روسيا: نظام بوتين قد يسقط – ولكن ماذا يأتي بعد ذلك؟

 


 

 

روسيا: نظام بوتين قد يسقط - ولكن ماذا يأتي بعد ذلك؟
( The Guardian) Anatol Lieven أناتول ليفن
تقديم وترجمة حامد فضل الله \ برلين


نُشر هذا المقال في صحيفة فرايتاج، وهي صحيفة أسبوعية للسياسة والاقتصاد، تصدر في برلين. وكاتب المقال هو:
أناتول ليفين مدير برنامج أوراسيا في معهد كوينسي، الذي تأسس في واشنطن العاصمة عام 2019 .Carola Tortiوقد قامت بالترجمة كارولا تورتي،
إلى النص:
أصبح رئيس الكرملين الروسي فلاديمير بوتين متورطاً في حرب أوكرانيا ويعاني من اضطرابات في الداخل. ويدفع الآن جنود الاحتياط في الجيش الروسي ثمن فشل فلاديمير بوتين الاستراتيجي. حان الوقت لأن يحاول الغرب التفاوض قبل السقوط في الهاوية.
إعلان بوتين عن التعبئة الجزئية هو علامة على الفشل الكامل لاستراتيجية روسيا في أوكرانيا منذ الغزو في فبراير. جزء من سبب انتظار الرئيس الروسي طويلاً للتعبئة، هو أنّه يعترف ليس بهذا الفشل فحسب، بل أيضاً، بحقيقة أنّ "العملية العسكرية الخاصّة" هي في الواقع حربٌ شاملةٌ، ويبدو أنّ روسيا سوف تخسرها. وسبب آخر هو أنّ بوتين كان يخشى - وهو مُحقّ - من رد الفعل العنيف من الجمهور الروسي. نظامه الآن في خطرٍ شديدٍ. هزيمة كبرى أخرى ستنهي عهده على الأرجح.
ومع ذلك ، قد يكون الأمر الأكثر خطورةً من التعبئة نفسها، هو الجمع بين هذا الإعلان وقرار إجراء استفتاءات في شرق دونباس، التي اعترفت روسيا بأنّها مستقلة في فبراير / شباط ، ومناطق أخرى احتلتها القوات الروسية أثناء الغزو.
نتيجة هذه "الأصوات" للانضمام إلى روسيا، وهو أمر مؤكد منذ البداية، وهي ليست مهمة. العامل الحاسم هو ما إذا كانت الحكومة الروسية والبرلمان الروسي سوف يقوما بضم هذه المناطق على الفور. إذا فعلوا ذلك، فسيكون ذلك علامة على أن موسكو تخلّت عن كلّ أمل في السلام، ومستعدة للقتال إلى أجلٍ غير مسمى. لا أوكرانيا ولا الغرب يمكن أن يقبل مثل هذا الضمّ. ولا يمكن أن يكون جزءًا من اتفاق يتم التفاوض عليه. أفضل ما يمكن أن نأمله لأوكرانيا آنذاك، سيكون سلسلة من وقف إطلاق النار غير المُستقر الذي تخللته الحرب، مثل تلك التي حدثت في كشمير على مدى السنوات الـ 75 الماضية
فشل خطّة فلاديمير بوتين
سيُظهر الأسبوع المقبل، ما إذا كانت هذه هي نيّة موسكو حقّاً، أم أنّ الاستفتاءات هي بدلاً من ذلك، خطوة نحو حمل الأوراق الرابحة للمفاوضات المستقبلية. لا ينبغي أن ننسى أنّ جمهوريات دونباس الانفصالية أعلنت استقلالها عن أوكرانيا في عام 2014. بعد ثماني سنوات فقط، عشيّة الحرب في فبراير من ذلك العام، اعترفت موسكو رسمياً باستقلالها. في غضون ذلك، كانت موسكو تتفاوض مع أوكرانيا والغرب بموجب اتفاقيات مينسك الثانية لعام 2015 لإعادة تلك الأراضي إلى أوكرانيا مقابل ضمانات بالحكم الذاتي الكامل.
مرّة أخرى، قد لا تكون الاستفتاءات مقدّمة لضمّ فوري، لكنّها تؤكد تهديد الضم إذا لم يسعَ الغرب إلى حلّ وسط. هناك بعض الأمل في أن يكون هذا هو الحال، كما جاء من خطاب ألقاه بوتين الأسبوع الماضي، والذي أشار فيه بالموافقة إلى عرض السلام الأوكراني في مارس، والذي تضمن معاهدة حياد وتأجيل النزاعات الإقليمية إلى مفاوضات مستقبلية. أسباب قطع مفاوضات السلام هذه محلّ خلافٍ كبيرٍ. حسب الرواية الروسية للأحداث، تمّ حظرها من الغرب وأجهضتها أوكراينا.
