في مؤتمر صحفي عقد قبل أكثر من عام سأل صحفي أمريكي الرئيس البشير عن مستقبل العلاقات السودانية الفرنسية بعد وصول نيكولاي ساركوزي إلي سدة الرئاسة الفرنسية . تحسر البشير علي ذهاب جاك شيراك الذي وصفه بصديق العرب وقال عن ساركوزي :. الرئيس الجديد يميل نحو المواقف الأمريكية ويتخذ مواقف متشددة ومنحازة ضد العرب وختم حديثه بعبارة مختصرة " الجديد شديد " ،ومنذ وصول ساركوزي إلي سدة الرئاسة إتخذت فرنسا مواقف متشددة ضد الحكومة السودانية وتخلت السياسة الخارجية الفرنسية عن كثير من المواقف الكلاسكية المعروفة. وأبدت الحكومة السودانية أكثر من مرة تبرمها من المواقف الفرنسية ووصل التدهور في العلاقات في العلاقات الثنائية قمته الإسبوع المنصرم بعد التصريحات التي نسبت لمسؤول فرنسي عن تأييد فرنسا القيام بعمل عسكري ضد طائرة الرئيس السوداني في حال مشاركته في قمة الدوحة وكان السفير الفرنسي بالخرطوم قد نفي في حديثه مع المسؤولين في الخارجية السودانية التصريحات المنسوبة للمسؤول الفرنسي وإتهم الصحيفة التي نشرت الحوار بتحريف حديث المسؤول الفرنسي . من جانبها إستبقت الخارجية السودانية لقاء السفير الفرنسي بتصريحات قللت فيها من التصريحات الفرنسية المؤيدة لإختطاف طائرة البشير في حال مشاركته في قمة الدوحة وقال علي الصادق أن إختطاف الطائرة عمل ضد القانون وأضاف أن التصريحات إن صدقت فإن السودان سوف يأخذها بجدية مع الأخذ في الإعتبار أن فرنسا كانت دائماً في المعسكر المعادي للسودان . إذا كانت الحكومة السودانية تصنف فرنسا في خانة الأعداء فالحكومة الفرنسية تري خلاف ذلك ، والتصريحات المنسوبة للمسؤولين الفرنسيين تؤكد حرص باريس علي إقامة علاقة جيدة مع الخرطوم ، ومن قبل ذكرت السفيرة الفرنسية السابقة بالخرطوم في تصريحات صحفية أن فرنسا تتعامل مع السودان كدولة صديقة وتسعي لبناء سودان موحد ، ومستقر ولم تغير موقفها تجاه السودان بل أصبحت باريس أكثر إهتماماً بالسودان بعد وصول ساركوزي الذي أعطي السلام في السودان أولوية خاصة . ومضي السفير الفرنسي الحالي باتريك كولوزو في ذات الإتجاه الفرنسي الذي يبدي الحرص علي العلاقة مع السودان علي الأقل هذا هو الظاهر الذي يحكم تصريحات المسؤولين الفرنسيين وقال باتريك كولوزو لصحيفة "الرأي العام بتاريخ 1/ 3/2009م " ليس من سياسية فرنسا أن تقوم بدعم عسكري مشبوه ضد إستقرار البلدان نحن نشجع ونتابع مفاوضات الدوحة ، العلاقات السودانية الفرنسية قديمة وتاريخية وتلقي الخرطوم باللوم علي باريس لإستضافتها عبد الواحد محمد نور وتري في الموقف الفرنسي من قضية بقاء نور في العاصمة الفرنسية إضراراً بالعملية السلمية في الإقليم المضطرب. هذا بالإضافة إلي المواقف الفرنسية المؤيدة للمحكمة الجنائية الدولية . ولاتزال الأجواء التي صاحبت لقاء البشير وساركوزي في الدوحة قبل مفاوضات الدوحة وقبل قرار الجنائية ماثلة في الأذهان ووقتها كانت الخرطوم تأمل في دعم فرنسي لعملية السلام ولموقفها في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية وقال البشير عقب لقاءه مع ساركوزي : ساركوزي إلتزم بالضغط علي عبد الواحد محمد نور وعدم السماح بأي مراوغة في سلام دارفور وأضاف الحوار أحدث تطوراً إيجابياً في الموقف الفرنسي . ولكن