رياح الجهوية … هل تعصف بتحالف الانقلابيين؟

 


 

 

الصراع الجهوي حول السلطة هو الغالب على تمظهرات التنافس السياسي الحزبي والعسكري، بين المكونات الحزبية والتنظيمات المسلحة منذ أمد نشوء الدولة السودانية الحديثة، وبرغم التأسيس المبكر للاحزاب المسماة بالقومية إلّا أن بؤر توتر هذا الصراع الجغرافي لا تلبث أن تطل برأسها بين الفينة والأخرى، عند ذروة الاحتقان التنافسي الساعي للوصول لقمة الهرم السيادي بقصر غردون، طفح كيل هذا التجاذب بعد العشرية الأولى التي احكمت فيها الجبهة الاسلامية قبضتها على السلطة بعد تنفيذها لانقلابها العسكري، فوضح للناس أن الجهوية والعرقية كانتا المحدد الرئيس لفكر الجبهة الاسلامية في تنصيب الحُكّام والوزراء والمحافظين والمديرين العامين لكبريات الشركات الحكومية، فاندلعت الخصومة بين عضوية حزب المؤتمر الوطني الحاكم آنذاك، وانقسم المؤتمرجية والجبهويون على إثر ذلك الخصام الى مؤتمرين – شعبي ووطني، ومن ثم تطور الحنق الجهوي بين الاخوة اصحاب الطرح الاسلامي المزعوم كافرين بأحد أهم أعمدة تماسك الأمة المسلمة الا وهي موجهات الآية الكريمة: (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير)، صدق رب العباد، وبذلك حازت الحركة الاسلامية الجسم الأكثر عمومية في تجميع ما يسمى بالتيار الاسلامي العريض تحت ذات الراية الواحدة، على امتياز استغلال الحميّة القبلية في تأجيج الصراعات الدنيوية الساعية للحصول على السلطة، فخرج ابن التنظيم المدلل المهندس داؤود يحي بولاد مغاضباً إخوته الذين اوصلوه للحقيقة الصادمة التي مفادها أن رابطة الجغرافيا بين الاخوة (في الله) هي الأقوى من حبل الدين المتين.
الكتلة الجنوبية ذهبت لحال سبيلها وارست قواعد بيت دولتها الجديدة، كنتيجة حتمية لمخرجات الصراع الجهوي الدائري المستمر بين الكتل السكانية السودانية منذ الاستقلال، وبعدها اخذت الكتلة الغربية موقعها التراتيبي في المواجهة التي لا مفر منها مع الكتلة المركزية، هذا الصراع الأزلي الذي تعود جذوره إلى الخلاف الكبير بين الخليفة عبدالله وأرحام الامام المهدي بعد وفاة الأخير، هو صراع قديم متجدد رغم الوعي الثوري الوطني الوحدوي المتولد لدى الأجيال المتتالية، فلو نظرنا للقيم النبيلة التي افرزتها ثورة ديسمبر المجيدة تلك الحاطّة من قدر معتنقي النزعات الجهوية، لم تتمكن من احداث الانقلاب الثوري الحقيقي داخل كيانات الاحزاب والحركات المسلحة المنطلقة من قناعاتها الجغرافية والمناطقية والطائفية البغيضة، فحدث التكالب الكبير على المناصب والمكاسب السلطوية من قبل واضعي الوثيقة الدستورية خلفاء حكومة الرئيس المخلوع، الأمر الذي أزعج حلفائهم من حملة السلاح الذين قادوا عملية سياسية مدروسة بعناية فائقة ومسنودة من مراكز قوى اقليمية، فاجبروا خلفاء المخلوع على المحاصصة وتقاسم كعكة القصر وأخذوا نصيب الأسد، ولم يكتفوا بنصيب ملك الغابة فذهبوا الى ابعد من ذلك بحصولهم على بعير السلطة بما يحمله من منافع، حينما شاركوا العسكر في تنفيذ انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، إنّ حرب الكر والفر الجهوية هذه ظلت مشتعلة تحت الرماد الى أن انفجرت واضاء وميضها يوم أمس عند اطلاق سراح رموز حزب الرئيس المحلول نكاية في السطوة الجهوية الغربية.
الخيار الآن اصبح خياراً أوحداً لا مناص من خوض غماره مهما كانت اولوية هذه الأمنيات المستحقة لشباب ثورة ديسمبر المجيدة، وهذه الأمنيات - بل الأصح الحقوق المشروعة - تتمثل في محاكمة رموز الحزب المحلول والاقتصاص من القتلة الذين ارتكبوا جرائم حروب دارفور وكردفان والنيل الأزرق ومجزرة فض اعتصام ميدان القيادة العامة، وهذا الخيار هو قيام انتخابات مبكرة وسريعة ونزيهة وغير متواطئة مع أحد كائن من كان وبرعاية أممية وأفريقية، ومن ثم تقوم الحكومة المنتخبة بنصب ركائز خيام القضاء المستقل المفضي لاقامة دولة الحرية والسلام والعدالة، بخلاف هذا الخيار الأوحد لا مناص ولا مهرب ولا سبيل غير الصوملة والرودنة وفقدان كينونة الدولة، ذلك لما لتمركز الجيوش والفصائل المسلحة الداعمة لرموز الانقلاب في عمق مفاصل الدولة، هذا الوضع الكارثي والمأساوي بالضرورة اوردنا موارده المهلكة لون الطيف السياسي المسمى بالتيار الاسلامي العريض، وبوادر هذه المأساة في حقيقة أمرها قد رسم ملامح وجودها أول تحالف عسكري – مدني، انعقد بين الرئيس الأسبق جعفر نميري وزعيم هذا التيار العريض الراحل الدكتور حسن عبدالله الترابي، ماجعل جيل اليوم يجني الشوك بدلاً عن الثمار من هذا الغرس غير الطيب الذي أسس له جيل الأولين من الاسلاميين والعسكريين.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
16 ابريل 2022
///////////////////////

 

 

آراء