رِحْلتي مع مَنصُور خَالِدْ: الخروج من الذات لمُلاقاة الآخر! جون قرنق والبَحْث عن السَّلام والوحَدَّة

 


 

 

 

 

الخميس، 8 أبريل 2021
kameir@yahoo.com

الحلقة (48)

الإعداد لاجتماع “فيينا IV”
في 5 مارس 2011، تمَّ عقد اجتماع بخُصُوص اجتماع “فيينا IV”، في مكتب أنيس حجَّار، ضمَّ: ربيع حسن أحمد، بكري عُثمان سعيد، نور الدين ساتي، حسن عابدين، ميوم ألير، خالد موسى، أمين سيد أحمد، والسِّر سيد أحمد. كانت الفكرة العامَّة للاجتماع هي القيام باستعداداتٍ أفضل ممَّا حدث خلال فيينا الثالثة بأديس أبابا، وأن يكون هناك برنامج مُتفقٌ عليه مسبقاً لإنجاح الاجتماع. تمَّ التوصُّل إلى أنه، بصرف النظر عن الخدمات اللوجستيَّة التي يجب إجازتها من حيث التكلفة لتغطية تذاكر الطيران والإقامة، يبدو أنَّ مُشاركة الجنوب حتى الآن غامضة من حيث النواحي: مراكز الدراسات والبحوث لتتماشى مع المراكز الثلاثة في الشمال، وأيضاً انضمام رجال الأعمال الجنوبيين، وربَّما الأهم من ذلك هو التزامٌ واضح بالقُبُول السياسي والمُشاركة من حكومة جنوب السُّودان، خاصة وجود معظم محرِّري الصُّحُف الشمالية في جوبا، إن لم يكن جميعهم، ممَّا يتطلب، على أمل، ضمان استقبال الرئيس سلفا كير لهُم. وأشار السفير خالد موسى إلى أنَّ وزارة الخارجية مُستعدَّةٌ لتحمُّل بعض التكّاليف إذا كانت الاستعدادات جيِّدة وغير متسرِّعة، مُضيفاً أنَّ النمساويين قلقون إلى حدٍ ما من أن الترتيبات الحالية مُوجَّهة أكثر نحو الحُكومة والشمال. لهذا السَّبب، طلبّوا السّماح لهُم بإجراء اتصالاتٍ مباشرة مع الجنوبيين، وأنهم سيرسلون خبيراً إعلامياً للمُشاركة في الجلسة الإعلاميَّة، وليس فقط د. فيرنر فسلابند (وزير الدفاع النمساوي السابق)، أو بعض المندوبين الذين حضروا من قبل. واتفق أنيس حجَّار وميوم ألير بأنهما سيتعاونان في السَّفر إلى جوبا في وقتٍ لاحقٍ من هذا الأسبوع لضمان مشاركة رجال الأعمال الجنوبيين. أوصى الاجتماع بما يلي: (أ) تأخير مؤتمر “فيينا 4” لمدة أسبوع واحد في جوبا إلى الجمعة 18 مارس والسبت 19 مارس 2011، (ب) عقد لقاءٍ مع منصور في اليوم التالي، حيث أنه لم يشارك في الاجتماع، ومع لوال عقب عودته إلى البلاد وفي أسرعِ وقتٍ ممكن، (ج) سيكون التركيز الرئيسي في جوبا على الإعلام والقطاع الخاص، بالإضافة إلى مُقدِّمة حول محاور الاجتماع، وورقتا معلومات أساسيَّة: واحدة عن مشاريع تمازُج من إعداد السفير نور الدين ساتي والأخرى عن تأثير الانفصال على التعليم العالي، للأستاذ بكري عثمان سعيد، و(د) أن يكون السِّر سيد أحمد مُقرراً للاجتماعات.
كنتُ حينئذٍ بالكويت، ووصلتُ الخُرطوم في 7 مارس 2011، لِأجد في بريدي الإلكتروني رسالة غاضبة بعض الشيء من منصور مُوجَّهة إلى أنيس حجَّار، بعد أن أخطره السِّر سيد أحمد بتوصية الاجتماع بتأجيل “فيينا IV” لمدة أسبوع، قال فيها: «عزيزي أنيس، 1. عقدنا الليلة الماضية اجتماعاً في منزلي جمعتُ فيه بكري عثمان سعيد، أمين سيد أحمد، والسر سيد أحمد، بغرض مُراجعة الاستعدادات لمُؤتمر فيينا الرابع. تمَّ إطلاعي على القرار الذي توصَّلت إليه في اجتماعك أوَّل أمس السبت بتأجيل مُؤتمر فيينا الرابع لمدة أسبوع واحد. 2. للأسف، لم يكن اجتماعكم مُلِماً بالاتصالات التي أجريتها في جوبا قبل يومين من اجتماعكم هذا. في هذا الصَّدد، أُقِرُّ بالخطأ “mea culpa”. ومع ذلك، ففي اتصالات جوبا التي أجريتها مع ريك مشار وماريال بنجامين (وزير الإعلام)، من بين آخرين، حول مبادرة فيينا، اتفقنا على ما يلي: i) سيكون مشار هو الرَّاعي للاجتماع، بينما سيكون ماريال هو المُضِّيف الرسمي، وii) سينضم مركز السَّلام بجامعة جوبا إلى مراكزنا الثلاثة في الخُرطوم، على أن يكون الاتصال في جامعة جوبا بدكتور كيمو أديبو. 3. لا تزال هناك ثغرة، وهي تحديد المُشاركين من القطاع الخاص في الجنوب (إذا كان هناك شيء من هذا القبيل على الإطلاق). هؤُلاء، بمجرَّد تحديدهم على الأرجح من خلال غرفة التجارة، سينضمون إلى مُشاركين من الخُرطوم. ومع ذلك، فقد أطلعتُ وزير الاستثمار، أوياي دينق، على أنَّ مشاركته ستكون أساسيَّة. يُسّعدني أن علمتُ أنك أنت وأمين سيد أحمد تعملان على تنقيح مقترحات د. واثق بشأن دور القطاع الخاص، لجعلها أكثر توجُّهاً نحو النتائج وتتماشى مع الواقع، والبيئة المحليَّة. 4. ما يتعلق بالمُعينات اللوجستيَّة، فأنا أنتظر وصول لوال هذا المسَّاء لترتيب التمويل المطلوب للسَّفر والطعام والإقامة في جوبا. نظراً لأنك تدرك تكاليف الفنادق الرهيبة (وغير المُسَّتحقة) في جوبا، فقد تكون في وضع أفضلٍ لتأمين أسعار فندقيَّة معقولة (مرافق الإقامة والإقامة والاجتماعات). في هذا الصَّدد، قد ترغب في استكشاف فُندق صحارى، أو فُندق جوبا قراند، أو فندق السُّودان الجديد (وصاحبه العم أمين عكاشة). السر يعمل حالياً على وضعِ اللمسّات الأخيرة على قائمة المشاركين. 5. ومع ذلك، هناك عقبة أخرى: فقد أخبرنا النمساويون أنَّ التاريخ الجديد الذي اقترحتموه، 18-19 مارس، لن يكون مناسباً لهُم. فهُم يقترحون الأول من أبريل 2011. وبدون أي تحيُّز لشخصه، لن يكون هذا التاريخ مناسباً لـلوال دينق، وهو الشخصيَّة المركزيَّة في المبادرة. وفقاً لذلك، اقترحنا الفترة من الخميس 24 إلى الأحد 27 مارس. بكري سعيد يتابع الأمر مع النمساويين. آمل أن يكون هذا الموجز مفيداً لجهات الاتصال الخاصة بك في جوبا. تحياتي. منصور خالد».