التطور الإيجابي الذي تحدث عنه البشير تبدد في ظرف إسبوع واحد عندما قال ساركوزي في كلمة ألقاها بقصرالأليزيه بمناسبة الذكري الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان : أننا نحتاج إلي الحكومة السودانية من أجل التوصل إلي السلام في دارفورولا أحد يعترض علي ذلك ولكن البشير يملك القليل من الوقت ليقرر وأضاف عليه قبول خيار السلام في دارفور خلال أيام أو مواجهة إتهامات من قبل المحكمة الجنائية الدولية . إنتهي حديث ساركوزي الذي حمل دلالات وإشارات خطيرة وجاءت قرارات الجنائية كما تشتهي سفن ساركوزي أو علي خطي حديثه وأوضحت هذه الجزئية الدور المحوري الخطير الذي تلعبه فرنسا بدارفور . وكان الصحفي الراحل محمد الحسن أحمد قد أعطي حيزاً وأضحاً وكبيراً للدور الفرنسي خلال تحليلاته الساسية وكتب قبل رحيله بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن الدور الفرنسي "علي كل الأطراف المعنية بقضية دارفور أخذ الدور الفرنسي الأساسي في الإعتبار والمطلوب من الحكومة السودانية النظر بعين الإعتبار لأهمية الدور الفرنسي والتعامل معه ليس بعيداً عن التوترات فحسب وإنما بما يحقق السلام المنشود في أقرب فرصة " وإذا رجعنا قليلاً إلي تاريخ العلاقات السودانية الفرنسية نجد أن باريس كانت من أكثر العواصم الغربية إعتدالاً تجاه الخرطوم بل وتعاونت مع الخرطوم في ملفات أمنية حساسة وبلغ التعون الأمني قمته في أغسطس 1994م عندما فوجئ الفرنسيون والعالم أجمع بوزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا يعلن في بيان تداولته مختلف وسائل الإعلام عن إلقاء القبض علي الإرهابي الدولي كارلويس في السودان وترحيله إلي فرنسا وأن العملية تمت بتعاون وتنسيق كامل مع المخابرات السودانية ولكن هذا التعاون الأمني الكبير لم ينعكس بذات المستوي علي الملفات الأخري الإقتصادية والسياسية . ودخلت العلاقة الثنائية بين البلدين في منعطفات حادة بعد وصول ساركوزي إلي قصر الإليزيه ولعبت فرنسا أدواراً أساسية في سيل القرارات الأممية التي صدرت ضد السودان خاصة القرار1593. يقول البروفيسور حسن مكي لا أتوقع حدوث أي إنفراج في العلاقة مع فرنسا في ظل وجود نيكولاي ساركوزي الموالي لأمريكا بصورة أفقدت فرنسا نفوذها حتي في مناطقها التقليدية في تشاد وغيرها من البلدان الأفريقية الفرانكوفونية . كما يري عمر مهاجر الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا حدوث إنعطاف حاد وكبير في السياسة الخارجية الفرنسية وأصبح بموجبها ساركوزي ملكياً أكثر من الملك ويمثل النسخة الأوربية من المحافظين الجدد وإندمج إندماجاً عضوياً في السياسة الأمريكية . ويقول البرفيسور صلاح الدومة أستاذ العلاقات الدولية بعدد من الجامعات والمعاهد السودانية ساركوزي لا يرغب في الإطاحة بهذا النظام ولكنه يعمل علي زيادة الضغوط عليه حتي يمتثل للقرارات الدولية ولكن عمر مهاجر يختلف مع الدومة ويعتقد أن ساركوزي يعمل بالتعون مع أمريكا وعبر دعم حركات التمرد إلي إسقاط النظام . في النهاية تظل الحقيقة الماثلة في أرض الواقع أن العلاقات السودانية الفرنسية علاقة قديمة جداً يجب الحرص علي حمايتها ومن مصلحةالبلدين إقامة علاقات طيبة تستجيب لمصالح الطرفين . hsn455@hotmail.com