روشتة إصلاحية

 


 

سامر عوض حسين
6 September, 2024

 

باسمك اللهم رب العالمين نستعين. ونصل على النبي الأواب صلاة تليق بنور وجهه الكريم. بدءاً نقف اليوم أمام تحديات كبيرة تواجه السودان، تحديات أرهقت النفوس جميعها وأثقلت القلوب. فصبر الشعب السوداني قد وصل إلى حد لا يُطاق وفاق الحد، بعد حرب الخامس عشر من أبريل 2023 . نجد أن المواطن السوداني والمتابع أياً كان حول العالم .. اليوم ناظرين إلى الأفق السياسي التي أصبحت تبدو له الحلول بعيدة المنال، كما أن التطورات نحو إنهاء الأزمة مجرد سراب في أفق سياسي معقد.
فالسودان تلك البلد الثري بتراثه وتاريخه الطويل عانى لعقود عبر الزمن من أزمات سياسية واقتصادية، يعيش اليوم في تفاقم يوماً بعد يوم وتتعقد في غياب الحوار البناء والنية الصادقة من الأطراف المتحاربين لتحقيق السلام والاستقرار. فشعب السودان الذي لطالما أظهر صبراً وإيماناً عميقاً بقدرة الله على تجاوز تلك المحن، بات يشعر بثقل الزمن ومرارة الانتظار ولكن دون فقدان الأمل. وننظر لتلك المرأة التي تجلت واندفعت أمام الفريق البرهان في إحدى الولايات الشمالية وهي تشكو قسوة الحال والتعب تمثل صوت أمة بأكملها من الرجال والأطفال والصغار والمسنين.
إن الأزمة السودانية ليست مجرد أزمة سياسية عابرة؛ إنها أزمة كل جوانب الحياة. فالاقتصاد ينهار، والخدمات تتدهور، والأمن يختفي من أحياء المدن والقرى. وفي ظل هذا الواقع المرير، تجد أصوات العقل والحكمة هي ما يحتاجه السودان اليوم للخروج من هذا النفق المظلم.و لكن! مع كل هذا الألم والمعاناة، وهنا يبقى الأمل في قلوب السودانيين قائماً، يبقى الإيمان بأن الله لن يخذل عباده، وسيأتي هذا اليوم الذي ستعود فيه البسمة إلى وجوه الأطفال وتعود فيه الحياة إلى طبيعتها من جديد في كل أنحاء السودان. فالنداء اليوم ليس فقط للساسة، بل نداء لكل فرد من أبناء هذا الوطن العزيز، نداء للعمل بصدق وإخلاص من أجل بناء سودان جديد، سودان يليق بتلك التضحيات التي بذلها شعبه ويزيدها صبره الطويل. ولننبذ تلك الحرب وذلك الجهل.
وتكمن الحلول الممكنة في ظل هذه الأزمة السودانية الراهنة هي البحث عن نهجًا شاملاً يراعي تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وهنا يمكن أن أستعرض هنا بعض تلك الحلول الممكنة الناجعة والمجربة في بلدان أخرى حول العالم التي يمكن أن تساعد في تخفيف حدة الأزمة وتحقيق نوعاً من الاستقرار النسبي. وأولاً يجب التفكير جدياً في خلق حوار وطني شامل يجتمع فيه جميع الفاعلين السياسيين، بما في ذلك الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، كل في طاولة حوار وطني شامل. وهو الأمر الذي تضطلع به تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وقد قطعت شوطاً كبيراً في ذلك. وبالتأكيد هذا الحوار يستثنى حزب المؤتمر الوطني الذي لفظه الشعب السوداني جراء ثورة شعبية منهية حكمه لفترة تزيد عن ثلاثين عاماً. ويكمن الهدف السامي لتلك العملية هو الوصول إلى اتفاق يعالج هذه القضايا الجوهرية ويضع مصلحة هذا البلد فوق المصالح الشخصية والفئوية. كما يمكن الاستفادة من دعم المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة لتقديم وساطة محايدة تساهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتداخلة.
أما عن الخطوة الثانية فهي تشكيل حكومة انتقالية محايدة بحيث يمكن تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية تتألف من خبراء محايدين غير متورطين في الصراعات السياسية، لتتولى قيادة البلاد في فترة انتقالية حتى يتم تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وتعمل هذه الحكومة مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية العاجلة بحيث تعمل على تحسين إدارة الموارد الوطنية وتعمل على إجراء وتنفيذ إصلاحات عاجلة في إدارة الموارد الطبيعية والمالية، بما يضمن التوزيع العادل للثروات ويقلل من الفساد المالي والإداري. ولا بأس من الحصول على مساعدات دولية تعزز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية للحصول على دعم مالي وفني للمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. ثم تأتي الخطوة الأهم وهي تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية وفي هذه المرحلة يتم محاسبة المتورطين في الجرائم التي أرتكبت خلال مدة الحرب وكما يجب تحقيق العدالة بمحاسبة المتورطين في جرائم حرب أو انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك عبر محاكمات عادلة وشفافة. كما تشمل تحقيق العدالة على تقديم تعويضات للضحايا، وهذا يساعد في إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوداني. ثم نذهب إلى مرحلة لا تقل أهمية من سوابقها من المراحل وهي إصلاح القطاع الأمني وإعادة هيكلة القوات المسلحة وأجهزة الأمن لضمان أن تكون تلك الأجهزة في خدمة الشعب وحماية الوطن، بعيدًا عن الولاءات السياسية الضيقة. مع إضافة نشر قوات حفظ السلام الوطنية والدولية في المناطق المضطربة لضمان وقف العنف وحماية المدنيين.
في نهاية المطاف يمكن العمل على تهيئة الظروف لإجراء انتخابات ديمقراطية تشمل جميع الأطراف السياسية، لضمان تمثيل حقيقي للشعب السوداني في اختيار قادته. وتوفير مراقبة دولية لضمان نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها. إن الحلول المطروحة تتطلب تعاونًا واسعًا وجهدًا مشتركًا من جميع الأطراف، مع دعم دولي وإقليمي يساهم في دفع عجلة السلام والتنمية في السودان. بالطبع أن الحل لن يكون سهلاً أو سريعًا، لكنه ممكن بالتزام حقيقي وإرادة قوية لتحقيق تغيير إيجابي. وفي الختام لا يسعنا إلا أن نرفع أيدينا بالدعاء إلى الله تعالى أن يرفع عن السودان وأهله هذا البلاء، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً، ويجمع كلمتنا على الحق والعدل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

د. سامر عوض حسين

samir.alawad@gmail.com

 

آراء