زيادة أسعار المحروقات : هل هي الحل؟. … بقلم : تاج السر عثمان

 


 

 


alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]
تواصل حكومة الانقاذ منهجها في حل الأزمة الاقتصادية علي حساب الكادحين الذي يعانون من شظف العيش والمعيشة الضنكة، من خلال الارتفاع المستمر في زيادة الاسعار مع ثبات أجور العاملين. وكان ذلك نتاجا طبيعيا لسياستها الاقتصادية التي انتهجتها منذ بداية انقلاب 30 يونيو 1989م، حيث قامت بتنفيذ سياسة صندوق النقد الدولي، وبطريقة ابشع مما كان يتصور الصندوق نفسه، ورفعت الدعم عن التعليم والصحة، وخفضت قيمة الجنية السوداني، ونفذت برنامج التكيف الهيكلي الذي ادي الي خصخصة مؤسسات القطاع العام مثل: السكة الحديد، مشروع الجزيرة والنقل النهري والنقل الميكانيكي والمخازن والمهمات..الخ، وتشريد الالاف من العاملين. وكان من نتائج ذلك أن تم تدمير القطاعين الزراعي والصناعي، واعتمدت الدولة علي عائدات البترول الذي بدأ تصديره منذ العام 1999م، وحتي عائدات البترول لم يذهب جزء منها لدعم الزراعة والصناعة وخدمات المياه والكهرباء والتعليم والصحة، بل ذهب جله الي جيوب الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية التي كدست ثروات ضخمة من عائدات النفط ونهب مؤسسات القطاع العام، والاعفاءات الجمركية وفساد اجراءات الشراء والتعاقد لمشتروات الحكومة، وتحقيق الأرباح الهائلة من تجارة العملة. حتي ازداد الأغنياء غني والفقراء فقرا ومعاناة بسبب تلك السياسات. ووصلت ديون السودان الخارجية الي 40 مليار دولار، اضافة الي الخلل في الميزانية حيث يذهب 75% منها الي الأمن والدفاع والصرف علي القطاع السيادي وجهاز الدولة المتضخم.
وقبل انفصال الجنوب كانت الحكومة تقلل من خطر الانفصال وتري أنه لن يؤثر اقتصاديا عليها، حتي وقعت طامة الانفصال وفقد الاقتصاد السوداني 75% من احتياطاته النفطية بعد انفصال الجنوب وتقلص الانتاج من 500 الف برميل في اليوم الي 115 الف في اليوم. ازدادت الأزمة الاقتصادية عمقا وارتفع معدل التضخم الي 23 % ، وزاد العجز في ميزان المدفوعات.  وتم تخفيض قيمة الجنية السوداني، حيث ارتفعت قيمة الدولار رسميا من 2,7 جنية الي 4,9 جنية، وهذا القرار يمثل بداية الانهيار للجنية السوداني وللاقتصاد السوداني، ولن يكون حلا للسوق الموازي والذي يتطلب توفير عملات صعبة كافية، وهذا لن يتم الا بالانتاج الصناعي والزراعي اضافة الي فقدان عائدات النفط، وبالتالي نتوقع المزيد من ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنية في الايام القادمة، والمزيد من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، والمزيد من الأعباء علي الفقراء والكادحين وحل الأزمة علي حسابهم.
ومن ضمن الحلول غير المجدية لتجاوز الأزمة تعمل الحكومة علي تنفيذ توصية صندوق النقد الدولي بسحب الدعم عن المنتجات البترولية، رغم أنه لايوجد دعم اصلا، فالحكومة لاتتحمل تكاليف تذكر مقابل الحصول علي خام البترول المنتج محليا، لأنه عبارة عن ريع، ولازال الانتاج المحلي يكفي حاجة الاستهلاك المحلي من البترول. وتوصيات صندوق النقد الدولي الأخيرة كما جاء في صحيفة " سودانايل" بتاريخ 31/5/2012م: هي "سحب الدعم عن المنتجات البترولية، وتطبيق برنامج اصلاح هيكلي شامل متوسط الأجل لتعزيز الاقتصاد"، أي المزيد من الخصخصة وتشريد العاملين وزيادة معاناة المواطنين.