في نهاية الأمر، ولو أنه تم الاتفاق على عقد فييناIV في جوبا، إلا أن المدينة دخلت في أجواء ما بعد الاستفتاء، حيث كان الاهتمام مُوجهاً نحو ترتيبات وخطوات عملية تشكيل هياكل الدولة الوليدة، الإعداد فلم يعُد الظرف السياسي ملائماً للمضي قُدماً في الفِكرة. نبهني الصديق السر سيد أحمد بأن الفِكرة التقطها مركز كارتر فيما بعد، وحصرها في مركز ايبوني في جوبا ومركز دراسات المستقبل في الخرطوم، الى جانبِ شخصّياتٍ معظمها شاركت في اجتماع اديس (وهو من بينّهم). وعليه، عُقِدت اجتماعات على مدى عامي 2012 و 2013 في عدة عواصم أفريقية ابتدأت في تنزانيا وانتهت في الخرطوم، في جلسَّةٍ حضرها الرئيس كارتر وزوجته وكان يُفّترض أن تُتوجُ ببرنامج للمرحلة الأولى. ومع ذلك، تم تعليق الموضوع كُله لأن الحرب الأهلية كانت قد انطلقت بين الفصائل السياسية المتصارعة حول السُّلطة في جنوب السُّودان، وبذلك لم يستطِع الأعضاء من جنوب السُّودان حُضُّور الاجتِماع بسببِ هذه الحَرب.