سعي موسكو لأسباب وقف إطلاق النار واضحة. لقد فشلت خطّة بوتين الأصلية لأخذ كييف وتحويل أوكرانيا إلى دولة عميلة، فشلاً ذريعاً. تمّ إيقاف العديد من النقاط الهامة في الخطّة ب، وهي السيطرة على المناطق الناطقة بالروسية في الشرق والجنوب. روسيا معرّضة لخطر جسيم من الهجمات المضادة الأوكرانية. اهتز نظام بوتين بشدّة بسبب الهزيمة في خاركيف. إذا طردت أوكرانيا روسيا من منطقة جنوب أوكرانيا حول مدينة خيرسون الساحلية أو أجزاء كبيرة من دونباس، فإنّ بقاء بوتين في السلطة سيكون موضع تساؤل.
سيكون لدى روسيا الوسائل اللازمة للتصعيد
إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار أو محادثات سلام، فإنّ روسيا لديها الوسائل لتصعيد خطير للوضع. يمكن أن تدافع عن الأراضي المحتلة المتبقية، بينما تصعد الهجمات على البنية التحتيّة الأوكرانية الجارية بالفعل. إذا ضمت روسيا الأراضي المحتلة، فمن المحتمل أن يهدد بوتين بشنّ هجمات نووية للدفاع عمّا ستطلقه موسكو على الأراضي الروسية. في غضون ذلك، توضح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكلٍ مُتزايد أنّها تغير سياسة الصين الواحدة للولايات المتحدة. لذلك يمكن لموسكو أيضاً، أن تأمل في أن تزيد الصين، في المقابل، بشكلٍ كبيرٍ من مساعدتها العسكرية والمالية لروسيا.
وكما يمكن في الوقت نفسه ملاحظة أنّه بالفعل، ستزداد الاضطرابات في المجتمع الروسي. السخط هو مزيج من مُعارضة الحرب نفسها والغضب من السلوك غير الكفؤ للحرب من قبل بوتين وحاشيته، وكلا المكونين يتعايشان في أذهان العديد من الروس.
إذا استمر هذا، فإنّ الإطاحة ببوتين ستصبح احتمالاً حقيقياً. ليس من الضروري أن يكون الانقلاب المُحتمل عنيفاً، ولا يمكن حتى نشره على الملأ. بدلاً من ذلك، يمكن لوفد من السياسيين المعروفين أن يقترب من بوتين ويقترح أن بقاء النظام سيتطلب استقالته (واستقالة بعض القادة الآخرين المرتبطين بالهزيمة العسكرية، مثل وزير الدفاع سيرجي شويغو). في المقابل، يمكنهم ضمان حصانة من الملاحقة القضائية وتأمين ممتلكاته. حدث شيء مشابه جداً، عندما سلم رئيس الدولة السابق بوريس يلتسين السلطة إلى بوتين في عام 1999
يجب على الغرب أن يستجيب لعروض المحادثات
إنّ الذين يتخذون مثل هذه الخطوة من أعضاء المؤسسة الروسية، سيواجهون مخاطر كبيرة: لأنفسهم إذا فشلت المحاولة، وكذلك للمؤسسة الروسية وروسيا أيضاً، إذا أدّى تغيير القيادة إلى انقسام النخبة، والفوضى السياسية، وإضعاف جذري للدولة المركزية.
لذلك من المُحتمل جداً، أنهم سيحتاجون إلى نوع من التغطية للفترة التي يكون فيها بوتين بعيداً للقيام بذلك ؛ بعض التأكيدات على أنّ الغرب يقدّم عرضاً لخليفته، من شأنه أن يسمح للحكومة الجديدة بالتمتع بدرجة معينة من النجاح الروسي. وإلاّ، فسيتعين عليها أن تحكم دولة ضعيفة وجيشاً ضعيفاً وأن تواجه ما قد يفهمه شعب روسيا على أنه مطالب غربية بالاستسلام غير المشروط. هذا من شأنه أن يترك الحكومة الجديدة مع عبء كارثي مماثل مثل الحكومة في جمهورية فايمار في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. وسيتم وصفه بشكلٍ دائمٍ بأنه نظام التخلي والتدهور الوطني.
من هذا المنظور، فمن المُحتمل جداً أن يحمّل خليفة بوتين، الرئيس المسؤولية الشخصية عن كل ما حدث بشكل خاطئ في أوكرانيا. وسيستجيب في الوقت عينه للنداءات المتزايدة للمتشددين الروس من خلال الأمر بالتعبئة الوطنية الكاملة وتكثيف الحرب بشكلٍ كبيرٍ. ومما يمكن أن يوسع الحرب خارج حدود أوكرانيا.
إذا أردنا تجنب مثل هذه التطورات المُحتملة، فإنّ الغرب لديه الآن الوقت للردّ على عروض بوتين الضمنية للمحادثات، ولكن ليس هناك الكثير من الوقت.

hamidfadlalla1936@gmail.com

 

آراء