وحسب حديث وزير المالية أنه بزيادة سعر جالون البنزين من 8,5 جنية الي 10 جنية، فسوف تحقق الحكومة عائد يقدر بقيمة 400 مليون جنية، أي بمقدار حجم الدعم، رغم أنه لايوجد دعم. ولكن رفع الدعم عن المحروقات سوف يؤدي الي المزيد من ارتفاع الأسعار، فضلا عن أنه ليس حلا.
ولكن ماهو الحل؟
الحل يكمن في:
* وقف الحرب التي امتدت رقعتها لتشمل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور، وبالتالي يمكن توفير عائد مقدر يساهم في حل الأزمة وتخفيف الأعباء عن الكادحين. 
*تقليص ميزانية الأمن والدفاع، ومخصصات القطاع السيادي التي تستحوذ علي 75% من الميزانية.
*محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة عن طريق التهرب من الضرائب من قبل كبار رجال الاعمال ، والغاء الاعفاءات الجمركية، ووقف التهريب، والغاء الصرف غير الضروري في الميزانية.
* توفير موارد حقيقية وعملات صعبة من خلال دعم الانتاج الصناعي والزراعي، والوصول الي اتفاق مع حكومة الجنوب حول رسوم البترول.
* الدخول في علاقة حسن الجوار مع دولة الجنوب لتبادل المنافع الاقتصادية بين البلدين.
من جرب المجرب..
يقول المثل " من جّرب المّجرب صار عقله مخرب" وهذا ماينطبق علي نظام الانقاذ الذي يسعي الي حتفه بظلفه.  لقد جرب شعب السودان سياسة تخفيض قيمة الجنية السوداني وزيادة أسعار المحروقات في السنوات الأخيرة لحكم الديكتاتور نميري والتي زادت المعاناة علي الجماهير وادت الي ارتفاع الأسعار والمجاعات، وارتفعت ديون السودان الخارجية الي 9 مليار دولار، وتزامن معها مصادرة للحريات ومتاجرة باسم الدين من خلال تطبيق قوانين سبتمبر 1983م، واعدام الشهيد محمود محمد طه ، واشتداد اوار الحرب في الجنوب بعد نقض اتفاقية اديس ابابا، وفقد السودان سيادته الوطنية، اضافة الي الاشتراك في عملية ترحيل الفلاشا. وكانت النتيجة اندلاع انتفاضة مارس- ابريل 1985م التي اطاحت بحكم الفرد.
والآن يتكرر المشهد نفسه، والذي سيؤدي الي سقوط النظام، وبطريقة ابشع من السابق حيث تم تخفيض قيمة الجنية السوداني وتم ارهاق شعب السودان بالضرائب الباهظة حتي اصبحت الحكومة تعتمد علي 70% من ايرادتها علي الضرائب.كما تمت مصادرة حرية الصحافة مثل: مصادرة صحيفة " الميدان" لأكثر من 11 مرة خلال الشهر الماضي ، ومنع بعض الكتاب من الكتابة في الصحف واعتقال بعض الصحفيين والمعارضين السياسيين، واستغلال الدين لمصادرة الحقوق والحريات الأساسية، وتعميق الخطاب العنصري الاستعلائي، والتفاوت الصارخ بين المركز والولايات في الصرف والتنمية والخدمات، اضافة الي اشتداد الحرب في جنوبي كردفان والنيل الأزرق ودارفور، والضغوط الدولية علي النظام حسب قرار مجلس الأمن الأخير.
كل ذلك يوضح أن ازمة النظام باتت عميقة ، وصارت الحياة لاتطاق تحت ظله، وسوف يزيدها زيادة أسعار المحروقات عمقا واتساعا. واصبح الحل هو بناء اوسع جبهة من أجل اسقاط هذا النظام واستعادة الديمقراطية ووقف الحرب وتحسين الاوضاع المعيشية والاوضاع الاقتصادية، والحل الشامل والعادل لمناطق جنوبي كردفان والنيل الأزرق وابيي ودارفور وتحقيق التنمية المتوازنة والتوزيع العادل للسلطة والثروة.   

 

آراء