بنك التنمية الأفريقي: على خط دعّم الاعتماد المتبادل بين الجنوب والشمال!

بجانب جهود منصور ولوال للحُصُول على تبني حُكومة الجنوب، وسلفا كير شخصياً، لمبادرة فيينا لتُشكِّل الأساس للعلاقات المُستقبليَّة بين الدَّولتين في جنوب وشمال السُّودان، حاولتُّ أنا من جانبي إدخال بنك التنمية الأفريقي على الخط. فقد تعرَّفتُ على السيد دونالد كابيريوكا، رئيس البنك، الذي تعرفتُ به خلال إقامتي بتونس حينما كانت رفيقة عُمري، زينب بشير البكري، تعمل كنائبٍ له. وكُنتُ في الفترة 2007-2011، قد قُمتُ ببعض المهام الاستشاريَّة للبنك، عن طريق عطاءات تنافُسيَّة، في قضايا تتصل بالدول الأفريقيَّة التي تتسِّم أوضاعها السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة بالهشاشة، وتحديد مجالات تدخُّل البنك وما تستدعيه من أدوات. ففي 2 يناير 2007، تلقيتُ رسالة من السيد جيمس واهوم، كبير خُبراء الاقتصاد الكلي، “إدارة سياسات العمليات والتنفيذ”، أبلغني فيها أنَّ “وحدة الدولة الهشَّة والأقطار الخارجة من النزاعات، قد اختارتني، على أساس تنافُسي، لتولي مهمَّة الاستشارة المتعلقة بإعداد المبادئ التوجيهيَّة لآليَّة إعارة المُوظفين المُحترفين إلى الدول الهشَّة الأكثر تهميشاً في أفريقيا، والتي تستغرق سبعين يوماً. بعد الفراغ من هذه المهمَّة، كلفتني “إدارة سياسات العمليات والتنفيذ” بالقيام بدراسةٍ مكتبيَّة وإعداد تقرير للبنك بشأن “إدارةالموارد الطبيعيَّة: تجربة وتحديات الدول الهشَّة الأفريقيَّة”، فرغتُ منه مطلع يونيو 2007. تعرَّفتُ من خلال عملي لأداء هذه المهام على عددٍ من موظفي البنك ممَّن لهُم صِّلة، بحُكم طبيعة عملهم، بالدُّول الهشَّة، ومن بينهم غبرايل نقاتو، وكان حينئذٍ قد أصبح مديراً لإدارة “الحوكمة والإصلاح المالي”. وفي ظهيرة يوم السبت، 7 نوفمبر 2009، دعاني رئيس البنك، دونالد كابريوكا، إلى منزله عن طريق غبرايل نيقاتو الذي اصطحبني في تلك الزيارة. تطرَّقنا في النقاش خلال اللقاء حول الوضع السياسي الحالي في السُّودان وسيناريوهات مستقبل البلاد، خاصة وأنَّ رئيس البنك كان يُعِد لزيارة إلى السُّودان (بالرغم من عدم تمكُّنه من القيام بها)، كما لم أكُف عن موافاته بالتطوُّرات من حينٍ لآخر.

