سابقة قضائية في زمن الفن الأصيل والفهم القانوني الثاقب

 


 

 

رحم الله الفنان المبدع صلاح بن البادية صاحب الصوت الصادح والاناشيد الدينية والمدائح النبوية. فقد كان مبدعاً ذا خامة صوتية نادرة.
ففي عام 1975 أقام مواطن دعوى قضائية مدنية بسبب ما يدعي انه اخلال بالعقد ضد نقابة الفنانين والمبدع الراحل صلاح بن البادية.
والمبادئ القانونية في هذه السابقة القضائية المنشورة في مجلة الاحكام القضائية السودانية 1975 تتعلق بالنواحي الإجرائية في دعوى موضوعها الاخلال بعقد إقامة حفل غنائي في مناسبة اجتماعية وقد ابطلت فيها محكمة استئناف الخرطوم الحكم الغيابي الصادر في مواجهة نقابة الفنانين والفنان صلاح بن البادية وأمرت بإعادة الأوراق لمحكمة الموضوع للنظر فيها بعد الغاء الحكم الغيابي.
والى حيثيات الحكم الصادر في الدعوى.

محكمة الاستئناف
القضاة:
سيادة السيد فاروق أحمد إبراهيم قاضي محكمة الاستئناف رئيسا
سيادة السيد عبد الله الأمين قاضي محكمة الاستئناف عضواً
سيادة السيد عبد الوهاب المبارك قاضي محكمة الاستئناف عضواً
1- نقابة الفنانين
2- صلاح ابن البادية المستأنفان
ضد
إبراهيم علي
المستأنف ضده
م أ/أ س م/812/1975
المبادئ:
إجراءات مدنية – الحكم الغيابي – السبب المعقول للغياب ليس هو الأساس الوحيد لاستبعاده – استبعاده إذا لم تكن هناك بينة كافية تسنده – من النظام العام وللمحكمة إثارته من تلقاء نفسها.
التعويض – التعويض وفق أحكام المسئولية التقصيرية – عدم جواز الحكم به إذا كانت الدعوى مؤسسة على العقد.
1- كفاية السبب المعقول ليست بالشرط الوحيد المطلوب لاستبعاد الحكم الغيابي ويجوز للمحكوم ضده – إن تغيب دون عذر مقبول – أن يطلب استبعاد ذلك الحكم إذا ما ثبت أنه لا يرتكز إلى أية بينة أو أن البينة المقدمة كانت قاصرة مما يستوجب عدم إصداره ابتداء.
2- الدفع بأن الحكم الغيابي لا يرتكز إلى بينة تسنده يعتبر أمراً متعلقاً بالنظام العام ويجوز للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها.

