمة) لمؤلفه الرائد (م) عبد العظيم عوض سرور مساهمة قيمة للمكتبة السودانية، فيما ما احتواه من معلومات وإفادات قدمها كشاهد عيان ساهم بالتحضير وشارك في التنفيذ وتجرع مرارة الهزيمة.
ويمثل مساهمة قيمة أيضا حين يخوض في تفاصيل القضايا التي يختلف فيها مع تقييم الحزب الشيوعي السوداني لانقلاب 19 يوليو. كما يرد بطريقة غير مباشرة على ادعاء فحواه (أن العسكريين الشيوعيين وحلفاءهم تصرفوا بدون تخويل ووضعوا الحزب أمام الأمر الواقع).
ويبقى القول إن البطل الحقيقي في هذا الكتاب هي حرم المؤلف السيدة الفضلى سلمى زاهر السادات، تلك الفتاة الصابرة التي لم تكتفي ساعة صفر الانقلاب بتأجيل موعد زفافها، بل أخرته عدة سنوات صبرت خلالها وصابرت على نقل المؤلف إلى سجن كوبر لمواصلة دراسته الجامعية، وهذه تحية لها ولكل سيدة فضلى تصبر على ابتلاءات زوجها.

 

آراء