وهكذا، بعد أن صوَّت كل الجنوبيون، تقريباً، لصالح الانفصال في استفتاء التاسع من يناير 2011، كتبتُ إلى رئيس البنك، في 24 يناير 2011، إفادة مختصرة عن الأوضاع في السُّودان، حملت في طيَّاتها خليطاً من خبر سيئ، وآخرٌ طيِّب. فقُلتُ له: «عزيزي السيد الرئيس. سلامٌ من الكويت وسنة جديدة سعيدة! لقد مرَّت فترة من الوقت منذ آخر مرَّة تراسلنا فيها قبل أن نُغادر تونس نهائياً في يونيو الماضي! أنا متأكِّدٌ من أنكم قلقون ومتابعون للتطوُّرات في السُّودان والانفصال الوشيك للجنوب. خفَّت حِدَّة الجَّدل وتبادُل الاتهامات بين الشريكين الحاكمين حول عمليَّة الاستفتاء ونتائجها المُرتقبة، حيث اتضح لقيادة المُؤتمر الوطني أنَّ الانفصال أمرٌ واقِعٌ لا مفرَّ منه! الآن التحدِّي يكمُنُ في حلِّ القضايا العالقة في اتفاق السَّلام الشامل (أبيي، الحُدود، الاستشارات الشعبيَّة في ولايتي جنوب كُردُفان والنيل الأزرق)، وقضايا ما بعد الاستفتاء (النفط، الجنسيَّة المُواطنة، العُملة، الدَّين، الخدمة العامَّة، المعاهدات الدوليَّة، القُوَّات المُدمجة المُشتركة.. الخ). أمَّا النبأ السَّار، فهو أنه يبدو أنَّ هناك تفاهُماً داخل دوائر كُلٍ من المُؤتمر الوطني والحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان حول ضرورة بناء علاقات إستراتيجيَّة ومنظَّمة ومُؤسَّسيَّة بين الكيانين المُستقلين. لقد أدخل النمساويون مفهوم “الاعتماد المتبادل” بين الجنوب والشمال في المجالات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة. من خلال البناء على هذه الاعتمادات المُتبادلة يمكن تحقيق السَّلام المُسّتدام، الهدف الأساس لاتفاقيَّة السَّلام الشامل. ففي هذا السياق، نحنُ الآن مُنخّرِطون في ما أطلقنا عليه اسم “مبادرة فيينا”، في إشارةٍ إلى الاجتماع الأوَّل الذي انعقد في فيينا، في 10-12 نوفمبر، والثاني في الخرطوم في 1 ديسمبر 2010. ومن ثمَّ، تمَّ استضافة فيينا الثالثة من قبل مُفوضيَّة الأمم المتحدة الاقتصاديَّة لأفريقيا (إدارة الحوكمة والإدارة العامة) في 17-18 ديسمبر 2010. وقد شاركتُ في هذا الاجتماع بورقةٍ حول الاعتمادات المُتبادلة في المجالات الاجتماعيَّة. كان للاجتماع أهداف ثلاثيَّة: 1) تحديد الاعتمادات المُتبادلة في المجالات المختلفة، 2) حشد الإجماع حولها، 3) وتحديد المُؤسَّسات والآليَّات والأدوات لتعظيم الفوائد المُشّتركة من هذه الاعتمادات. تجد مبادرة فيينا الدَّعم من القيادة العُليا لكلا شريكي الحُكم، كما تواصلت أيضاً مع العديد من القُوى السياسية الأخرى، بما في ذلك الإمام الصَّادق المهدي وشيخ حسن الترابي، ود. غازي صلاح الدين، من الحكومة، وجميعهم يقرأون من نفس الصفحة. لا شكَّ، إنَّ دعم البنك الأفريقي للتنمية لهذه المُبادرة سيُعطيها ويوفر لها دفعة قويَّة! مع أطيب التحايا، وأتطلع للسماع منك».

اهتمَّ رئيس بنك التنمية برسالتي، فردَّ عليَّ في اليوم التالي مباشرة، 25 يناير 2011، برسالةٍ على الإيميل: «شكرا لك دكتور كمير. تحياتي للعام الجديد. في الواقع، إنها لحظة تاريخيَّة للسُّودان، ولا شكَّ أنَّ الجنوب والشمال سيخدمان شعبيهما على أفضل وجه من خلال تعزيز “الاعتماد المتبادل”. التحدي الذي يواجه جميع أصدقاء السُّودان هُو المُساعدة في تحقيق ذلك. لقد عمل فريق السُّودان لدينا بالبنك مع أصحاب المصلحة الآخرين في هذا الشأن، وأعتقد أننا في مرحلة ما سنحتاج إلى مهاراتك التحليليَّة ومعرفتك العميقة. سأطلبُ من باتي أوفوسو أُماه، مستشاري الذي يعمل في السُّودان أن يتصل بك. شكراً كالعادة على كتاباتك المُفيدة جداً. مع تحياتي. كابيروكا».
/////////////////////

 

 

آراء