3- لا يجوز المطالبة بتعويض وفق أحكام المسئولية التقصيرية إذا كان سبب الدعوى هو الإخلال بالعقد.
ملحوظة المحرر:
يخالف هذا الحكم حكم محكمة الاستئناف (م أ/ا س م/219/1975) المنشور بهذا العدد المؤيد بواسطة حكم المحكمة العليا رقم (م ع/ط م/150/1976): الشركة السودانية لتأمين العربات ضد ورثة حامد محمد حامد.
المحامون:
حسن نجم الدين لاشين .............. عن المستأنف
حسين أبو زيد........................ عن المستأنف ضده
الحكم
18/12/1975:
القاضي فاروق أحمد إبراهيم:
يعلن محامي المستأنفين في القرار الصادر بتاريخ 1/10/1975 والذي قضى برفض طلب استبعاد الحكم الغيابي الصادر ضد موكليه بتاريخ 30/8/1975.
تتحصل وقائع النزاع في أن المستأنف عليه أقام دعوى ضد المستأنفين لاسترداد مبلغ 500 جنيه عبارة عن تعويض أدبي ومادي ويقول في صحيفة دعواه بأنه قد تعاقد مع المستأنف الأول على أن يقوم المستأنف الثاني بإحياء حفل ساهر بمنزله وانه في تاريخ الحفل فشل المستأنف الثاني في الحضور نتيجة لإهمال عمدي.
في 31/3/1975 أصدرت محكمة الموضوع حكماً غيابيا ضد المستأنفين بعد سماع أقوال المستأنف عليه على اليمين وفيما بعد استبعد ذلك الحكم وتقدم محامي المستأنفين بمذكرة دفاع تحددت بجلسة 30/8/1975 للسماع. وفي تلك الجلسة لم يظهر محامي المستأنفين وظهر محامي المستأنف عليهم وموكله وبعد أن أدلى بأقواله على اليمين أصدرت المحكمة حكماً غيابياً ضد المستأنفين.
جاء في أسباب الاستئناف أنه بتاريخ الجلسة التي صدر فيها الحكم الغيابي كان محامي المستأنفين مريضاً وأنه قد سافر إلى خارج البلاد طلباً للعلاج. ويضيف الطلب بأن محامي المستأنفين قد أوكل محامياً آخر ليباشر أعماله أثناء غيابه وأن الحكم قد صدر حين كان ذلك المحامي في طريقه إلى المحكمة. رد محامي المستأنف عليه مطالباً برفض الاستئناف على أساس أن محامي المستأنفين سبق أن استند إلى واقعة المرض كمبرر لفتح الحكم الغيابي الأول وأنه كان من واجب المحامي الذي أوكله بعد سفره الحرص على حضور جلسة السماع. ويضيف بأن سلوك محامي المستأنفين لم يقصد به سوى التسويف والتعطيل.
لقد حددت المادة 61(3) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1974 شرطين أساسيين لإلغاء الحكم الغيابي وهما: -
1-أن يثبت المحكوم ضده أن الإعلان لم يصله. أو
2- أن هناك سبباً معقولاً حال بينه وبين حضور الجلسة.
وينطبق هذان الشرطان على كل الأحكام الغيابية متى ما أثبت المحكوم ضده أياً منهما دون حاجة للبحث في الأسباب الموضوعية الأخرى.
ولكن كفاية السبب ليست الشرط الوحيد المطلوب لاستبعاد الحكم الغيابي ويجوز للمحكوم ضده إن تغيب بدون عذر مقبول أن يطلب استبعاد ذلك الحكم إذا ما أثبت أنه لا يرتكز إلى أية بينة أو أن البينة المقدمة كانت قاصرة مما يستوجب عدم إصداره ابتداءً بمعنى آخر فإن المحكوم لا يستطيع التمسك بحقه في الحصول على حكم غيابي لمجرد أن المحكوم ضده قد فشل في الحصول دونما عذر مقبول لأن المحكمة في هذه الحالة تكون ملزمة بالاستمرار في سماع الدعوى وتدوين البينات. فإذا ما فشل المحكوم له في تقديم بيناته أو قدم بينة قاصرة لا تصلح كأساس للحكم الغيابي فإن الحكم الصادر بناء عليهما يكون معيباً ويتعين إلغاؤه.
ولتأييد ذلك نشير إلى السابقة القضائية حسن ضوري عبد الجليل ضد شركة مرقص التجارية (مجلة الأحكام القضائية لسنة 1967 صفحة 194) والتي صدر فيها الحكم الغيابي استناداً إلى بينة قدمها المحكوم له وفحواها أنه يطلب المحكوم ضده مبلغاً معيناً على سبيل التعويض بسبب إخلاله بالعقد. وقد ألغت محكمة الاستئناف ذلك الحكم وجاء في أسباب حكمها ما يلي: -
“It is true that Civil Justice Ordinance, S. 69, does not give the Court power to set aside a default decree except on any of the grounds therein mentioned. It is also true that Advocate for Applicant did not assign sufficient cause for his nonappearance on the day fixed for him to appear. But, where, as in the case before us, the default decree was not properly passed in accordance with S. 64(1) (a) the Court will set it aside not because he has satisfied the requirements of S.69 but because of the existence of a just and sufficient cause for sitting it aside because it should not have been passed in the first place. In the circumstances of this case and because of the nature of the issue involved the statement of the plaintiff was too generalized and must be insufficient to support a decree.”
حقيقة أن محامي المستأنفين لم يثر تلك النقطة في صحيفة استئنافه والتي اقتصرت الأسباب الواردة بها على واقعة المرض إلا أنه من رأينا أن نثير من جانبنا باعتبارها من الأمور المتعلقة بالنظام العام. وبالرجوع إلى محضر الدعوى نلاحظ أن الحكم الغيابي قد صدر لمصلحة المستأنف عليه بناء على إفادة عامة فيما يتعلق بالخسائر التي لحقت به ولم يوضح أمام المحكمة تفاصيل تلك الخسائر وكيف وقعت واكتفى بالمطالبة بالمبلغ المحكوم به.
وفي رأينا فإن هذه البينة لا ترقى إلى مرتبة البينة المطلوبة لاستصدار حكم غيابي وكان على المستأنف أن يوضح للمحكمة سبب دعواه وكيف نشأت مسئولية المحكوم ضدها وما هي المستندات التي تؤيد المطالبة بالمبلغ المحكوم به وغيرها من الأدلة المطلوبة لإقناع المحكمة بجدية السبب.
هذا ونلاحظ أن محكمة الموضوع قد حكمت للمستأنف عليه بجزء من المبلغ كتعويض عام بسبب إشانة السمعة التي لحقت به وبأسرته نتيجة إخلال المستأنفين بالعقد. وهذا في رأينا قضاء خاطئ حيث لا تجوز المطالبة بتعويض وفق أحكام المسئولية التقصيرية إذا كان سبب الدعوى هو الإخلال بالعقد أنظر حكومة السودان ضد أحمد عبد الرازق وآخر (مجلة الأحكام القضائية لسنة 1960 صفحة 174).
لهذه الأسباب نرى ان الحكم الغيابي الصادر بتاريخ 30/8/1975 كان معيباً من أساسه ومن ثم يتعين إلغاؤه ونأمر بإعادة الأوراق إلى محكمة الموضع للسير في الدعوى.
لا أمر بشأن الرسوم.
18/12/1975: -
القاضي عبد الله الأمين: -
أوافق.
20/12/1975: -
القاضي عبد الوهاب المبارك: -
أوافق.

حسين ابراهيم علي جادين

amaalga@gmail.com

 

آراء